الاثنين، 8 مارس 2021

الاستحالة الجوهرية ( 2 )

 

الاستحالة الجوهرية ( 2 )

 

نشرت هذه التعليقات على مقال " لوثر والآباء: العشاء الرباني" ، دكتور جورج حبيب، ابريل 2007، على موقع الدراسات القبطية والأرثوذكسية.

 

m-david

 إن عقيدة الاستحالة الجوهرية ( transubstantiation ) هى مفترق الطرق بين اللاهوت الأرثوذكسي بأصوله الآبائية واللاهوت الغربى. والنظرة الآبائية الأصيلة هي أن المسيح خارج من هذا الكون ومغادر له. المسيح هو الكون الجديد هو الخليقة الجديدة التي نتحول إليها. لايتحول المسيح إلينا بل نحن الذين نتحول اليه وهذه هى النقطة المحورية في لاهوت الأسرار. نحن نصحب صورة وجودنا العتيق ( من ماء وزيت وخبز وخمر ) نصطحبها إلى الليتورجية لنتجاوزها في حركة الرمز المنطلقة والمتخطية لحدود الصورة. في الإفخارستيا نأخذ خبزنا المهترئ المتشرذم المكسور ، نأخذ خمرنا المسكوب ، نأخذ هذه الصورة التي هي صورة وجودنا المتشظي المبعثر التائه في الزمان والمكان، وحين نصطحب هذه الصورة إلى الليتورجية فإننا نتجاوزها ونتحرر منها إلى الكيان الواحد شخص المسيح. هذه إذن هي المفارقة العجيبة التي تصنعها عقيدة الاستحالة الجوهرية وهي بدلا من أن تصبح الليتورجية الإفخارستية مناسبة للتحرر من صورة وجودنا العتيق نجدها تصبح مناسبة احتفالية لتكريس تلك الصورة، وبدلا من أن نتحرر بالخروج إلى المسيح نأتي بالمسيح ونعزله ونحدده فى مجرد  "جسم أسراري ". دمتم فى المسيح.

m-david

 إن الاعتقاد بالاستحالة الجوهرية هو بمثابة مؤامرة من أجل تصفية لاهوت الأسرار وواقع الأمر أن هذه العقيدة ترسب فى العقل الجمعي المسيحي أن السر الكنسي  هو مجرد حدث أشبه بالسحر، ومن أجل أن ندحض هذا الاعتقاد ونكشف زيفه وفساده بات علينا أن نرصد الاختلاف في المعنى والمضمون بالنسبة لثلاث كلمات أساسية  في  "لاهوت الأسرار " وهي: السر والصورة والرمز.

1- مصطلح: السر

لايعرف العهد الجديد سرا من الممكن أن يكشف بالنعمة غير سر المسيح؛ فالسر  الكنسي هو سر واحد وهو سر تحقق وجود الكنيسة كجسد للمسيح ويتضح هذا المعنى بجلاء شديد في كتابات الرسول بولس. السر الكنسي هو الكشف لحقيقة صيرورة المؤمنين مسيحا واحدا ولامعنى لفردية السر لأنه في المسيح لاوجود للجزء بمعزل عن الكل ولاوجود للعضو مالم يكن معنى ذلك تحقق وجود الكيان كله، هذا عن الجدلية بين الفرد والجماعة في السر الكنسي، ولكن هناك جدلية أخرى بين الوحدة والتعدد فبالرغم من أن الغاية التي يكشفها السر هي الخليقة الجديدة أي الكنيسة الواحدة الكائنة في كيان المسيح الواحد إلا أن هذا لايتناقض مع التعددية التى يكشفها السر، وما الاعتقاد بوجود سبعة أسرار إلا كشف لسبعة اشباعات تملأ سبعة احتياجات وجودنا العتيق عندما يقبل "سبعة أرواح الله المرسلة الى العالم " وإذا افترضنا فرضا فاسدا بأن الروح القدس ينقسم إلى سبعة أرواح يكون من الجائز حينئذ أن نقسم السر الكنسي إلى سبعة أسرار منفصلة ومنعزلة كل عن  الآخر!!!. إن سر المسيح سر كامل وفيما يمتلئ أحد الأسرار فإن ذلك يعني امتلاء الكل؛ فمثلا من المستحيل تقبل صيرورة الإنسان كيانا إفخارستيا أي صيرورته عضوا في جسد المسيح ( في سر الإفخارستيا ) مالم يكن معنى ذلك صيرورته مولودا من الآب ( أي امتلاء سر المعمودية) ؛ والأمر أشبه بالأنابيب المستطرقة  والتي ما أن يمتلئ أحد فروعها  إلا ويكون معنى ذلك امتلاء الجميع، وبنعمة الرب ستكون هذه الجدلية مجالا لحديث آخر.

2- مصطلح: الصورة

الصورة هي صورة وجودنا العتيق،  هي الصورة الميتة الساكنة التي ننطلق منها في حركة النعمة نحو تحقيق سر المسيح، وواقع الأمر هو أن اللاهوت الأرثوذكسي بصفة عامة هو لاهوت الصورة أو لاهوت الأيقونة، والكلمة لاتشير فقط إلى الأيقونات المعلقة على جدران الكنائس ولكن الأمر أعظم من ذلك بكثير؛ فالليتورجية أيقونة ، والمناسبات والأعياد أيقونة، ويبلغ مضمون الأيقونة ذروته في لاهوت السر الكنسي؛ والأيقونة ( الصورة ) هي المنطلق الحركي للسر، هي نقطة واقعنا الذي ننطلق منه؛ فمثلا في الإفخارستيا نجد أن صورة وجودنا تحمل وجهين مختلفين: الوجه الأول هو وجه حدث  " الأكل " كلغة بيولوجية تعلن تحقق الوجود من خلال الشركة في الآخر أي الطعام ،أما الوجه الآخر فهو الخبز المكسور المهترئ والخمر المسكوب وهذا الوجه هو وجودنا المتشرذم المنقسم والمبعثر في الزمان والمكان، وأما غاية الإفخارستيا فهي أن نتجاوز هذه الصورة البائسة بوجهيها، فننطلق من الطعام الوهمي الذي كل من يأكله يموت إلى الطعام الحقيقي غير البائد وهنا تتجلى وتمتلئ رمزية الأكل؛ فيتكشف لنا أن الأكل هو الولوج إلى الحياة الأبدية في المسيح وأن ماكان يعتبر قبلا أكلا هو محض وهم، وأيضا في الإفخارستيا ننطلق متجاوزين صورة الوجود المكسور المشتت إلى التموقع في الوجود العضوي الواحد الكامل الممتلئ ؛شخص المسيح. وأيضا في المعمودية نجد أن المياه هي صورة وجودنا التي -  هي أيضا - تحمل وجهين متناقضين؛ فالمياه هي المناسبة الأولى للحياة في وجودنا العتيق وهي في نفس الوقت مناسبة للموت، وأما غاية المعمودية  فهي أن نتجاوز هذه الصورة البائسة بوجهيها فننطلق من المياه كصورة للموت إلى الموت مع المسيح، وننطلق - أيضا - من المياه كصورة للحياة إلى الولادة الجديدة التي يكرس فيها لنا بدء أبدي بالتبني للآب.  

3- مصطلح: الرمز

لاتوجد كلمة تخص لاهوت السر الكنسي ينبغى أن يبذل الجهد المضني في سبر أغوارها مثل هذه الكلمة . ولكي ندرك بعض الإدراك مفهوم هذه الكلمة دعونا نعود إلى مسلمة أساسية وهي مفهوم مصطلح  " النعمة " فنقول بأن للنعمة وجهين: وجه إلهي ووجه إنساني، والنعمة في قمة استعلانها يمكن التعبير عنها بمصطلحين مختلفين حسب منظور الرؤية ؛ فمن المنظور الإلهي الإنساني تتجلى النعمة من خلال مصطلح  " التجسد "، ومن المنظور الإنساني الإلهي تتجلى النعمة من خلال مصطلح  " التأله: theosis  ", وإذا كان التجسد هو دخول الكلمة إلى صورة وجودنا فإن الحدث الموازي الذي فيه تشيع النعمة للجميع ( التأله ) هوالخروج والتجاوز والتخطي لصورة وجودنا نحو الشركة في الكلمة، وهنا فقط نستطيع أن نكتشف مدلول " الرمز " ؛ فالرمز هو الحركة النعموية المتجاوزة للصورة العتيقة والتي تبلغ قمتها بالكينونة في المسيح، أي بتحقق امتلاء السر الكنسي.  الرمز هو حركة تأله الإنسان انطلاقا من صورة وجوده العتيق. نحن إذن،  في السر  الكنسي، لانحتفل بصورتنا العتيقة بل نحتفل بتخطي وتجاوز هذه الصورة، ومن هنا نستطيع أن ندرك عمق المأساة التي يكرسها مصطلح " الاستحالة الجوهرية "، والكارثة التي يصنعها مضمون هذا المصطلح هي إحداث التماهي بين " الصورة " و  " الرمز "و " السر "، واختزال كل شيء في الصورة يجعل من السر الكنسي أمرا لا يمت إلى المسيحية بصلة. دمتم فى المسيح.

 Tadros

لعل من أهم آراء اللاهوت المدرسي هو نظرية الاستحالة الجوهرية في الإفخارستيا ( التي تعتمد على تقسيم أرسطو لكل الأشياء بوصفها مظهر  "عرض " و جوهر ) وبذلك المنطق فإن في الإفخارستيا يتحول الجوهر إلى جسد ودم بينما يبقى المظهر أو العرض في صورة خبز وخمر وقد قوبلت تلك النظرية الفلسفية ( التي قد أصفها بالعقيمة ) برفض واسع في صفوف الكنيسة الأرثوذكسية الخلقيدوينة إذ أن الإيمان الأرثوذكسي يتمسك بحقيقة الجسد والدم وأن الموجود على المذبح هو الطبيعة الواحدة لله الكلمة المتجسد وليست الإفخارستيا مجرد استحالة إو إرتقاء على مستوى الجوهر فقط , ولكنهم في رفضهم هذا لم يتطرقوا إلى الاتجاه المضاد فهم يؤمنون مثلنا أن هناك تحول في صلوات التقديس ولكنهم لا يستريحون إلى منطق المظهر والجوهر. ولكن ما بالنا نحن الأقباط بذلك الجدل البيزنطي؟ لا أعرف, فقد ظلت كنيستنا تصلي وتنادي في الإعتراف الأخير ويصرخ كل كاهن حتى يومنا هذا ويقول : " جسد ودم عمانؤيل إلهنا هذا هو ( الموجود على المذبح ) بالحقيقة آمين". ولنا ملاحظتان:

1-  إنه بمراجعة النص اليوناني ( المستعمل في الكنيسة اليونانية ) لقداس القديس باسيليوس وجدنا أن التعبير المستخدم ليس  " تيبوس " ولكن " أنتيتيبون " ومعناها , mirror image وهي تختلف عن مثال فمعناها صورة بالمرآة والفارق كبير خاصة إذا عرفنا إن هذا التعبير يقال عن الخبز والخمر قبل صلوات التقديس واستدعاء الروح القدس, أي أن الخبز والخمر نرى فيهما محبة الله وفداءه كأننا نرى في مرآة ولكننا سنأخذ الحقيقة الكاملة جسد ودم الله الكلمة المتجسد بعد حلول الروح القدس ، وهو ما يتفق مع إيمان كنيستنا القبطية الأرثوذكسية .

 2- القول إننا نتناول من الخبز والخمر يحمل في طياته إنكارًا لتحولهما إلى جسد ودم الرب خلافًا بما يقوله الكاهن : " وهذا الخبز تجعله جسدًا مقدسًا لك وما بهذه الكأس دمًا كريمًا للعهد الجديد الذي لك " والكلام واضح ولا يحتاج إلى سفسطة فالموضوع في الصينية والكأس هو الخبز والخمر قبل التقديس وجسد ودم حقيقي بعد التقديس.

m-david

 إلى الأخ/ tadros : اسمح لي بالاشتراك في الحوار والرد على تعليقك إذا كان لا يزعجك الأمر. كلمة " تيبوس " تعني  " النموذج "، وقد استخدمت في العهد الجديد بمعاني كثيرة مثل : القدوة والمثال والأثر والتمثال والصورة، وباختصار فإن معنى الكلمة هو " التجسيد لمضمون أو لمعنى معين في صورة معينة "، وأما الحرف (  أنتي ) إذا أضيف إلى كلمة فهو يطفي عليها المعنى المقابل أو المعنى البديل أو المعنى المضاد ولذلك فإن كلمة  " انتيتيبوس " لا تعني تجسيد المعنى في الصورة ولكن تعني انطلاق المعنى وتحرره من الصورة وتكميل رمزيته؛ فبينما تحمل " تيبوس " مضمون   الحضور في الصورة  تحمل " أنتيتيبوس " مضمون حرية الرمز.

وقد وردت كلمة  " أنتيتيبوس " في موقعين فقط في العهد الجديد وهما :

1-" لأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يَدْخُلْ إِلَى أَقْدَاسٍ مَصْنُوعَةٍ بِيَدٍ أَشْبَاهِ الْحَقِيقِيَّةِ، بَلْ إِلَى السَّمَاءِ عَيْنِهَا، لِيَظْهَرَ الآنَ أَمَامَ وَجْهِ اللهِ لأَجْلِنَا "( عب 9: 24 ).

2– ".. إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ. الَّذِي مِثَالُهُ يُخَلِّصُنَا نَحْنُ الآنَ، أَيِ الْمَعْمُودِيَّةُ. لاَ إِزَالَةُ وَسَخِ الْجَسَدِ، بَلْ سُؤَالُ ضَمِيرٍ صَالِحٍ عَنِ اللهِ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ " (1 بط 3 :20 و 21 ).

ما أريد أن أقوله هو أن الكلمتين وجهان لعملة واحدة وهما صحيحتان في التعبير عن المائدة الإفخارستية فكلمة  " تيبوس " تعني حضور المسيح إلى الليتورجية  الإفخارستية، وكلمة  " أنتيتيبوس " تعني استحضار المجتمعين في الليتورجية  الإفخارستية ليشتركوا في الكلمة كأعضاء في جسد المسيح . الفرق بين معنى  "حضور المسيح " ومعنى  " استحضار الكنيسة " هو نفس الفرق بين  " تيبوس "و " أنتيتيبوس " ؛ لذلك فإنني  لا أرى أن هناك مشكلة في استخدام أي منهما كتعبير إفخارستي. دمتم فى المسيح.

 m-david

 الخبز و الخمر من منظور ثلاثية : الأيقونة  و التيبوس  و الأنتيتيبوس 

1- مصطلح: الأيقونة

 بعني الصورة الاستاتيكية التي تمثل شبها معينا ( likeness, image ) كما في: " فَقَدَّمُوا لَهُ دِينَارًا. فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَنْ هذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟» قَالُوا لَهُ: «لِقَيْصَرَ». فَقَالَ لَهُمْ: «أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا للهِ للهِ» ( مت22: 19-  ).وهو يختلف عن مصطلح ( مورفي ) الذي يعني الدلالة على طبيعة معينة (nature ) كما في :" الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ" ( في 2 :6 و 7 ).

2-مصطلح:  تيبوس  

 في القاموس اليوناني للعهد الجديد ( fourth revised edition ) تأتى احدى معانى الكلمة: النموذج المعياري ( standard ) . إذن المصطلح يعني " النموذج القابل للتطبيق "، فهو لايعني بأي حال الصورة المعزولة التي يمكن رصدها من خارجها . وفى لغة اللاهوت نحن لا نعرف نموذجا ينبغي تطبيقه في الخليقة غير نموذج  " المسيح "؛ فشخص الرب يسوع المسيح الممتلئ بكل أفراد الكنيسة هو  " النموذج  " ( تيبوس ) ويتضح ذلك بجلاء عند الرسول بولس :

1- " وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا شَرَابًا وَاحِدًا رُوحِيًّا، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ. لكِنْ بِأَكْثَرِهِمْ لَمْ يُسَرَّ اللهُ، لأَنَّهُمْ طُرِحُوا فِي الْقَفْرِ. وَهذِهِ الأُمُورُ حَدَثَتْ مِثَالًا ( تيبوس ) لَنَا، حَتَّى لاَ نَكُونَ نَحْنُ مُشْتَهِينَ شُرُورًا كَمَا اشْتَهَى أُولئِكَ "( 1 كو 10 :4 -6).

2-  الَّذِينَ يَخْدِمُونَ شِبْهَ السَّمَاوِيَّاتِ وَظِلَّهَا، كَمَا أُوحِيَ إِلَى مُوسَى وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَصْنَعَ الْمَسْكَنَ. لأَنَّهُ قَالَ: «انْظُرْ أَنْ تَصْنَعَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ الْمِثَالِ ( تيبوس ) الَّذِي أُظْهِرَ لَكَ فِي الْجَبَلِ». وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ حَصَلَ عَلَى خِدْمَةٍ أَفْضَلَ بِمِقْدَارِ مَا هُوَ وَسِيطٌ أَيْضًا لِعَهْدٍ أَعْظَمَ، قَدْ تَثَبَّتَ عَلَى مَوَاعِيدَ أَفْضَلَ " (عب 8 : 5و 6).

 إذن  " تيبوس " هي " الصورة الديناميكية  " التي تحمل مضمونا وجوهرا يتخطى  الصورة المجردة ، والكلمة المتجسد ، شخص المسيح الممتلئ هو النموذج الذي يتم تطبيقه الآن في الكنيسة.

مصطلح : أنتيتيبوس

 إذا كانت كلمة " تيبوس "  تعني النموذج القابل للتطبيق  فإن كلمة " أنتيتيبوس" تعنى النموذج المطبق بالفعل ويؤكد ذلك مايدل عليه استخدام العهد الجديد للكلمة حصريا في ( عب 9 : 24 ) وفي (1 بط 3 : 20 و 21 ). وقد أشرت إلى النصين في التعليق السابق :

1-فى النص الأول نجد أن  " الأنتيتيبوس " ، أي النموذج  الذي تم تحقيقه، هو دخول المسيح إلى الأقداس لأجلنا أي دخولنا نحن في المسيح .

2- وفي النص الثاني نجد أن " الأنتيتيبوس " هو الرب يسوع المسيح الفلك الحقيقي الذى فيه يخلص جميع أفراد الكنيسة المنتصرين على الموت بالموت مع الرب أي بالمعمودية.

الخلاصة:.

 في الإفخارستيا يتم الكشف المزدوج للنعمة فيتكشف حضور الكلمة المتجسد الذى تعلنه كلمة " تيبوس " وهو حضور لا يمكن استيعابه أو حصره في " أيقونة الخبز والخمر " لأنه فيما هو حال فيهما فهو حال في الكون كله وحال في أبيه  الذاتي، والأمر هو ذاته مثلما كان الرب يبدو كجسد منا بينما هو حال في الكل ولا تشكل  " أيقونة "جسده أي اختزال لكونه موجودا في الكل، ويتكشف أيضا في الإفخارستيا حدث مواز آخر وهو يعد بمثابة استحقاق للحدث الأول؛ وهو حدث تطبيق النموذج الحاضر في الليتورجية ؛ أي تطبيق نموذج الرب يسوع بتحقق وجود أفراد الكنيسة كأعضاء هو رأسها، وهذا الكشف الثاني الذي تكشفه  الإفخارستيا هو ماتعبر عنه كلمة  " أنتيتيبوس ". إذن اختزال الأمر  في أيقونة الخبز والخمر هو تدمير لكل شئ  فالإفخارستيا تتجاوز وتتخطى أيقونة وجودنا العتيق حينما يتحقق نموذج إنساننا الجديد " الرب يسوع المسيح ". دمتم فى المسيح.

 m-david

   العلاقة بين مفهوم ( الأيقونة ) و سر المسيح 

 الكلمات الثلاث الأساسية التي أعتقد أنه من المستحيل الغوص في لاهوت الأسرار بدون تحديد النقاط الفاصلة بينها هي:

1- " السر " وهو سر المسيح أي سر تحقق وجود الكنيسة كجسد للمسيح؛ أي أن هذه الكلمة تعني النموذج ( تيبوس) الذي يريد الله تحقيقه في الخليقة.

2- " الرمز " وهو حركة تحقق وتطبيق النموذج ( أنتيتيبوس )

3-الصورة ( الأيقونة: من اللفظة اليونانية " eikon " ).

  الأيقونة هى حالة من الوعي البشرى يتم فيها استدعاء لحضور معين؛ فأيقونة  "قيصر " في ( مت22 : 19 – 21 ) هي استدعاء لحضور سلطة  " قيصر " في ذلك الزمان وذلك المكان. وأما على مستوى الحديث بخصوص لاهوت الأسرار فالأمر جد مختلف؛ ففي السر الكنسي نحن لا نتقوقع في نفس صورة وعينا العتيق ( تلك الصورة الزمانية المكانية ) بل إن غاية السر هي تحررنا منها والنقطة الجوهرية بل النقطة الحاكمة في هذا الصدد هي أن وجود الصورة (الأيقونة) - في سياق رحلة السر- هو بمثابة نقطة الانطلاق للحدث. فالأيقونة هي نقطة السكون التي تنطلق منها حركة السر، ولاوجود لحركة  إلا من السكون. إذن، هذه هي أيقونة وجودنا  التي ننطلق منها إلى سر المسيح. مفهوم الصورة في إطار لاهوت الأسرار هو مفهوم  ديناميكي يبدأ من مجرد الصورة المنظورة ( التي هي صورة وجودنا العتيق ) لينمو وينضج في ديناميكية وجهها العملي هو نمو وعينا الإنساني وتحرره من طبيعته الزمكانية المتشرزمة إلى وعي كاثوليكى خارج عبودية الزمان والمكان وهو مايعبر عنه الرسول بولس بمصطلح  "ذهن المسيح "(1كو 2 : 16 ). لذلك فإننا نبدأ انطلاقتنا السرية نحو التموقع في المسيح من صورتنا نحن ؛ من واقعنا البائس، وعلى مسار رحلة السر يحدث التغير في تلك الصورة  إلى أن نبلغ صورة هي النموذج ذاته الذى أراده الله فى الخليقة، أي نموذج المسيح الممتلئ بكنيسته، وهنا فقط يستعلن تمام السر، فيرصد الرسول بولس أننا " نَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، ( الترجمة الأصح : عاكسين مجد الرب بوجه مكشوف ) نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ" (2 كو 3: 18 ).

الأيقونة المنظورة للسر هي حجاب وغطاء السر، هي حجابنا عن المسيح الذي نخترقه ونتخطاه ونتجاوزه وننطلق منه، وهذا الحجاب ليس بأي حال من الأحوال موقعا يتقوقع وينحصر فيه السر بل هو نقطة سكون موتنا التي ننطلق منها إلى حركة وجودنا في المسيح وهذا المفهوم للأيقونة هو الذي يكشف بشاعة عقيدة الاستحالة الجوهرية ؛ إذ أن مانحتفل به في الليتورجية الإفخارستية ليس هو الأيقونة المعزولة للخبز والخمر بل هو أيقونة وجودنا الجديد، المسيح، الذي ننطلق إليه من أيقونة الخبز والخمر. سر المسيح قد أصبح واقعا تاريخيا منذ لحظة التجسد ومنذ تلك اللحظة ظل السر مخفيا خلف حجاب أيقونة يسوع التاريخي التي كانت أيقونة لوجودنا البائس الفاسد بالطبيعة ومالبث أن أسلم يسوع عتيقه لمصيره الطبيعي حتى أعلن للتاريخ البشرى، أيقونة الوجود البشري الجديد المنتصر على الموت ، وفي الإفخارستيا يستعاد نفس الحدث ليتكمل في الكنيسة فيتكمل سر المسيح الذي انطلق في التجسد ؛ فتستعاد أيقونة جسد يسوع المصلوب فى صورة الخبز المكسور والخمر المسكوب وننطلق من هذه الأيقونة فنصير كنيسة. والأيقونة إن لم تصر رمزا  أي حركة تتجاوز محدوديتها كأيقونة منظورة فلا أمل في شئ بخصوص مفهوم السر  الكنسي ،لأن "الرَّجَاءَ الْمَنْظُورَ لَيْسَ رَجَاءً، لأَنَّ مَا يَنْظُرُهُ أَحَدٌ كَيْفَ يَرْجُوهُ أَيْضًا؟"  ( رو 8 : 24 ).. دمتم فى المسيح.

 m-david

  العلاقة بين مفهوم الأيقونة ومفهوم النعمة  

 هناك مفهوم فاسد يمثل أحد إرهاصات لاهوت العصر الوسيط ويمثل أحد التأثيرات المأساوية للاهوت المدرسي على لاهوت الأسرار، وهو النظر إلى الأسرار كوسائط للنعمة، وهذا المصطلح بكل بساطة يختزل كل شئ في الأيقونة المنظورة للسر جاعلا منها وسيطا للنعمة وبمجرد التعاطي من خلال أيقونة وجودنا المنظور مع ظاهر الوجود المنظور لذلك الوسيط ، يكون كافيا للحصول على النعمة، فيكفي جدا أن نلتهم الخبز ونشرب الخمر حتى يكون معنى ذلك أننا أكلنا جسد المسيح وشربنا دمه !!!.والمأساة فى هذا الطرح هي أن فعل " الأكل " ذاته كما تدركه طبيعتنا العتيقه هو مجرد أيقونة وجودنا المنظورة والتي من المفترض أن تخضع لديناميكية النعمة التي يكشفها السر حينما نصير أعضاء في جسد المسيح فيتكشف لنا حينئذ فقط أن شركتنا في المسيح هي امتلاء لرمزية شركتنا في الطعام  التي كانت مطبوعة في أيقونتنا العتيقة، وبالتالى فإن الطعام المنظور ليس هو الطعام الحقيقى بل أن حدث وفعل " الأكل " هو الشركة في كيان المسيح الذي يعني الشركة في الوجود الأبدي غير المنظور. أما ثنائية النعمة و وسيط النعمة فهي محض وهم لأن النعمة بطبيعتها هي وسيط إلهي إنساني ، ولانعرف في اللاهوت المسيحي موقعا تسكن فيه النعمة غير ذاك الذي هو" إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ " (1 تي 2 : 5 ). إذن: وسيط النعمة الوحيد هو ذاته نموذج الخليقة الجديدة المتحقق في الكنيسة كجسد للمسيح. بينما امتلاء سر المسيح بتحقق وجود الكنيسة الأبدي هو التعبير  العملي عن الوسيط الوحيد للنعمة. والحدث الذي تكشفه النعمة في كمالها له وجهان حسب منظور الرؤية؛ فمن المنظور الإلهي الإنساني تستعلن النعمة في حضور وحلول الكلمة في الأيقونة البشرية؛ أي في سر تجسد الكلمة في البشر الذي انطلق منذ ظهور أيقونة الرب يسوع التاريخي ويتكمل الآن في  الإفخارستيا بتكميل جسد المسيح، ومن المنظور الإنساني الإلهي تستعلن النعمة في  " تأله " البشر أي تحرر الوجود الإنساني من الأيقونة العتيقة. إذن الكشف المزدوج للنعمة هو الحلول الإلهي في الأيقونة الإنسانية والتحرر الإنساني من الأيقونة العتيقة، والحلول في الأيقونة والتحرر من الأيقونة هما منظورا النعمة المستعلنة في السر الكنسي وهما وجهان لعملة واحدة وليس هناك أي معنى لوجود منعزل لأي منهما، ومن هنا نقول بأن حلول الروح القدس فى السر الكنسي إنما له مدلول عملي واحد هو السكنى الأبدية للروح القدس في هيكل الله المتحقق في البشر أي الكنيسة،جسد المسيح، وليس هناك أي معنى للاعتقاد بأن أيقونة السر المنظورة هي مستقر لحدث حلول الروح القدس وسكناه بينما يجلس أفراد الكنيسة فى مقاعد المتفرجين في انتظار التهام ماقد أصبح مقدسا.

 دمتم فى المسيح.

مجدي داود

 

 

 

ليست هناك تعليقات: