مقدمة
إذا كنت من الذين يتصدون لشرح وتفسير سفر الرؤيا، وكانت لك قناعة بأن السفر
هو آخر سفر نبوي في العهد الجديد، وهو الذي يخبرنا بما يحمله آتي الأيام حتى
نهايتها - ولم تكن مقتنعا بأن " شهادة يسوع هي روح النبوة "، كما يطرح
السفر، بمعنى أنه لا نبوة بعد التجسد إلا الكشف عن أعضاء جسد المسيح، الكنيسة- فأرجوك اترك السفر من يدك
اليسرى، واترك القلم من يدك اليمنى، إذا كنت أيمنا، ودع الأمر كله لمن يقتنع بعكس
قناعاتك. وإذا كانت لك قناعة بأن أحداث الرؤيا هي أحداث تاريخية سوف تظهر، وبأن
شخوص الرؤيا وكائناتها العجيبة هي أبطال تاريخيون قد أتت - أو سوف تأتي - بهم
الأيام، فرجائي السابق مازال قائما. وإذا كانت لديك قناعة بحرفية شرح وتفسير
الرؤيا؛ كأن تقتنع مثلا بأن الرب سوف يحكم الف سنة بالتمام والكمال، فلا داعي لأن
أذكرك بما سبق أن رجوته منك. فنبوية السفر حق يراد به الباطل، وتاريخية السفر باطل يراد به الباطل، وحرفية تفسير السفر
باطل تراد به الخرافة، أما الحق الذي يراد به الحق فهو روحانية السفر التي تحلق مستعلنة مجيء الكنيسة، في الرب .
الكنيسة في سفر الرؤيا
معنى كلمة " apocalypse "، apocalypsis""، حرفيا هو رفع الغطاء عن شيء، هو الكشف وإزاحة الغموض عن
ماهو مستور ومخفي، وليس مجرد إعلان أو رؤيا. وأبوكاليبس " يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ
اللهُ، لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ، وَبَيَّنَهُ مُرْسِلًا
بِيَدِ مَلاَكِهِ لِعَبْدِهِ يُوحَنَّا"( رؤ1: 1 ) هو الكشف عن مجيء الرب في
كنيسته، أو تحقق مجيء الكنيسة كجسد للرب. موضوع الأبوكاليبس ( رؤيا يوحنا ) هو
مجيء الكنيسة في الرب ، كيفا و كما . إذن لدينا في الأبوكاليبس مستويان لكشف حقيقة
الكنيسة: المستوى الأول هو المستوى الكيفي، النوعي، الذي يكشف حقيقة الكنيسة ،
الكاملة ، كهيكل لروح الله، والمستوى الثاني هو المستوى الكمي، التفصيلي، الذي
يكشف حقيقة تكوين وتركيب الكنيسة، بمجيئها من ثلاثة روافد مالئة لها: رافد
الراقدين، الذين ماتوا على رجاء مجيء الرب في تجسده، وإذذاك قد بعثوا من رقادهم
وسبقوا الجميع إلى التموقع في جسد الرب. والرافد الثاني هو رافد دعوة الكرازة
الرسولية بالإنجيل، في هذا العالم. والرافد الثالث رافد مجهول لدينا ومجهول لدى
نفسه ككنيسة، وهو متغرب في ثقافات وأمم متعددة، وهو يأتي إلى الرب بتدبير لا
ندركه، وهذا قد أطلقنا عليه مصطلح " رافد الأمم" أي القادمون مما هو
مغاير ومخالف لنا ومدان ومحكوم عليه منا في هذا العالم.الكنيسة ، إذن هي كلمة
السر، هي مفتاح شرح وتفسير سفر الأبوكاليبس ( الرؤيا ). ويتم
تحقيق هذين المستويين – في السفر – من خلال
إدراك مضموني سباعيتين : الأولى هي سباعية الكنائس التي في آسيا، والتي
نكتشف فيها سباعية استعلانات روح الله الواحد في الكنيسة – كيفا، سواء على مستوى
الكنيسة الكاملة ، أو على المستوى الفردي، للأعضاء، وكما على مستوى تركيب الكنيسة
الثلاثي. والثانية هي سباعية الباقات، التي يطول شرحها حتى نهاية السفر، لنغوص
داخل أعماق ثلاثية روافد الكنيسة بتفصيلاتها.
أولا: الكنيسة هيكل
روح الله
( سباعية كنائس آسيا )
( سباعية كنائس آسيا )
تطالعنا افتتاحية السفر بمشهد عجيب: " كُنْتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ، وَسَمِعْتُ وَرَائِي صَوْتًا عَظِيمًا
كَصَوْتِ بُوقٍ قَائِلًا: «أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ. الأَوَّلُ وَالآخِرُ. وَالَّذِي
تَرَاهُ، اكْتُبْ فِي كِتَابٍ وَأَرْسِلْ إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي
أَسِيَّا: إِلَى أَفَسُسَ، وَإِلَى سِمِيرْنَا، وَإِلَى بَرْغَامُسَ، وَإِلَى ثِيَاتِيرَا،
وَإِلَى سَارْدِسَ، وَإِلَى فِيلاَدَلْفِيَا، وَإِلَى لاَوُدِكِيَّةَ». فَالْتَفَتُّ
لأَنْظُرَ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعِي. وَلَمَّا الْتَفَتُّ رَأَيْتُ سَبْعَ
مَنَايِرَ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِي وَسْطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ،
... فَلَمَّا رَأَيْتُهُ سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى
عَلَيَّ قَائِلًا لِي: «لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ
إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ! آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ. فَاكْتُبْ
مَا رَأَيْتَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ هذَ"(
1: 10 - 13و17- 19 ). وهكذا يضطلع يوحنا بكتابة رسائله إلى السبع كنائس التي في
آسيا، بالاستهلالية :" نِعْمَةٌ لَكُمْ
وَسَلاَمٌ مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، وَمِنَ السَّبْعَةِ
الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ "( 1: 4 ). ويعود شبه ابن الإنسان
للظهور ثانية بعد منتصف السفر، فيكتب يوحنا :" ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا سَحَابَةٌ
بَيْضَاءُ، وَعَلَى السَّحَابَةِ جَالِسٌ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، لَهُ عَلَى رَأْسِهِ
إِكْلِيلٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِي يَدِهِ مِنْجَلٌ حَادٌّ. وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ
الْهَيْكَلِ، يَصْرُخُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ إِلَى الْجَالِسِ عَلَى السَّحَابَةِ: «أَرْسِلْ
مِنْجَلَكَ وَاحْصُدْ، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتِ السَّاعَةُ لِلْحَصَادِ، إِذْ قَدْ يَبِسَ
حَصِيدُ الأَرْضِ». فَأَلْقَى الْجَالِسُ عَلَى السَّحَابَةِ مِنْجَلَهُ عَلَى الأَرْضِ،
فَحُصِدَتِ الأَرْضُ"( 1: 14- 16 ). والسؤال – هنا – هو : لماذا " شبه
ابن إنسان"، وليس " ابن إنسان " ؟ والإجابة - في الواقع - هي موضوع السفر بكامله! فابن الإنسان هو
الكلمة المتجسد الرب يسوع المسيح، هو الرب الآتي مستحضرا الكنيسة كاملة فيه، هو
الكيان الكامل، رأسا أي يسوع، وجسدا أي الكنيسة الممتلئة. وأما سفر الرؤيا فهو
حالة الكشف والإفصاح والبوح عن حركة تحقق هذه الغاية الكونية العظمى. يوحنا ولج
إلى داخل الحدث المفتوح، أي إلى داخل "مجيء ابن الإنسان، مجيء الكنيسة
الكاملة. والسؤال : هل يستطيع يوحنا أن يرصد شخص ابن الإنسان الشخص الكامل؟
الإجابة : بالقطع لا، فمن هو ضالع ومستغرق في الحدث، حدث تكميل ابن الإنسان، لا
يمكن أن يرصد الشخص كاملا، لذلك كان الكلمة المتجسد، الذي يخاطبه، أو الذي رآه
كحاصد لحصيد كنيسته، كان يبدو كشبه ابن إنسان وليس ابن إنسان. وهنا يكمن الفرق بين
المشهد الكلاسيكي لمجيء ابن الإنسان على السحاب - في الأناجيل – وشبه ابن الإنسان
في الأبوكاليبس؛ فالوضع الأول وضع اسخاطولوجي منته، فيه يجيء الشخص كاملا في الزمن
الآني الممتد من لحظة تجسد الرب وحتى نهاية الكون، في مشهد بانورامي واحد ممتد، أما
الوضع في سفر الرؤيا فهو رصد من الداخل ، من داخل ابن الإنسان الآتي، من داخل
تفاصيل الحدث، من داخل يوم الرب.
ابن الإنسان هو" السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ وَمُنْذُ الأَجْيَالِ،
لكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ لِقِدِّيسِيهِ، الَّذِينَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا
هُوَ غِنَى مَجْدِ هذَا السِّرِّ فِي الأُمَمِ، الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ
الْمَجْدِ. الَّذِي نُنَادِي بِهِ مُنْذِرِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، وَمُعَلِّمِينَ كُلَّ
إِنْسَانٍ، بِكُلِّ حِكْمَةٍ، لِكَيْ نُحْضِرَ كُلَّ إِنْسَانٍ كَامِلًا فِي الْمَسِيحِ
يَسُوعَ"( كو1: 26- 28 ).
سر المسيح المخفي في الكون ، والمعلن في المسيح
هو تحقيق وجود الكنيسة كهيكل أبدي للروح القدس . ولأن الكنيسة هي الوجود الإنساني الجديد
عديم الفساد فإنه في الكنيسة يستعلن إشباع كل احتياجات وجودنا العتيق فتستعلن مسحة
كل أركان وجودنا بالروح القدس ؛ لذلك فإن كل ركن من أركان عتيقنا ( السبعة ) إنما يستعلن
تجدده بالشركة في الروح القدس على مستوى النعمة. كل أيقونة
من أيقونات طبيعتنا العتيقة تمثل حلما مطبوعا في هذه الطبيعة وهو لايتحقق أبدا
إلا بالشركة في الروح القدس لذلك فقد أطلق الكتاب
على كمال النعمة - التي فيها يتكشف تحقيق جميع احتمالات وجودنا -تعبير سبعة
أرواح الله المرسلة إلى كل الأرض . ( رؤ 5 : 6
)، وكان النبي إشعياء هو أول من تنبأ عن هذا السر : " وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ
غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الله، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ،
رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ "
( أش 11 :1 ). هذا هو الرب يسوع التاريخي ، الكلمة
المتجسد ، الغصن الذي نبت من القضيب الخارج
من جذع يسى ، والذي في جسده الخاص - الذي نبتت فيه الطبيعة البشرية الجديدة
عديمة الموت - قد قبل استعلان " سباعية " الامتلاء بالروح القدس ، صائرا
منبعا لامتلاء كل الأعضاء المشتركين في جسده
. إذن هذه هي سبعة استعلانات شركة الروح القدس ، في وجودنا الجديد، في المسيح.
الاستعلان السباعي للروح الواحد في الأسرار السبعة
1- روح المشورة
المستعلن في " المعمودية " الذي يكرس الولادة الجديدة : " وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِذْ سَمِعُوا وَالْعَشَّارُونَ
بَرَّرُوا اللهَ مُعْتَمِدِينَ بِمَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا. وَأَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ
وَالنَّامُوسِيُّونَ فَرَفَضُوا مَشُورَةَ اللهِ مِنْ جِهَةِ أَنْفُسِهِمْ،
غَيْرَ مُعْتَمِدِينَ مِنْهُ " ( لو 7 : 29 و 30 ).
2- روح القوة "
المستعلن في" المسحة " الذي
يكرس تثبيت الوجود : " أَخِيرًا يَا إِخْوَتِي تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي
شِدَّةِ قُوَّتِهِ. الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا
ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ "( أفس 6 : 10 و 11). .
3- روح الفهم
المستعلن في التوبة الذي يكرس إدراك
حقيقة الوجود العتيق ويكرس العودة للجديد الذي في المسيح ، بينما فقدان " الفهم
" يعني الضلال والفساد :
" كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَنَّهُ
لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ
يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ. الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ
مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ. ( رو3 : 10- 12 ) .
4- روح الله
المستعلن في" الإفخارستيا "
الذي يكرس شركة الكنيسة في المسيح :
" بَلْ كَمَا اشْتَرَكْتُمْ
فِي آلاَمِ الْمَسِيحِ، افْرَحُوا لِكَيْ تَفْرَحُوا فِي اسْتِعْلاَنِ مَجْدِهِ
أَيْضًا مُبْتَهِجِينَ. إِنْ عُيِّرْتُمْ بِاسْمِ الْمَسِيحِ، فَطُوبَى لَكُمْ، لأَنَّ
رُوحَ الْمَجْدِ وَاللهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ. أَمَّا مِنْ جِهَتِهِمْ فَيُجَدَّفُ عَلَيْهِ،
وَأَمَّا مِنْ جِهَتِكُمْ فَيُمَجَّدُ " ( ابط 4 : 13 و 14 )
5- روح المعرفة
المستعلن في سر الحب الزيجي، الذي يكرس
معرفتنا للآب في المسيح :
" أَيُّهَا الآبُ الْبَارُّ، إِنَّ
الْعَالَمَ لَمْ يَعْرِفْكَ، أَمَّا أَنَا فَعَرَفْتُكَ، وَهؤُلاَءِ عَرَفُوا أَنَّكَ
أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي. وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ، لِيَكُونَ فِيهِمُ
الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ ( يو 17 : 25 و
26)
6- روح الحكمة
المستعلن في " الكهنوت "
الذي يكرس انعتاق العقل الإنساني من سبي الزمن- سبي ديمومة الأخذ والخضوع لسطوة المستقبل
- جاعلا من الإنسان كاهنا يعطي ويرفع تقدمة ذاته للآب في المسيح :" لأَنَّ حِكْمَةَ
هذَا الْعَالَمِ هِيَ جَهَالَةٌ عِنْدَ اللهِ، ... إِذًا لاَ يَفْتَخِرَنَّ أَحَدٌ بِالنَّاسِ!
فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَكُمْ: أَبُولُسُ، أَمْ
أَبُلُّوسُ، أَمْ صَفَا، أَمِ الْعَالَمُ، أَمِ الْحَيَاةُ، أَمِ الْمَوْتُ، أَمِ الأَشْيَاءُ
الْحَاضِرَةُ، أَمِ الْمُسْتَقْبِلَةُ. كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلِلْمَسِيحِ، وَالْمَسِيحُ
للهِ ( ا كو 3 : 19 – 23 )
7- روح التقوى
المستعلن في " الشفاء" الذي
يكرس انعتاق الإنسان من عبودية الخوف إلى مخافة الله :" وَلكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ،
فَطُوبَاكُمْ. وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا، بَلْ
قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ
كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ
( 1 بط 3 : 14 و 15 ).
الاستعلان السباعي للروح الواحد ، المرسل إلى
كنائس آسيا
1- روح الفهم،
المرسل إلى كنيسة أفسس :
" لكِنْ عِنْدِي
عَلَيْكَ: أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ الأُولَى. فَاذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ
وَتُبْ، وَاعْمَلِ الأَعْمَالَ الأُولَى، وَإِّلاَّ فَإِنِّي آتِيكَ عَنْ قَرِيبٍ
وَأُزَحْزِحُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا، إِنْ لَمْ تَتُبْ "(2 :4 و 5).
2- روح التقوى ، المرسل إلى كنيسة سميرنا :
" لاَ تَخَفِ الْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ
أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ. هُوَذَا إِبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضًا مِنْكُمْ
فِي السِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا، وَيَكُونَ لَكُمْ ضِيْقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. كُنْ
أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ. مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ
مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ. مَنْ يَغْلِبُ فَلاَ يُؤْذِيهِ الْمَوْتُ الثَّانِي"
(2 : 10 و11 ) .
3- روح الحكمة
، المرسل إلى كنيسة برغامس :
" مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ
أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمَنِّ الْمُخْفَى، وَأُعْطِيهِ حَصَاةً بَيْضَاءَ، وَعَلَى الْحَصَاةِ
اسْمٌ جَدِيدٌ مَكْتُوبٌ لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ غَيْرُ الَّذِي يَأْخُذُ ( 2:
17 )
4- روح المعرفة ، المرسل إلى كنيسة ثياتيرا:
-
" لكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ قَلِيلٌ: أَنَّكَ تُسَيِّبُ الْمَرْأَةَ إِيزَابَلَ
الَّتِي تَقُولُ إِنَّهَا نَبِيَّةٌ، حَتَّى تُعَلِّمَ وَتُغْوِيَ عَبِيدِي أَنْ يَزْنُوا
وَيَأْكُلُوا مَا ذُبحَ لِلأَوْثَانِ. وَأَعْطَيْتُهَا زَمَانًا لِكَيْ تَتُوبَ عَنْ
زِنَاهَا وَلَمْ تَتُبْ. هَا أَنَا أُلْقِيهَا فِي فِرَاشٍ، وَالَّذِينَ يَزْنُونَ
مَعَهَا فِي ضِيقَةٍ عَظِيمَةٍ، إِنْ كَانُوا لاَ يَتُوبُونَ عَنْ أَعْمَالِهِمْ"
( 2: 20 -22 )
-
" وَمَنْ يَغْلِبُ وَيَحْفَظُ
أَعْمَالِي إِلَى النِّهَايَةِ فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَانًا عَلَى الأُمَمِ،
فَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ، كَمَا تُكْسَرُ
آنِيَةٌ مِنْ خَزَفٍ، كَمَا أَخَذْتُ أَنَا أَيْضًا مِنْ عِنْدِ أَبِي، وَأُعْطِيهِ
كَوْكَبَ الصُّبْحِ (2 :26- 28 )
5- روح القوة ، المرسل إلى كنيسة ساردس:
- " أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ،
أَنَّ لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ. كُنْ سَاهِرًا وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ،
الَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ، لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ
اللهِ "( 3 : 1و2 )
- " مَنْ يَغْلِبُ فَذلِكَ سَيَلْبَسُ
ثِيَابًا بِيضًا، وَلَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ" (3 :5 ).
6- روح الله ، المرسل إلى كنيسة فيلادلفيا :
"مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ
عَمُودًا فِي هَيْكَلِ إِلهِي، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ، وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ
اسْمَ إِلهِي، وَاسْمَ مَدِينَةِ إِلهِي، أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ النَّازِلَةِ مِنَ
السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلهِي، وَاسْمِي الْجَدِيدَ" (3: 12 ).
7- روح المشورة ، المرسل إلى كنيسة لاودكية :
" أُشِيرُ عَلَيْكَ
أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا
بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل
لِكَيْ تُبْصِرَ" (3: 18 ).
" مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ
أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي
فِي عَرْشِهِ" ( 3: 21 ).
جدلية الواحدية والسباعية، في سفر
الرؤيا
العلاقة بين الواحدية والسباعية قيمة أساسية في السفر. والواحد هو الحد الأدنى
الوجودي، أي مايستعلن ظهور وجود ما، والسبعة هو مايكشف امتلاء هذا الوجود الواحد، والذي
يجعله واحدا كاملا. ولذلك ، فسواء كنا نتحدث على المستوى الميكرو ( micro )، أي الوجود الشخصي ( الفردي ) للبشر، أو على المستوى الماكرو
( macro )، أي
مستوى الكنيسة، فنحن نتحدث عن سر المسيح الواحد أي امتلاء جسده بكنيسته، هيكل الروح
القدس، الواحد المستعلن سباعيا، سواء على مستوى لاهوت الأسرار أو على مستوى وجود الكنيسة
الكاملة؛ فالواحدية والسباعية وجهان لعملة واحدة؛ لذلك نقول بأن سر المسيح هو سر كامل
فيه يتم تكريس الوجود الإنساني عديم الموت ، ذلك الوجود الذي يمثل صورة ( أيقونة )
للثالوث القدوس؛ أي صورة للوجود الإلهي ؛ فكما يحقق الله وجود ذاته بأن ينبع وجوده
من الآب ، بالابن في الروح القدس ،الذي هو
روح الآب وروح الابن، هكذا أيضا ينبع الوجود الإنساني ، بالنعمة من الآب بالعضوية في
جسد الابن في شركة الروح القدس. هذا هو إذن سر المسيح الذي يتحقق فيه استعلان سر الثالوث
القدوس في الخليقة. لذلك فإننا نقول بأن سر
المسيح هو سر واحد وهوسر كامل . سر المسيح ( كياننا الجديد المتحقق في المسيح) هو جوهر
واحد في عدة صور. كيان واحد في سبع أيقونات
هي سبعة امتلاءات لسبعة " رموز احتمالات " وجودنا العتيق . كل أيقونة هي
كشف كامل لسر المسيح ؛ بمعنى أنها استعلان كامل للوجود الجديد ولاتتكامل الأيقونات
فيما بينها بل أن كل أيقونة هي كل سر المسيح ، هي كل الوجود الجديد، هي كل الحدث ،
هي كل النعمة ، وما تعدد الأيقونات إلا استعلان
لكمال النعمة باستيفاء إشباع جميع الاحتياجات والاحتمالات التي يتحقق ، باشباع
أي منها ،وجودنا. فوجودنا الجديد في المسيح تكشفه بالكامل ( وعلى حدة ) كل من:
1- أيقونة : صبغة " البدء الأبدي "
وذلك حينما تمتلئ " رمزية احتمال
وجودنا بالولادة " فيتكرس لنا في المسيح بدء أبدي وولادة أبدية ونتقبل إلى الأبد
وجودنا نابعا من شخص الآب ، شخص البدء المطلق ، صائرين أبناء له باشتراكنا في الابن
المتجسد وهكذا يصطبغ وجودنا بصبغة الولادة اللانهائية . هذا هو سر المسيح، هذا هو سر
الصبغة ، هذا هو سر المعمودية. فالمسيح هو سر صبغة الجميع بالحياة ، سر ولادتهم ثانية كأبناء للآب
.
2- أيقونة : " مسحة التثبيت
"
وذلك حينما تمتلئ " رمزية احتياج
وجودنا إلى الثبات والبقاء " فيتكرس لنا في المسيح وجود ثابت غير منحل وذلك بفضل
قوة الروح الذي يمسحنا مسحة أبدية جاعلا منا كنيسة أي هيكلا أبديا له.هذا هو سر المسيح
الذي فيه يمسح الجميع، صائرين هيكلا أبديا للروح القدس، فالمسيح هو سر مسحة الجميع
.
3- أيقونة : " العودة "
وذلك حينما تمتلئ " رمزية احتياجنا أن نعود إلى النموذج الأصلي" فيتكرس
لنا في المسيح وجودنا الحقيقي الذي أراد الله لنا أن نكونه ،وهنا وفي المسيح فقط تتوفر
لنا الرؤية والفهم لندرك كم كنا بؤساء فاسدين فنعترف بتلك الحقيقة المتكشفة في ضوء
النموذج. هذا هو سر المسيح ، هذا هو سر التوبة والاعتراف. فالمسيح هو سر عودة و توبة
الجميع .
4- أيقونة " الشركة"
وذلك حيما تمتلئ "رمزية احتياجنا للشركة في الطعام " فيتكرس لنا في
المسيح الشركة الحقيقية فى حياة الكلمة المتجسد
، صائرين أعضاء فيه، وفيما تتحقق شركتنا معه فإنه تتحقق أيضا شركتنا في ما بيننا .
هذا هو سر المسيح ، هذا هو سر الشبع الأبدي وبالتالي فهو سر الشكر على الشبع الأبدي،
هذا هو سر الإفخارستيا. في المسيح يشبع البشر بالحياة الأبدية وعدم الموت ، فالمسيح
هو سر شركة وشكر الجميع .
5- أيقونة " الحب الزيجي "
وذلك حينما تمتلئ " رمزية شبقنا المعرفي في تجاوز ذواتنا واتحادنا بالآخر"
فيتكرس لنا في المسيح كيان يتبنانا فيه الآب فتتحقق فينا إلى الأبد " أنثوية
" الخليقة التي يفيض عليها وجودها الجديد النابع من رجلها ورأسها الرب يسوع. هذا
هو سر المسيح، هذا هو سر الزيجة. في المسيح يعرف البشر الآب معرفة أبدية باشتراكهم
في ابنه الذي صار لهم رجلا وصاروا له عروسا ، فالمسيح هو سر الزيجة الأبدية بين الإنسان
والله .
6- أيقونة " التقدمة "
وذلك حينما تمتلئ " رمزية احتياجنا إلى الوفرة والأخذ اللانهائي
" فيتكرس لنا في المسيح وجود الغنى الكامل الذي به نتحول إلى العطاء لدرجة أننا
نقدم ذواتنا العتيقة قربانا وذبيحة إلى الآب مشتركين في موت الرب ، فنستحق أن ننضم
إلى باكورتنا الصاعد إلى السماء ، الرب يسوع. هذا هو سر المسيح ، هذا هو سر تقدمة الذات،
هذا هو سر الكهنوت. في المسيح ، رئيس الكهنة يصير البشر كهنة ، فيقدمون ذواتهم ذبائحا مقبولة لدى الآب ، فالمسيح هو سر كهنوت الجميع وتقدمتهم
المقبولة .
7- أيقونة " مسحة الشفاء
"
وذلك حينما تمتلئ " رمزية احتياجنا إلى دفع الموت والخلاص منه " فيتكرس لنا في المسيح الوجود عديم الموت بفضل العضوية في جسد الحياة ذاته؛ أي جسد الكلمة" وبذلك تتحقق الوسيلة الوحيدة للخلاص من الموت والشفاء منه ، بل والوقاية الأبدية منه وذلك من خلال التدبير الإيجابي الذي للنعمة، وهكذا تمسح طبيعتنا بمسحة عدم الموت . هذا هو سر المسيح ، هذا هو سر الشفاء من داء الموت. في المسيح يتم شفاء الجميع من داء الموت بفضل اشتراكهم في حياة الكلمة ، فالمسيح هو سر شفاء الجميع .
وذلك حينما تمتلئ " رمزية احتياجنا إلى دفع الموت والخلاص منه " فيتكرس لنا في المسيح الوجود عديم الموت بفضل العضوية في جسد الحياة ذاته؛ أي جسد الكلمة" وبذلك تتحقق الوسيلة الوحيدة للخلاص من الموت والشفاء منه ، بل والوقاية الأبدية منه وذلك من خلال التدبير الإيجابي الذي للنعمة، وهكذا تمسح طبيعتنا بمسحة عدم الموت . هذا هو سر المسيح ، هذا هو سر الشفاء من داء الموت. في المسيح يتم شفاء الجميع من داء الموت بفضل اشتراكهم في حياة الكلمة ، فالمسيح هو سر شفاء الجميع .
تعليق عام بخصوص آلية فهم سباعية الكنائس
لكي نصل إلى أفضل تأويل لسباعية الكنائس لابد أن تتوفر لنا آليتان:
أولا- على المستوى الشخصي ( الفردي
) لأعضاء الكنيسة لابد أن نربط بين سباعية أرواح الله وبين المناظر لمكوناتها من
الأسرار السبعة.
ثانيا - على المستوى الكلي
للكنيسة، لابد أن نربط – بعد أن نكتشف الرابط – بين :1- كل مكون من مكونات سباعية
أرواح الله ونظيره من الكنائس السبعة ( بظروفها المشار إليها في النص، ومدلول اسم
الكنيسة ).
2- مضمون الرسالة ، وتوصيف الشخص مصدر الرسالة، الرب، أي التوصيف الوارد في
النص.
التركيب الثلاثي للكنيسة في سباعية كنائس آسيا
إذا التزمنا الآلية السابقة، في الربط بين كل المفردات – من سباعية أرواح
الله، وسباعية كنائس آسيا، وسباعية الأسرار- نكون على موعد مع اكتشاف مبكر جدا –
في السفر – للتركيب الثلاثي للكنيسة:
1- رافد الراقدين
1- رافد الراقدين
هو رافد الكنيسة المخاطب برسالتي أفسس وسميرنا، وكلمة أفسس تعني المحبوبة
( أو المرغوبة )، وكلمة سميرنا تعني الضيق أو المرة. ودلالات الأسماء
واضحة؛ فرافد القدماء، هو الكنيسة القديمة، شعب الله المختار، وهم الذين ماتوا
وفقا لطبيعتهم - كسائر البشر قبل تجسد الرب – فاجتازوا مرارة وضيقة الموت وسطوة
الجحيم. هي الكنيسة المحبوبة التي فقدت حبها لحبيبها، مرحليا؛ فقد " تركت محبتها الأولى"( رؤ2:4 )، ولذلك
فالعودة ( التوبة ) باتت مطلبا أساسيا لإنقاذ هذا الرافد، فيخاطبه الرب في الرسالة
إلى كنيسة أفسس:" فَاذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ، وَاعْمَلِ الأَعْمَالَ
الأُولَى، وَإِّلاَّ فَإِنِّي آتِيكَ عَنْ قَرِيبٍ وَأُزَحْزِحُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا،
إِنْ لَمْ تَتُبْ "(رؤ 2: 5 ). وهذا التحذير ذو دلالة؛ فكنيسة أفسس هي
الوحيدة – من الكنائس السبع – التي هددت بزحزحة منارتها، وهي الوحيدة – من السبع
كنائس - التي تستقبل رسالة من "الْمَاشِي فِي وَسَطِ السَّبْعِ الْمَنَايِرِ الذَّهَبِيَّةِ"(
رؤ1:1 )؛ فرافد الراقدين هو أحد "المنارتين والزيتونتين القائمتين أمام رب
الأرض"( رؤ11: 4 ). عودة هؤلاء إلى الكلمة المتجسد- حينما تجسد – هي مايميز
هذا الرافد، لذلك بينما " روح الفهم "- أحد أرواح الله السبعة –
يستعلن في المؤمنين في سر عودتهم ( توبتهم ) فهو مستعلن على المستوى الكلي للكنيسة
في رافد الراقدين، في الرسالة إلى كنيسة أفسس، مستعلن في عودة هؤلاء إلى معية
الرب، المفقودة، بتحريرهم من الجحيم، حينما تجسد. وقد كان من المنطقي بخصوص القدماء
أن يكون الوعد الإيجابي هو العودة إلى المشهد الأول المفقود، المشهد القديم الجديد
"مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ الَّتِي
فِي وَسَطِ فِرْدَوْسِ اللهِ"( رؤ2: 7 ). وفي الرسالة إلى كنيسة سميرنا يتكشف
الداء في جلاء ووضوح؛ فالمعضلة هي في الموت الطبيعي، وبالتالي فالمطلوب هو الوقاية
من الموت بواسطة الاتحاد بالكلمة المتجسد، هذا هو سر التقوى، التقوى من
الموت. وإن كان روح التقوى ( مخافة الرب ) مستعلن في المؤمنين في سر
الشفاء، فإن الشفاء من داء الموت مستعلن على المستوى الكلي للكنيسة - في رافد
الراقدين – في الرسالة إلى كنيسة سميرنا:" لاَ تَخَفِ الْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ. هُوَذَا إِبْلِيسُ
مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضًا مِنْكُمْ فِي السِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا، وَيَكُونَ
لَكُمْ ضِيْقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ
الْحَيَاةِ"( رؤ2: 10 ). والموت هو الموت الأبدي الذي كان يهدد هؤلاء، أي
الموت الثاني و"مَنْ يَغْلِبُ فَلاَ يُؤْذِيهِ الْمَوْتُ الثَّانِي"(
رؤ2: 11)؛ لذلك من المنطقي أن يكون توصيف الرب، مصدر الرسالة، هو " الأَوَّلُ وَالآخِرُ، الَّذِي كَانَ مَيْتًا فَعَاشَ"(
رؤ2: 8 ). وأخيرا، لدينا، في رسالتي أفسس وسميرنا، إشارات أخرى - لايمكن إغفالها -
تشير إلى رافد القدماء:" أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ وَتَعَبَكَ وَصَبْرَكَ، وَأَنَّكَ
لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَحْتَمِلَ الأَشْرَارَ، وَقَدْ جَرَّبْتَ الْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ
رُسُلٌ وَلَيْسُوا رُسُلًا، فَوَجَدْتَهُمْ كَاذِبِينَ"( رؤ2: 2 ).و
"أَنَا أَعْرِفُ أَعْمَالَكَ وَضِيْقَتَكَ وَفَقْرَكَ مَعَ أَنَّكَ غَنِيٌّ. وَتَجْدِيفَ
الْقَائِلِينَ: إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُودًا، بَلْ هُمْ مَجْمَعُ
الشَّيْطَانِ"( رؤ2: 9 ).
2- رافد الأمم
هو الرافد المخاطب بالرسالتين إلى كنيستي برغامس وثياتيرا. وليس لدينا معنى محدد واضح لكلمة برغامس، فهناك الكثير من المعاني التي ذكرت، ولكن يكفينا المعنى الذي ذكر في النص أي كرسي الشيطان :" أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، وَأَيْنَ تَسْكُنُ حَيْثُ كُرْسِيُّ الشَّيْطَانِ، وَأَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بِاسْمِي، وَلَمْ تُنْكِرْ إِيمَانِي حَتَّى فِي الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا كَانَ أَنْتِيبَاسُ شَهِيدِي الأَمِينُ الَّذِي قُتِلَ عِنْدَكُمْ حَيْثُ الشَّيْطَانُ يَسْكُنُ"( رؤ2: 13 ). وأما " ثياتيرا"، فسواء كان معناها " المسرح "- بمدلول الكلمة الاستعراضي، الزائف - أو كان " الذبيحة المستمرة "، والذبيحة المقصودة – هنا – هي ماذبح للأوثان- فالمدلول واضح ؛ فنحن هنا – سواء حيث كرسي الشيطان ( برغاموس ) الذي عنده" هُنَاكَ قَوْمًا مُتَمَسِّكِينَ بِتَعْلِيمِ بَلْعَامَ، الَّذِي كَانَ يُعَلِّمُ بَالاَقَ أَنْ يُلْقِيَ مَعْثَرَةً أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْ يَأْكُلُوا مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ، وَيَزْنُوا"( رؤ2: 14 )، أو حيث " ثياتيرا " " التي تُسَيِّبُ الْمَرْأَةَ إِيزَابَلَ الَّتِي تَقُولُ إِنَّهَا نَبِيَّةٌ، حَتَّى تُعَلِّمَ وَتُغْوِيَ عَبِيدِي أَنْ يَزْنُوا وَيَأْكُلُوا مَا ذُبحَ لِلأَوْثَانِ"( رؤ2: 19 )، فكلتا المدينيتين تحتضنان كنيسة متغربة، محسوبة علىهما في شرهما وزناهما. نفس المشهد الذي سنرصد فيه رافد الأمم في عمق السفر؛ إذ نجد هذا الرافد المجهول مسبي في بابل المدينة العظيمة أم الزواني، تلك الْمَرْأَةُ التي " كَانَتْ مُتَسَرْبِلَةً بِأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ، وَمُتَحَلِّيَةً بِذَهَبٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ وَلُؤْلُؤٍ، وَمَعَهَا كَأْسٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِهَا مَمْلُوَّةٌ رَجَاسَاتٍ وَنَجَاسَاتِ زِنَاهَا، وَعَلَى جَبْهَتِهَا اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «سِرٌّ. بَابِلُ الْعَظِيمَةُ أُمُّ الزَّوَانِي وَرَجَاسَاتِ الأَرْضِ»( رؤ17: 4و 5 )، هل يوجد لدينا ترجمة لمعنى " المسرح " أفضل من ذلك؟ وهل يوجد لدينا تشابه بين المرأة إيزابل وبين أي شيء آخر أكثر من ذلك؟. منظومة كاملة للشر محسوب عليها – ومتغرب فيها - رافد الأمم : بابل الزانية العظيمة الجالسة على الوحش ( الطالع من البحر )، والذي أخذ سلطان التنين الحية القديمة، ضد المسيح، والمدعوم من الوحش الآخر الطالع من الأرض، ذي قرني الخروف، النبي الكداب ( راجع سفر الرؤيا الإصحاح 13و 17 ). وكما لم تتب بابل، فأسلمت لمصيرها المأساوي فسقطت سقوطا عظيما، على يد كورش - ليخرج منها المسبيون من شعب الله – هكذا أيضا، وبفضل كورش الحقيقي الرب يسوع المسيح، يتم تحرير رافد الأمم، المسبي في بابل أم الزواني مفخرة أضداد المسيح. هكذا يتم في الرسالة إلى كنيسة ثياتيرا توجيه تحذير شديد اللهجة ، مع وعد بإنقاذ المسبيين، المجهولين - ولكن الرب فاحص القلوب يعرفهم - في إعادة مختصرة لذات المشهد: " وَأَعْطَيْتُهَا زَمَانًا لِكَيْ تَتُوبَ عَنْ زِنَاهَا وَلَمْ تَتُبْ. هَا أَنَا أُلْقِيهَا فِي فِرَاشٍ، وَالَّذِينَ يَزْنُونَ مَعَهَا فِي ضِيقَةٍ عَظِيمَةٍ، إِنْ كَانُوا لاَ يَتُوبُونَ عَنْ أَعْمَالِهِمْ. وَأَوْلاَدُهَا أَقْتُلُهُمْ بِالْمَوْتِ. فَسَتَعْرِفُ جَمِيعُ الْكَنَائِسِ أَنِّي أَنَا هُوَ الْفَاحِصُ الْكُلَى وَالْقُلُوبِ، وَسَأُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ"( رؤ2: 21- 23 ). لذلك ففي احتفالية عشاء عرس الخروف، التي يحتفل فيها بمقدم رافد الأمم، ينتصر كلمة الله، الجالس على الفرس الأبيض، والذي " عيناه كلهيب نار"( رؤ19: 12 )، " وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ "( رؤ19: 15 )، ينتصر على منظومة الشر، الجامعة لأضداد المسيح، والحاجبة لرافد الأمم، المتغرب فيها:" وَرَأَيْتُ الْوَحْشَ وَمُلُوكَ الأَرْضِ وَأَجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ لِيَصْنَعُوا حَرْبًا مَعَ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ وَمَعَ جُنْدِهِ. فَقُبِضَ عَلَى الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الْكَذَّابِ مَعَهُ، الصَّانِعِ قُدَّامَهُ الآيَاتِ الَّتِي بِهَا أَضَلَّ الَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ الْوَحْشِ وَالَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ. وَطُرِحَ الاثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ"( رؤ19: 19و 20 ). لذلك كان من المنطقي أن يكون توصيف الرب مصدر الرسالة إلى برغامس هو " الَّذِي لَهُ السَّيْفُ الْمَاضِي ذُو الْحَدَّيْنِ "( رؤ2: 12 )، ومن المنطقي أيضا أن يكون توصيف الرب، مصدر الرسالة إلى كنيسة ثياتيرا هو " ابْنُ اللهِ، الَّذِي لَهُ عَيْنَانِ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَرِجْلاَهُ مِثْلُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ"( رؤ2: 18 ). من ناحية أخرى فإن "روح الحكمة " أحد أرواح الله السبعة المستعلن على مستوى المؤمنين في سر الكهنوت – والذي يكشف عن صيرورة الإنسان كاهنا يقدم كل مايملك قربانا أي ذاته، ذبيحة أنانيته ورغبته في الأخذ، والآن- هنا – في الرسالة إلى كنيسة برغامس يستعلن روح الحكمة على المستوى الكلي للكنيسة، في رافد الأمم، والوعد واضح وجلي :" مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ. مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمَنِّ الْمُخْفَى، وَأُعْطِيهِ حَصَاةً بَيْضَاءَ، وَعَلَى الْحَصَاةِ اسْمٌ جَدِيدٌ مَكْتُوبٌ لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ غَيْرُ الَّذِي يَأْخُذُ»( رؤ2: 17 ). والمن المخفي هو المسيح المخفي – في هؤلاء في هذا العالم، فهم على العكس محسوبون على كل ماهو ضد المسيح – والحصاة البيضاء تعبير في القضاء – في الحضارات القديمة- عن البراءة من جريمة ما، يعطاها من تم إعلان براءته من قبل المحكمة. ورافد الأمم متهم ومحكوم عليه من قبلنا في هذا العالم ولكن في المسيح وفي حياة الدهر الآتي سيعطى حصاة بيضاء،أي سيبرأ بانضمامه المستعلن، للمسيح. وحتى إن اعتمدنا الأصل الثاني للحصاة البيضاء – أي التي تعطى كجائزة للمصارع الفائز المنتصر- فهذا أيضا يصب في صالح السياق نفسه؛ فهؤلاء قد انتصروا بالفعل في المسيح، محررهم من سبيهم. أيضا روح المعرفة، الذي هو أحد أرواح الله السبعة ، والمستعلن في سر الحب الزيجي – على مستوى المؤمنين، وفيه يدخل الزوجان المحبان إلى تلك العلاقة المعرفية السامية – الآن يستعلن - مرسلا إلى كنيسة ثياتيرا – في رافد الأمم، على المستوى الكلي للكنيسة، حيث يشترك هؤلاء في رجل الكنيسة – وعريسها الواحد – يسوع المسيح، الذي يرعاهم ، ووعد ثياتيرا واضح – أيضا- وجلي:" وَمَنْ يَغْلِبُ وَيَحْفَظُ أَعْمَالِي إِلَى النِّهَايَةِ فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَانًا عَلَى الأُمَمِ، فَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ، كَمَا تُكْسَرُ آنِيَةٌ مِنْ خَزَفٍ، كَمَا أَخَذْتُ أَنَا أَيْضًا مِنْ عِنْدِ أَبِي، وَأُعْطِيهِ كَوْكَبَ الصُّبْحِ"( رؤ2: 26- 28 ).
2- رافد الأمم
هو الرافد المخاطب بالرسالتين إلى كنيستي برغامس وثياتيرا. وليس لدينا معنى محدد واضح لكلمة برغامس، فهناك الكثير من المعاني التي ذكرت، ولكن يكفينا المعنى الذي ذكر في النص أي كرسي الشيطان :" أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، وَأَيْنَ تَسْكُنُ حَيْثُ كُرْسِيُّ الشَّيْطَانِ، وَأَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بِاسْمِي، وَلَمْ تُنْكِرْ إِيمَانِي حَتَّى فِي الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا كَانَ أَنْتِيبَاسُ شَهِيدِي الأَمِينُ الَّذِي قُتِلَ عِنْدَكُمْ حَيْثُ الشَّيْطَانُ يَسْكُنُ"( رؤ2: 13 ). وأما " ثياتيرا"، فسواء كان معناها " المسرح "- بمدلول الكلمة الاستعراضي، الزائف - أو كان " الذبيحة المستمرة "، والذبيحة المقصودة – هنا – هي ماذبح للأوثان- فالمدلول واضح ؛ فنحن هنا – سواء حيث كرسي الشيطان ( برغاموس ) الذي عنده" هُنَاكَ قَوْمًا مُتَمَسِّكِينَ بِتَعْلِيمِ بَلْعَامَ، الَّذِي كَانَ يُعَلِّمُ بَالاَقَ أَنْ يُلْقِيَ مَعْثَرَةً أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْ يَأْكُلُوا مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ، وَيَزْنُوا"( رؤ2: 14 )، أو حيث " ثياتيرا " " التي تُسَيِّبُ الْمَرْأَةَ إِيزَابَلَ الَّتِي تَقُولُ إِنَّهَا نَبِيَّةٌ، حَتَّى تُعَلِّمَ وَتُغْوِيَ عَبِيدِي أَنْ يَزْنُوا وَيَأْكُلُوا مَا ذُبحَ لِلأَوْثَانِ"( رؤ2: 19 )، فكلتا المدينيتين تحتضنان كنيسة متغربة، محسوبة علىهما في شرهما وزناهما. نفس المشهد الذي سنرصد فيه رافد الأمم في عمق السفر؛ إذ نجد هذا الرافد المجهول مسبي في بابل المدينة العظيمة أم الزواني، تلك الْمَرْأَةُ التي " كَانَتْ مُتَسَرْبِلَةً بِأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ، وَمُتَحَلِّيَةً بِذَهَبٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ وَلُؤْلُؤٍ، وَمَعَهَا كَأْسٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِهَا مَمْلُوَّةٌ رَجَاسَاتٍ وَنَجَاسَاتِ زِنَاهَا، وَعَلَى جَبْهَتِهَا اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «سِرٌّ. بَابِلُ الْعَظِيمَةُ أُمُّ الزَّوَانِي وَرَجَاسَاتِ الأَرْضِ»( رؤ17: 4و 5 )، هل يوجد لدينا ترجمة لمعنى " المسرح " أفضل من ذلك؟ وهل يوجد لدينا تشابه بين المرأة إيزابل وبين أي شيء آخر أكثر من ذلك؟. منظومة كاملة للشر محسوب عليها – ومتغرب فيها - رافد الأمم : بابل الزانية العظيمة الجالسة على الوحش ( الطالع من البحر )، والذي أخذ سلطان التنين الحية القديمة، ضد المسيح، والمدعوم من الوحش الآخر الطالع من الأرض، ذي قرني الخروف، النبي الكداب ( راجع سفر الرؤيا الإصحاح 13و 17 ). وكما لم تتب بابل، فأسلمت لمصيرها المأساوي فسقطت سقوطا عظيما، على يد كورش - ليخرج منها المسبيون من شعب الله – هكذا أيضا، وبفضل كورش الحقيقي الرب يسوع المسيح، يتم تحرير رافد الأمم، المسبي في بابل أم الزواني مفخرة أضداد المسيح. هكذا يتم في الرسالة إلى كنيسة ثياتيرا توجيه تحذير شديد اللهجة ، مع وعد بإنقاذ المسبيين، المجهولين - ولكن الرب فاحص القلوب يعرفهم - في إعادة مختصرة لذات المشهد: " وَأَعْطَيْتُهَا زَمَانًا لِكَيْ تَتُوبَ عَنْ زِنَاهَا وَلَمْ تَتُبْ. هَا أَنَا أُلْقِيهَا فِي فِرَاشٍ، وَالَّذِينَ يَزْنُونَ مَعَهَا فِي ضِيقَةٍ عَظِيمَةٍ، إِنْ كَانُوا لاَ يَتُوبُونَ عَنْ أَعْمَالِهِمْ. وَأَوْلاَدُهَا أَقْتُلُهُمْ بِالْمَوْتِ. فَسَتَعْرِفُ جَمِيعُ الْكَنَائِسِ أَنِّي أَنَا هُوَ الْفَاحِصُ الْكُلَى وَالْقُلُوبِ، وَسَأُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ"( رؤ2: 21- 23 ). لذلك ففي احتفالية عشاء عرس الخروف، التي يحتفل فيها بمقدم رافد الأمم، ينتصر كلمة الله، الجالس على الفرس الأبيض، والذي " عيناه كلهيب نار"( رؤ19: 12 )، " وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ "( رؤ19: 15 )، ينتصر على منظومة الشر، الجامعة لأضداد المسيح، والحاجبة لرافد الأمم، المتغرب فيها:" وَرَأَيْتُ الْوَحْشَ وَمُلُوكَ الأَرْضِ وَأَجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ لِيَصْنَعُوا حَرْبًا مَعَ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ وَمَعَ جُنْدِهِ. فَقُبِضَ عَلَى الْوَحْشِ وَالنَّبِيِّ الْكَذَّابِ مَعَهُ، الصَّانِعِ قُدَّامَهُ الآيَاتِ الَّتِي بِهَا أَضَلَّ الَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ الْوَحْشِ وَالَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ. وَطُرِحَ الاثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ"( رؤ19: 19و 20 ). لذلك كان من المنطقي أن يكون توصيف الرب مصدر الرسالة إلى برغامس هو " الَّذِي لَهُ السَّيْفُ الْمَاضِي ذُو الْحَدَّيْنِ "( رؤ2: 12 )، ومن المنطقي أيضا أن يكون توصيف الرب، مصدر الرسالة إلى كنيسة ثياتيرا هو " ابْنُ اللهِ، الَّذِي لَهُ عَيْنَانِ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَرِجْلاَهُ مِثْلُ النُّحَاسِ النَّقِيِّ"( رؤ2: 18 ). من ناحية أخرى فإن "روح الحكمة " أحد أرواح الله السبعة المستعلن على مستوى المؤمنين في سر الكهنوت – والذي يكشف عن صيرورة الإنسان كاهنا يقدم كل مايملك قربانا أي ذاته، ذبيحة أنانيته ورغبته في الأخذ، والآن- هنا – في الرسالة إلى كنيسة برغامس يستعلن روح الحكمة على المستوى الكلي للكنيسة، في رافد الأمم، والوعد واضح وجلي :" مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ. مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمَنِّ الْمُخْفَى، وَأُعْطِيهِ حَصَاةً بَيْضَاءَ، وَعَلَى الْحَصَاةِ اسْمٌ جَدِيدٌ مَكْتُوبٌ لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ غَيْرُ الَّذِي يَأْخُذُ»( رؤ2: 17 ). والمن المخفي هو المسيح المخفي – في هؤلاء في هذا العالم، فهم على العكس محسوبون على كل ماهو ضد المسيح – والحصاة البيضاء تعبير في القضاء – في الحضارات القديمة- عن البراءة من جريمة ما، يعطاها من تم إعلان براءته من قبل المحكمة. ورافد الأمم متهم ومحكوم عليه من قبلنا في هذا العالم ولكن في المسيح وفي حياة الدهر الآتي سيعطى حصاة بيضاء،أي سيبرأ بانضمامه المستعلن، للمسيح. وحتى إن اعتمدنا الأصل الثاني للحصاة البيضاء – أي التي تعطى كجائزة للمصارع الفائز المنتصر- فهذا أيضا يصب في صالح السياق نفسه؛ فهؤلاء قد انتصروا بالفعل في المسيح، محررهم من سبيهم. أيضا روح المعرفة، الذي هو أحد أرواح الله السبعة ، والمستعلن في سر الحب الزيجي – على مستوى المؤمنين، وفيه يدخل الزوجان المحبان إلى تلك العلاقة المعرفية السامية – الآن يستعلن - مرسلا إلى كنيسة ثياتيرا – في رافد الأمم، على المستوى الكلي للكنيسة، حيث يشترك هؤلاء في رجل الكنيسة – وعريسها الواحد – يسوع المسيح، الذي يرعاهم ، ووعد ثياتيرا واضح – أيضا- وجلي:" وَمَنْ يَغْلِبُ وَيَحْفَظُ أَعْمَالِي إِلَى النِّهَايَةِ فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَانًا عَلَى الأُمَمِ، فَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ، كَمَا تُكْسَرُ آنِيَةٌ مِنْ خَزَفٍ، كَمَا أَخَذْتُ أَنَا أَيْضًا مِنْ عِنْدِ أَبِي، وَأُعْطِيهِ كَوْكَبَ الصُّبْحِ"( رؤ2: 26- 28 ).
3- رافد دعوة
الكرازة بالإنجيل
هو رافد الكنيسة المستهدف من
الرسائل الثلاث الأخيرة من سباعية الرسائل الموجهة إلى كنائس آسيا: ساردس،
وفيلادلفيا، ولاودكية. وليس من قبيل المصادفة أن تكون ثلاثة أرواح الله المرسلة
إليهم، هي العاملة في المؤمنين في مايعرف بأسرار الانضمام للكنيسة: المعمودية
والمسحة والإفخارستيا؛ أي الأسرار التي
ينضم بواسطتها المؤمنون إلى رافد الكرازة. ووفقا للترتيب الوارد في النص نقول بأن:
1- روح القوة، أحد أرواح الله السبعة، والمستعلن في سر المسحة (
التثبيت، الميرون )- على مستوى المؤمنين- مستعلن الآن في رافد الكرازة، في الرسالة
إلى كنيسة ساردس. وكلمة ساردس تعني البقية ، لذلك كان التوجيه الإلهي:
" كُنْ سَاهِرًا وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ، الَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ،
لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ اللهِ"( رؤ3: 2 ). وكلمة
البقية مهمة وذات دلالة؛ فهي تشير إلينا نحن أصحاب دعوة الإنجيل مقارنة برافد
الراقدين، كما يقرر الرسول بولس: " فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هذَا بِكَلِمَةِ
الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ (
المتبقين حتى يكتمل مجيء الرب )، لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ
رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ
فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلًا. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ (المتبقين
) سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ،
وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ"( 1تس4: 15- 17 ).
2- روح الله، أحد أرواح الله السبعة، والمستعلن في الإفخارستيا- على
مستوى المؤمنين- مستعلن الآن في رافد الكرازة، على المستوى الكلي للكنيسة في
الرسالة إلى كنيسة فيلادلفيا. وكلمة فيلادلفيا تعني المحبة الأخوية، أي شركة
الجميع في جسد المسيح الواحد كأعضاء، وهو الرأس، صائرا بكرا بين إخوة كثيرين.
وبهذا المعنى تختتم الرسالة إلى كنيسة فيلادلفيا بهذا الوعد العظيم :" مَنْ يَغْلِبُ
فَسَأَجْعَلُهُ عَمُودًا فِي هَيْكَلِ إِلهِي، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ،
وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إِلهِي، وَاسْمَ مَدِينَةِ إِلهِي، أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ
النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلهِي، وَاسْمِي الْجَدِيدَ"(
رؤ3: 12 ).
3- روح المشورة، أحد أرواح الله السبعة، والمستعلن في المعمودية – على مستوى المؤمنين- مستعلن الآن على المستوى الكلي للكنيسة، في رافد الكرازة، في الرسالة إلى كنيسة لاودكية . وكلمة لاودكية تعني حكم ( دينونة ) الشعب؛ أي رافد الكنيسة الذين يدين غيره ويحكم عليه في هذا العالم، رافد الكرازة، الذي يرى أنه لا خلاص خارج الكنيسة، التي هي بالطبع ذاته فقط؛ فمن لم يعتمد معموديته، ومن لم يمسح مسحته، ومن لم يأكل إفخارستيته، ليس شريكا معه في المسيح بل هو محسوب على ضد المسيح. رافد الكرازة في هذا العالم يستغني تماما عن غيره، يستغني عن الآخر، لذلك كان تأنيب وتوبيخ الرب في رسالته إلى كنيسة لاودكية، تأنيبا مصحوبا بالمشورة الصالحة، وكما لا استغناء عن المعمودية كولادة جديدة للحياة في المسيح – على مستوى المؤمنين – فإن نفس المشورة سارية بخصوص رافد الكرازة بأن يتلبس المسيح الكامل، الذي يشمله ويشمل آخرين غيره – لا علم له بهم - في ذات الوقت، وإلا انكشف واقعه المزري وظهر عاريا؛ فالمسيح الذي نلبسه يلبسه آخرون غيرنا، وإذا أسقطنا هؤلاء من حسابنا أصبح ثوبنا مهترئا، فاضحا لعرينا :" لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ. أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ "( رؤ3: 17و 18 ). والتحذير هو نفس التحذير الذي أطلقه الرب في سياق صب جام الغضب السادس على مملكة أضداد المسيح، المتغرب فيها رافد الأمم، حيث قال:" «هَا أَنَا آتِي كَلِصٍّ! طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَلاَ يَمْشِيَ عُرْيَانًا فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ». فَجَمَعَهُمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ «هَرْمَجَدُّونَ» ( رؤ16: 15و 16 ). المعمودية صبغة بالمسيح، بتلبسنا إياه "لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ" ( غل 3: 27 )، ولايعني هذا احتكارنا له، كملبس يخصنا وحدنا فقط، لمجرد أننا تفردنا عن غيرنا بإتمام طقس الحميم المقدس. وتختتم الرسالة إلى كنيسة لاودكية بالوعد العظيم الذي يستعلن ملء المعمودية، والولادة الجديدة، وعد التبني للآب بالشركة في ابنه المتجسد :""مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ"( رؤ3: 21 ).
توصيف مرسل الرسائل
3- روح المشورة، أحد أرواح الله السبعة، والمستعلن في المعمودية – على مستوى المؤمنين- مستعلن الآن على المستوى الكلي للكنيسة، في رافد الكرازة، في الرسالة إلى كنيسة لاودكية . وكلمة لاودكية تعني حكم ( دينونة ) الشعب؛ أي رافد الكنيسة الذين يدين غيره ويحكم عليه في هذا العالم، رافد الكرازة، الذي يرى أنه لا خلاص خارج الكنيسة، التي هي بالطبع ذاته فقط؛ فمن لم يعتمد معموديته، ومن لم يمسح مسحته، ومن لم يأكل إفخارستيته، ليس شريكا معه في المسيح بل هو محسوب على ضد المسيح. رافد الكرازة في هذا العالم يستغني تماما عن غيره، يستغني عن الآخر، لذلك كان تأنيب وتوبيخ الرب في رسالته إلى كنيسة لاودكية، تأنيبا مصحوبا بالمشورة الصالحة، وكما لا استغناء عن المعمودية كولادة جديدة للحياة في المسيح – على مستوى المؤمنين – فإن نفس المشورة سارية بخصوص رافد الكرازة بأن يتلبس المسيح الكامل، الذي يشمله ويشمل آخرين غيره – لا علم له بهم - في ذات الوقت، وإلا انكشف واقعه المزري وظهر عاريا؛ فالمسيح الذي نلبسه يلبسه آخرون غيرنا، وإذا أسقطنا هؤلاء من حسابنا أصبح ثوبنا مهترئا، فاضحا لعرينا :" لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ. أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ "( رؤ3: 17و 18 ). والتحذير هو نفس التحذير الذي أطلقه الرب في سياق صب جام الغضب السادس على مملكة أضداد المسيح، المتغرب فيها رافد الأمم، حيث قال:" «هَا أَنَا آتِي كَلِصٍّ! طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَلاَ يَمْشِيَ عُرْيَانًا فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ». فَجَمَعَهُمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ «هَرْمَجَدُّونَ» ( رؤ16: 15و 16 ). المعمودية صبغة بالمسيح، بتلبسنا إياه "لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ" ( غل 3: 27 )، ولايعني هذا احتكارنا له، كملبس يخصنا وحدنا فقط، لمجرد أننا تفردنا عن غيرنا بإتمام طقس الحميم المقدس. وتختتم الرسالة إلى كنيسة لاودكية بالوعد العظيم الذي يستعلن ملء المعمودية، والولادة الجديدة، وعد التبني للآب بالشركة في ابنه المتجسد :""مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ"( رؤ3: 21 ).
توصيف مرسل الرسائل
ولأن رافد الكرازة هو رافد المسحة – الرافد
الذي دشن انطلاقه في اليوم الخمسين لقيامة الرب بحلول الروح كألسنة نار واستقرت
على الجميع، الذين امتلأوا من الروح القدس، وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى، كما
أعطاهم الروح أن ينطقوا ( أع2:1- 4 ). وكان هذا تتميما لوعده " لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى
حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ
وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ"( أع1:
8 )، ولأن رافد الكرازة هو هكذا، فقد كان من المنطقي أن يكون توصيف الرب، مرسل
الرسالة إلى كنيسة ساردس " الَّذِي لَهُ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ وَالسَّبْعَةُ
الْكَوَاكِبُ"( رؤ3: 1 )؛ فهو قد قال عن علاقته بالروح المرسل إلى الكنيسة :"
وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ
يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ"(
يو14: 26 ).
ولأن رافد الكرازة هو - أيضا -
رافد شركة المحبة الأخوية، في الجسد الإفخارستي الواحد الذي للرب يسوع المسيح –
الذي هو، فيه، بكر بين إخوة كثيرين- وهو الباب، وهو الطريق لاجتلاب الجميع إلى
ذاته، فقد كان من المنطقي أن يكون توصيف
الرب ، مرسل الرسالة إلى كنيسة فيلادلفيا هو: " الْقُدُّوسُ الْحَقُّ، الَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ
دَاوُدَ، الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ:
أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ. هَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ
يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ، لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ
كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي"( رؤ3: 7و 8 )
ولأن رافد الكرازة هو – أيضا-
رافد الصبغة ( المعمودية )، تلك الصبغة التي تجعله متمايزا عن غيره في هذا العالم؛
فيبدو أنه الوحيد الذي يشهد للمسيح، كمولود من فوق، كخلقة جديدة، لذلك كان من
المنطقي أن يكون توصيف الرب، مرسل الرسالة إلى كنيسة لاودكية هو:" الآمِينُ، الشَّاهِدُ
الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ"( رؤ3:14).
ملحوظة على لغة الخطاب
بين الشد والجذب – والمدح والقدح، والترغيب والترهيب – يتراوح الحديث مع – وعن – رافد الكرازة، فهو رافد مهم من روافد الكنيسة وهو مركز وعي الكنيسة بذاتها، ككنيسة، وهو الشاهد الرئيس للمسيح في هذا العالم. وأما الوجه السلبي لرافد الكرازة- الذي يعتلنه النص- فهو توصيف لحاله حينما استبدل دوره كمؤسسة عالمية بدوره كجسد للرب ، فظهر شاهدا ضعيفا للمسيح، فضلا عن ظهوره ديانا للآخر الذي لا ينتمي إليه مؤسسيا، في هذا العالم. ففي الرسالة إلى كنيسة ساردس يتم تشخيص الوجه السلبي لرافد الكرازة بلغة خطاب صعبة، وتبدو قاسية، ولكنها كاشفة للوجه الزائف الذي قد يبدو عليه هذا الرافد: " أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّ لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ"( رؤ3: 1 ). ولأنه رافد " البقية "، " المتبقين حتى مايكتمل مجيء الرب"، فيلزم التشجيع المشوب بالتحذير:" كُنْ سَاهِرًا وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ، الَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ، لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ اللهِ. فَاذْكُرْ كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ، وَاحْفَظْ وَتُبْ، فَإِنِّي إِنْ لَمْ تَسْهَرْ، أُقْدِمْ عَلَيْكَ كَلِصٍّ، وَلاَ تَعْلَمُ أَيَّةَ سَاعَةٍ أُقْدِمُ عَلَيْكَ"( رؤ3: 2و 3 ). وأما الوجه الإيجابي فهو استعلان الثمرة التي يحملها هذا الرافد:" عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ، فَسَيَمْشُونَ مَعِي فِي ثِيَابٍ بِيضٍ لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ. مَنْ يَغْلِبُ فَذلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَابًا بِيضًا، وَلَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَسَأَعْتَرِفُ بِاسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلاَئِكَتِهِ"( رؤ3: 4و 5 )؛ ف"هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَتَنَجَّسُوا مَعَ النِّسَاءِ لأَنَّهُمْ أَطْهَارٌ. هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ الْخَرُوفَ حَيْثُمَا ذَهَبَ. هؤُلاَءِ اشْتُرُوا مِنْ بَيْنِ النَّاسِ بَاكُورَةً للهِ وَلِلْخَرُوفِ. وَفِي أَفْوَاهِهِمْ لَمْ يُوجَدْ غِشٌّ، لأَنَّهُمْ بِلاَ عَيْبٍ قُدَّامَ عَرْشِ اللهِ"( رؤ14: 4و 5 ). وفي الرسالة إلى كنيسة فيلادلفيا تخف اللهجة الصعبة – بالطبع في إطار المحبة الأخوية- ليبدو الحديث تحذيريا إرشاديا :" هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا. تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ"( رؤ3: 11 ). وأما الرسالة إلى كنيسة لاودكية، حيث كنيسة الذين يحكمون على غيرهم في هذا العالم، فيعود الحديث الصعب:- " أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا! هكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي. لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ"( رؤ3: 15- 17 ) – لينتهي بتوبيخ المحب:" إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ. فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ. هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي"( رؤ3: 19و 20 ).
ملحوظة على لغة الخطاب
بين الشد والجذب – والمدح والقدح، والترغيب والترهيب – يتراوح الحديث مع – وعن – رافد الكرازة، فهو رافد مهم من روافد الكنيسة وهو مركز وعي الكنيسة بذاتها، ككنيسة، وهو الشاهد الرئيس للمسيح في هذا العالم. وأما الوجه السلبي لرافد الكرازة- الذي يعتلنه النص- فهو توصيف لحاله حينما استبدل دوره كمؤسسة عالمية بدوره كجسد للرب ، فظهر شاهدا ضعيفا للمسيح، فضلا عن ظهوره ديانا للآخر الذي لا ينتمي إليه مؤسسيا، في هذا العالم. ففي الرسالة إلى كنيسة ساردس يتم تشخيص الوجه السلبي لرافد الكرازة بلغة خطاب صعبة، وتبدو قاسية، ولكنها كاشفة للوجه الزائف الذي قد يبدو عليه هذا الرافد: " أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّ لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ"( رؤ3: 1 ). ولأنه رافد " البقية "، " المتبقين حتى مايكتمل مجيء الرب"، فيلزم التشجيع المشوب بالتحذير:" كُنْ سَاهِرًا وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ، الَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ، لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ اللهِ. فَاذْكُرْ كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ، وَاحْفَظْ وَتُبْ، فَإِنِّي إِنْ لَمْ تَسْهَرْ، أُقْدِمْ عَلَيْكَ كَلِصٍّ، وَلاَ تَعْلَمُ أَيَّةَ سَاعَةٍ أُقْدِمُ عَلَيْكَ"( رؤ3: 2و 3 ). وأما الوجه الإيجابي فهو استعلان الثمرة التي يحملها هذا الرافد:" عِنْدَكَ أَسْمَاءٌ قَلِيلَةٌ فِي سَارْدِسَ لَمْ يُنَجِّسُوا ثِيَابَهُمْ، فَسَيَمْشُونَ مَعِي فِي ثِيَابٍ بِيضٍ لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ. مَنْ يَغْلِبُ فَذلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَابًا بِيضًا، وَلَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَسَأَعْتَرِفُ بِاسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلاَئِكَتِهِ"( رؤ3: 4و 5 )؛ ف"هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَتَنَجَّسُوا مَعَ النِّسَاءِ لأَنَّهُمْ أَطْهَارٌ. هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ الْخَرُوفَ حَيْثُمَا ذَهَبَ. هؤُلاَءِ اشْتُرُوا مِنْ بَيْنِ النَّاسِ بَاكُورَةً للهِ وَلِلْخَرُوفِ. وَفِي أَفْوَاهِهِمْ لَمْ يُوجَدْ غِشٌّ، لأَنَّهُمْ بِلاَ عَيْبٍ قُدَّامَ عَرْشِ اللهِ"( رؤ14: 4و 5 ). وفي الرسالة إلى كنيسة فيلادلفيا تخف اللهجة الصعبة – بالطبع في إطار المحبة الأخوية- ليبدو الحديث تحذيريا إرشاديا :" هَا أَنَا آتِي سَرِيعًا. تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ"( رؤ3: 11 ). وأما الرسالة إلى كنيسة لاودكية، حيث كنيسة الذين يحكمون على غيرهم في هذا العالم، فيعود الحديث الصعب:- " أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا! هكَذَا لأَنَّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيَّأَكَ مِنْ فَمِي. لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ"( رؤ3: 15- 17 ) – لينتهي بتوبيخ المحب:" إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ. فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ. هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي"( رؤ3: 19و 20 ).
مجمع الشيطان
تم ذكر هذا المصطلح مرتين، في إطار الرسائل السبع إلى كنائس آسيا. المرة الأولى كانت في الرسالة إلى كنيسة سميرنا، والثانية في الرسالة إلى كنيسة فيلادلفيا، وهو مصطلح يعبر عن الكنيسة المأزومة. ولدينا في روافد الكنيسة الثلاثة رافدان مأزومان: رافد الراقدين، ورافد الأمم. مجمع الشيطان في الرسالة إلى كنيسة سميرنا ( كنيسة الضيق ) يشير إلى الراقدين الذين ماتوا وفقا لطبيعتهم، وأطبق عليهم من أبواب الجحيم، فخضعوا لسلطان الموت " عشرة أيام" أي طيلة أيام وجودهم على الأرض، وبموتهم انتقلوا – في وعينا التاريخي بهم - إلى انتظار مجيء الكلمة المتجسد ليستحضرهم معه، وليحررهم من سجنهم، فتتلاشى فيهم وصمة " مجمع الشيطان "، " هذَا يَقُولُهُ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، الَّذِي كَانَ مَيْتًا فَعَاشَ: أَنَا أَعْرِفُ أَعْمَالَكَ وَضِيْقَتَكَ وَفَقْرَكَ مَعَ أَنَّكَ غَنِيٌّ. وَتَجْدِيفَ الْقَائِلِينَ: إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُودًا، بَلْ هُمْ مَجْمَعُ الشَّيْطَانِ. لاَ تَخَفِ الْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ. هُوَذَا إِبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضًا مِنْكُمْ فِي السِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا، وَيَكُونَ لَكُمْ ضِيْقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ"( رؤ2: 8- 10 ). وأما بخصوص رافد الأمم، الكنيسة الآتية من مظنة أنهم محسوبون على مجمع الشيطان، أو على منظومة أضداد المسيح؛ فالحديث موجه إلى رافد الكرازة ممثلا في كنيسة فيلادلفيا ( كنيسة المحبة الأخوية )، حيث الباب المفتوح - الرب نفسه – أمام أصحاب دعوة الإنجيل، ولكن كون أن الرب باب مفتوح يدخل إليه أصحاب رافد الكرازة، فهذا لا يجعل من سلطان – ولا في قوة – رافد الكرازة أن يغلق مافتح له، في وجه غيره. فعندما تكتمل الكنيسة سوف يأتي الرب بهذا الرافد، القادم من مجمع الشيطان ليظهر خاضعا خضوع الكنيسة الكاملة الممتلئة في الرب، فيدرك رافد الكرازة وجوده، ويدرك رافد الأمم وجود رافد الكرازة الذي أظهر الرب حبه له في هذا العالم، ولكن لم يكن هذا متاحا بالنسبة لرافد الأمم، " هذَا يَقُولُهُ الْقُدُّوسُ الْحَقُّ، الَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ، الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ: أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ. هَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ، لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي. هنَذَا أَجْعَلُ الَّذِينَ مِنْ مَجْمَعِ الشَّيْطَانِ، مِنَ الْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُودًا، بَلْ يَكْذِبُونَ هنَذَا أُصَيِّرُهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَ رِجْلَيْكَ، وَيَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا أَحْبَبْتُكَ"( رؤ3: 7- 9).
تم ذكر هذا المصطلح مرتين، في إطار الرسائل السبع إلى كنائس آسيا. المرة الأولى كانت في الرسالة إلى كنيسة سميرنا، والثانية في الرسالة إلى كنيسة فيلادلفيا، وهو مصطلح يعبر عن الكنيسة المأزومة. ولدينا في روافد الكنيسة الثلاثة رافدان مأزومان: رافد الراقدين، ورافد الأمم. مجمع الشيطان في الرسالة إلى كنيسة سميرنا ( كنيسة الضيق ) يشير إلى الراقدين الذين ماتوا وفقا لطبيعتهم، وأطبق عليهم من أبواب الجحيم، فخضعوا لسلطان الموت " عشرة أيام" أي طيلة أيام وجودهم على الأرض، وبموتهم انتقلوا – في وعينا التاريخي بهم - إلى انتظار مجيء الكلمة المتجسد ليستحضرهم معه، وليحررهم من سجنهم، فتتلاشى فيهم وصمة " مجمع الشيطان "، " هذَا يَقُولُهُ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، الَّذِي كَانَ مَيْتًا فَعَاشَ: أَنَا أَعْرِفُ أَعْمَالَكَ وَضِيْقَتَكَ وَفَقْرَكَ مَعَ أَنَّكَ غَنِيٌّ. وَتَجْدِيفَ الْقَائِلِينَ: إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُودًا، بَلْ هُمْ مَجْمَعُ الشَّيْطَانِ. لاَ تَخَفِ الْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ. هُوَذَا إِبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضًا مِنْكُمْ فِي السِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا، وَيَكُونَ لَكُمْ ضِيْقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ"( رؤ2: 8- 10 ). وأما بخصوص رافد الأمم، الكنيسة الآتية من مظنة أنهم محسوبون على مجمع الشيطان، أو على منظومة أضداد المسيح؛ فالحديث موجه إلى رافد الكرازة ممثلا في كنيسة فيلادلفيا ( كنيسة المحبة الأخوية )، حيث الباب المفتوح - الرب نفسه – أمام أصحاب دعوة الإنجيل، ولكن كون أن الرب باب مفتوح يدخل إليه أصحاب رافد الكرازة، فهذا لا يجعل من سلطان – ولا في قوة – رافد الكرازة أن يغلق مافتح له، في وجه غيره. فعندما تكتمل الكنيسة سوف يأتي الرب بهذا الرافد، القادم من مجمع الشيطان ليظهر خاضعا خضوع الكنيسة الكاملة الممتلئة في الرب، فيدرك رافد الكرازة وجوده، ويدرك رافد الأمم وجود رافد الكرازة الذي أظهر الرب حبه له في هذا العالم، ولكن لم يكن هذا متاحا بالنسبة لرافد الأمم، " هذَا يَقُولُهُ الْقُدُّوسُ الْحَقُّ، الَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ، الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ: أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ. هَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ، لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً، وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي. هنَذَا أَجْعَلُ الَّذِينَ مِنْ مَجْمَعِ الشَّيْطَانِ، مِنَ الْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُودًا، بَلْ يَكْذِبُونَ هنَذَا أُصَيِّرُهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَ رِجْلَيْكَ، وَيَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا أَحْبَبْتُكَ"( رؤ3: 7- 9).
ولكي نكمل الصورة، صورة
الكنيسة، ملكوت السموات، حيث الملك هو الرب يسوع المسيح رأس كيان ابن الإنسان، والرعية
هي جسده، لكي نكمل هذا نعود إلى نص إشعياء، حيث هذا الوصف للسلام العجيب الذي يسود
الكنيسة، أي حالة قبول الآخر المدهشة، في ابن الإنسان، الذي " يَقْضِي بِالْعَدْلِ
لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ
بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ. وَيَكُونُ الْبِرُّ
مِنْطَقَهَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ. فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ
مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ
مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا. وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ
أَوْلاَدُهُمَا مَعًا، وَالأَسَدُ كَالْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْنًا. وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ
الْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوَانِ. لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ
قُدْسِي، لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ
الْبَحْرَ"( إش11 : 4- 9 ).الكنيسة ، ملكوت السموات، الكائنة في ابن الإنسان،
هي باختصار شديد تستعلن انتهاء وزوال حالة التوحش وإقصاء الآخر، تعني انتهاء
شعورنا باحتكار المسيح كمدعوين مسيحيين وليس أنه مسيح العالم كله الذي لم يقتصر
حبه على طائفة معينة، تعني الحالة التي قال عنها الرب:" لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ،
وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ "( يو17: 26 ).
خلاصة مرحلية
خلاصة مرحلية
فيما سبق قد تطرقنا إلى ضفيرة من سباعيات ثلاث- أو قل سباعية مركبة من ثلاث
سباعيات: أرواح الله، كنائس آسيا، الأسرار. وما يتبقى من السفر – حتى نهايته –
يتناول ضفيرة أخرى – أو، سباعية مركبة ، أخرى، من ثلاث سباعيات، أسميناها سباعية
الباقات، كل باقة منها تتكون من: الختم والبوق والجام. في الضفيرة الأولى -
موضوعنا الآن- يتكشف الوجه النوعي ( الكيفي ) للكنيسة، أي الكنيسة كمسكن لروح
الله، بينما سنجد في الضفيرة الثانية الكشف المدهش عن آلية تركيب الكنيسة من
روافدها الثلاثة، أي الوجه الكمي للكنيسة.
في السباعية المركبة، التي
للكنيسة هيكل الروح، نجد أن :
1- روح الفهم المستعلن في سر التوبة، مرسل إلى كنيسة أفسس، وبينما – على المستوى
الجزئي - يستعيد الإنسان معية الرب المفقودة، ويعود إليه، فعلى المستوى الكلي (
الكنيسة ) يستعيد رافد الراقدين معية الرب المفقودة، فيعود إلى الحياة فيه، وبه،
ومعه، حينما ظهر متجسدا في ملء الزمان.
2- روح التقوى المستعلن في سر الشفاء، مرسل إلى كنيسة سميرنا، وبينما – على
المستوى الجزئي – يستعلن شفاء الإنسان من داء الموت، في المسيح، فعلى المستوى
الكلي ( الكنيسة ) يستعلن شفاء رافد الراقدين من داء موتهم الطبيعي، حينما ينتهي
انتظارهم - محبوسين في الجحيم – بظهور الرب في الجسد، فيبعثون معه، وفيه فيتقون
موتا أبديا كان مهددا لهم.
3- روح الحكمة المستعلن في سر الكهنوت، مرسل إلى كنيسة برغامس، وبينما –
على المستوى الجزئي – يستعلن تحرر الإنسان من نرجسية وأنانية الأخذ، إلى عطاء
الذات ورفعها كذبيحة مقبولة، فعلى المستوى الكلي ( الكنيسة ) يستعلن تحرر رافد
الأمم مما هو محسوب عليه، أي " كل ماهو ضد المسيح"، ويتكشف أصالة أصحابه
كآنية مهيأة للمجد ، مهيأة لأن تعطي ذواتها للمسيح، بعكس خطاب محيطها الثقافي.
4- روح المعرفة المستعلن في سر الحب الزيجي، مرسل إلى كنيسة ثياتيرا،
وبينما - على المستوى الجزئي- يستعلن صيرورة النفس الإنسانية عروسا لعريس واحد هو
المسيح، فعلى المستوى الكلي ( الكنيسة ) يتكشف تحرر رافد الأمم مما هو محسوب عليه
من شبق الزنا مع آلهة غريبة إلى الشبق المعرفي الذي في معرفة الآب بواسطة ابنه
المتجسد، المسيح الرب.
5- روح القوة المستعلن في سر المسحة، مرسل إلى كنيسة ساردس، وبينما - على المستوى الجزئي- يستعلن مسحة الإنسان
وتثبيته بقوة الروح القدس، فعلى المستوى الكلي ( الكنيسة ) يتكشف تثبيت رافد
الكرازة، في هيكل الروح القدس، الكنيسة، بصفتهم البقية المتبقية من رصيد الكنيسة
الكاملة، حتى مايكتمل مجيء الرب.
6- روح الله المستعلن في الإفخارستيا، مرسل إلى كنيسة فيلادلفيا، وبينما-
على المستوى الجزئي- يستعلن صيرورة الإنسان عضوا في جسد الرب، أي شركة المحبة
الأخوية، فعلى المستوى الكلي( الكنيسة ) يتكشف صيرورة رافد الكرازة مركزا لوعي
الكنيسة بذاتها، في هذا العالم، فضلا عن كونه معبرا أبديا عنها،حاملا اسمها؛ فسيظل
هو الرافد الذي يحمل اسم المسيح بالرغم من وجود رافدين آخرين معه في المسيح.
7- روح المشورة المستعلن في المعمودية ( الصبغة )، مرسل إلى كنيسة لاودكية، وبينما- على المستوى الجزئي- يستعلن في اصطباغ الإنسان بصبغة المسيح، فعلى المستوى الكلي ( الكنيسة ) يستعلن في تحرر أصحاب رافد الكرازة من احتكارهم لصبغة المسيح، وقبولهم وجود الآخر، رافد الأمم، معهم في المسيح؛ لأن هذه هي مشورة الله، أي أن تتلبس الكنيسة المسيح الكامل، فلا تظهر عارية، فيما بعد.
7- روح المشورة المستعلن في المعمودية ( الصبغة )، مرسل إلى كنيسة لاودكية، وبينما- على المستوى الجزئي- يستعلن في اصطباغ الإنسان بصبغة المسيح، فعلى المستوى الكلي ( الكنيسة ) يستعلن في تحرر أصحاب رافد الكرازة من احتكارهم لصبغة المسيح، وقبولهم وجود الآخر، رافد الأمم، معهم في المسيح؛ لأن هذه هي مشورة الله، أي أن تتلبس الكنيسة المسيح الكامل، فلا تظهر عارية، فيما بعد.
مجدي داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق