3-
الباقة السادسة ( كنيسة الأمم )
الختم السادس
"
وَنَظَرْتُ لَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ السَّادِسَ، وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ
حَدَثَتْ، وَالشَّمْسُ صَارَتْ سَوْدَاءَ كَمِسْحٍ مِنْ شَعْرٍ، وَالْقَمَرُ صَارَ
كَالدَّمِ، وَنُجُومُ السَّمَاءِ سَقَطَتْ إِلَى الأَرْضِ كَمَا تَطْرَحُ شَجَرَةُ
التِّينِ سُقَاطَهَا إِذَا هَزَّتْهَا رِيحٌ عَظِيمَةٌ. وَالسَّمَاءُ
انْفَلَقَتْ كَدَرْجٍ مُلْتَفّ، وَكُلُّ جَبَل وَجَزِيرَةٍ تَزَحْزَحَا
مِنْ مَوْضِعِهِمَا. وَمُلُوكُ الأَرْضِ وَالْعُظَمَاءُ وَالأَغْنِيَاءُ
وَالأُمَرَاءُ وَالأَقْوِيَاءُ وَكُلُّ عَبْدٍ وَكُلُّ حُرّ، أَخْفَوْا
أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَغَايِرِ وَفِي صُخُورِ الْجِبَالِ، وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَالصُّخُورِ:
«اسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ
غَضَبِ الْخَرُوفِ، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَسْتَطِيعُ
الْوُقُوفَ؟».
وَبَعْدَ هذَا رَأَيْتُ
أَرْبَعَةَ مَلاَئِكَةٍ وَاقِفِينَ عَلَى أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ، مُمْسِكِينَ
أَرْبَعَ رِيَاحِ الأَرْضِ لِكَيْ لاَ تَهُبَّ رِيحٌ عَلَى الأَرْضِ، وَلاَ عَلَى
الْبَحْرِ، وَلاَ عَلَى شَجَرَةٍ مَا. وَرَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ طَالِعًا مِنْ
مَشْرِقِ الشَّمْسِ مَعَهُ خَتْمُ اللهِ الْحَيِّ، فَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ
إِلَى الْمَلاَئِكَةِ الأَرْبَعَةِ، الَّذِينَ أُعْطُوا أَنْ يَضُرُّوا الأَرْضَ
وَالْبَحْرَ، قَائِلًا: «لاَ تَضُرُّوا
الأَرْضَ وَلاَ الْبَحْرَ وَلاَ الأَشْجَارَ، حَتَّى نَخْتِمَ عَبِيدَ إِلهِنَا
عَلَى جِبَاهِهِمْ». وَسَمِعْتُ عَدَدَ
الْمَخْتُومِينَ مِئَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا، مَخْتُومِينَ مِنْ
كُلِّ سِبْطٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ
مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ رَأُوبِينَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ
جَادَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ.
مِنْ سِبْطِ أَشِيرَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ
نَفْتَالِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ مَنَسَّى اثْنَا عَشَرَ
أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ شَمْعُونَ
اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ لاَوِي اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ
مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ يَسَّاكَرَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ
زَبُولُونَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ يُوسُفَ اثْنَا عَشَرَ
أَلْفَ مَخْتُومٍ. مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مَخْتُومٍ.
بَعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ
يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ،
وَاقِفُونَ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الْخَرُوفِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ
بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ النَّخْلِ
وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: «الْخَلاَصُ لإِلهِنَا
الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ».
وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ كَانُوا وَاقِفِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ،
وَالشُّيُوخِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ، وَخَرُّوا أَمَامَ الْعَرْشِ عَلَى
وُجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا للهِ قَائِلِينَ:
«آمِينَ! الْبَرَكَةُ وَالْمَجْدُ وَالْحِكْمَةُ وَالشُّكْرُ وَالْكَرَامَةُ
وَالْقُدْرَةُ وَالْقُوَّةُ لإِلهِنَا إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ!» وَأجَابَ وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ قَائِلًا
لِي: «هؤُلاَءِ الْمُتَسَرْبِلُونَ بِالثِّيَابِ الْبِيضِ، مَنْ هُمْ؟ وَمِنْ
أَيْنَ أَتَوْا؟» فَقُلْتُ لَهُ: «يَا
سَيِّدُ، أَنْتَ تَعْلَمُ». فَقَالَ لِي: «هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَتَوْا مِنَ
الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ
فِي دَمِ الْخَرُوفِ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ
هُمْ أَمَامَ عَرْشِ اللهِ، وَيَخْدِمُونَهُ نَهَارًا وَلَيْلًا فِي هَيْكَلِهِ،
وَالْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ. لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ، وَلَنْ يَعْطَشُوا
بَعْدُ، وَلاَ تَقَعُ عَلَيْهِمِ الشَّمْسُ وَلاَ شَيْءٌ مِنَ الْحَرِّ، لأَنَّ الْخَرُوفَ الَّذِي فِي وَسَطِ
الْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ،
وَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ»( 6: 12- 17)و (7: 1- 17 ).
التعليق
السادس، وما أدراك مالسادس؛
فالمطلوب منا نحن المسيحيين أصحاب دعوة الإنجيل أن نتحلى بكثير من التواضع ونتخلى
عن كثير من النرجسية حتى نستطيع أن نواجه
الصدمة الكبرى التي تكشفها الباقة السادسة من سباعية باقات سفر الرؤيا ( الأبوكاليبسيس
). وما تكشفه باقتنا هذه هو أمر جلل وغير قابل للتصديق من قبل أذهاننا، أنه مابعد
الدهشة، إنه مافوق الذهول، حتى أن الختم السادس هو الختم الوحيد من الختوم السبعة
الذي يفتح مصحوبا بهذه الفوضى الصاخبة العارمة المدمرة المزحزحة لكل شيء عن مكانه.
كل شيء ينهار ويتهاوى. والواقع إن ماينهار هو مفهومنا نحن عن أنفسنا وعن الآخرين.
كنا نحن – أبناء دعوة الكرازة – قد تقبلنا سابقا في الباقة الخامسة أن رافدا آخرا
ينضم إلينا ، أو قل ننضم إليه، لنكمل سويا مضمون ومفهوم الكنيسة الواحدة، أقصد
رافد الراقدين، أما الآن، ففي الباقة السادسة نواجه كشفا مزلزلا : هناك رافد ثالث
من روافد تكميل وامتلاء الكنيسة جسد المسيح. رافد الأمم، وأقصد بالأمم المفهوم
المطلق للكلمة وليس المفهوم اليهودي. نحن المسيحيون نعتبر أنفسنا الفرقة الناجية
الوحيدة، الفرقة التي تحتكر المسيح، وبالكاد قد تقبلنا أن ينضم إلينا رافد
الراقدين، ولكن هناك أقوام مشتتة في العالم، في وسط ثقافات وخلفيات مختلفة ومتنوعة
ومتناقضة. أقوام تجهل أنفسها – ككنيسة – ونجهلها نحن، بل ونحكم عليها وندينها
ونحسبها على الهالكين الذين ليسوا في المسيح. هم لا يقولون أنهم في المسيح ولا يقولون
أنهم كنيسة، ولكنهم في أعماقهم آنية مهيأة للمجد وللكرامة ولأن تتموقع في جسد الرب
كرافد من روافد ثلاثة تملأ الكنيسة. يحدث هذا من دون وعي لهم ومن دون علم لنا. أمر
مدهش حقا وصادم حقا. هؤلاء - " ملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء
والأقوياء وكل عبد وكل حر "- قد أخفوا أنفسهم أو قد أخفيناهم ، هم مغضوب
عليهم من الخروف، كما نتخيل. ولكن الأمر قد تغير وتبدل وحدثت الصدمة؛ فهم بإرادة
من الرب قد مسك عنهم الضرر، وقد دبر لهم أن يختموا بختم الله الحي على جباههم. هم
قد أتوا من كل الأمم والشعوب والألسنة مشتركين في خلاص الرب بعد أن اجتازوا الضيقة
العظيمة ، ضيقة التجاهل والإدانة والإقصاء والتعتيم. وتعبير " من كل الأمم
" يجب أن يصنع أمرين: الأول أمر إيجابي وهو الإشارة المؤكدة إلى كونهم "
كنيسة الأمم "، والثاني أمر سلبي بأن ينقذنا من الانزلاق في مظنة أن المقصود
في النص " أسباط بني إسرائيل، القديم"، فالظن الأخير باطل لأن إسرائيل
القديم لا يعرف " كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة" المذكورين في
النص، ولكن الصحيح المقصود هو إسرائيل الجديد ، الكنيسة جسد الرب التي تستوعب
الجميع بما فيهم من لا نعرفهم ولا يعرفوننا، بل ومن ندينهم أيضا.
البوق السادس
1- المشهد الأول: جيوش الفرسان ( 9: 13- 21 )
" ثُمَّ بَوَّقَ الْمَلاَكُ السَّادِسُ،
فَسَمِعْتُ صَوْتًا وَاحِدًا مِنْ أَرْبَعَةِ قُرُونِ مَذْبَحِ الذَّهَبِ الَّذِي
أَمَامَ اللهِ، قَائِلًا لِلْمَلاَكِ
السَّادِسِ الَّذِي مَعَهُ الْبُوقُ: «فُكَّ الأَرْبَعَةَ الْمَلاَئِكَةَ
الْمُقَيَّدِينَ عِنْدَ النَّهْرِ الْعَظِيمِ الْفُرَاتِ». فَانْفَكَّ الأَرْبَعَةُ الْمَلاَئِكَةُ
الْمُعَدُّونَ لِلسَّاعَةِ وَالْيَوْمِ وَالشَّهْرِ وَالسَّنَةِ، لِكَيْ
يَقْتُلُوا ثُلْثَ النَّاسِ. وَعَدَدُ
جُيُوشِ الْفُرْسَانِ مِئَتَا أَلْفِ أَلْفٍ وَأَنَا سَمِعْتُ عَدَدَهُمْ. وَهكَذَا رَأَيْتُ الْخَيْلَ فِي الرُّؤْيَا
وَالْجَالِسِينَ عَلَيْهَا، لَهُمْ دُرُوعٌ نَارِيَّةٌ وَأَسْمَانْجُونِيَّةٌ
وَكِبْرِيتِيَّةٌ، وَرُؤُوسُ الْخَيْلِ كَرُؤُوسِ الأُسُودِ، وَمِنْ أَفْوَاهِهَا
يَخْرُجُ نَارٌ وَدُخَانٌ وَكِبْرِيتٌ.
مِنْ هذِهِ الثَّلاَثَةِ قُتِلَ ثُلْثُ النَّاسِ، مِنَ النَّارِ
وَالدُّخَانِ وَالْكِبْرِيتِ الْخَارِجَةِ مِنْ أَفْوَاهِهَا، فَإِنَّ سُلْطَانَهَا هُوَ فِي أَفْوَاهِهَا
وَفِي أَذْنَابِهَا، لأَنَّ أَذْنَابَهَا شِبْهُ الْحَيَّاتِ، وَلَهَا رُؤُوسٌ
وَبِهَا تَضُرُّ. وَأَمَّا بَقِيَّةُ
النَّاسِ الَّذِينَ لَمْ يُقْتَلُوا بِهذِهِ الضَّرَبَاتِ، فَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ
أَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ، حَتَّى لاَ يَسْجُدُوا لِلشَّيَاطِينِ وَأَصْنَامِ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ الَّتِي لاَ
تَسْتَطِيعُ أَنْ تُبْصِرَ وَلاَ تَسْمَعَ وَلاَ تَمْشِيَ، وَلاَ تَابُوا عَنْ قَتْلِهِمْ وَلاَ عَنْ
سِحْرِهِمْ وَلاَ عَنْ زِنَاهُمْ وَلاَ عَنْ سَرِقَتِهِمْ".
التعليق
المشهد الأول يمثل المشهد
الكلاسيكي للبوق، أي بوق من سباعية أبواق الأبوكاليبسيس أي استعلان آلية عمل سر
الله في تحقيق وجود رافد معين من روافد الكنيسة، والآلية المقصودة هي آلية شركة
الموت مع المسيح، وبالتالي الشركة في قيامته والتموقع في جسده ككنيسة. يؤذن لقيد
اشتراكهم في موت المسيح – الذي نفرضه عيهم – بالانفكاك فينطلق الحدث النعموي الذي
يميتهم مع المسيح ك " ثلث "، أي
كرافد ثالث من روافد امتلاء الكنيسة، مع الرافدين الآخرين: نحن أبناء دعوة الكرازة
– الذين استعلن فينا سر الله في الأبواق الأربعة الأولى من السباعية، ورافد الراقدين
الذي استعلن فيه سر الله في البوق الخامس. أما النهر العظيم الفرات فهو رمز مهم
لكنيسة الأمم سوف نتناوله تفصيلا في الجام السادس.
عدد جيوش الفرسان
مئتا ألف ألف
عندما يفتقد سر الله ، في البوق
السادس، ذلك الرافد المقصي والمجهول والمدان من أصحاب رافد الكرازة ، فإن حدثا
دراماتيكيا قد تم في تاريخ علاقة الله بالبشر، وهو انتهاء احتكارية الحقيقة
المطلقة، إلى الأبد، أقصد انتهاء احتكار المسيح كملكية خاصة لهؤلاء الذين صارت لهم
كلمة الوحي، وقد قبلوها عن وعي دونا عن غيرهم. هذا هو مايستعلنه الرقم الذي نحن
بصدده؛ فالرقم هو :" مئتان مضروب ألف مضروب ألف"، الاثنان هو البطلان
والمحو، والمئة، الذي هو: عشرة مضروب عشرة، أي الكل في الكل، هو الاحتكار، من قبل أصحاب
دعوة الكرازة نحو المسيح، في هذا العالم. والألف هو الأبدية. وعندما يذكر الألف،
مرة واحدة في رقم ما مثل " مئة وأربعة وأربعون ألفا "، أو " اثني
عشر ألف"، أو حتى كما في " الحكم الألفي "، فنحن آنئذ بصدد الحديث
عن الحياة الأبدية الخاصة بالكنيسة، كقيمة إيجابية. أما تكرار الرقم " ألف
ألف " فهو يفيد مجرد الديمومة الأبدية لقيمة أو لمفهوم ما، وقد يكون- حتى -
على المستوى السلبي؛ فنحن هنا في الرقم " مئتا ألف ألف " نتحدث عن
الديمومة الأبدية لانتهاء احتكار المسيح لدى رافد معين فقط وهو رافد الكرازة
بالإنجيل، في هذا العالم.
2- المشهد الثاني : السفر الحلو، المر (10: 1- 11 )
" ثُمَّ رَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ
قَوِيًّا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ، مُتَسَرْبِلًا بِسَحَابَةٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ قَوْسُ
قُزَحَ، وَوَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَرِجْلاَهُ كَعَمُودَيْ نَارٍ، وَمَعَهُ فِي يَدِهِ
سِفْرٌ صَغِيرٌ مَفْتُوحٌ. فَوَضَعَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْبَحْرِ وَالْيُسْرَى
عَلَى الأَرْضِ،
وَصَرَخَ
بِصَوْتٍ عَظِيمٍ كَمَا يُزَمْجِرُ الأَسَدُ. وَبَعْدَ مَا صَرَخَ تَكَلَّمَتِ الرُّعُودُ
السَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا. وَبَعْدَ مَا
تَكَلَّمَتِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ بِأَصْوَاتِهَا، كُنْتُ مُزْمِعًا أَنْ أَكْتُبَ،
فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا لِيَ: «اخْتِمْ عَلَى مَا تَكَلَّمَتْ
بِهِ الرُّعُودُ السَّبْعَةُ وَلاَ تَكْتُبْهُ». وَالْمَلاَكُ الَّذِي رَأَيْتُهُ وَاقِفًا
عَلَى الْبَحْرِ وَعَلَى الأَرْضِ، رَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَأَقْسَمَ بِالْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ،
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَمَا فِيهَا وَالأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَالْبَحْرَ وَمَا
فِيهِ: أَنْ لاَ يَكُونَ زَمَانٌ بَعْدُ!
بَلْ فِي أَيَّامِ صَوْتِ الْمَلاَكِ السَّابعِ مَتَى أَزْمَعَ أَنْ يُبَوِّقَ،
يَتِمُّ أَيْضًا سِرُّ اللهِ، كَمَا بَشَّرَ عَبِيدَهُ الأَنْبِيَاءَ. وَالصَّوْتُ
الَّذِي كُنْتُ قَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ السَّمَاءِ كَلَّمَنِي أَيْضًا وَقَالَ: «اذْهَبْ
خُذِ السِّفْرَ الصَّغِيرَ الْمَفْتُوحَ فِي يَدِ الْمَلاَكِ الْوَاقِفِ عَلَى الْبَحْرِ
وَعَلَى الأَرْضِ». فَذَهَبْتُ إِلَى الْمَلاَكِ
قَائِلًا لَهُ: «أَعْطِنِي السِّفْرَ الصَّغِيرَ». فَقَالَ لِي: «خُذْهُ وَكُلْهُ،
فَسَيَجْعَلُ جَوْفَكَ مُرًّا، وَلكِنَّهُ فِي فَمِكَ يَكُونُ حُلْوًا كَالْعَسَلِ».
فَأَخَذْتُ السِّفْرَ الصَّغِيرَ مِنْ يَدِ الْمَلاَكِ وَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ فِي فَمِي
حُلْوًا كَالْعَسَلِ. وَبَعْدَ مَا أَكَلْتُهُ صَارَ جَوْفِي مُرًّا. فَقَالَ لِي: «يَجِبُ أَنَّكَ تَتَنَبَّأُ أَيْضًا
عَلَى شُعُوبٍ وَأُمَمٍ وَأَلْسِنَةٍ وَمُلُوكٍ كَثِيرِينَ» ".
التعليق
أخذ يوحنا السفر الصغير من يد
الملاك – الواقف بيمينه على البحر وبيساره على الأرض – وأكله فكان حلوا كالعسل في
فمه وبعدما أكله صار جوفه مرا. مشهد الملاك يرصد العلاقة بين رافدنا ورافد كنيسة
الأمم، والسفر الصغير هو كلمة الإيمان، الحلوة كالعسل في فمنا ولكنها مرة في جوفنا
لأننا لا نتخيل أن هذه الكلمة لها علاقة بهؤلاء، المدانين من قبلنا – كمحتكري
المسيح -كما نظن – لذلك كانت توصية الملاك ليوحنا : «يَجِبُ أَنَّكَ تَتَنَبَّأُ أَيْضًا
عَلَى شُعُوبٍ وَأُمَمٍ وَأَلْسِنَةٍ وَمُلُوكٍ كَثِيرِينَ». وفي شرح رائع لمفهوم
الكلمة " الحائرة " بيننا وبينهم يرصد الرسول بولس هذه الإشكالية، كيف
تصلهم الكلمة بدون كرازتنا " نحن " أصحاب الكرازة!، معضلة شديدة جدا،
فيكتب: " لكِنْ مَاذَا يَقُولُ؟ «اَلْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ، فِي فَمِكَ وَفِي
قَلْبِكَ» أَيْ كَلِمَةُ الإِيمَانِ الَّتِي نَكْرِزُ بِهَا: لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ
بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ،
خَلَصْتَ. لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ
لِلْبِرِّ، وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ. لأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: «كُلُّ
مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى». لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْيَهُودِيِّ وَالْيُونَانِيِّ،
لأَنَّ رَبًّا وَاحِدًا لِلْجَمِيعِ، غَنِيًّا لِجَمِيعِ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِهِ.
لأَنَّ «كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ
يَخْلُصُ». فَكَيْفَ يَدْعُونَ بِمَنْ لَمْ
يُؤْمِنُوا بِهِ ؟ وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ
بِلاَ كَارِزٍ؟ وَكَيْفَ يَكْرِزُونَ
إِنْ لَمْ يُرْسَلُوا؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ
بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِينَ بِالْخَيْرَاتِ». لكِنْ لَيْسَ الْجَمِيعُ قَدْ أَطَاعُوا
الإِنْجِيلَ، لأَنَّ إِشَعْيَاءَ يَقُولُ: «يَا رَبُّ مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟» إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ
اللهِ. لكِنَّنِي أَقُولُ: أَلَعَلَّهُمْ لَمْ
يَسْمَعُوا؟ بَلَى! «إِلَى جَمِيعِ الأَرْضِ خَرَجَ صَوْتُهُمْ، وَإِلَى أَقَاصِي الْمَسْكُونَةِ
أَقْوَالُهُمْ». لكِنِّي أَقُولُ: أَلَعَلَّ
إِسْرَائِيلَ لَمْ يَعْلَمْ؟ أَوَّلًا مُوسَى يَقُولُ: «أَنَا أُغِيرُكُمْ بِمَا لَيْسَ
أُمَّةً. بِأُمَّةٍ غَبِيَّةٍ أُغِيظُكُمْ». ثُمَّ إِشَعْيَاءُ يَتَجَاسَرُ وَيَقُولُ: «وُجِدْتُ
مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي، وَصِرْتُ ظَاهِرًا لِلَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا عَنِّي»
( رومية 10: 8- 20 ).
3- المشهد الثالث: الشاهدان (11: 1- 14 )
" ثُمَّ أُعْطِيتُ قَصَبَةً شِبْهَ
عَصًا، وَوَقَفَ الْمَلاَكُ قَائِلًا لِي: «قُمْ وَقِسْ هَيْكَلَ اللهِ وَالْمَذْبَحَ
وَالسَّاجِدِينَ فِيهِ. وَأَمَّا الدَّارُ
الَّتِي هِيَ خَارِجَ الْهَيْكَلِ، فَاطْرَحْهَا خَارِجًا وَلاَ تَقِسْهَا، لأَنَّهَا
قَدْ أُعْطِيَتْ لِلأُمَمِ، وَسَيَدُوسُونَ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ اثْنَيْنِ
وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا. وَسَأُعْطِي لِشَاهِدَيَّ،
فَيَتَنَبَّآنِ أَلْفًا وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْمًا، لاَبِسَيْنِ مُسُوحًا». هذَانِ هُمَا الزَّيْتُونَتَانِ وَالْمَنَارَتَانِ
الْقَائِمَتَانِ أَمَامَ رَبِّ الأَرْضِ. وَإِنْ
كَانَ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا، تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ فَمِهِمَا وَتَأْكُلُ
أَعْدَاءَهُمَا. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا، فَهكَذَا لاَ بُدَّ
أَنَّهُ يُقْتَلُ. هذَانِ لَهُمَا السُّلْطَانُ
أَنْ يُغْلِقَا السَّمَاءَ حَتَّى لاَ تُمْطِرَ مَطَرًا فِي أَيَّامِ نُبُوَّتِهِمَا،
وَلَهُمَا سُلْطَانٌ عَلَى الْمِيَاهِ أَنْ يُحَوِّلاَهَا إِلَى دَمٍ، وَأَنْ يَضْرِبَا
الأَرْضَ بِكُلِّ ضَرْبَةٍ كُلَّمَا أَرَادَا. وَمَتَى تَمَّمَا شَهَادَتَهُمَا، فَالْوَحْشُ الصَّاعِدُ
مِنَ الْهَاوِيَةِ سَيَصْنَعُ مَعَهُمَا حَرْبًا وَيَغْلِبُهُمَا وَيَقْتُلُهُمَا.
وَتَكُونُ جُثَّتَاهُمَا عَلَى شَارِعِ الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تُدْعَى
رُوحِيًّا سَدُومَ وَمِصْرَ، حَيْثُ صُلِبَ رَبُّنَا أَيْضًا. وَيَنْظُرُ أُنَاسٌ مِنَ الشُّعُوبِ وَالْقَبَائِلِ
وَالأَلْسِنَةِ وَالأُمَمِ جُثَّتَيْهِمَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَنِصْفًا، وَلاَ يَدَعُونَ
جُثَّتَيْهِمَا تُوضَعَانِ فِي قُبُورٍ. وَيَشْمَتُ
بِهِمَا السَّاكِنُونَ عَلَى الأَرْضِ وَيَتَهَلَّلُونَ، وَيُرْسِلُونَ هَدَايَا بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ لأَنَّ هذَيْنِ النَّبِيَّيْنِ كَانَا قَدْ عَذَّبَا السَّاكِنِينَ عَلَى
الأَرْضِ. ثُمَّ بَعْدَ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ
وَالنِّصْفِ، دَخَلَ فِيهِمَا رُوحُ حَيَاةٍ مِنَ اللهِ، فَوَقَفَا عَلَى أَرْجُلِهِمَا.
وَوَقَعَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى الَّذِينَ كَانُوا يَنْظُرُونَهُمَا. وَسَمِعُوا صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا
لَهُمَا: «اصْعَدَا إِلَى ههُنَا». فَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ فِي السَّحَابَةِ، وَنَظَرَهُمَا
أَعْدَاؤُهُمَا. وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ حَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ، فَسَقَطَ
عُشْرُ الْمَدِينَةِ، وَقُتِلَ بِالزَّلْزَلَةِ أَسْمَاءٌ مِنَ النَّاسِ: سَبْعَةُ
آلاَفٍ. وَصَارَ الْبَاقُونَ فِي رَعْبَةٍ، وَأَعْطَوْا مَجْدًا لإِلهِ السَّمَاءِ.
الْوَيْلُ
الثَّانِي مَضَى وَهُوَذَا الْوَيْلُ الثَّالِثُ يَأْتِي سَرِيعًا".
التعليق
المشهد الثالث يرصد العلاقة بين رافدينا ( نحن
والراقدين )، من ناحية، ورافد كنيسة الأمم، من ناحية أخرى. هم في الخارج، خارج
هيكل الله والمذبح والساجدين فيه، غير خاضعين للقياس، ونحن نراهم مدنسين للمدينة
المقدسة. هم مدانون تماما من طرفنا نحن الاثنين. أما نحن فإننا الشاهدان،
الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض. نحن دائما في ود مفقود مع "
الساكنين على الأرض "، وقد سبق أن تناولنا هذا التعبير، وهو يشير إلى كل ماهو
ضد مجيء المسيح في الكنيسة، ولكننا نحن الاثنين صاعدان إلى السماء في السحابة بمرأى
من أعدائنا الساكنين على الأرض الشامتين بنا.
سدوم ومصر
ماهي علاقة سدوم بمصر؟ وماهي
علاقة الاثنين بصليب الرب؟ لغز، حله في إدراك مدلول إشارة كل من الاسمين، على حدة.
سدوم ومصر، خلفيتان – أو قل مرجعيتان – سلبيتان، لرافدين من روافد الكنيسة
الثلاثة، وهما الكرازة والراقدين. هما يمثلان الهلاك المحقق الذي نجا منه
الرافدان. سدوم هلاك نجا منه رافد الكرازة، وكما حفظت سدوم – قديما – حتى ماخرج
منها لوط وأسرته الصغيرة، هكذا يحفظ الكون من الانهيار حتى مايكتمل خلاص جميع
افراد رافد الكرازة" المتبقين حتى اكتمال مجيء الرب"( راجع: 1تس4: 15-
17 )؛ لأن " السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ الْكَائِنَةُ الآنَ، فَهِيَ مَخْزُونَةٌ
بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ عَيْنِهَا، مَحْفُوظَةً لِلنَّارِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَهَلاَكِ
النَّاسِ الْفُجَّار"( 2بط3: 7 ). أما مصر فهي خلفية هلاك إسرائيل القديم،
رافد الراقدين، التي نجا منها عابرا إلى المسيح، الكلمة المتجسد، حينما ظهر متجسدا.
وإن كان أصحاب الرافدين مهددين بالهلاك – بحكم طبيعتهم- إلا أنهم، في المسيح، وحينما يشتركون في موته –
كل بحسب خصيصة وضعه- يحسب موتهم استثمارا لحساب الحياة، ومن هنا يتضح مدلول الربط
بين " سدوم ومصر " – من ناحية - وصليب ربنا، من ناحية أخرى. وأما فناؤهم
– بحسب عتيقهم - لأن" الْوَحْشُ الصَّاعِدُ مِنَ الْهَاوِيَةِ سَيَصْنَعُ مَعَهُمَا
حَرْبًا وَيَغْلِبُهُمَا وَيَقْتُلُهُمَا"( رؤ 11: 7 )- فهو ليس نهاية أبدية
بالنسبة لهم ؛ لذلك " لاَ يَدَعُونَ جُثَّتَيْهِمَا تُوضَعَانِ فِي قُبُورٍ"(
11: 9 ) لأنهم في الواقع، وبحسب مجيئهم في المسيح فهم ليسوا أمواتا إلى الأبد، بل
هم صاعدون في المسيح إلى السماء أمام أعين الشامتين فيهم.
كان لوط- بأسرته الصغيرة – ممثلا للفرقة الناجية من محرقة سدوم، مثلما كان نوح بأسرته ممثلا للفرقة الناجية من هلاك الطوفان. هكذا، ودائما، وفي هذا العالم، يرى أصحاب رافد الكرازة أنفسهم الفرقة الناجية الوحيدة. وكما كانت ابنتا لوط مقتنعتين بأنهما تحتكران الرجل الوحيد الموجود على الأرض، أي لوط أبيهما، هكذا يرى رافد الكرازة نفسه بالنسبة للرجل الوحيد، يسوع المسيح، الذي خطب له. وكما أنه في غياب للوعي عند لوط، رزقت هذه الأسرة بابنين ، هكذا أيضا، وفي عدم وعي من أصحاب رافد الكرازة تتكمل الكنيسة ليتكشف، في حياة الدهر الآتي أن رافدنا قد رزق برافدين آخرين يكملان – معه – جسد المسيح، رجل الكنيسة وعريسها الأوحد. وإذذاك، حينما يكشف النقاب - المخيم على وعي رافد الكرازة في هذا العالم- فسوف يصاب رافدنا بالدهشة لوجود الآخر، المغاير، كشريك معه في الكنيسة الكاملة. وبالمناسبة، المفاجأة الأخيرة في هذا السياق هي أن معنى الاسم " لوط " هو " الغطاء أو الحجاب أو النقاب". ترى هل أدركنا الآن مدى احتياجنا إلى رفع الغطاء، إلى الأبوكاليبس ؟
كان لوط- بأسرته الصغيرة – ممثلا للفرقة الناجية من محرقة سدوم، مثلما كان نوح بأسرته ممثلا للفرقة الناجية من هلاك الطوفان. هكذا، ودائما، وفي هذا العالم، يرى أصحاب رافد الكرازة أنفسهم الفرقة الناجية الوحيدة. وكما كانت ابنتا لوط مقتنعتين بأنهما تحتكران الرجل الوحيد الموجود على الأرض، أي لوط أبيهما، هكذا يرى رافد الكرازة نفسه بالنسبة للرجل الوحيد، يسوع المسيح، الذي خطب له. وكما أنه في غياب للوعي عند لوط، رزقت هذه الأسرة بابنين ، هكذا أيضا، وفي عدم وعي من أصحاب رافد الكرازة تتكمل الكنيسة ليتكشف، في حياة الدهر الآتي أن رافدنا قد رزق برافدين آخرين يكملان – معه – جسد المسيح، رجل الكنيسة وعريسها الأوحد. وإذذاك، حينما يكشف النقاب - المخيم على وعي رافد الكرازة في هذا العالم- فسوف يصاب رافدنا بالدهشة لوجود الآخر، المغاير، كشريك معه في الكنيسة الكاملة. وبالمناسبة، المفاجأة الأخيرة في هذا السياق هي أن معنى الاسم " لوط " هو " الغطاء أو الحجاب أو النقاب". ترى هل أدركنا الآن مدى احتياجنا إلى رفع الغطاء، إلى الأبوكاليبس ؟
الجام السادس
" ثُمَّ سَكَبَ الْمَلاَكُ السَّادِسُ
جَامَهُ عَلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ الْفُرَاتِ، فَنَشِفَ مَاؤُهُ لِكَيْ يُعَدَّ
طَرِيقُ الْمُلُوكِ الَّذِينَ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ. وَرَأَيْتُ مِنْ فَمِ
التِّنِّينِ، وَمِنْ فَمِ الْوَحْشِ، وَمِنْ فَمِ النَّبِيِّ الْكَذَّابِ،
ثَلاَثَةَ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ شِبْهَ ضَفَادِعَ،
فَإِنَّهُمْ أَرْوَاحُ شَيَاطِينَ صَانِعَةٌ آيَاتٍ، تَخْرُجُ عَلَى
مُلُوكِ الْعَالَمِ وَكُلِّ الْمَسْكُونَةِ، لِتَجْمَعَهُمْ لِقِتَالِ ذلِكَ
الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، يَوْمِ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. «هَا أَنَا آتِي كَلِصٍّ! طُوبَى لِمَنْ
يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَلاَ يَمْشِيَ عُرْيَانًا فَيَرَوْا
عُرْيَتَهُ». فَجَمَعَهُمْ إِلَى
الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ «هَرْمَجَدُّونَ»"( 16: 12- 16).
التعليق
لدينا مستويات ثلاثة لمحاولة
الاقتراب - بطريقة أكثر عمقا- من النص :
1- المستوى الأول هو المستوى
النبوي؛ نبوات قديمة عن منقذ مؤيد من الرب سوف يأتي في قادم الأيام ليقهر بابل
ويحرر شعب الله المسبي:
" هكَذَا
يَقُولُ الرَّبُّ فَادِيكَ وَجَابِلُكَ مِنَ الْبَطْنِ: ... الْقَائِلُ عَنْ أُورُشَلِيمَ: سَتُعْمَرُ،
وَلِمُدُنِ يَهُوذَا: سَتُبْنَيْنَ، وَخِرَبَهَا أُقِيمُ. الْقَائِلُ لِلُّجَّةِ:
انْشَفِي، وَأَنْهَارَكِ أُجَفِّفُ. الْقَائِلُ
عَنْ كُورَشَ: رَاعِيَّ، فَكُلَّ مَسَرَّتِي يُتَمِّمُ. وَيَقُولُ عَنْ أُورُشَلِيمَ:
سَتُبْنَى، وَلِلْهَيْكَلِ: سَتُؤَسَّسُ»"( إشعياء44: 24- 28 ).
" هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ لِمَسِيحِهِ،
لِكُورَشَ الَّذِي أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ لأَدُوسَ أَمَامَهُ أُمَمًا، وَأَحْقَاءَ
مُلُوكٍ أَحُلُّ، لأَفْتَحَ أَمَامَهُ الْمِصْرَاعَيْنِ، وَالأَبْوَابُ لاَ تُغْلَقُ:
«أَنَا أَسِيرُ قُدَّامَكَ وَالْهِضَابَ أُمَهِّدُ. أُكَسِّرُ مِصْرَاعَيِ النُّحَاسِ،
وَمَغَالِيقَ الْحَدِيدِ أَقْصِفُ. وَأُعْطِيكَ ذَخَائِرَ الظُّلْمَةِ وَكُنُوزَ الْمَخَابِئِ،
لِكَيْ تَعْرِفَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي يَدْعُوكَ بِاسْمِكَ، إِلهُ إِسْرَائِيلَ. لأَجْلِ عَبْدِي يَعْقُوبَ، وَإِسْرَائِيلَ مُخْتَارِي،
دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. لَقَّبْتُكَ وَأَنْتَ لَسْتَ تَعْرِفُنِي. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلهَ سِوَايَ.
نَطَّقْتُكَ وَأَنْتَ لَمْ تَعْرِفْنِي. لِكَيْ يَعْلَمُوا مِنْ مَشْرِقِ
الشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنْ لَيْسَ غَيْرِي. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ.(
إشعياء45: 1- 6).
" حَرٌّ عَلَى مِيَاهِهَا فَتَنْشَفُ،
لأَنَّهَا أَرْضُ مَنْحُوتَاتٍ هِيَ، وَبِالأَصْنَامِ تُجَنُّ"( إرميا50: 38
).
2- المستوى الثاني هو المستوى
الواقعي التاريخي، وفي اعتقادي إن ماهو أعظم من النبوة هو تحقق النبوة، ولم أر
نبوة قد تحققت بهذا المستوى من الدقة أكثر من هذه النبوة؛ فهاهو الرب - بعد أكثر
من مئة سنة من النبوة - يرسل كورش الفارسي - الأممي ، كورش بنفس الاسم المذكور في النبوة - الذي لم يعرف الرب ، يأتي بجيشه ويحول مجرى مياه الفرات، النهر
الكبير، فيجف وينشف ماؤه، فيزول الحاجز
وتسقط حصانة بابل ويدخل كورش وجيشه، فتسقط بابل بغير مقاومة، ويحرر المسبيين ويسمح
بعودتهم إلى أورشليم ويسمح بإعادة بناء وترميم الهيكل.
3- المستوى الرمزي وهو الذي يكشفه
هذا النص الخاص بالجام السادس؛ فهاهو كورش الحقيقي المسيح الرب يفتقد شعبا له مسبي
في بابل المدانة والمحكوم عليها بالهلاك من طرفنا، نحن أبناء دعوة الإنجيل، هؤلاء
هم كنيسة الأمم الذين لا نعرفهم وهم لا يعرفوننا ولا يعرفون أنفسهم ،ككنيسة، ولكن
كما اقتاد كورش القديم- الذي سماه إشعياء مسيح الرب، وهو أممي لا يعرف الرب- كما
اقتاد الشعب المسبي في بابل إلى أن يعود إلى وطنه، هكذا فرافد كنيسة الأمم له نصيب
معنا ومع الراقدين، في الرب " لأَنَّ الْخَرُوفَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْعَرْشِ
يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ، وَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ
دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ "( رؤ7: 17 )، كما هو مذكور في فتح الختم السادس،
ختم كنيسة الأمم.
وكنيسة الأمم هي الكنيسة الناجية
من الاغتراب في بابل، هي هاربة من وسط الغضب المصبوب عليها، حدث هذا بالنسبة لبابل
القديمة، ففي إرميا:" اهْرُبُوا مِنْ وَسْطِ بَابِلَ، وَانْجُوا كُلُّ وَاحِدٍ
بِنَفْسِهِ. لاَ تَهْلِكُوا بِذَنْبِهَا، لأَنَّ هذَا زَمَانُ انْتِقَامِ الرَّبِّ،
هُوَ يُؤَدِّي لَهَا جَزَاءَهَا. بَابِلُ كَأْسُ ذَهَبٍ بِيَدِ الرَّبِّ تُسْكِرُ كُلَّ
الأَرْضِ. مِنْ خَمْرِهَا شَرِبَتِ الشُّعُوبُ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ جُنَّتِ الشُّعُوبُ.
سَقَطَتْ بَابِلُ بَغْتَةً وَتَحَطَّمَتْ. وَلْوِلُوا عَلَيْهَا. خُذُوا بَلَسَانًا
لِجُرْحِهَا لَعَلَّهَا تُشْفَى! دَاوَيْنَا بَابِلَ فَلَمْ تُشْفَ. دَعُوهَا، وَلْنَذْهَبْ
كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ، لأَنَّ قَضَاءَهَا وَصَلَ إِلَى السَّمَاءِ، وَارْتَفَعَ
إِلَى السَّحَابِ"( إرميا:51: 6-9 ).ونفس الوضع يكشفه سفر الرؤيا، بنفس
التعبيرات تقريبا فيكتب يوحنا:" لأَنَّهُ
مِنْ خَمْرِ غَضَبِ زِنَاهَا قَدْ شَرِبَ جَمِيعُ الأُمَمِ، وَمُلُوكُ الأَرْضِ زَنَوْا
مَعَهَا، وَتُجَّارُ الأَرْضِ اسْتَغْنَوْا مِنْ وَفْرَةِ نَعِيمِهَا». ثُمَّ سَمِعْتُ
صَوْتًا آخَرَ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا: «اخْرُجُوا مِنْهَا يَا شَعْبِي لِئَلاَّ
تَشْتَرِكُوا فِي خَطَايَاهَا، وَلِئَلاَّ تَأْخُذُوا مِنْ ضَرَبَاتِهَا. لأَنَّ خَطَايَاهَا
لَحِقَتِ السَّمَاءَ، وَتَذَكَّرَ اللهُ آثَامَهَا"( رؤ18: 3- 5) . هم إذن
خارجون وهاربون وناجون من كل ماهو موطن للدينونة، من كل ماهو محسوب على ضد المسيح
وضد مجيئه في كنيسته.
الفرات النهر الكبير، هو كبير منذ القديم، قدم
أبينا إبراهيم؛ فهو وارد في الميثاق الذي قطعه معه:" فِي
ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلًا: « لِنَسْلِكَ
أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ"(
تك 15: 18 ). ومعنى أن ينشف ماء النهر هو أن يزول الحاجز المانع لدخول كورش وجنوده
لبابل، قديما، والمانع لخروج الشعب المسبي ليعود
لوطنه، أيضا. وعلى مستوى الرمز - موضوعنا- يعني زوال الحاجز أمام كنيسة
الأمم التي كانت مسبية ومتغربة ومجهلة ومجهولة بالنسبة لنفسها وبالنسبة لنا - زوال الحاجز الذي يفصلها عن العودة لإسرائيل
الجديد ، أورشليم الكنيسة، جسد المسيح.
هرمجدون
هذا الاسم الذي لا يوجد إلا في هذا الموضع من الكتاب المقدس، ويشير إلى المعركة النهائية الفاصلة بين الخير والشر -كما يظن - التي موضعها شمال إسرائيل في وادي يزرعيل- تل مجدو، والآن هي " كيبوتس، بالعبري، مستوطنة " - وفي اعتقادي هي المعركة الفاصلة في القضاء على العنصرية والإقصاء والتجاهل لكنيسة الأمم لحظة عودتهم للتموضع في الكنيسة جسد الرب؛ ورمزية موقع جبال مجدو شمال اسرائيل - مما يجعل موقعها الاستراتيجي - عسكريا وتجاريا - هو أول مايستقبل القادمين من الشرق، في اسرائيل، بعد عبورهم السهل للفرات الناشف، وزواله كحاجز بين اسرائيل ودول الشرق والشمال الشرقي - هذه الرمزية تدعم مفهومنا عن هرمجدون كمعركة يهزم فيها كل ماهو ضد مجيء الرب في رافد كنيسة الأمم . هذا هو الغضب الإلهي المصبوب في الجام السادس.
هذا الاسم الذي لا يوجد إلا في هذا الموضع من الكتاب المقدس، ويشير إلى المعركة النهائية الفاصلة بين الخير والشر -كما يظن - التي موضعها شمال إسرائيل في وادي يزرعيل- تل مجدو، والآن هي " كيبوتس، بالعبري، مستوطنة " - وفي اعتقادي هي المعركة الفاصلة في القضاء على العنصرية والإقصاء والتجاهل لكنيسة الأمم لحظة عودتهم للتموضع في الكنيسة جسد الرب؛ ورمزية موقع جبال مجدو شمال اسرائيل - مما يجعل موقعها الاستراتيجي - عسكريا وتجاريا - هو أول مايستقبل القادمين من الشرق، في اسرائيل، بعد عبورهم السهل للفرات الناشف، وزواله كحاجز بين اسرائيل ودول الشرق والشمال الشرقي - هذه الرمزية تدعم مفهومنا عن هرمجدون كمعركة يهزم فيها كل ماهو ضد مجيء الرب في رافد كنيسة الأمم . هذا هو الغضب الإلهي المصبوب في الجام السادس.
والمفاجأة التي تفجرها " هرمجدون " هي
أن المعركة النهائية الفاصلة ليست بين الخير والشر ولكن بين الخير ومايظن أنه خير؛
فالخير واضح والشر واضح، أيضا، ولكن أن تظن أنك تحتكر المسيح وحدك، فقط لأنك تعي
عنه بعضا من المعرفة - وتلتمس إليه سبيلا بتأديتك بعضا من الطقوس وبعضا من ماتظنه
جهادا ونسكا، وترى أن هذا يكفيك طريقا إليه ويكفي لحجب غيرك عن أن يصل إليه – فهذا
أمر بشع ويستحق أن يكون مستهدفا لمعركة الفصل. وأما ماهو أكثر بشاعة من ذلك فهو ظنك-
ولو عن غير وعي أو غير قصد - أن المسيح الذي يجيء فيك -كرافد دعوة الإنجيل
والكرازة الرسولية – غير قادر على أن يجيء في غيرك، فقط لمجرد أن كرازتك بالمسيح
لم تصل إليه، ومياهك لم تغمره، وجمرات مذبحك لم تلمس شفتيه، وابتهالاتك لم تصدح من
فمه، والسؤال هو: هل يعجز ذاك، الذي قهر الموت بموته، أن يقهر تلك الحواجز، فيصل-
بتدبير مغاير- إلى هؤلاء ليأتي بهم في ذاته ،كما أتى بك؟ إذن هي المعركة ضد احتكار
المسيح واختطافه أسيرا أبديا لقناعاتنا ؛ فبدلا من أن يحررنا، فيه، استعبدناه،
فينا، ففي أي مستنقع ضلال قد غرقنا؟ أليست هذه المنظومة من الوهم تستحق هرمجدون؟
أليس الفصل – دائما – يكون بين الوهم والحقيقة، بين شبه الخير والخير، وليس بين
الشر والخير، لأن الفصل بينهما لا يتطلب الجهد الجهيد؟ أليس إن ملأنا الكون ضجيجا
ونقيقا ( كالضفادع )، ولغوا، عن شخص المسيح - وقد احتكرناه لأنفسنا، وحرمنا الآخر منه - مدفوعين
بكل روح شرير - كما لو كان انتماؤنا إليه هو مجرد انتماء لاسم وليس تلبسا لكيان
الشخص - الذي يستطيع أن يكون ملبسا
لغيرنا، أيضا - أليس إن انحرفنا إلى هذا
نكون معرضين لأن يفتضح أمرنا في يوم الله حينما يفاجئ من لم يلبسوه، يفاجئهم بأنهم
عرايا منه بعد أن اكتمل مجيئه في كنيسته التي تستوعب الجميع بما فيهم كنيسة
الأمم.
مجدي داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق