الخميس، 3 نوفمبر 2016

الوجود حركة ( 2 )


    ثانيا : وجود الله حركة ( الحركة المطلقة  )
  3- عن حق قد فعلها أبو النسبية أينشتين حينما تراجع عن فكرة كان يعتقد بها أولا وهي إمكانية وجود حركة مطلقة في كوننا الطبيعي ، وقد بلور نظريته في مايفيد بأن كل الحركة في الكون نسبية وكل الأجسام في حالة حركة ولا يمكن رصد حركة جسم من قبل جسم آخر ، فلا يوجد نقطة سكون في الكون كله  ، والحركة هي حركة بانتسابها إلى السكون .
 وأعتقد أن فرضية نقطة السكون المطلق هذه لاتخرج عن كونها أحد احتمالين  - من منظور الوجود النسبي - أولهما وجود ميتافيزيقي لازمكاني وثانيهما العدم . هذا ، ويقدم اللاهوت المسيحي الإجابة الشافية الصحيحة والوحيدة عن سؤال الحركة المطلقة من خلال عقيدة الثالوث القدوس . والوجود  الإلهي  - كما تكشفه عقيدة الثالوث  - هو وجود ديناميكي . وجود قائم على فعل آني ، سرمدي .فيصدر الوجود الالهي ، ذاتيا . أى من  الآب الذاتي ، فى حدث مطلق . فى حركة مطلقة ، هى وجود شخصي ، قائم فى شركة ، لا بداية لها إلا ذاتها ، ولا نهاية لها  إلا ذاتها.   من شخص الآب يصدر الوجود الإلهي ، وهو يصدر الآن وقد كان يصدر منذ الأزل وسيظل يصدر إلى الأبد . وبواسطة شخص الابن يتم قبول كل ملء الآب . يتم قبول كل الجوهر  الإلهي ، فالابن هو الذي دفع إليه كل  ماللآب . وشخص الروح القدس هو شخص الشركة ، شركة الحركة المطلقة بين  الآب والابن ، فهو روح  الآب  وروح الابن  بآن واحد .
 4- إذن  ، ما يجعل الشخص شخصا ، هو ديناميكيته  ؛ فشخص الآب هو الكيان الحر المريد ، الذى يستعلن إرادة الله وهويته فى أن يكون مصدرا لذاته ، فى حدث لا نهائي ، وفعل سرمدي - لا نستطيع  إدراكه ، لطبيعتنا الزمنية - وحركة مطلقة ، لا نستطيع إدراكها لطبيعتنا النسبية .وشخص الابن هو الكيان الحر المريد ، الذى يستعلن إرادة الله فى قبول وجود ذاته ، فى فعل لا نهائي وحركة مطلقة تنبع ، سرمديا ، من أبيه الذاتي .وشخص الروح القدس هو الكيان الحر المريد ، الذي يستعلن إرادة الله فى كونه طبيعة روحية متمايزة تنبثق ذاتيا ، أى من  الآب الذاتي ، لتستقر فى الابن ، فالروح هو شركة ، لأنه روح  الآب وروح الابن . هكذا ينبثق الروح فى حدث لا نهائي ، سرمدي . قد كان هكذا منذ الأزل ، وهو هكذا  الآن ، وسيظل هكذا الى الأبد . هكذا يتحقق الوجود  الإلهي  . الوجود  الإلهي ، القائم فى شركة الثالوث ، هو شركة حركة . الوجود الالهى حقيقة ، لأن الله يوجد ذاته ، دائما ، فى حركة مطلقة . لأنه شخص الآب . وهو حقيقة لأن الله يوجد من ذاته ، دائما ، فى حركة مطلقة . لأنه شخص الابن . وهو حقيقة لأن الله ليس مجرد فكرة بل طبيعة روحية فائقة ومتمايزة ، تفيض من الآب ، فى حركة مطلقة . لأنه شخص الروح القدس . الوجود  الإلهي ، حقيقة ، لأنه حركة لا نهائية للألوهة النابعة من  الآب ، المستقبلة بواسطة الابن ، المستعلنة فى الروح القدس ، وبحسب تعبير العظيم أثناسيوس : ألوهة واحدة من  الآب  بالابن فى الروح القدس .
  5- الأبوة ، المستعلنة  بالآب، هى حركة  إصدار الذات . هى فعل  إيجاد الذات . هى حدث البدء المطلق ، للألوهة.والبنوة ، المستعلنة بالابن ، هى حركة قبول كل ملء الذات . هى فعل قبول الذات . هى حدث الامتلاء المطلق ، للألوهة  والشركة ، المستعلنة بالروح القدس ، هى حركة فيض الذات من نبعها  الذاتي نحو مصبها  الذاتي . هي حدث الفيض المطلق للألوهة.
  6- علاقة المحبة بين شخوص الثالوث ، هى علاقة حركة . وما يكشفه لنا الثالوث هو أن المحبة هى حركة إعطاء الذات . شخص  الآب يعطى كل ملئه - بدون أن يعني ذلك أنه فقد شيئا -  إلى الابن ، فى حركة مطلقة ، لا بداية ، ولا نهاية - زمنية - لها . وشخص الابن يقبل عطية أبيه الذاتي ، كملء له - بدون أن يعني ذلك أنه كان فارغا - فى حركة مطلقة ، لا بداية ، ولا نهاية - زمنية - لها .
 وشخص الروح القدس هو شركة الحب القائمة بين عطاء  الآب وقبول الابن ، فى حركة مطلقة هي فيض لا بداية ، ولا نهاية - زمنية - له .
وليس من قبيل الرومانسية الصوفية أن يضع العهد الجديد تعريفا جامعا مانعا عجيبا للوجود الإلهي مثل " الله محبة " ؛ فالمحبة هنا هي الحركة المطلقة بين شخوص الثالوث ، تلك الحركة التي تكرس – سرمديا- الوجود الإلهي . وإذا كان مفهوم المحبة في  أرقى مستوى إنساني هو إعطاء الذات للآخر أو لحساب الآخر أو في سبيل الآخر، فإن حركة المحبة الثالوثية المطلقة تختلف كليا عن مفهومنا الإنساني اعتمادا على اختلاف مفهوم " الآخر " . فبينما قد يحمل العطاء للآخر الإنساني نهاية وضياعا للذات ، المهددة بوجود الآخر –  فبحسب سارتر " الآخر هو الجحيم " - فإن الثالوث القدوس يكشف عن مضمون مختلف للآخر وهو الآخر الذاتي .فكل شخص ( أقنوم ) يتضمن " الآخر " الذي له نفس " الذات " التي له ؛ فالشخص هوموأوسيوس للآخر .
 حركة عطاء المحبة بين شخوص الثالوث هي حركة  وجود الذات  لأنها حركة إعطاء الذات للآخر  بدون فقدان أو نقصان ، في مقابل أخذ الآخر لهذه الذات بدون  اغتصاب  أو زيادة ، لأن هذا الآخر مستوعب ومحتوى في الشخص المعطي لذاته ، وفيما يعطي فعطاؤه ليس إلى خارجه.
  7- علاقة الضمنية المتبادلة ( الاحتواء المتبادل  =  perichoresis   ) بين شخوص الثالوث ،  هي علاقة حركة . كيف يستوعب ويحتوى كل شخص ، من شخوص الثالوث ، كلا الشخصين الآخرين ، بينما كل من هذين الشخصين ، يستوعبه ويحتويه ، في ذات الحدث ؟ 
   سر الحركة المطلقة العجيب هو استيعاب المستوعب ( بفتح العين ) لمستوعبه ( بكسر العين ) واحتواء المحتوى ( بفتح الحاء ) لمحتويه ( بكسر الحاء ) وتضمن المتضمن ( بفتح الميم ) لمتضمنه ( بكسر الميم ) .
    8- علاقة السببية المتبادلة بين شخوص الثالوث ، هى علاقة حركة . ماذا يعنى أن كل شخص هو " هوموأووسيوس " مع كل من الشخصين  الآخرين ( أى ، له ذات الجوهر الذي لكل منهما ) ؟ .  إن ذلك يعني أن كل شخص هو سبب لوجود الشخصين الآخرين، المتضمنين فيه . فلو لم يكن الله أبا ، لما كان الله  ابنا ، ولا كان الله روحا قدسا . ولو لم يكن الله ابنا ، لما كان الله أبا ، ولا كان روحا قدسا . ولو لم يكن الله روحا قدسا ، لما كان الله أبا ، ولا كان ابنا . فأبوة  الآب تكشف - سببيا - بنوة مستورة ، مولودة منه ، وطبيعة روحية فائقة ، منبثقة منه . وبنوة الابن تكشف - سببيا - أبوة ، مستورة ، كمصدر له ، وطبيعة روحية فائقة ، مستقرة فيه . الطبيعة الروحية الفائقة للروح القدس ، تكشف - سببيا - أبوة مستورة ، ينبثق منها ، وبنوة مستورة ، يستقر فيها .
 ولكننا ينبغي أن نميز بين السببية المتبادلة – التي هي المضمون العملي للاحتواء المتبادل ( perichoresis  ) الذي بين شخوص شركة الثالوث القدوس  - وبين  نوع  آخر من السببية  . فإذا كانت السببية المتبادلة هي طبيعة شركة الأقانيم – إذ أن الثالوث بطبيعته هو  شركة سببية الوجود الإلهي- فإن هناك السببية الوظيفية التي تخص أقنوما معينا  وتحديدا أقنوم الآب . فالآب سبب وجود كل من الابن والروح بفضل طبيعة شخصه وهوية وظيفته الأقنومية التي تميزه عن الأقنومين الآخرين فشخص الآب هو الآب لأنه المصدر والينبوع والأصل .ولكن  لاتناقض بين نوعي السببية ولا تفوق لأي نوع على الآخر ؛ ففيما نعتقد عن حق بأن الآب مصدر للابن بالولادة وللروح  بالانبثاق – ولأنه لايوجد زمان ولا مكان في الحركة المطلقة  - فوجود الآب نفسه ، من وجود الابن ، لأنه لا آب بدون ابن . ووجود الآب نفسه ، من وجود الروح ، لأنه لا آب بدون الروح الذي هو روح الآب . وعليه نقول إذا كانت الهوية الوظيفية لأقنوم الآب تجعله مصدرا للابن والروح  فهذا لايتناقض مع كون أن الهوية السببية لطبيعة شركة الثالوث تجعل أيا من الابن والروح سببا لوجود الآب .

  9- ثنائية الحركة والراصد ، هى طبيعة الحركة النسبية ، التى تدركها خليقتنا . هى طبيعة القوانين التي تهيمن على وجودنا  الطبيعي ، في هذا الكون . والحركة ، كما نختبرها هى نسبية . الحركة - دائما - هى بالنسبة للراصد ، وليست حركة للراصد . نحن لا نستطيع أن ندرك حركة ما  إذا  كنا جزءا من هذه الحركة . لا بد أن يكون راصد الحركة مستقلا عن الحركة المرصودة . هذه هى حركة وجودنا ، الطبيعي، النسبية .أما فيما يخص الحركة التى في شركة الثالوث ، فلا توجد ثنائية الراصد والحركة . فالحركة المطلقة ليست حركة فى الزمان والمكان ، ليست حركة ، يمكن رصدها من خارجها ، بل هى حركة نحو الداخل ، حركة نحو العمق الإلهي،  الذي لا يمكن رصده أو فحصه الا بواسطة روح الله ، الذى يفحص كل شيء حتى أعماق الله .
 10- الحركة النسبية ، كما ندركها ، هى حركة "  الآخر " ، المغاير والمستقل ، عن الراصد . أما في ما يخص الحركة المطلقة ،  فإن ما يكشفه الثالوث ، هو مفهوم "  الآخرية الذاتية " ، فالكيان المستوعب ، بالحركة المطلقة ، ليس مغايرا ، ولا مستقلا ولا منفصلا ، عن راصد الحركة .فبينما يرصد شخص  الآب حركة الذات  الإلهية الصادرة منه ، فالكيان المرصود ليس مغايرا ولا مستقلا ولا منفصلا ، عنه ، كراصد ، بل هو كل ملئه وكل جوهره . هذه  هي الآخرية الذاتية ، كما يكشفها شخص  الآب . وبينما يرصد شخص الابن ، حركة الذات  الإلهية التى يستقبلها ، فالكيان المرصود ، ليس مغايرا ، ولا مستقلا ، ولا منفصلا ، عنه ، كراصد ، بل هو كل ملئه وكل جوهره ، هذه  هي  الآخرية الذاتية ، كما يكشفها شخص الابن .وبينما يرصد شخص الروح القدس ، حركة الذات  الإلهية ، كشركة بين  الآب والابن ، فالكيان المرصود ليس مغايرا ، ولا مستقلا ولا منفصلا ، عنه ، كراصد ، بل هو كل ملئه وكل جوهره . هذه هي الآخرية الذاتية ، كما يكشفها شخص الروح القدس . إذن ، الشخص ( الأقنوم ) هو راصد الحركة المطلقة ، أما الكيان المستوعب بالحركة المطلقة فهو الجوهر ( الذات ) ، الذى هو - في ذات الحدث -كل ملء الشخص ( أي ،كل ملء راصده ) .    
 11- رصد الحركة هو حالة الوعي بالحركة ، وما نختبره بخصوص حركتنا النسبية  هو أمران : الأول هو أن حالة الوعي بالحركة هي حالة مستقلة عن الكيان  المستوعب بالحركة . والثانى هو أن حالة الوعي بالحركة هي حالة سلبية ، محايدة ، بالنسبة للكيان المستوعب بالحركة . فهى مجرد إدراك لحدوث الحركة ، كأمر خارج عن الكيان الواعي بالحركة . أما  بخصوص الحركة المطلقة ، فالأمر جد مختلف ، فبالنسبة للأمر الأول ، ليس الوعي  بالحركة المطلقة  مستقلا و لا منعزلا عن الكيان المستوعب بالحركة المطلقة . وهذا أمر أشرنا اليه فى النقطة السابقة . أما بخصوص الأمر الثاني ،  فإن الوعي بالحركة المطلقة ليس محايدا ولا سلبيا بالنسبة لموضوع الحركة المطلقة ، فالوعي بالحركة المطلقة هو المنشئ والمكرس  لها ، وليس مجرد راصد سلبي لها . فشخص الآب هو الشخص  الذي يعي إصدار الذات الإلهية . وشخص الابن هو الشخص  الذي يعي قبول الذات  الإلهية. وشخص الروح القدس هو الشخص الذي يعي الذات الإلهية ،كشركة بين  الآب والابن . بمعنى أن الثالوث  القدوس يكشف حالة من الاستقطاب الثالوثي للوعي  الإلهي (  إذا جاز التعبير ) ، والشخص ( الأقنوم ) هو الكيان الواعي الذي يستقطب الذات كاملة . وفيما يستقطب شخص ، الوعي الإلهي - من منظور هوية وعيه الخاصة - فهو يستر ويتضمن  في داخله - استقطاب كلا من الشخصين  الآخرين ، للوعي الإلهي  ، كل  من منظور هويه وعيه الخاصة .
 12-  إذن ، الحركة المطلقة هي حركة الوعي الإلهي.  فالأبوة هي حركة وعي البدء اللانهائي للذات  الإلهية . والبنوة هي حركة وعي الامتلاء اللانهائي للذات  الإلهية . وشركة الروح القدس هي حركة وعي الفيض اللانهائي للذات  الإلهية .
   الله هو الكيان الحي الذي يعي حركة بدئه الذاتي . هذا هو ما يستعلنه شخص   الآب. الله هو الكيان الحي الذي يعي حركة امتلائه الذاتي . هذا هو ما يستعلنه شخص الابن . الله هو الكيان الحي الذي يعي حركة فيضه الذاتي ، كشركة بين  الآب والابن . هذا هو ما يستعلنه شخص الروح القدس .
 13- لذلك ، فبينما يعطي  الآب كل ملئه  إلى ابنه الذاتي ، فحركة العطاء ، هذه ، ليست موجهة  إلى الخارج ، بل  إلى شخص الابن ، المستوعب ( بفتح العين ) داخل  الآب ، والمستوعب ( بكسر العين )  للآب،  بآن واحد . هى حركة موجهة  إلى الداخل ،  إلى العمق  الإلهي . وبينما يقبل الابن عطية أبيه الذاتي ، فحركة القبول ، هذه ، ليست موجهة  إلى الخارج ، بل  إلى شخص الآب ، المستوعب ( بفتح العين ) داخل الابن ، والمستوعب ( بكسر العين ) للآب ،  بآن واحد .  هي حركة موجهة  إلى الداخل ،  إلى العمق الالهي. وحينما يستعلن الروح القدس الوجود  الإلهي ، كشركة بين عطية الآب وقبول الابن ، فحركة هذا الفيض ، المنبثق من الآب ، ليست موجهة إلى الخارج ، بل إلى طرفى الشركة ، المستوعبين ( بفتح العين ) داخل الروح القدس ، أي الآب والابن ، والمستوعبين ( بكسر العين ) - كل منهما - له ،  بآن واحد . هى حركة موجهة  إلى الداخل ،  إلى العمق  الإلهي . خروج الكل من الكل - بالنسبة للابن بالولادة ، وللروح القدس بالانبثاق - بدون فقد من  الآب أو إضافة  للابن أو للروح  -  هو الحركة المطلقة ، التى يتحقق بها الوجود  الإلهي .
 14- الحركة المطلقة هي حركة تجاوز الذات ( ecstasy)  أو (ekstasis  ) والأقنوم ( الشخص ) هو الكيان الذي يتجاوز ذاته ، بذاته ، نحو ذاته . ففيما يتجاوز شخص الآب  الذات الإلهية، كمصدر وكمنبع لها ، فهو يصنع ذلك  دائما - وبصفة مطلقة - بينما كل جوهره وكل ملئه  هو نفس الذات التي يتجاوزها . وفيما يتجاوز شخص الابن  الذات الإلهية كمستقبل لها ، فهو يصنع ذلك  دائما - وبصفة مطلقة - بينما كل جوهره  وكل ملئه ، هو نفس الذات التي يتجاوزها. وفيما يتجاوز شخص الروح القدس  الذات الإلهية، كشركة  بين الآب والابن ، فهو يصنع ذلك ، دائما - وبصفة مطلقة - بينما كل جوهره  وكل ملئه ، هو نفس الذات التي يتجاوزها . مسألة تجاوز الذات لايمكن فهمها بدون فهم طبيعة العلاقة بين الشخص ( الأقنوم ) والجوهر ( الذات ) . ومنطلقنا للفهم هو  الصيغة الآبائية  ، الكلاسيكية : "  جوهر واحد  - ثلاثة اقانيم "   mia ousia treis hypostaseis  ". وبالتأكيد لاتصب العبارة في معنى الإحصاء العددي لما هو مختلف بل على العكس فإن المضمون العميق هو " جوهر واحد لثلاثة أقانيم "، أو " جوهر واحد في ثلاثة أقانيم " ـ فالجوهر هو جوهر كل أقنوم من الأقانيم الثلاثة . وكل أقنوم له ذات الجوهر الذي لكل أقنوم من الأقنومين الآخرين المتضمنين فيه . وعليه فإن جوهر الآب هو جوهر الابن هو جوهر الروح القدس . الجوهر لا يوجد إلا مؤقنما ( مشخصنا ) ، والأقنوم لا يوجد إلا مشتركا مع الأقنومين الآخرين المتضمنين داخله . فالجوهر بدون الأقنوم طبيعة عارية لاوجود لها، والأقنوم بدون الجوهر كيان فارغ لاوجود له .  و الشخص يسبق الجوهر ، بمعنى أن الله وجود شخصي وليس مجرد طبيعة إلهية حية.وأقنوميته تسبق جوهريته . والأقنمة هي حركة تجاوز الذات من قبل الأقنوم  . وباختصار شديد نستطيع أن نقول بأن الحركة المطلقة هي حدث وفعل الأقنمة السرمدية للجوهر الإلهي .
 15- الحركة  كما ندركها ، بطبيعتنا الزمكانية ، هي إزاحة للزمان وللمكان . فمسافة معينة إنما  يتم قطعها  فى زمن معين ، أي بسرعة معينة . هذه هي الحركة النسبية ، حركة وجودنا الطبيعى . أما الحركة المطلقة فهي ليست بأي حال من الأحوال إزاحة زمكانية بل هي إزاحة سرمدية للعدم يضطلع بها الأقنوم لحساب وجود الذات . الحركة المطلقة هى حركة انطلاق الوجود الإلهي بإرادة وبمبادرة ذاتية . هذا ما يستعلنه شخص  الآب . وهي حركة قبول الوجود الإلهي بإرادة وبمبادرة ذاتية . هذا ما يستعلنه شخص الابن . وهي حركة فيض الوجود الإلهي، الصادر ذاتيا، والمستقر ذاتيا . هذا ما يستعلنه شخص الروح القدس الذي هو روح الآب وروح الابن بآن واحد .
مجدي داود

ليست هناك تعليقات: