الاستيطان عند الرب
هل الرب وطن أم إنه شخص؟ وإذا كان
وطنا فمن هو الشعب الساكن فيه والمنتمي إليه ؟ هل هو مملكة؟ ماهي حدود العلاقة بين
الشعب والملك الذي يحكم هذا الشعب؟ هذه
الأسئلة وغيرها تتداعى على أذهاننا إذا تعاطينا مع ماهو مبعث مسرة الرسول بولس
حينما كتب :" فَنَثِقُ وَنُسَرُّ بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ الْجَسَدِ
وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ الرَّبِّ"( 2كو5: 8 ). وبالعودة إلى سياق
الإصحاح الخامس من الرسالة الثانية لأهل
كورنثوس نجد أن المقصود بالاستيطان عند الرب هو الوجود الأبدي للبشر المعطى لهم
عوضا عن وجود الترحال في وطن الغربة في هذا العالم،أي الجسد، فيكتب: "
لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي
السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اللهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ. فَإِنَّنَا
فِي هذِهِ أَيْضًا نَئِنُّ مُشْتَاقِينَ إِلَى أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا مَسْكَنَنَا
الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ. وَإِنْ كُنَّا لاَبِسِينَ لاَ نُوجَدُ عُرَاةً. فَإِنَّنَا
نَحْنُ الَّذِينَ فِي الْخَيْمَةِ نَئِنُّ مُثْقَلِينَ، إِذْ لَسْنَا نُرِيدُ أَنْ
نَخْلَعَهَا بَلْ أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا، لِكَيْ يُبْتَلَعَ الْمَائِتُ مِنَ الْحَيَاةِ
... فَإِذًا نَحْنُ وَاثِقُونَ كُلَّ حِينٍ وَعَالِمُونَ أَنَّنَا وَنَحْنُ مُسْتَوْطِنُونَ
فِي الْجَسَدِ، فَنَحْنُ مُتَغَرِّبُونَ عَنِ الرَّبِّ"( 2كو5: 1- 6 ). ولكن
الرسول بولس يفاجئنا في نفس السياق وفي نفس الإصحاح الخامس بأن الوطن المنشود هو
شخص، شخص المسيح، وأن الوجود الجديد للبشر هو وجود داخل هذا الشخص، فيكتب :" إِذًا
إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ
قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا "( 2كو5: 17 ). وفي نفس
السياق ولكن من نهاية الإصحاح الرابع يشرح الرسول بولس آلية الاستيطان في الرب- أو
الوجود في المسيح، بكلمات أخرى – فيكشف أن كل شيء هو في انتقال استحقاق ماناله جسد
الرب يسوع نفسه إلينا، فيكتب:" حَامِلِينَ فِي الْجَسَدِ كُلَّ حِينٍ إِمَاتَةَ
الرَّبِّ يَسُوعَ، لِكَيْ تُظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَا. لأَنَّنَا
نَحْنُ الأَحْيَاءَ نُسَلَّمُ دَائِمًا لِلْمَوْتِ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ، لِكَيْ تَظْهَرَ
حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَا الْمَائِتِ. إِذًا الْمَوْتُ يَعْمَلُ فِينَا،
وَلكِنِ الْحَيَاةُ فِيكُمْ.... عَالِمِينَ أَنَّ الَّذِي أَقَامَ الرَّبَّ يَسُوعَ
سَيُقِيمُنَا نَحْنُ أَيْضًا بِيَسُوعَ، وَيُحْضِرُنَا مَعَكُمْ ...لِذلِكَ لاَ نَفْشَلُ،
بَلْ وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا
فَيَوْمًا"( 2كو4: 10- 16 ). وفي موضع وسياق آخر يكتب الرسول :" إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمُوهُ وَعُلِّمْتُمْ
فِيهِ كَمَا هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ، أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ
الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ، وَتَتَجَدَّدُوا
بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ
فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ"( أفس 4: 21- 24 ).
ويعقد الرسول بولس مقارنة بين الوطنين، القديم
الحيواني الفاسد الذي في آدم – والذي تتغرب فيه الكنيسة في هذا العالم - والجديد
الروحاني عديم الموت الذي في المسيح - والذي تتموقع فيه الكنيسة في حياة الدهر
الآتي - فيكتب في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس :" لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ
يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ. وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ
فِي رُتْبَتِهِ: الْمَسِيحُ بَاكُورَةٌ، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ.... لكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: «كَيْفَ يُقَامُ الأَمْوَاتُ؟
وَبِأَيِّ جِسْمٍ يَأْتُونَ؟» يَا غَبِيُّ! الَّذِي تَزْرَعُهُ لاَ يُحْيَا إِنْ لَمْ
يَمُتْ. وَالَّذِي تَزْرَعُهُ، لَسْتَ تَزْرَعُ
الْجِسْمَ الَّذِي سَوْفَ يَصِيرُ، بَلْ حَبَّةً مُجَرَّدَةً، رُبَّمَا مِنْ حِنْطَةٍ
أَوْ أَحَدِ الْبَوَاقِي. وَلكِنَّ اللهَ يُعْطِيهَا جِسْمًا كَمَا أَرَادَ. وَلِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنَ الْبُزُورِ جِسْمَهُ. لَيْسَ كُلُّ جَسَدٍ جَسَدًا وَاحِدًا، بَلْ لِلنَّاسِ
جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَلِلْبَهَائِمِ جَسَدٌ آخَرُ، وَلِلسَّمَكِ آخَرُ، وَلِلطَّيْرِ آخَرُ.
وَأَجْسَامٌ سَمَاوِيَّةٌ، وَأَجْسَامٌ أَرْضِيَّةٌ. لكِنَّ مَجْدَ السَّمَاوِيَّاتِ
شَيْءٌ، وَمَجْدَ الأَرْضِيَّاتِ آخَرُ. مَجْدُ
الشَّمْسِ شَيْءٌ، وَمَجْدُ الْقَمَرِ آخَرُ، وَمَجْدُ النُّجُومِ آخَرُ. لأَنَّ نَجْمًا
يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ. هكَذَا أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ
فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ.
يُزْرَعُ فِي ضَعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُوَّةٍ. يُزْرَعُ جِسْمًا حَيَوَانِيًّا وَيُقَامُ جِسْمًا
رُوحَانِيًّا. يُوجَدُ جِسْمٌ حَيَوَانِيٌّ وَيُوجَدُ جِسْمٌ رُوحَانِيٌّ. هكَذَا مَكْتُوبٌ
أَيْضًا: «صَارَ آدَمُ، الإِنْسَانُ الأَوَّلُ، نَفْسًا حَيَّةً، وَآدَمُ الأَخِيرُ
رُوحًا مُحْيِيًا». لكِنْ لَيْسَ الرُّوحَانِيُّ أَوَّلًا بَلِ الْحَيَوَانِيُّ، وَبَعْدَ
ذلِكَ الرُّوحَانِيُّ. الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ
الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ. كَمَا هُوَ التُّرَابِيُّ هكَذَا التُّرَابِيُّونَ
أَيْضًا، وَكَمَا هُوَ السَّمَاوِيُّ هكَذَا السَّمَاوِيُّونَ أَيْضًا. وَكَمَا لَبِسْنَا
صُورَةَ التُّرَابِيِّ، سَنَلْبَسُ أَيْضًا صُورَةَ السَّمَاوِيِّ. فَأَقُولُ هذَا
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ
اللهِ، وَلاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ"( 1كو15 : 22- 50 ).
المسيح، إذن، هو شخص بحجم وطن، بل هو الوطن الذي تشد الرحال إليه. وهو ليس
مكانا قصيا بل هو وطن باطني يحل فينا ونمتلئ إلى كل ملئه وإلى كل أبعاده بالإيمان،
وفي المحبة، فيكتب: " لِكَيْ يُعْطِيَكُمْ بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ، أَنْ تَتَأَيَّدُوا
بِالْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ، لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ
فِي قُلُوبِكُمْ، وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى
تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ
وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ، وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ
الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ"(
أفس3: 16- 19 ). والمسيح- كوطن - ليس كأي وطن، وعلاقته بشعبه الذي يسكنه ليست
كعلاقة أي شعب بوطنه؛ فهو ليس مجرد ذلك المكان المحبوب والمفضل – بالنسبة للشعب - على
سائر الأوطان والأماكن، بل هو وطن إذا اصطبغ أحد بالانتماء إليه كان هذا اصطباغا
له بالحياة والوجود؛ فعلاقة الانتماء إليه ليست مجرد جنسية أو جواز سفر بل هي
علاقة عضوية يتكمل بها - ويبنى -كيان الوطن إنسانا كاملا، رأسه هو الملك المسيح
وأعضاؤه هم الشعب المنتمي لهذا الوطن، وفي هذا يكتب الرسول بولس: " وَهُوَ أَعْطَى
الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلًا، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ،
وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ،
لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ، إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ
الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ
مِلْءِ الْمَسِيحِ. ... ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ:
الْمَسِيحُ، الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّبًا مَعًا، وَمُقْتَرِنًا بِمُؤَازَرَةِ
كُلِّ مَفْصِل، حَسَبَ عَمَل، عَلَى قِيَاسِ كُلِّ جُزْءٍ، يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ
لِبُنْيَانِهِ فِي الْمَحَبَّةِ"( أفس4: 11- 16 ).
إذن المسيح هو وطن المسحة
المنسابة من الرأس، يسوع الملك، إلى جميع الأعضاء، الشعب، أي الكنيسة. وهو وطن
الخلقة الجديدة النابعة من الرأس، يسوع الملك، إلى جميع الأعضاء، الشعب، أي الكنيسة.
وهو وطن الحياة الأبدية- كشركة في حياة الكلمة ذاته - النابعة من الرأس، يسوع الملك، إلى جميع الأعضاء،
الشعب، أي الكنيسة. وهو وطن الأرض الجديدة والسماء الجديدة الممتدتان من الرأس، يسوع
الملك، إلى جميع الأعضاء، الشعب، أي الكنيسة.
عند الرب
( Pros ton kyrion )
مستوطنوا الرب لايوجدون فيه مجرد
تواجد السكنى والسكن ( من السكون )؛ فوجودهم في الرب وجود ديناميكي فاعل وليس
وجودا استاتيكيا خاملا، هذا ماتلمح إليه " عند" في الأصل اليوناني للنص؛
و" عند " المستخدمة هنا هي " pros "- التي تعني حركة واتجاها، أي "
عندية ديناميكية"( إذا جاز التعبير )- وليست " para
"، التي تعني نوعا من " العندية
الاستاتيكية "( إذا جاز التعبير، أيضا ). وعلاقة الكنيسة بوطنها المسيح -
وفقا لهذا المفهوم للعندية- هي صورة للعلاقة الثالوثية، العلاقة بين شخوص الثالوث
القدوس؛ فليس مصادفة أن يستهل الرسول يوحنا إنجيله برصده لكون أن الابن "عند،
pros " الآب، هكذا: " فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ
كَانَ عِنْدَ اللهِ ( pros ton theon )، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ
اللهِ ( (pros ton theon "( يو1: 1و 2 ).
وعلاقة
الكنيسة بوطنها الرب، هذه، ليست مجرد صورة - بمعنى صورة منعزلة – للعلاقة
الثالوثية بل هي علاقة ضالعة ومنخرطة - نعمويا - داخل مظلة شركة الثالوث؛ ففي الإصحاح
السابع عشر من إنجيله يرصد الرسول يوحنا على فم الرب يسوع - في صلاته – هذه
العلاقة المتداخلة، على مستوى النعمة- من ناحية - وعلى مستوى الثالوث، من الناحية الأخرى،
فيكتب: " كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا
هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. وَأَنَا
قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا
أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى
وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي.
أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ
أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي
قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ"( يو17 : 21- 24 ).
والاستيطان ( الوجود ) عند الرب هو أحد وجهي
علاقة الوجود المتبادل بين الكنيسة والمسيح، تلك العلاقة المعبر عنها إنجيليا
بمفهوم " الثبات المتبادل" بين المسيح والكنيسة، وقد بشر بها الرب بنفسه
قائلا: "مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا
فِيهِ. كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ الْحَيُّ، وَأَنَا حَيٌّ بِالآبِ، فَمَنْ
يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي"( يو6: 56و 57 ). وفي موضع آخر يوصي كنيسته :
" اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ الْغُصْنَ لاَ يَقْدِرُ
أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْكَرْمَةِ، كَذلِكَ
أَنْتُمْ أَيْضًا إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ. أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ
الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ
كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا. إِنْ
كَانَ أَحَدٌ لاَ يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَارِجًا كَالْغُصْنِ، فَيَجِفُّ
وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ، فَيَحْتَرِقُ"( يو15: 4- 6 ).
ودائما ينطلق الحدث من رأسه ومصدره الطبيعي، الرب يسوع؛ ففي رسالته الأولى يكتب
الرسول يوحنا: " مَنِ اعْتَرَفَ أَنَّ يَسُوعَ
هُوَ ابْنُ اللهِ، فَاللهُ يَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِي اللهِ. وَنَحْنُ قَدْ
عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي للهِ فِينَا. اَللهُ مَحَبَّةٌ،
وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ"( 1يو4:
15و 16 ).
إذن الثبات ( الوجود ) المتبادل بين الرب
والكنيسة يلفتنا إلى أن الرب كيان يمتلئ بتوطين أعضاء جدد - من الكنيسة - فيه، إلى
أن يكتمل امتلاؤه بكل الأعضاء المعينين للحياة الأبدية - كشركاء في حياة الكلمة
ذاته - وإذذاك يكون الرب قد تحقق وجوده في كنيسته بنفس قدر تحقق وجود كنيسته فيه؛ فالمعنى
في عبارة الرسول بولس - " نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ
الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ، الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّبًا مَعًا، وَمُقْتَرِنًا
بِمُؤَازَرَةِ كُلِّ مَفْصِل، حَسَبَ عَمَل، عَلَى قِيَاسِ كُلِّ جُزْءٍ، يُحَصِّلُ
نُمُوَّ الْجَسَدِ لِبُنْيَانِهِ فِي الْمَحَبَّةِ"( أفس4: 15 و16 )- هو أنه بينما " نحن " ننمو
إلى الرأس المسيح - أي نكمل كيان المسيح بصيرورتنا جسدا له، باعتباره رأسا – فإن هذا
الجسد " نفسه " - المركب بمؤازرة كل مفصل - ينحدر منه " كرأس"،
ويحصل له النمو في المحبة. أي أن نمونا إليه - الذي يكمله ويملأه- ينحدر إلينا منه،
كمصدر ورأس لنا. إذن الرب وطن يتمدد بتوطين الكنيسة فيه، ومتى اكتملت الكنيسة تكون
حدود الوطن قد تم ترسيمها. هذا هو الابن الوحيد الذي بتجسده، بإخلائه نفسه، قد صار
محدودا فينا لنصير - نحن - مؤلهين فيه، وبامتداد استحقاق
تجسده، فينا، يصبح وجودنا فيه سببا لظهوره كيانا كاملا، وهذا هو الوجود المتبادل
بين الكنيسة والمسيح، بين الكنيسة ووطنها الرب.
مجدي داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق