علاقة المفهوم بالنص ( 3 )
"
ضد المسيح "
في غيبة المفهوم الصحيح - الذي
وراء النص – يصبح النص بابا للضلال والإضلال بل وللخرافة أيضا. حدث هذا مع فخ نص
" الباقين إلى مجيء الرب"، في الرسالة الأولى إلى تسالونيكي؛ فاتهم
الرسول بولس بأنه قد توهم بتمام مجيء الرب
في عصره، وحدث أيضا بخصوص نص تسالونيكي الثانية بمناسبة الحديث عن " إنسان
الخطية، ابن الهلاك ، المقاوم الذي يجلس في هيكل الله ويرتفع على كل مايدعى إلها
"، وحيكت القصص والخرافات والاسقاطات
التاريخية وإلى الآن مانزال لانعرف من هو
ابن الخطية. وفي هذا المقال نحن نتصدى لفخ آخر ينطبق عليه نفس الأمر ، " ضد
المسيح "، فقد حيكت أيضا بخصوصه الخرافات والاسقاطات التاريخية بدءا من مظنة
كونه نيرونا إلى كونه هتلرا مرورا بتاريخ الهرطقات التي حاربت ألوهة المسيح، هذا
فضلا عن أشياء أخر كثيرة. وواقع الحال هو أن النص المقدس ليس مجرد كلمات تعني ماقد
يتفق أن تهضمه عقولنا على أي منحى ولكنه روح وحياة، سياق كيفية أن يؤتى بالنعمة
إلينا في المسيح. ليس للكتاب هدف آخر وليس من أولوياته أن ينبئنا بما سوف يحدث لنا
في آتي الأيام حتى نهاية العالم. النبوة في العهد الجديد لا تأتي بجديد لا نعرفه
في المستقبل ولكنها تكشف كيفية شهادتنا ليسوع، وبحسب يوحنا في رؤياه " شهادة
يسوع هي روح النبوة "وشهادة يسوع تعني أن نصير جميعا كنيسة واحدة في المسيح
ليشهد كل عضو منا أنه ينتمي إلى ذات الجسد الذي رأسه يسوع التاريخي، الأمر الذي
إذا تم في الجميع فإذذاك يقال أنه قد تم مجيء الرب. وهنا يصل بنا الحديث إلى أعتاب قضية " ضد
المسيح ". ومن المنطقي أنه قبل
الحديث عن ضد الشيء لابد من أن نعرف ماهية الشيء، أي أنه قبل الحديث عن ضد المسيح
قد توجب أن نعرف من هو المسيح ! إذا كان المسيح شخصا عاديا – من منظور كلمة شخص –
أحاديا ، كشخص الرب يسوع التاريخي العائد ثانية إلى كوكبنا - بحسب المفهوم الخاطئ
، فضد المسيح بالتبعية سيكون شخصا تاريخيا ، كأحد الهراطقة ، أو أحد الشخصيات
التاريخية، مثلا، ولكن إذا كان المسيح هو ذلك الشخص الكاثوليكي الذي يأتي الآن في
الكنيسة إلى أن ينتهي مجيئه بنهاية الزمان والمكان المعينين لتكميله، فبالتبعية لن
نستطيع أن نتعامل مع " ضد المسيح" من خلال الإسقاطات التاريخية
والحسابات الطلسمية ( إذا جاز التعبير ). ثم ماهي طبيعة الصراع والحرب التي من
الممكن أن يشنها ضد المسيح مع شخص يأتي تراكميا في الزمان والمكان، حتى نهاية
الزمان والمكان؟ في أية مرحلة تاريخية من مرحل نمو كيان المسيح سوف يتصدى له ضد
المسيح ؟ أم أنه سوف يحاربه في كل الزمان وكل المكان؟ كيف لنا أن نفهم ماهيتة ؟
على أنه كان من الممكن النجاة من
الوقوع في فخ "ضد المسيح" مقارنة بفخ "ابن الهلاك"؛ فالنص في
الأخير محكم للغاية في إمكانية انطباقه على شخص معين، أما نص ضد المسيح ففيه بعض السعة
من حيث التعميم، والتنويه بوجود أضداد للمسيح، وبوجود ضد المسيح في العالم الآن.
وقد كان هذا مدعاة لقليل من التحفظ وعدم التسرع في البحث عن شخصية محددة يتم اسقاط
" ضد المسيح " عليها، وهذا للأسف لم يحدث.
نصان من يوحنا الأولى
لم يذكر " ضد المسيح "
إلا في الرسالة الأولى ليوحنا اللاهوتي، في :
1- من يوحنا الأولى 2
"
وَبِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا قَدْ عَرَفْنَاهُ: إِنْ حَفِظْنَا وَصَايَاهُ. مَنْ قَالَ:
«قَدْ عَرَفْتُهُ» وَهُوَ لاَ يَحْفَظُ وَصَايَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ وَلَيْسَ الْحَقُّ
فِيهِ. وَأَمَّا مَنْ حَفِظَ كَلِمَتَهُ، فَحَقًّا فِي هذَا قَدْ تَكَمَّلَتْ مَحَبَّةُ
اللهِ. بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا فِيهِ: مَنْ قَالَ: إِنَّهُ ثَابِتٌ فِيهِ
يَنْبَغِي أَنَّهُ كَمَا سَلَكَ ذَاكَ هكَذَا يَسْلُكُ هُوَ أَيْضًا. . . أَيْضًا وَصِيَّةً
جَدِيدَةً أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ، مَا هُوَ حَقٌ فِيهِ وَفِيكُمْ: أَنَّ الظُّلْمَةَ
قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ ... مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ
وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ. وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ
أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ
يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ... لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي
فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ.
لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ
الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي
يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. أَيُّهَا الأَوْلاَدُ هِيَ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ.
وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ ضِدَّ الْمَسِيحِ يَأْتِي، قَدْ صَارَ الآنَ أَضْدَادٌ
لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ. مِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ.
مِنَّا خَرَجُوا، لكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا
لَبَقُوا مَعَنَا. لكِنْ لِيُظْهَرُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا جَمِيعُهُمْ مِنَّا. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ
الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ. لَمْ أَكْتُبْ إِلَيْكُمْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ
تَعْلَمُونَ الْحَقَّ، بَلْ لأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَهُ، وَأَنَّ كُلَّ كَذِبٍ لَيْسَ
مِنَ الْحَقِّ. مَنْ هُوَ الْكَذَّابُ، إِلاَّ الَّذِي يُنْكِرُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ
الْمَسِيحُ؟ هذَا هُوَ ضِدُّ الْمَسِيحِ، الَّذِي يُنْكِرُ الآبَ وَالابْنَ.
كُلُّ مَنْ يُنْكِرُ الابْنَ لَيْسَ لَهُ الآبُ أَيْضًا، وَمَنْ يَعْتَرِفُ بِالابْنِ
فَلَهُ الآبُ أَيْضًا. أَمَّا أَنْتُمْ فَمَا
سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ فَلْيَثْبُتْ إِذًا فِيكُمْ. إِنْ ثَبَتَ
فِيكُمْ مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ، فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَثْبُتُونَ فِي
الابْنِ وَفِي الآبِ. وَهذَا هُوَ الْوَعْدُ الَّذِي وَعَدَنَا هُوَ بِهِ: الْحَيَاةُ
الأَبَدِيَّةُ. كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ هذَا عَنِ الَّذِينَ يُضِلُّونَكُمْ. وَأَمَّا
أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ،
وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ، بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هذِهِ
الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ حَقٌ وَلَيْسَتْ كَذِبًا. كَمَا عَلَّمَتْكُمْ
تَثْبُتُونَ فِيهِ. وَالآنَ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اثْبُتُوا فِيهِ،
حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ".
2- من يوحنا الأولى 4
" بِهذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ:
كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ
فَهُوَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ
جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ
الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِي، وَالآنَ هُوَ فِي الْعَالَمِ. .. هُمْ مِنَ الْعَالَمِ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ يَتَكَلَّمُونَ
مِنَ الْعَالَمِ، وَالْعَالَمُ يَسْمَعُ لَهُمْ. نَحْنُ مِنَ اللهِ. فَمَنْ يَعْرِفُ
اللهَ يَسْمَعُ لَنَا، وَمَنْ لَيْسَ مِنَ اللهِ لاَ يَسْمَعُ لَنَا. مِنْ هذَا نَعْرِفُ
رُوحَ الْحَقِّ وَرُوحَ الضَّلاَلِ. أَيُّهَا
الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ،
وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. وَمَنْ لاَ يُحِبُّ
لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ
اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ
نَحْيَا بِهِ. فِي هذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ،
بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا. .. اَللهُ لَمْ يَنْظُرْهُ أَحَدٌ قَطُّ. إِنْ أَحَبَّ
بَعْضُنَا بَعْضًا، فَاللهُ يَثْبُتُ فِينَا، وَمَحَبَّتُهُ قَدْ تَكَمَّلَتْ
فِينَا. بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا: أَنَّهُ قَدْ
أَعْطَانَا مِنْ رُوحِهِ... مَنِ اعْتَرَفَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ،
فَاللهُ يَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِي اللهِ. وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ
الَّتِي للهِ فِينَا. اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ،
يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ. بِهذَا تَكَمَّلَتِ الْمَحَبَّةُ فِينَا: أَنْ يَكُونَ
لَنَا ثِقَةٌ فِي يَوْمِ الدِّينِ، لأَنَّهُ كَمَا هُوَ فِي هذَا الْعَالَمِ، هكَذَا
نَحْنُ أَيْضًا..."
تعليقات وملحوظات
لغة السياق
1- بالإضافة إلى أن " ضد
المسيح " لم يذكر في النص إلا بطريقة ثانوية -على خلفية الموضوع الأصلي الذي
يخدمه سياق النص - فهو لم يظهر محسوما
موقفه كشخص واحد معين، بل تطرق النص إلى إمكانية وجود أضداد للمسيح كثيرين بل ونوه
يوحنا بوجوده في العالم الآن،وقد كان من الممكن ان يكون هذا بمثابة طوق النجاة أمام المفسرين للهروب من الوقوع في فخ البحث عن شخص يمثل ضد المسيح؛ فإمكانية تعدد ضد المسيح تجعل منه " مفهوما "وليس " شخصا "، تجعله هوية طبيعية وليس هوية شخصية. فلماذا إذن الاندفاع وراء استنطاق النص بالأساطير والخرافات ؟ أما كان من الأجدى ربط مفهوم ضد المسيح بمحور ولب الحديث الإيجابي في النص، أي الحياة في المسيح، وبالتالي يتبلور مفهوم ذاك كآخر، كضد المسيح ؟
2 - لم يتطرق النصان إلى أية ظروف
أو ملابسات أو أحداث تاريخية مستقبلية أو
أية نبوات اسخاطولوجية، لكن الحديث كله ينصب على عمق الحياة في المسيح، وافتراض أن ضد المسيح شخص حقيقي يجعله نغمة نشازا وسط معزوفة لحن الحياة في المسيح؛ فإذ بنا نختطف من ذلك الشرير الذي يقتحمنا في النص بدون أي سبب منطقي. وإذا قال قائل : ربما جاء ذكر ضد المسيح - الشخص المفترض - من باب التحذير، والسؤال هو التحذير من ماذا؟ هو مضل وكاذب، وواضح في كذبه وفي إضلاله - كما يفترض- وبالتأكيد فإن خطره كشخص، على الكنيسة ، غير ذي بال؛ فليست الكنيسة - حتى كمؤسسة زمانية- بهذه الهشاشة التي إذا جاء شخص في زمن ما وأراد تضليلها لتترك المسيح، أن يكون الأمر جللا ومدعاة لتحذير يوحنا، إلا إذا كان الأمر أخطر من ذلك بكثير، ويتخطى كونه شخصا إلى كونه حالة أعمق تعوق شهادة يسوع في الكنيسة وتعوق امتداد مجيئه فيها وليس مجرد تضليلا فكريا ساذجا.
3- القضية الأساسية في النصين هي
ثبات الكنيسة في المسيح، الذي هو تعبير آخر عن مجيء الرب في الكنيسة :" وَالآنَ
أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اثْبُتُوا فِيهِ، حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ،
وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ"( 1يو2: 28 ) .هذا ولم تتكرر كلمة أو
معنى – في النصين – مثلما تكررت كلمة ومعنى " الثبات " ، فهي التيمة
الأساسية، وهي محور النصين ؛ الثبات في الله، الثالوث، في النور ، في المحبة.
والثبات متبادل وليس من طرف واحد، ف" اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ،
يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ "(1يو4: 16 ).
جوهر حديث يوحنا، إذن ، هو ذلك الثبات في المسيح
الذي يعني تطبيق نموذج يسوع في الكنيسة:" وَأَمَّا مَنْ حَفِظَ كَلِمَتَهُ، فَحَقًّا
فِي هذَا قَدْ تَكَمَّلَتْ مَحَبَّةُ اللهِ. بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا فِيهِ: مَنْ
قَالَ: إِنَّهُ ثَابِتٌ فِيهِ يَنْبَغِي أَنَّهُ كَمَا سَلَكَ ذَاكَ هكَذَا يَسْلُكُ
هُوَ أَيْضًا"( 1يو2: 5و6 ).
ماهية ضد المسيح
1- في عبارة واضحة ومباشرة وصريحة
يقدم الرسول يوحنا اللاهوتي إجابة لسؤال الهوية بخصوص مايدعى " ضد المسيح
"، فيكتب: " مَنْ هُوَ الْكَذَّابُ،
إِلاَّ الَّذِي يُنْكِرُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ؟ هذَا هُوَ ضِدُّ الْمَسِيحِ،
الَّذِي يُنْكِرُ الآبَ وَالابْنَ "( 1يو2: 22 ). هو إذن ذلك الذي ينكر أن
يسوع، الكلمة المتجسد في التاريخ هو ذاته الذي يأتي الآن ممتدا متعاظما صائرا
كيانا جماعيا ضخما يضم الكنيسة، اسمه المسيح.
2- ولكن لكي يتبلور مفهوم الانكار
يدخلنا يوحنا في دراسة مقارنة مع مفهوم الاعتراف فيكتب : " كُلُّ رُوحٍ
يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ (ihsoun criston
) أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ
(ton ihsoun )أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهذَا هُوَ
رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِي، وَالآنَ هُوَ فِي الْعَالَمِ"(
1يو4: 2و3 ).والملحوظة العجيبة في النص هي ورود الاسم المركب"يسوع المسيح
"بدون تعريف للاسمين، في حديث اعتراف الكنيسة، وورود الاسم معرفا في حديث
انكار ضد المسيح. والتنكير للاسم - في يونانية العهد الجديد – يشير إلى الحالة
النعموية، الآنية، المفتوحة. وعليه فإن صيغة " يسوع المسيح "، بهذا
الوضع، من الممكن أن نطلق عليها " الصيغة المجيئية "، الآنية. واعتراف
الكنيسة بيسوع المسيح هو قبول مجيء الرب، ذلك الحدث المنطلق من يسوع التاريخي حتى
اكتمال المسيح الآتي في كل التاريخ إلى نهايته؛ لذلك إذا رجعنا إلى النصوص
المجيئية في مواضع مختلفة سنجد تعبيرا محوريا متكررا هو " استعلان (
ظهور ) يسوع المسيح ( بالصيغة التي نتحدث عنها )". أما تعريف
الاسم في يونانية العهد الجديد فيشير إلى الشخص المستقل، يشير إلى حالة مغلقة
منعزلة في مواجهة متلقي الحديث. هذا ماقد حدث بخصوص انكار ضد المسيح؛ حيث ورد الاسم
معرفا؛ فموقف ضد المسيح هو الرفض الكامل للشخص، وليس هناك ثمة علاقة آنية مفتوحة
مثلما الحال بالنسبة لموقف الكنيسة.
والملحوظة الثانية بالغة الاهمية هي أن قضية الاعتراف والإنكار قضية أرواح، والأمر المطروح بإلحاح هو امتحان الأرواح: هل هي من الله أم ليست من الله؟ ضد المسيح روح- وهذه هي المفاجأة - وهو ليس شخصا تاريخيا بل روح وهو -الآن - في العالم. وسياق العبارة الكاملة كما يكتب يوحنا هو:" أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا
كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ
كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى الْعَالَمِ. بِهذَا تَعْرِفُونَ رُوحَ اللهِ:
كُلُّ رُوحٍ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ
مِنَ اللهِ، وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ
بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهذَا
هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِي، وَالآنَ هُوَ فِي
الْعَالَمِ"( 1يو4: 1-3 ). وإذا كان كل من " من يعترف بيسوع المسيح " و"ضد المسيح" قد أدرج تحت لافتة " روح "، فلماذا ينظر إلى ضد المسيح كشخص طبيعي معين ولا يحدث الأمر المماثل بالنسبة لمن يعترف بيسوع المسيح ؟ ألا ينطبق نفس الوضع على الروح الذي ينكر، ضد المسيح، فلا نعتبره شخصا معينا بل توجها يشمل اولئك الذين ارتدوا وخرجوا من سياق مجيء الكنيسة؟
3- انكار ضد المسيح، وعدم اعترافه
بأن يسوع هو المسيح، هو رفضه الثبات في المسيح - التي هي القضية الأساسية في
النصين – هو رفضه لمجيء الرب فيه واعتزاله عنه وتمرده عليه، هو رفضه المسحة التي
فيها يصير الجميع مسيحا واحدا هو المسيح الآتي الآن، وفي هذا يكتب يوحنا: " أَيُّهَا الأَوْلاَدُ هِيَ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ.
وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ ضِدَّ الْمَسِيحِ يَأْتِي، قَدْ صَارَ الآنَ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ
كَثِيرُونَ. مِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. مِنَّا خَرَجُوا،
لكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا.
لكِنْ لِيُظْهَرُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا جَمِيعُهُمْ مِنَّا. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ
مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ"( 1يو 2: 18- 20 ).
4- الإنكار - في النص المجيئي عند
يوحنا - هو المرادف للارتداد - في النص المجيئي عند بولس. كما أن ضد المسيح عند
يوحنا، هو إنسان الخطية ، ابن الهلاك، عند بولس، فيكتب بولس: " لأَنَّهُ بَعْدَ
قَلِيل جِدًّا «سَيَأْتِي الآتِي وَلاَ يُبْطِئُ. أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ
يَحْيَا، وَإِنِ ارْتَدَّ لاَ تُسَرَّ بِهِ نَفْسِي». وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا مِنَ الارْتِدَادِ لِلْهَلاَكِ،
بَلْ مِنَ الإِيمَانِ لاقْتِنَاءِ النَّفْسِ"( عب10: 37- 39 ). ويكتب أيضا: "
لاَ يَخْدَعَنَّكُمْ أَحَدٌ عَلَى طَرِيقَةٍ مَا، لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي إِنْ لَمْ يَأْتِ
الارْتِدَادُ أَوَّلًا، وَيُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ،
الْمُقَاوِمُ وَالْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلهًا أَوْ مَعْبُودًا، حَتَّى
إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلهٍ، مُظْهِرًا نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلهٌ"(
2تس2: 3و4 ).
5- ضد المسيح - بحسب يوحنا - الذي هو إنسان الخطية - بحسب بولس- ليس شخصا تاريخيا، سوف يأتي به
مستقبل الأيام ولكنه الطبيعة الإنسانية العتيقة المنحدرة نحو الموت في مقابل
الطبيعة الجديدة الآتية في المسيح الآتي.
هو هبوط رافضي الرب ، في مجيئه، في مقابل صعود الكنيسة فيه. هو هذا الفريق الذي
أحب العالم رافضا مجد الله، فكتب يوحنا محذرا من هذا المصير:" لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ
وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ
فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ
الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. وَالْعَالَمُ
يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى
الأَبَدِ. أَيُّهَا الأَوْلاَدُ هِيَ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ
ضِدَّ الْمَسِيحِ يَأْتِي، قَدْ صَارَ الآنَ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ. مِنْ
هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ"( 1يو2: 15- 18 ).
لذلك دعي ضد المسيح لأنه يستعلن
كل ماهو معاكس ومضاد لهوية المسيح؛ فبينما الأخير شخص يستوعب الجميع في الخليقة
الجديدة الكائنة في جسده، فضد المسيح خليقة عتيقة منحدرة بأصحابها نحو الموت لرفض
أصحابها الثبات في المسيح، بمجيئه فيهم. المسيح يجمع للحياة وضد المسيح يبدد
للموت. في المسيح تجيء الكنيسة وفي ضد المسيح يرتدون عن الكنيسة. المسيح مملكة الأحياء
من البشر وضد المسيح مجتمع الهالكين من البشر. المسيح هو الحق وضد المسيح هو
الكذاب. الضدية في " ضد المسيح " هي ضدية الهوية وليست ضدية العدائية.
6- والآن لنا أن نسأل : ماذا لو
افترضنا أن مجيء الرب هو مجيء يسوع التاريخي إلى عالمنا مرة ثانية بمجد عظيم ، كيف
لنا أن نرى " ضد المسيح "؟ هل نستطيع أن ننكر أننا كنا لا نزال نبحث عن
ضد المسيح ، هل هو نيرون أم هتلر أم أي شخص تاريخي آخر؟ هل من الممكن ان ننجو من
هذا الفخ في غيبة مفهوم صحيح عن شخص المسيح نفسه؟ هل نستطيع أن ندرك من هو ضد
المسيح في غيبة إدراكنا لمن هو المسيح ؟وإذا كان المسيح شخصا أحاديا سيأتي يوما
ما، ألن يكون ساعتئذ أن ضد المسيح شخص تاريخي أيضا يأتي ليصنع كل مايناهض عمل
المسيح ؟ ليتنا نفهم فنسمع " مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ "(
رؤ3: 6 )، فننجو من فخ " أَشْيَاءُ عَسِرَةُ
الْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ، كَبَاقِي الْكُتُبِ
أَيْضًا، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ"( 2بط3: 16 ).
خلاصة
إذا
كان المسيح، ابن الإنسان، الكلمة المتجسد في البشر، ليس مجرد شخص تاريخي بل هو
الشخص العابر – والمخترق – لكل التاريخ مجتلبا الأعضاء المالئين لجسده، أي
الكنيسة، فإن ضد المسيح ، أيضا، ليس شخصا تاريخيا يمكن رصده في زمن معين بل هو
الوجود المتخلى عنه في أعضاء الكنيسة لحساب الوجود في المسيح؛ فضد المسيح هو
الإنسان العتيق الذي يموت مع المسيح لحساب الجديد، الذي في المسيح؛ "لأَنَّهُ
إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا
بِقِيَامَتِهِ. عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ
لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ.
لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ. فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا
مَعَ الْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ"( رو6: 5- 8 ).
وكتابيا،
إذا ورد ذكر مصطلح مثل : " الإنسان الجديد"، كما في: ( أف4: 24 ) أو
" الإنسان الروحاني كما في: ( 1كو15: 46 )" أو " الإنسان السماوي"،
كما في: ( 1كو15: 48و 49 )" الإنسان الداخل "، كما
في: ( 2كو4: 16 ) أو " الإنسان الباطن " ،كما في: ( أف3: 16 ) أو"
الخليقة الجديدة "، كما في: ( 2كو5: 17 ) ، فإن المقصود هو ذات الأمر أي
الوجود الإنساني الجديد عديم الفساد الكائن في المسيح والمنتمي عضويا إليه. ومن الناحية الأخرى إذا
ذكر مصطلح مثل : " الإنسان العتيق " ،كما في: ( أف 4: 22 ) أو الإنسان
الترابي، " كما في: ( 1كو15: 47- 49 ) أو "
الحيواني، " كما في: (1كو15: 46 ) أو " الإنسان الطبيعي " ، كما في:
( 1كو2: 14 ) أو" الإنسان الخارج "، كما في: ( 2كو4: 16 ) أو " الأثيم "، كما في: ( 2تس 2: 8 ) أو " إنسان الخطية
" ،كما في: ( 2تس 2: 3 ) أو " ابن الهلاك "، كما
في: ( 2تس 2: 3 ) ، فإن المقصود هو ذات
الأمر، أي الكيان والوجود " المقاوم " ( 2تس2: 4 ) للوجود في المسيح أو
" ضد المسيح ". إذن
لدينا في كياننا الإنساني طبيعتان متناقضتان تعتملان في اتجاهين متعاكسين؛ الطبيعة
المرجوة عديمة الفساد، والثانية الطبيعة الفاسدة الفانية. الأولى هي الإنسان
الجديد الذي "يتجدد يوما فيوما في الداخل" (2كو4: 16 ) لحساب تكميل كيان المسيح بأعضاء الكنيسة والثانية
هي الإنسان العتيق الذي يحاول جاهدا مقاومة تكميل كل عضو وبالتالي يقاوم تكميل
كيان المسيح الممتلئ بالكنيسة، وبين حركة ال " مع " وال " ضد
" هذه، يتجلى المشهد الذي يوصف الصراع الكياني الإنساني التاريخي بين "
المسيح " و " ضد المسيح "؛ فإذا كان كل منا بعضا من المسيح - باعتباره
عضوا في جسده – فإن عضويتنا هذه قد تمت على أنقاض " ضد المسيح " الذي كان قابعا في
كياننا قبل أن نصير متموقعين في كيان المسيح.
خلاصة
الخلاصة
إذا كنا موجودين في المسيح، بالحقيقة، كأعضاء
في جسده ، وبالتالي فإن وجودنا فيه يمثل بعضا من وجوده الكامل الممتلئ بالكنيسة -
فضد المسيح مهزوم فينا، وفاشل تماما في أن يجعلنا نرتد عن وجودنا في الرب؛ إذ قد كنا - من قبل - بعضا من ضد المسيح، فلما لبسنا
المسيح صرنا بعضا من المسيح ومات فينا ضد المسيح. المسألة إذن هي : إما أن تكون
محسوبا على المسيح ، في سياق استعلانه كشخص كامل ، أو أن تكون محسوبا على ضد
المسيح، في سياق استعلانه كحصيد للارتداد عن الوجود في الرب، " لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي
( يوم المسيح ) إِنْ لَمْ يَأْتِ الارْتِدَادُ أَوَّلًا، وَيُسْتَعْلَنْ إِنْسَانُ
الْخَطِيَّةِ، ابْنُ الْهَلاَكِ، ( 2تس 3: 3 ).
مجدي
داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق