حوار ساخن جدا حول الاتحاد الأقنومي
نشر هذا الحوار بالتتابع تعليقا
على كتاب " هل يخلص غير المسيحي: نص وتعليقات" ، سبتمبر 2009، على موقع
الدراسات القبطية والأرثوذكسية.
سوستانيس
الخوف من إسقاط
الاتحاد الأقنومي في المسيح يسوع المتجسد عن غير عمد ولا قصد (1)
إن اقترابنا من بعض العبارات والألفاظ الرشيقة, التي وردت بهذا المقال
الجميل والجاد بالتحليل والنقد, لايعني بأي حال من الأحوال, محاولتنا إضفاء صفة
عدم الشرعية أو عدم صحة تلك المحاولة, التي حاولت فتح أغوار أسرار التجسد . لأننا
نتفق مع كاتبنا في الكثير, فيما عدا القليل من العبارات والمصطلحات الجديدة الغير
مستخدمة من قِبَل أبائنا المدافعين عن الأيمان في شرح هذا السر العظيم.
ومن الواضح إن علم الأبائيات
لديه ما يكفيه من مصطلحات لاهوتية قادرة على شرح سر التجسد الإلهي, ولهذا لا
يحب علينا إضافة مصطلحات جديدة بدون دواعي
حقيقية ومخاوف فعلية من وجود هرطقة ما, لأن الباب ليس مفتوحا لجلب وأعتماد ألفاظاً
وتعبيرات جديدة بدون داعي, وإلا تحول علم اللاهوت إلى علم فلسفي يهتم بتجديد نظرياته اللاهوتية, بحسب
المستجدات العقلية. وأن ابتكار مصطلحات جديدة تنشأ نقاط خلافية حديثة معاصرة, لم
نعهد بها من قبل, ليبتعد التعليم برمته عن حياة الناس, .. إذن…لا … لأي مصطلحات جديدة تفتح باباً
نقدياً بحثياً جديداً, .. إذن باختصار…
القاعدة اللاهوتية الحافظة هي التكرار والاجترار, وليس الابتكار. كما أن سر
التجسد هو بالحق سر يفوق قدرات عقولنا التي ما زالت مرتبطة بدواعى الزمان والمكان,
ولهذا لايجب علينا فحصه بمشرط العقل والمنطق, لأننا أن كنا نعرف بعضاً قليلاً من
أسرار إنسانيتنا, فأننا نجهل الكثير جداً من أسرار اللاهوت, فكيف يحق لنا الشرح
والتفصيل, ونحن نجهل على الأقل أحد طرفي الأتحاد الأقنومي لأن القاعدة الروحية التي تواكب
الاستعلان الإلهي أن لا نكتب كل ما يستعلن لنا, .. ليبقى سراً من أسرار التذوق والأختبار
الحقيقى الغير مكتوب ولا مسجل بكلمات, ..
لهذا ( اجاب يسوع وقال له لست تعلم انت الآن ما انا اصنع, ولكنك ستفهم فيما بعد )
يو 7:13
إلا أننا هنا مضطرون – وللأسف – استخدام ذات المنطق والتحليل لنصل لأصل
الكلام ولبه,... سنحاول وضع مقتطفات في متناول القارئ من هذا المقال, ليتضح لنا
بأن بعض من العبارات والتعبيرات والمصطلحات به, قد خرجت عن السياق اللاهوتي المنضبط.
سوستانيس
الخوف من إسقاط
الاتحاد الأقنومي في المسيح يسوع المتجسد عن غير عمد ولا قصد (2)
لأجل
عدم تشتيت القارئ, ومنحه جرعة إضافية من التركيز, أكتفينا بعدد قليل من الصفحات
والعبارات,...ونذكر بعض من تلك الفقرات التى أفتقرت لدقة التعبيرات اللاهوتية,
المعبرة عن الاتحاد الأقنومى … فلنبدأ
إذن:
بصفحة 98:
أنه " بمجرد حلول الكلمة فى أحشاء العذراء. قد ظهر فى كوننا أنسان جديد غير
قابل للموت, ولكن ذلك الجديد قد ظهر فى عالمنا متسربلاً بعتيقه -الذى هو عتيقنا- "…ص 99 : " عتيق يسوع هو فاسد
بالطبيعة, لأنه هو عتيقنا نحن, وهو ظل لابساً إياه حتى ما أسلمه إلى مصيره الطبيعي ( يقصد الموت ), الذي هو مصيرنا. وعندما
تم فيه ذلك ( بالصليب), أعلنت القيامة خلف الحجاب المخلوع ).وفى نفس الصفحة 99
يكمل هكذا: ( إن الموت لم يستطع أن يلتهم من كيان يسوع غير ما يستطع أن يلتهم
من كياننا ….أما فيما يخص يسوع فقد التهم الموت حجاب عتيقة, ليتبقى الإنسان الجديد
المنتصر على الموت ذلك المستتر خلف الحجاب ( إي انسانه العتيق ) ويعاود كاتبنا
التأكيد فى صفحة 105 : إن " النقطة الجوهرية هنا إن كنا نؤمن بأن عتيق
يسوع هو لحم ودم من طبيعتنا, فعلينا أن نؤمن بأن مصيره هو نفس مصيرنا أي العدم
وبانشطار عتيقة إلى شطريه (النفس والجسد)
ونكتفى بهذا العرض المبسط لنخلص
الى :
أولاً: عتيق يسوع هو فاسد
بالطبيعة كعتيقنا تماماً, وأن مصيره كمصيرنا تماماً, للموت والعدم, ولكن اُنقِذَ
-يسوع وليس عتيقه- بالقيامة. كأنقاذ الغريق في اللحظة الأخيرة والفارقة, والتي بعدها
– إن تأخر- يغيب في ظلمات بحار الفساد.
ثانياً: ظل يسوع لابساً إياه –
العتيق الفاسد- لمدة 33 سنة, إلى أن أسلمه لمصيره الطبيعي وهو الموت على خشبة الصليب. وهكذا ظل
المسيح طوال حياته على الأرض بعتيق فاسد, لكي يؤكد لنا أنه قد شابهنا بالحق في كل
شئ. يالهُ من اثبات لم يخطر على بال أباءنا طوال قرون طويلة هذه عددها.
ثالثاً: ولد يسوع بجديد وعتيق في
ذات الوقت, ولكن الجديد كان مخفياً في ستار العتيق, ولم يظهر إلا بعد القيامة
,بزوال العتيق بالموت وعدم عودته مرة أخرى ليفسح المجال للجديد الذي ظهر من بيَاتِه العتيق
بالقيامة.
والسؤال هنا كيف
تعايش المسيح مع جديده وعتيقه فى ذات الجسد؟
هل يسوع عاش بميول عتيقه الفاسد
فقط؟ لأنه من الواضح من المقال بأن الجديد كان معطلاً باختفاءه خلف العتيق الفاسد.
أم أن المسيح كان يعاني من صراع واضطراب بسبب
تواجد جديد يسمو في ميوله عن عتيقه؟ أم أن هذا نوعا جديداً من الشزوفيرنيا
الناسوتية التي لم تحدث إلا في المسيح يسوع فقط ؟
رابعاً: ومن خلال القول بأن يسوع
ولد بعتيق فاسد وجديد مخفي في سِتَارِه, نجد أن الموت قادر على التهام العتيق
ليفسح الأجواء للجديد المخفى خلفه. وبالصليب أُهلِكَ او اُلتُهِمَ هذا العتيق من الموت بلا رجعة, ليظهر الجديد
المخفي في سِتَارِه بالقيامة. إذن هناك
جزء من ناسوت ربنا يسوع- وهو عتيقه الفاسد- يُلتَهم من الموت ولا يعود من بعد ابداً.
وما زال لحديثنا بقية ……
سوستانيس
الخوف من إسقاط الاتحاد الأقنومي في المسيح يسوع
المتجسد عن غير عمد ولا قصد ( 3 )
خامساً: حاول الكاتب التخفيف من صدمة بأن
المسيح قد قضى حياته كلها تحت وطأة عتيق فاسد موبوء بالضعفات, مترنحا تحت ثقل
الطبيعة البشرية الفاسدة الضعيفة والواهنة لمدة ليست بقليلة. في ص 99 " بأن إعلان قيامة الرب في فجر الأحد ليس
إعلانا عن تحول العتيق إلى الجديد. بل هو كشف للجديد بعد زوال الحجاب ". وبهذا
يبدأ محاولته في تدارك الصدمة التي ألصقت الفساد والضعف بالمسيح على مدار حياته
كلها. ولهذا كانت المحاولة المطمئنة بأقرار وتأكيد . . عدم وجود عتيق يسوع الفاسد
منفرداً, بل وجد أيضا وملازماً لعتيقه الجسد الجديد الطاهر, ولكنه كان مستتراً
خلفه, وبهذا عمل الفاسد كغلاف للبار الطاهر, بالضبط كالورق المزركش المغلِف
للهدايا, ننحيه جانباً لصندوق القمامة لتتبقى لنا هديتنا المُبتغاه, وبالمثل
.. عتيق يسوع قد تم التخلص منه بالموت ليلتهمه العدم والفناء, ليتبقى لنا جديد
يسوع المراد الحصول عليه, وهذا هو المنطلق الذي اكده المقال, بأن العتيق لا يتحول
إلى جديد. بل ينتهي العتيق لمصيره المحتوم.
فهل يصلح لاهوتياً
أحتواء الفاسد للطاهر؟ وليس فقط يحتويه بل استطاع أن يسود عليه ويستره ويخفيه! فهل
من سيادة للفاسد على كلي الطهارة
والقداسة؟
سادساً: إلا أن هذا التدارك لم
يكن كافياً لحل الإشكال, فحاول محاولة أخرى في ص 105 محاولة أكثر جراءة
وصحة فقال: " في القبر لم يتحلل عتيق يسوع, كما نتحلل نحن الآن ليس لأنه القدوس
الذي لا يرى فساداً, بل لأن تحلل الأجساد ما هو إلا مرحلة من مراحل الموت, تلك التي تكتمل
بالعدم والفناء, وهذا هو ما اجتازه
منتصراً جديد يسوع, ففي قبر يسوع نزل الكلمة المتجسد إلى قاع الجحيم حيث نهاية الخليقة بانحلال
عناصرها وفنائها ".
وبالرغم من تلك المحاولات
التعديلية للمفاهيم, إلا أن المفهوم الأساسي باق كما هو بلا حراك أو تغيير, ألا وهو
أن المسيح عاش متخبطاً مترنحاً تحت ثقل طبيعة ضعيفة فاسدة حتى أسلم جسده
العتيق للموت بالصليب ليخرج إنسانه الجديد المستتر الى النور بالقيامة.
سابعاً: ناسوت المسيح المنقسم - وهذا لأول مرة في تاريخ علم
الأبائيات- إلى عتيق وجديد, في تشكيل منسجم لناسوت المسيح يسوع, ليعملان معاً
في حياة الرب, وفجأة ينقلب هذا الأنسجام رأساً على عقب, ليتخلص الرب من عتيقه
الفاسد بأماتته على الصليب, ليتحرر منه بالكامل ويظهر جديده فى القيامة. فهل
نرتضى بنظرية حرق عتيق يسوع, لنظفر بجديده؟
ثامناً: عتيق يسوع يموت ويهلك
بالصليب, والقيامة لا تستطيع إحياءه مرة أخرى, ولأجل فشل القيامة في تغيير العتيق, لذلك
تقوم القيامة بالكشف ليسوع عن جديده المخفى فيه طوال الوقت. الذي حمله في
طياته وجنباته, ليظهر في ميعاد الظهور والمكاشفة, ليبدأ مرحلة جديدة للعمل, ليعلن
عدم صلاحية استمرار العتيق الفاسد في العمل, ليتم التخلص منه بصفة دائمةً.
اذن عتيق يسوع - الذى دام معه
حياته كلها- قد فشل في اجتياز الموت, لأنه مات ولم يعود, لأن الموت قد وقع على
العتيق وحده, دون الجديد الغير قابل للموت, هذا ما ذكره المقال عن عدم امكانية موت
الجديد فى صفحة 98, ولأجل هذا كانت القيامة هي فرصة الجديد للظهور فقط لا غير. , لذا نستطيع
أن نصف الصليب بأنه هو موت العتيق وإلى الأبد بلا عودة, والقيامة إعلان الكشف عن
الجديد الفاخر, فالذى مات هو العتيق بلا أمل في إحياءه مرة أخرى, والذي ظهر في القيامة هو الجديد الغير قابل
للموت أصلا. إذن الصليب هو موت بلا قيامة, والقيامة ليس لها علاقة بالموت, فهى
مجرد عملية كشفية للمخفي والمستور. إذن الذي مات بالصليب لم يقم بالقيامة. يتبع
……
سوستانيس
الخوف من إسقاط الاتحاد الأقنومي في
المسيح يسوع المتجسد عن غير عمد ولا قصد ( 4 )
تاسعاً:
في ص 104 : " الكيان الجديد ليسوع, الكائن بفضل اتحاد الكلمة
بالبشر, هو الذي قيل عنه لن تدع قدوسك يرى فساداً "، وماذا عن عتيق يسوع إذن ؟ هل يترك للفساد بالرغم من اتحاد الكلمة به
؟ وكيف نقبل للكلمة اتحادا أقنومياً بفاسد
دون أن يُغيّره ؟ أم أن الكلمة قد أتحد بالجديد فقط. تاركاً العتيق فريسة سهلة
للفساد؟ وإن كان الاتحاد هو مع الجديد
فقط, دون العتيق الفاسد. فما هو الهدف والغرض من أن المسيح يأخذ عتيق فاسد لا
يتحد به ؟ هل لكي يميته فقط؟ وإن كان العتيق ليس له طريق ولا سبيل ولا مستقبل سوى الموت
والفناء. فلماذا أخذه المسيح؟
العتيق الفاسد هو للموت والعدم
والفناء, حتى لو لم يتحد به المسيح. فما هو عمل المسيح الخلاصى إذن ؟ المسيح هنا
لم يصنع شيئاً ولا فضلاً ولا خلاصاً !!
فلنتأمل قليلاً … كيف نخلص وقد
أشاحَ الله الآب بوجهه بعيداً عن ما يمثلنا في المسيح, ألا وهو عتيقنا الفاسد؟
بالطبع بحسب رأى المقال . وهل بالحق قد قيل عن الجديد فقط ( لن تدع قدوسك يرى فساداً ) متجاوزاً بذلك
العتيق؟!
فيرعى الله الآب جزءاً في المسيح,
تاركاً جزءاً آخر من ابنه الحبيب للموت والفساد؟
وبهذا حرم العتيق من التغيير, بل
وترك لفساده الشخصي, ليموت ويفنى
بالرغم من وجوده في اتحاد أقنومي, بمن لا يموت ولا يفنى. وهكذا نتأكد من عجز
الله أن يطهر جسده الخاص – الذي قد أتخذه بنفسه – من الضعف, بينما الموت
استطاع أن يخلص الجسد من العتيق الفاسد, وبهذا
صار الموت شريك أساسي وإيجابى في الخلاص, لأنه قد أمات العتيق الفاسد الضعيف
الذي عجز الله بالقيامة عن تغييره, وهذا يُنشئ موضوعاً جديداً في اللاهوت
العقيدي – وياله من موضوع جديد – هو … لاهوت الموت!!
سوستانيس
الخوف من إسقاط الاتحاد الأقنومي في المسيح يسوع
المتجسد عن غير عمد ولا قصد ( 5 )
عاشراً: فى ص
99 " قيامة الرب لم تنشأ في القبر, لأن القيامة هي دليل الاتحاد وثمرته,
ولأن لاهوته لم يفارق ناسوته -لحظة واحدة ولا طرفة عين- فأن القيامة لم تكن إلا
حدثاً متلازماً ومتزامناً للتجسد منذ أول لحظة له فى أحشاء العذراء ". لاحظ
هنا – وهذا للأهمية القصوى – إن تلازم وتزامن فعل ونتائج القيامة لثمرة التجسد,
حدث بطريقة فورية ومباشرة, منذ أول لحظة لاتحاد اللاهوت بالناسوت فى أحشاء
العذراء. وبهذة المقولة الجميلة, .. انقلبت المفاهيم.. تماماً, .. لما سبق عرضه,.. وبهذة المقولة
الرائعة أكد وأقر كاتبنا – بدون أن يدري – ببدء عمل الاتحاد الأقنومي فى المسيح
يسوع إيجابياً, ليؤكد فاعليته منذ اللحظة الأولى للاتحاد , لندرك أهمية عدم فصل فعل القيامة
ونتائجها عن التجسد, بل والذي من خلاله – أي الاتحاد الأقنومي– قد ذابت وتلاشت وأنتهت كل
الفوارق الزمنية في كل الأعمال الخلاصية جملةً وتفصيلاً وأحداثاً, وبهذا قد أبَادَ
وأنتصر المسيح يسوع المتجسد على الموت والفساد والزمن وضعفات الطبيعة البشرية
الساقطة منذ اللحظة الأولى للاتحاد. وما أنتظر حتى الصليب والقيامة, ليتخلص ويتحرر
هو شخصياً كيسوع المسيح المتجسد, من فساد وضعف وثقل طبيعتنا, لأنه ليس محتاجاً
للخلاص مثلنا, لأنه رب الخلاص, الخالق والمخلص , ولهذا لا يصح أقرار الزمن كقياس,
... إذن لا فساد ولا ضعف في المسيح يسوع المتجسد, ولا حتى للحظةِ واحدةِ بعد الاتحاد، وإلا سقط الاتحاد الأقنومي برمته, ويتحول لنوع آخر من
الاتحاد, غير كونه أتحاداً أقنومياً جوهرياً. لأنه سيكون وقتها من المستحيل نعته
بالأقنومي, إن تخلله ضعف أو فساد أو زمان أو مكان أو تحديث أو نمو أو أي قياس من قياسات هذا
الزمان الحاضر البائد. وهنا نذكر مقولة رائعة للدكتور جورج فى اثناء شرحه
لعلاقة الزمن بأعمال المسيح هكذا : ( ما يستعلن في الزمان هو أزلي, ولكن يعطى فى
الزمان للزمانيين ). وبهذة المقولة الدقيقة الواضحة الهدف, نستطيع أن نكرر ونؤكد
بكل وضوح : بأن المسيح ليس فيه عتيق البتة, ولا ضعف ولا فساد ولا نمو ولا تحديث,
نهائياً من بعد الاتحاد, ولا حتى للحظة واحدة ولا طرفة عين. فالمسيح ذو طبيعة
ناسوتية واحدة غير منقسمة, جديدة بالتمام والكمال, وليس بها عتيقاً ضعيفاً أو
فاسداً بالمرة. لأنه هو رب الجسد وخالقه.
أما ما قد فعله وأستحدثه خطأ
الأنسان, للطبيعة الإنسانية, وما قد جلبه الإنسان على نفسه بنفسه, من خطية وضعف
وفساد, فأنها مجرد أحداث عرضية غير أصيلة في خلقة الإنسان الأولى, فالمسيح قد أتحد بأصل
وجذر الإنسانية وجوهرها, وليس بمجرد أحداث عرضية من حياتنا, لأنه ليس من زرع بشر.
وهذا هو ما يجعل الإنسانية جمعاء, الماضية
والحاضرة والمستقبلية, حاضرة دائماً أمام الرب, ولها مكان فريد في يسوع المسيح المتجسد. لأنه إن سقط
الاتحاد الأقنومي في غياهب ودهاليز قياسات الزمان الحاضر, سقطت العقيدة المسيحية
كلها !! ومن هنا تأتي خطورة هذا المقال.. وللأسف بهذا الشرح صار الله عديم القدرة,
يصاب بضعف وفساد, ولا يستطيع أن يخلص نفسه, ويظل ينكوي بنار ضعفه, سنوات تلو
سنوات, منتظراً للموت ليخلصه, وينقذه بل وينقيه من الضعف والفناء والعدم. فيضاف
إليه – أي لناسوته – أو ينمو هو إلى تلك الإمكانية المفقودة فيه, الغير موجودة فى أصل
تجسده وجوهرية إتحاده الأقنومي. .. وإن صح هذا الشرح – الغير منضبط عقائدياً
وأبائياً – وقتها يجب علينا أن نعلن بوضوح, سقوط الاتحاد الأقنومي في المسيح يسوع,
لأن الله ليس ضعيفاً ولا عاجزاً عن تطهير
جسده, وتنقيته من الضعف والفساد والموت, الذى جلبه الإنسان. فهل أتحد الله بجسد
فاسد وظل على فساده, وأتحد بجسد ضعيف وظل على ضعفه؟؟
مجدي
داود
الخوف من إسقاط الاتحاد الأقنومي ليسوع المسيح
الكلمة المتجسد عن غير عمد ولا قصد ينبع من تبني قناعة مشوهة بخصوص مفهوم الاتحاد
الأقنومي ذاته ، وفي هذا السياق استدل بالاقتباس التالي لأقوم بالتعليق والتدليل
على هذا الطرح :
اقتباس: " إذن لا فساد ولا ضعف في المسيح يسوع المتجسد,
ولا حتى للحظةِ واحدةِ بعد الاتحاد، وإلا سقط الاتحاد الأقنومي برمته, ويتحول لنوع
آخر من الأتحاد, غير كونه أتحاداً أقنومياً جوهرياً. لأنه سيكون وقتها من المستحيل
نعته بالأقنومي, إن تخلله ضعف أو فساد أو زمان أو مكان أو تحديث أو نمو أو أي قياس
من قياسات هذا الزمان الحاضر البائد. وهنا نذكر مقولة رائعة للدكتور جورج فى اثناء
شرحه لعلاقة الزمن بأعمال المسيح هكذا : ( ما يستعلن في الزمان هو أزلي, ولكن يعطى
فى الزمان للزمانيين ). وبهذة المقولة الدقيقة الواضحة الهدف, نستطيع أن نكرر ونؤكد
بكل وضوح : بأن المسيح ليس فيه عتيق البتة, ولا ضعف ولا فساد ولا نمو ولا تحديث,
نهائياً من بعد الاتحاد, ولا حتى للحظة واحدة ولا طرفة عين. فالمسيح ذو طبيعة ناسوتية
واحدة غير منقسمة, جديدة بالتمام والكمال, وليس بها عتيق ضعيف أو فاسد بالمرة. لأنه
هو رب الجسد وخالقه ".
تعليق
أولا –
مصطلح " الاتحاد الأقنومي "
يمكن أن ينظر إليه من زاوية معينة بأنه ليس خصيصة إلهية أعلنها فعل التجسد ، أي
نسبة إلى "الأقنوم " ، فالاتحاد الأقنومي يعني " الاتحاد الشخصي " ، أي الاتحاد بين
عنصرين مختلفين في كيان شخصي جديد ذي هوية واضحة يستعلنها كل عنصر بوضوح يستوعب
الشخص كاملا ، هذا في المطلق . والمثال الأكثر وضوحا هو ما قد استخدمه القديس
كيرلس السكندري إذ استعان بنموذج شخص الإنسان كثمرة انتجها " الاتحاد
الأقنومي " الشخصي " بين النفس
والجسد ، والشخص الإنساني هو نفس " إنسانية " بذات القدر الذي هو عليه
كجسد " إنساني " ، ونفسه تستوعب جسده بنفس القدر الذي يستوعب به جسده
نفسه ، ولحظة الردة إلى فصل النفس عن الجسد هي لحظة إنهيار الاتحاد الإقنومي
الإنساني بزوال الشخص ، الأمر الذي نطلق عليه مصطلح " الموت ". أما بالنسبة لتدبير التجسد
فقد كشف عن اتحاد أقنومي عجيب بين "
لاهوت الكلمة " و " الطبيعة
الإنسانية "، الأمر الذي أثمر شخصا هو الإله الكامل بنفس القدر الذي هو عليه كإنسان كامل .
ثانيا-
كمال ألوهية يسوع الكلمة المتجسد -
المتجلي في شركة المجد التي أتيحت للإنسانية فيه بعدم الموت والخلود ، أي
الشركة في الطبيعة الإلهية والتأله – لا يتناقض مع قبوله لعارنا المتأصل في عتيقنا
أي الموت .فقد أعطانا الذي له أي الحياة بعد أن أخضع ذاته للذي لنا أي الموت
وحينما التقاه قهره ودحره مظهرا ماله ، الذي أصبح لنا ، أي الحياة .وحينما يقال :
" بأن المسيح ليس فيه عتيق البتة, ولا ضعف ولا فساد " فلدينا سؤال : أين
إذن التقى الرب بالعدو ليبيده ؟ والسؤال بطريقة أكثر سهولة ووضوحا : ما علاقة كل
هذا بنا ؟ إذا لم يكن بيسوع الكلمة المتجسد ما يمت لعتيقنا ولا لضعفنا ولا
لموتنا بصلة فما جدوى التجسد ولمن "غيرنا
" وهب الخلاص ، إذا كان قد حدث خلاص
لأحد ؟
ثالثا-
الخلط بين الفكرة الفلسفية اللاهوتية الرائعة – بأن ما يخص تدبير الخلاص أمر محسوم
في ذهن الله قبل الأزمنة وهو يعطى في الزمان للزمانيين – وبين الواقعية الزمانية
المكانية لأحداث الخلاص ، هذا الخلط يثير تشويشا وتشويها للذهن ، والقضية ببساطة
هي أن الله الكلمة ، منذ الأزل، قد دبر أمر تجسده لخلاص البشر ، وقد بات في ذهنه
أمرا محسوما لاجدال فيه وواقعا قائما خارج الزمان والمكان ، ولكن بإرادته قد
أخضع ذاته للزمان والمكان فقبل أن يكون له بداية في الزمان وقبل أن يستوعبة مزود
البقر، وحينما أخضع ذاته للزمان رآه الزمانيون طفلا ضئيلا ينمو ويزداد في القامة ،
يأكل ويشرب ويتعب ويبكي ويتألم … ويموت . لم يكن هذا المسار وهما بل مسار بشر ،
مثل سائر البشر، رصده تاريخ البشر ، ولكنه فيما كان يجتاز تاريخ البشر فقد أعد في
ذاته مسارا آخرا يأخذ فيه البشر هو تاريخ الله أي الحياة الأبدية . إن محاولة
تبرئة وتطهير المسيح من عار " العتيق " هي محاولة تجريد الإنسان من نعمة الخلاص
التي نالها حينما حل الكلمة في الجسد حاملا عار العتيق الفاسد بالطبيعة ، هذا عن
ضياع النعمة ، أما فيما يخص الخريستولوجي فالأمر جد كارثي فقد أصبح الأمر ظاهريا
تمثيليا أو ربما نحن بصدد إنتاج جديد للأوطاخية .
مجدي داود
إن محاولة تبرئة الرب من " عار العتيق " تكشف في الواقع خللا مشينا في فهم
الاتحاد الأقنومي الذي أثمر شخص يسوع ، الكلمة المتجسد، ومضمون هذا الخلل هو
افتراض مأساوي بأن الشخص بكامله قد اختزل في هذا العتيق الفاسد بالطبيعة فأصبح
مركز الشخص الإنساني ليسوع هو طبيعتنا نحن وعليه فهذا أمر مشين ولا يليق بالكلمة
المتجسد . وربما يكون هناك أفتراض أكثر مأساوية وهو أن الاتحاد الأقنومي قد فهم
على أنه نوع من المصاحبة بين لاهوت الكلمة وطبيعتنا العتيقة وهذه هي النسطورية في
أوضح تجلياتها . إذن الحقيقة التي تدحض هذه الخرافات هي أن الشق الإنساني الذي
يستعلن مجد الشركة في ألوهة الكلمة – بل ويستعلن لاهوت الكلمة كاملا ، كإنسان
وكإله في ذات الكيان الواحد – هو مركز
الشخصية الإنسانية ليسوع ، وهذا هو ما أصر على تبنيه من أنه لا مضمون حقيقي لمفهوم
الاتحاد الأقنومي بين الله الكلمة والإنسان مالم تكن منطقة الاتحاد هي الجديد الذي
يستعلن مجد تأله الإنسان الذي ظهر بمجرد تجسد الكلمة وظهوره بيننا كفرد من بني
جلدتنا . أما العثرة التي تعترض فهم هذا الطرح فهي " علاقة الجديد
بالعتيق " ويبرز السؤال هل هناك
ازدواجية في الرب بين كيانين ، جديد منتصر على الموت بفضل الشركة في الكلمة وعتيق
ينتظر مصيره الذي هو مصيرنا وحينئذ يتكشف المشهد عن الجديد المستتر ؟ وللإجابة على
السؤال سأخرج عن الصندوق لأضع أما القارئ مقولة الرسول بولس: " وإن كان
إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوما فيوما "( 2كو: 16)، ولي أن أسأل هل
توجد ازدواجية مهددة للكيان الواحد للقديس
الذي يتكرس فيه الكيان الجديد يوما فيوما إلى الوقت الذي يولد فيه لملكوت
السموات بينما يتوارى العتيق الظاهر في جوف الثرى ؟ وإن كنا نحن الذين صارت إلينا
النعمة نتقبل أن تتأله طبيعتنا بواسطة الشركة في جسد المسيح الكلمة المتجسد ،
فينتقل إلينا مجد شركة الإنسان يسوع في لاهوت الكلمة الكائن فيه فنصير به وفيه –
كرأس لوجودنا الجديد – مشتركين في مجد
حياة الكلمة ، الأمر الذي يحدث لنا تراكميا
في مسار النعمة التي تتعامل مع زمن وجودنا على الأرض، أفهل من الواجب أن نعتقد أن
الرب قد ظل – مثلنا – وهو في زمن وجوده على الأرض
– يتقبل تجديدا تراكميا إلى أن أعلن جديده في فجر الأحد ؟ أم أن فعل القيامة قد اقتحم القبر تعسفيا ليقيم
الميت كما أقيم لعازر ؟ والواقع أن كل من الاحتمالين لا صحة له فالاتحاد
الأقنومي الذي أثمر شخص يسوع ليس حدثا تراكميا بل حدث نوعي تم بسر عجيب ، إذ
ظهر الكلمة في الإنسان في وحدة بلا تغيير ولا تبديل ولا قابلية للمفارقة ولا ذوبان ولا اختلاط بين العنصرين
المستعلنين للشخص الواحد ، بل ظل العنصران في حالة من الحلول المتبادل ، ألوهة الكلمة المتجسد تستوعب
إنسانيته بنفس القدر الذي تستعلن به إنسانيته ألوهته , والسؤال هو هل يستطيع اللحم
والدم أن يستوعب ألوهة الكلمة ويستعلنها أم أنه كان حجابا لذلك الجديد الشريك في
مجد الكلمة والذي يستعلن ويستوعب ألوهة الكلمة ؟ والبديهي هو أنه بينما كان
الكلمة المتجسد ظاهرا بيننا كإنسان من طبيعتنا لم يكن كيانه البيولوجي الظاهر يمثل
محدودية مكانية أو زمانية للاهوت الكلمة بل ظل كما هو مالئا الكون وحاضرا فيه
ومسيرا إياه بفضل هذا الحضور ، بل والأكثر من ذلك هو أنه ظل كما هو حاضرا حضوره السرمدي في أبيه الذاتي .
هذه بديهية لاهوتية بطبيعة الحال ولكن الحلقة المفقودة في هذه المنطقة هي أن
الكلمة حينما اتخذ لذاته كيانا إنسانيا فقد أصبح هذا الكيان هو جسد الكلمة الخاص
الذي يستعلن لامحدودية طبيعته ، فحيثما يوجد الكلمة يوجد جسده الخاص ، وهذا يقودنا إلى مفهوم " المسيح الكوني " ، فجديد يسوع ليس مجرد ذلك الميت العائد
للحياة في فجر الأحد بل هو ذلك الرأس الذي يلملم باقي أعضاء جسد ضخم يفترش زمان
ومكان الكون حتى لحظة نهاية الكون التي يستعلن فيها امتلاء كيان شخص اسمه "المسيح
" هو ثمرة الكون التي نبتت فيه بعدما زرع الكلمة ذاته فيه بتجسده. فالشخصية الكونية للإنسان يسوع المسيح
هي الحلقة المفقودة في الفكر الخريستولوجي ، وهذا الكيان قد صار هكذا ، أي على
حقيقته الكونية ،حينما اتخذ الكلمة لذاته كيانا من الكون – هو بطبيعة الحال قمة هرم الوعي الكوني ، أي
الإنسان – فاستقطب الكون ممثلا في الإنسان في المسيح ليصبح كونا جديدا يطلق عليه
مصطلح " ملكوت السموات "، وعندما أسلم الرب عتيقه البالي ، الذي لنا ،
إلى مصيره الذي هو مصيرنا أي العدم ، مات الرب موت الكون كله مكملا إياه وفي نفس
الوقت لم يستطع الموت أن يقترب من جديده الكوني الكائن في وحدة أقنومية مع الكلمة
، ليعلن القيامة كحقيقة كونية في المسيح يسوع.
سوستانيس
الخوف من إسقاط الاتحاد الأقنومي فى المسيح يسوع
المتجسد
عن غير عمد ولا قصد (6)
عزيزنا فى الرب
بدايةً … أوضح تقديرنا وتفهمنا
العميق لما تفضلت به, والذي استغرق منا قراءة متأنية متفهمة, لنصل إلى أغوار
المراد والهدف, الذي بدا لي منذ اللحظة الأولى, تعارضه الواضح مع ما قدمه القديس
كيرلس الكبير, من شروحات لناسوت المسيح بكلمات وتعبيرات واضحة جلية, ..
أولاً: حَاولت تخليص مفهوم مصطلح
( الاتحاد الأقنومي ) من خصوصيته الإلهية,
لتُعمم أستخدام المصطلح بخفة ورشاقة, ليشمل أيضاً خلقة الأنسان الأولى بعيداً عن
المسيح, فتقوم بوصف علاقة روح الإنسان بجسده, على إنها أتحاداً أقنومياً أيضاً,
ونحن هنا لا نبحث فى صحة التعبير منطقياً وعقلياً, لأن ما يهمنا هو الجانب الأبائى
اللاهوتي, فبهذا التعميم الغير دقيق أبائياً, يتضح لنا الهدف المراد توصيلنا إليه,
وهو إمكانية السماح للإنسان بحالته المزرية من الفساد والنقصان, أن يتسلل إلى الاتحاد
الأقنومي فى المسيح يسوع حتى يصل إلى اعماق جوهر الله, بفساده وضعفه دون تجديد
وتغيير, إلا أن الأباء لم يستخدموا هذا المصطلح أثناء شرحهم لعلاقة روح الإنسان بجسده.
فهل هناك من شرح وتوصيف لاهوتي من الأباء الكبار لعلاقة روح الإنسان بجسده في
خلقته الأولى على أنه أتحاد أقنومي؟!
... أما عن المثال الذى قدمه القديس كيرلس
الكبير فهو مجرد مثال توضيحي غير مباشر, أُستخدمَ للتقريب فقط, لكي يتراجع كلً من
أعتقد بعدم الانسجام بين اللاهوت والناسوت, كطرفين متناقضين متضادين في أتحاد
أقنومي فريد, ليس للمؤمنين خبرة عملية به, فأضطر القديس تشبيه ذلك بأنسجام روح
الإنسان مع جسده, ولم يتعرض القديس لأي شرح إيجابى يصف من خلاله علاقة روح الإنسان
بجسده, على أنها أتحاداً أقنومياً على
غرار ما تم في المسيح يسوع المتجسد, لأنه ببساطة لم يكن يتحدث عن جسد الإنسان وروحه,
ليظل مصطلح ( الاتحاد الأقنومي ) ذو
خصوصية إلهية خاصة بالمسيح يسوع المتجسد فقط.
مجدي
داود
الحبيب / سوستانيس
كلمة أقنوم عند القديس كيرلس تعني
" الشخص " وتعني " الطبيعة الحية ذات الهوية الخاصة " والاتحاد الأقنومي هو " الاتحاد الطبيعي " القائم بين
طبيعتين مختلفتين ، أو أقنومين مختلفين ، ليثمر طبيعة جديدة وهوية جديدة وأقنوم
جديد لم يكن موجودا من قبل الاتحاد.
نموذج الشخص الإنساني عند القديس كيرلس
أعتقد بأن عبقرية نموذج الشخص الإنساني-
الذي استخدمه قديسنا العظيم كمرجعية للحديث عن الاتحاد الأقنومي الكائن في شخص الكلمةالمتجسد-
هي أنه لم يكن مجرد نموذج توضيحي بل بالقطع كان نموذجا تطبيقيا " applied model
" لحالة الاتحاد الأقنومي
، أو قل " الشخصي " الذي يقيم شخصا حيا واحدا باتحاد عنصرين مختلفين بغير
ثنائية أو ازدواجية أو اختلاط أو أي أثر تغييري لعنصر على الآخر. فالشخص الإنساني
– الذي نحن إياه – هو النفس الإنسانية العاقلة المستعلنة والواضحة بجلاء شديد في الهيكل
البيولوجي المرئي في صيغة اللحم والدم . والشخص الإنساني – الذي نحن إياه – هو أيضا
ذات الهيكل البيولوجي الذي تعبر صيغته عن النفس الإنسانية العاقلة بجلاء شديد . لا
انقسام ولا ثنائية ولا فصل يمكن رصده ماديا بين النفس والجسد ، فكل من العنصرين ينتمي
إلى الآخر ، فالنفس هي نفس الجسد والجسد هو جسد النفس ، وفي ذلك يقول قديسنا العظيم
:
- " لأن من المعروف أن الجسد
من طبيعة مختلفة عن النفس، لكنه جسد النفس، ويُكمّل أقنوم الإنسان الواحد. ورغم أن
الفرق المذكور بين النفس والجسد ليس غامضاً فى عقلنا وتفكيرنا، إلا أن إجتماعهما معاً
أو تقابلهما - لأنه ( أي الإجتماع ) غير مُقسّم (غير منفصل) أي كون إنسان واحد حي.
( رسالة القديس كيرلس الكبير رقم 50 إلى فاليريان
أسقف أيقونية- 6 ).
- ويقول أيضا :" ولكن الكلمة إذ اتحد بالجسد بحسب الطبيعة دون أن
يتغير إلى جسد، فإنه حقق حلولًا مثلما يقال عن حلول نفس الإنسان في جسدها الخاص ( الرسالة
رقم 17، الثالثة إلى نسطور- 4 ) .
- وأيضا: " إن الله والإنسان
بإجتماعهما معاً by coming
together لم يكوّنا المسيح الواحد -
كما يقولون - بل، كما قلت، أن الكلمة الذي هو الله فعلاً تشارك في الدم واللحم مثلنا
ليعرف أن الله تأنس وأخذ جسدنا وجعله خاصاً به، لكى- تماماً كما هو معروف أن أي إنسان
مثلنا يتكون من نفس وجسد- كذلك هو أيضاً يعترف به أنه واحد، إبن ورب معاً. " رسالة
القديس كيرلس رقم 50 إلى فاليريان أسقف أيقونية (5 )
- وأيضا: ".. إذا دعونا ابن الله الوحيد الجنس المتجسد
والمتأنس، واحدًا، فهذا لا يعنى أنه امتزج كما يظنون؛ فطبيعة الكلمة لم تتحول إلى طبيعة
الجسد. ولا طبيعة الجسد تحولت إلى طبيعة الكلمة، لا، بل بينما ظل كل عنصر منهما مستمرًا
في صفته الطبيعية الخاصة، للسبب الذي ذكرناه، متحدًا بطريقة سرية وفائقة لأي شرح، ظهر
لنا في طبيعة واحدة (لكن كما قلت طبيعة متجسدة) للإبن. وعبارة "واحدة" لا
تطبق بالضبط على عناصر مفردة أساسًا لكن لكيان مركب مثل الإنسان المركب من نفس وجسد.
فالنفس والجسد، هما من نوعين مختلفين ولا يتساويان أحدهما مع الآخر في الجوهر، إلا
أنهما في اتحادهما يؤلفان طبيعة الإنسان الواحدة، على الرغم من أن الاختلاف في
عناصر الطبائع المتحدة موجود في حالة التركيب. ، )الرسالة 46 من القديس كيرلس إلى سكسينسوس-
3 .
- وأيضا : " فلنأخذ مرة أخرى مثال الإنسان العادى. إننا
ندرك أن هناك طبيعتين في هذا الإنسان، إحداهما هى النفس والأخرى هي الجسد. ولكننا
نقسمهما في الفكر فقط، قابلين الاختلاف ببساطة على أنه في البصيرة الداخلية والإدراك
الذهنى فقط، فنحن لا نفصل الطبيعتين، ولا ننسب إليهما قدرات على الانفصال الجذرى، لكننا
ندرك أنهما ينتميان إلى كائن حى واحد حتى أن الاثنين لا يعودوا بعد اثنين، والكائن
الحى الوحيد يكمل من طبيعتين". ( الرسالة 46، إلى سكسينسوس-5) .
- وأيضا: "… لأن المسيح الواحد
الوحيد ليس فيه ثنائية رغم أننا نعتبره من عنصرين مختلفين إتحدا في وحدة غير منقسمة،
وبنفس الطريقة فإننا مثلًا لا نعتبر أن في الإنسان ثنائية مع أنه يتكون من عنصرين
هما النفس والجسد. ( الرسالة رقم 17 ، الثالثة إلى نسطور - 8 ).
وإذا كان لديك حساسية معينة من ناحية المصطلح
فترى أنه خاص جدا بالكلمة المتجسد وينبغي
أن يقتصر عليه فقط ، أفترى أنه ينبغي أيضا أن يقتصر عليه مصطلح مثل " الاتحاد الطبيعي " ؟ أرجوك أعد قراءة النصوص التالية دون
استنطاق للآباء ، فقط الاستنتاج المنطقي الهادئ :
– " من يقسم بعد الاتحاد المسيح الواحد إلى أقنومين،
ويربط بينهما فقط بنوع من الاتصال في الكرامة، والسلطة والقوة، والمظهر الخارجى،
وليس بالحرى بتوحيدهما في اتحاد طبيعي، فليكن محرومًا " ( الحروم
الإثنى عشر ، 3 – الرسالة رقم 17 ، وﻫﻲ
اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ إلى ﻧﺴﻄﻮر ).
- " من ينسب الأقوال التي في البشائر والكتابات
الرسولية، أو التي قالها القديسون عن المسيح أو التي قالها هو عن نفسه إلى
شخصين أو أقنومين، ناسبًا بعضها للإنسان على حده منفصلًا عن كلمة الله،
وناسبًا الأقوال الأخرى، لكونها ملائمة لله، فقط إلى كلمة الله الآب وحده، فليكن
محرومًا "( الحروم الإثنى عشر،4 ، الرسالة رقم 17 ، وﻫﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ إلى ﻧﺴﻄﻮر).
– " إن طبيعة الإنسان يُعترف بها أنها واحدة،
وأنها أقنوم (هيبوستاسيس hypostasis ) واحد، حتى بالرغم من أنه
معروف عنها أنها ( مكونة ) من عناصر مختلفة متباينة الأنواع،.".( رسالة
القديس كيرلس الكبير رقم 50 إلى فاليريان أسقف أيقونية – 6 ).
وأما عن سؤالك : هل من مرجعية
لكيرلس أو لأثناسيوس تفيد أن الإنسان " يتمتع " بالاتحاد الأقنومي بين جسده ونفسه ؟ والإجابة
بالتأكيد لا ، وفي الواقع نحن لسنا في احتياج إلى أثناسيوس أو لكيرلس كمرجعية في
هذه النقطة تحديدا ، وإن كانت النصوص التي أوردتها عن كيرلس تحت عنوان "
نموذج الشخص الإنساني عند القديس كيرلس " تكفي لهذا الغرض، ولكن أعود فأكرر أننا لسنا محتاجين
لكيرلس أو لأثناسيوس ليقرر أن الإنسان ، أي إنسان ، هو شخص . وفي مفهوم الشخصانية-
وليس طبيعة الشخص – يتساوى الإنسان ، أي إنسان مع الكلمة المتجسد "
كشخص " . يسوع شخص ، وأي إنسان في أي زمان وأي مكان وأي ملابسات هو شخص .ليست
القضية هي " شخصانية الشخص ، ولكنها " طبيعة الشخص وهويته " . لذلك ليست المشكلة هي " الاتحاد
الأقنومي " ولكنها " الاتحاد الأقنومي بين ماذا وماذا، ليثمر
ماذا ؟ ". بين أي جوهرين ، أو
أقنومين قد تم هذا الاتحاد الأقنومي ؟ وبالتالي لدينا الفرق اللانهائي بين الاتحاد
الطبيعي بين النفس والجسد الذي يثمر الإنسان، و بين الاتحاد الطبيعي بين الكلمة
والإنسان الذي يثمر شخص الرب يسوع المسيح .
مجدي داود
لكي يكون مصطلح " الاتحاد الأقنومي " ذا تعريف جامع مانع ،لابد أن يكون لدينا
القناعة بوجود حتمية منطقية لاهوتية وهي أن النسب اللغوي في كلمة "
الأقنومي" إنما يعود إلى " الأقنوم " ، hypostasis
، في المفهوم العام للكلمة وليس إلى أقنوم الكلمة تحديدا ، فنسب الأقنومية
إلى أقنوم الكلمة يحدث تفريغا تاما لمصطلح الاتحاد الأقنومي من مضمونه الذي نحت من
أجله ، إذ أن مفهوم الاتحاد قد انفتح على
كل أنماط الاتحاد التي تحقق " مجرد
" اتحاد الكلمة بالجسد ، وقد يدخل – على سبيل المثال – " تأله الإنسان " كنموذج لمثل هذا النوع من الاتحاد ، الذي فيه
يحتفظ الكلمة بلا محدوديته وفي المقابل
ينال البشر وجودهم الجديد عديم الفساد بفضل اشتراكهم في الكلمة بعضويتهم في جسد
المسيح ، هكذا ، في مثل هذا الاتحاد تحتفظ كل طبيعة باستقلالها، ويظل الكلمة هو
معطي الحياة للمشتركين فيه ويظل البشر بشرا محدودين يتقبلون النعمة وفقا لما يشبع
وجودهم الإنساني . مثل هذا النمط من الاتحاد من الممكن أن ينطبق عليه مصطلح
الاتحاد الأقنومي إذا افترضنا أن الاتحاد الأقنومي هو اتحاد أقنوم الكلمة بالانسان
( فقط ). أما إذا كانت كلمة "
الأقنومي " توصيفا للاتحاد ذاته ، فالأمر جد مختلف إذ أصبح لدينا منعة ضد أي
نمط من أنماط الاتحاد بخلاف الاتحاد الذي يثمر شخصا واحدا بلا ازدواجية وبلا
ثنائية .
إن نسطور ذاته قد أدرك وفهم
المضمون الحقيقي لمصطلح الاتحاد الأقنومي ، ولذلك قد رفضه حتى النهاية لأنه كان
يؤمن بطبيعتين مستقلتين وليس ب " طبيعة واحدة متجسدة للكلمة " ( بحسب كيرلس وآباء أفسس ) . ولو كان
للمصطلح مجرد مفهوم اتحاد أقنوم الكلمة مع الإنسان - دون أن يكون لكلمة أقنوم ذلك
المفهوم المانع لأي نوع من الاتحاد غير الاتحاد الشخصي ( الطبيعي )، لو كان الأمر
كذلك لقبله نسطور من أول جولة من جولات الصراع مع كيرلس ، لينتهي الأمر ، وربما
أصبحنا نحن من النساطرة !