الجمعة، 17 يناير 2020

مفتاح شرح سفر الرؤيا ( 7 )

      

       
      2- قرين الكنيسة في سفر الرؤيا
                      (  سر الأربعة والعشرين شيخا )

أدرك تماما أن حديثي عن الأربعة والعشرين شيخا سوف يبدو حديثا صادما وعجيبا ، وإن كان سفر الرؤيا – بطبيعة بنيته الرمزية- قد حيكت في كل مشهد من مشاهده الأساطير والإسقاطات التاريخية – فقد تميزت الانطباعات الأولى عن الشيوخ بشيء من التقديس، واعتبروا كائنات سماوية ضالعين في عمل كهنوتي يشفع للبشر أمام العرش، حيث  عروشهم التي حول العرش الإلهي. احتفل بهم في مناسبات خاصة بهم، ونظمت لهم التماجيد، وصاروا عقيدة وطقسا، صاروا جزءا من الليتورجية. وواقع الأمر، الذي أقرره هنا هو أن هؤلاء ليسوا موضوعا لليتورجية تؤديها الكنيسة – في هذا العالم – بل هم ضالعون في تكميل ليتورجية تتم فيها تقدمة الكنيسة، نفسها، وليس العكس.
 مفتاح فهم سر الشيوخ 
يتكرر ظهور الأربعة والعشرين شيخا عدة مرات، في خلفية عدة مشاهد – في سفر الرؤيا – آخرها في الإصحاح التاسع عشر. والكلمة التي ترجمت إلى " شيخ "( العجوز ، الطاعن في السن، presvyteros  ) هي ذاتها التي ترجمت إلى الأخ الأكبر ، في مثل الابن الضال، وهذا هو مفتاح فهم الأربعة والعشرين شيخا، في سفر الرؤيا. فالابن الضال هو الإنسان المستعاد إلى الله الآب، في الابن المتجسد، العجل المسمن المذبوح في وليمة لم يكن للابن الأكبر أن يكون مهيئا لحضورها. والابن الأكبر هو الخليقة ، الطبيعة ، الكون العتيق الذي ظهر موجودا قبل وجود الإنسان بزمن بعيد. وفي طاعة كاملة لإرادة جابله سار الكون في مساره المرسوم له حتى ماأثمر الكنيسة الكاملة- الكائنة في جسد المسيح- أي الإنسان الذي كان ضالا فوجد.  وإذذاك فإن غاية وجود الخليقة – الابن البكر – قد استوفيت بظهور ثمرتها، لذلك ففي مشاهد الرؤيا، التي ترصد ظهور الأربعة والعشرين شيخا، نجد هؤلاء في حالة احتفالية بتمام سر الله في الإنسان، الكنيسة، حتى وغن لم يكن لهم نصيب في الظهور في مشاهد مجد الحياة الأبدية التي اختصت بها الكنيسة دونا عنهم. قد كان الابن الأكبر في الحقل بينما كانت احتفالية عودة الضال ، في أوجها ، وعندما عاد لم يرد أن يدخل - ولم يذكر في سرد المثل أنه دخل ، حتى بعد أن أستعرض له أبوه مبررات الأمر -  والإشارة واضحة ، فالحقل هو العالم ( مت 13 : 38 ). والعالم ( الخليقة العتيقة ) لن يدخل إلى فرح الحياة الأبدية ، الذي صنعه الآب للذين عادوا إليه ، في ابنه المتجسد  ؛ فقد عاد الشيخ من الحقل في نهاية اليوم  وباقترابه من البيت اقتحمت مسامعه اصوات احتفالية صاخبة قد تم الإعداد لها عدة ساعات ، ولم يخطر ببال الأب أن يرسل غلاما إلى الحقل ليستدعي ذلك المستغرق في هامش المشهد . أيضا حينما خرج الأب للقاء الشيخ الغاضب لم يكن يتبنى غير خطاب تبريري كاشف لحقيقة مايحدث ولم يصدر من الأب دعوة واضحة صريحة للابن الأكبر لدخول البيت وحضور  الاحتفالية .   
  الابن الأكبر والرقم " أربعة وعشرون  "
في سفر الرؤيا - الذي يكشف بانوراما حركة تحقيق وجود الكنيسة ، جسد المسيح - لابد أن نرصد الخليقة العتيقة ، في هذا السياق . وتأتي هذه الخليقة  مرموزا إليها بالأربعة والعشرين شيخا . الرقم أربعة وعشرون " هو ناتج ضرب اثنين واثني عشر . " اثنان " هو البطلان والنقض . الرقم " اثنا عشر " هو رقم الكنيسة ، شعب الله وملكوته الذي يثمره هذا العالم بالنعمة ." أربعة وعشرون " هو رقم الخليقة العتيقة ( الطبيعية ) ، لأن وجودها هو وجود موقوت  ، وجود اللاكنيسة حيث المعية الموقوتة . وإذا أردنا أن نعتمد تحليلا آخرا للرقم، مثل " ستة مضروب أربعة"، فلن نصل إلى نتيجة مختلفة؛ فالأربعة يعني الإحاطة والاستيعاب، والستة هو الإقصاء، إذن هو الوجود المستوعب والمحاط بالإقصاء، من كونه كنيسة حية إلى الأبد. تحليل ثالث مثل " ثلاثة مضروب ثمانية " – أيضا - لا يخرجنا عن النص؛ فالثلاثة هو الشهادة الضامنة لوجود ما، والثمانية هو اليوم التالي،  الجديد، إذن هو وجود الخليقة العتيقة التي تشهد بتحقق وجود اليوم التالي، الخليقة الجديدة، الكنيسة الكائنة في الكلمة المتجسد.  الخليقة  العتيقة  لها زمن محدد من أجل غرض محدد . هي قائمة في معية الله  - بفضل الكلمة (  logos  ) الحاضر فيها -  ، إلى أجل مسمى ، وعندما يحين ذلك الأجل سوف ينتهي وجودها ، عائدة الى العدم ، أي سوف تنتهي معيتها لله ، بانتهاء حضور الكلمة فيها ولن يكون لها نصيب  أبدي . وفي ذلك يقول الرسول بطرس : " السَّمَاوَاتِ كَانَتْ مُنْذُ الْقَدِيمِ، وَالأَرْضَ بِكَلِمَةِ اللهِ قَائِمَةً مِنَ الْمَاءِ وَبِالْمَاءِ ، اللَّوَاتِي بِهِنَّ الْعَالَمُ الْكَائِنُ حِينَئِذٍ فَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَهَلَكَ.   وَأَمَّا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ الْكَائِنَةُ الآنَ، فَهِيَ مَخْزُونَةٌ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ عَيْنِهَا، مَحْفُوظَةً لِلنَّارِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَهَلاَكِ النَّاسِ الْفُجَّارِ " ( 2بط3: 5-7 ). ولكننا قد نرصد تناقضا  بين هذا الطرح وبين قولة الأب لابنه الأكبر: "  أنت معي في كل حين " ( لو15 :31 ) ، ماعسى أن تكون هذه المعية ؟   ولعل مايزيل التناقض هو ماورد في سياق عتاب الشيخ لأبيه : " هَا أَنَا أَخْدِمُكَ سِنِينَ هذَا عَدَدُهَا، وَقَطُّ لَمْ أَتَجَاوَزْ وَصِيَّتَكَ " ( لو15 : 29 ) . المعية إذن هي معية طاعة الوصية ، بمعنى عدم خروج الكون والخليقة عن المرسوم لها من مسار تطوري خلال زمن وجودها المحتوم والمحسوم - بفضل الكلمة الحاضر الفاعل فيها من خلال القوانين الطبيعية الحتمية - وهو أمر  يتناقض ويتعاكس مع مافعله الإنسان الذي استقل بذاته وتقوقع داخل نرجسيته فخرج عن المسار المأمول لوجوده وهو صيرورته ابنا وارثا وشريكا في الابن الذاتي . لذلك قال الأب للكبير : "  أنت معي كل حين  " أي أن الخليقة تسلك زمن وجودها بالكامل  - منذ لحظة انطلاقه إلى لحظة انتهائه ، أي كل حين يخص زمن وجودها - في كشف كل مايخص طبيعة خلقتها ومصيرها المحتوم في ذهن الخالق  .      
 المشاهد  التي رصد فيها الأربعة والعشرون شيخا  
1- المشهد الأول : العروش 
عروشهم حول عرش الرب:" وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشًا. وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخًا جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ" ( رؤ4 :4 ). والعرش ( الكرسي ) هو كرسي المجد : ( مت 19 : 28 ) ، ( مت 25 : 31 ). والمجد هو مجد الوجود " لكِنَّ مَجْدَ السَّمَاوِيَّاتِ شَيْءٌ، وَمَجْدَ الأَرْضِيَّاتِ آخَرُ  ... لأَنَّ نَجْمًا يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ  . هكَذَا أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ.  يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ .. يُزْرَعُ جِسْمًا حَيَوَانِيًّا وَيُقَامُ جِسْمًا رُوحَانِيًّا  .."( 1 كو 15 : 42 - 44 ) .  والكنيسة الكائنة في ابن الإنسان ، حينما يجلس على كرسي مجده - أي حينما يمتلئ كيانه بكل المفديين ، كأعضاء - إنما هي تجلس فيه على كراسي المجد ، أي يستعلن وجودها الأبدي ، فيكون لها أن تدين ، وتكشف زيف من هم خارج ابن الإنسان ، حتى وإن كان لهم مظهر التقوى ، فها هو الرب يخاطب الكنيسة ، ممثلة في تلاميذه ، قائلا : "  إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي، فِي التَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ  ."( مت 19: 28 ). إذن ، في مشهد جلوس الشيوخ الأربعة والعشرين على عروشهم حول عرش الرب ، نحن نرصد وجود الخليقة العتيقة ، في معية الله . وبالتأكيد أن للخليقة مجد ، يعجز العقل البشري عن سبر أغواره ، ولكن يظل المجد العلوي الذي للثالوث القدوس ، والذي استعلن في الخليقة الجديدة ، في المسيح ، هو المجد الحقيقي المستمر إلى الأبد ، بينما مجد الخليقة العتيقة إلى زوال لأَنَّ: «كُلَّ جَسَدٍ كَعُشْبٍ، وَكُلَّ مَجْدِ إِنْسَانٍ كَزَهْرِ عُشْبٍ. الْعُشْبُ يَبِسَ وَزَهْرُهُ سَقَطَ، وَأَمَّا كَلِمَةُ الرَّبِّ فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ». وَهذِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي بُشِّرْتُمْ بِهَا. "( 1 بط 1: 24و25)   .
 2-  المشهد الثاني : السجود وطرح الأكاليل قدام الجالس على العرش
  يخر الشيوخ ، الأربعة والعشرون ، ساجدين ، طارحين أكاليلهم قدام الجالس على العرش قائلين : " أَنْتَ مُسْتَحِقٌ أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ  " ( رؤ  4 : 11 ). في هذا المشهد تؤكد الخليقة العتيقة ، عدم أهليتها - بحكم طبيعتها - للشركة في مجد الحياة الأبدية ، في المسيح الرب ، فتطرح أكليل وجودها أمام العرش ، إذ هو إكليل مخلوع بطبيعته ، كما أن جلوسها على العرش كان جلوسا موقوتا ، وهي تقر بذلك وترجع  المجد  إلى خالقها الذي أوجدها من العدم وأعطاها هذا المجد الزمني .
3- المشهد الثالث : فك ختوم السفر ، السبعة ( رؤ 5 : بالكامل )
  السفر المختوم هو سفر الحياة ، ولما كان الكلمة هو الحياة الذي بغيره لم يكن شيء مما كان - فإن الكلمة المتجسد هو الوحيد القادر على أن يفتح السفر ويفك ختومه ، وهذا هو الخبر  السار الذي زفته الخليقة على لسان أحد الشيوخ ، ليكف الرائي عن بكائه :  "  لاَ تَبْكِ. هُوَذَا قَدْ غَلَبَ الأَسَدُ الَّذِي مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا، أَصْلُ دَاوُدَ، لِيَفْتَحَ السِّفْرَ وَيَفُكَّ خُتُومَهُ السَّبْعَةَ  ".  إذ لا يستطيع أحد أن يفتح السفر أو يفك ختومه إلا خروف قائم كأنه مذبوح في وسط الشيوخ ، ولما أخذ السفر خر الشيوخ " وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا هِيَ صَلَوَاتُ الْقِدِّيسِينَ. وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ :  " مُسْتَحِقٌ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لإِلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ".  في هذا المشهد تؤكد وتشهد الخليقة أن سر وجودها هو المسيح الكلمة المتجسد المذبوح من أجل حياة الخليقة . هذا هو محور وجودها ، إذ هو قائم في وسط الشيوخ .  فغاية وجود الخليقة العتيقة هي الوصول إلى لحظة ظهور الوجود الجديد الذي من أجله قد ذبح الخروف ، أي ليشتري كنيسته - بدمه - من كل شعوب الأرض ، جاعلا من الجميع ملوكا وكهنة ، في ملكوت السموات .   يحمل الشيوخ جامات من ذهب مملوءة بخورا هي صلوات القديسين . هكذا تشهد الخليقة أن غاية وجودها هي إصعاد القديسين لينضموا إلى باكورتهم ، الخروف المذبوح ، القائم في الوسط . لم يكن الأربعة والعشرون شيخا ، أي الخليقة العتيقة ، هم القديسون ، بل هم الذين يصعدون القديسين ، كثمرة عظمى لغرسهم العظيم ، الذي لم يكن ، دائما ، إلا طائعا ومسبحا لخالقه الذي استحضره من العدم لأجل هذا الهدف الوحيد . وهم بترنيمتهم الجديدة إنما يترنمون بماهو لسان حال الكنيسة المفدية والمجتمعة أشلاؤها عبر تاريخ البشر مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ . وهم وإذ يتحدثون بلسان المفديين فهم إنما يعربون عن رضاهم بدورهم العظيم في أدائهم ليتورجيتهم الكونية التي فيها تم تقديم صعيدة الكنيسة إلى الله الآب في ابنه المتجسد . هذا هو سر بقاء وانتظار الخليقة ،  مابقيت وماانتظرت ؛ " لأَنَّ انْتِظَارَ الْخَلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ اسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اللهِ . إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ  لِلْبُطْلِ  لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا عَلَى الرَّجَاءِ. لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ.  فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ. وَلَيْسَ هكَذَا فَقَطْ، بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا، مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا " (رو8 :19- 23 ) .
4- المشهد الرابع : فتح الختم السادس (6: 12-17و 7: 1- 17 )
في سياق هذا المشهد يقدم الأربعة والعشرون شيخا – على لسان أحد الشيوخ- شهادتهم عن قدوم رافد الأمم : " وَأجَابَ وَاحِدٌ مِنَ الشُّيُوخِ قَائِلًا لِي: «هؤُلاَءِ الْمُتَسَرْبِلُونَ بِالثِّيَابِ الْبِيضِ، مَنْ هُمْ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَتَوْا؟» فَقُلْتُ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، أَنْتَ تَعْلَمُ». فَقَالَ لِي: «هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ  مِنْ أَجْلِ ذلِكَ هُمْ أَمَامَ عَرْشِ اللهِ، وَيَخْدِمُونَهُ نَهَارًا وَلَيْلًا فِي هَيْكَلِهِ، وَالْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ.  لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ، وَلَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ، وَلاَ تَقَعُ عَلَيْهِمِ الشَّمْسُ وَلاَ شَيْءٌ مِنَ الْحَرِّ،  لأَنَّ الْخَرُوفَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ، وَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ»(  7: 13 -17  ).
4- المشهد الخامس: البوق السابع ( رؤ 11 : 15 - 19 )
 البوق السابع هو البوق الأخير ، هو لحظة التجسد الإلهي ، لحظة مجيء الرب ، التي شطرت التاريخ قسمين ، فابتعث الأموات الراقدون- قبل التجسد - لينضموا إلى الكلمة المتجسد ، وأما الأحياء فلا يرقدون كالسابقين بل يختطفون لينضموا إلى الآخرين ، في الرب ، وهذا هو مضمون عبارتي بولس الرسول ، الآتيتين :
1-   "  هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ، فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ " ( 1كو15 : 51 و52)  .     
 2-   "  لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ "   ( 1 تس 4 : 16و17)   
نعود إلى مشهد البوق الأخير ، في رؤيا يوحنا اللاهوتي ، فنرصد حدوث تلك الأصوات العظيمة في السماء ، التي تعلن مجيء ملكوت الرب ومسيحه ، على العالم ، إلى أبد الآبدين ، وأما الأربعة والعشرون شيخا الجالسون على عروشهم أمام الله فيخرون على وجوههم ، ساجدين قائلين : "  نَشْكُرُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، لأَنَّكَ أَخَذْتَ قُدْرَتَكَ الْعَظِيمَةَ وَمَلَكْتَ    ، ... " وينفتح هيكل الله في السماء ، ويظهر تابوت عهده في هيكله . هكذا تشهد الخليقة أن ذلك الأزلي ، الذي كان في أبيه منذ الأزل ، هو كائن فيها ، وبه هي كائنة ، وأما الخبر السار فهو أنه في زمن البوق الأخير ، زمن التجسد ، إنما هو يأتي فيها ، محققا ملكوته الأبدي. هذه هي الخليقة ، الطائعة لخالقها الذي أنشأها من العدم ، والسائرة في حركة طاعتها نحو تحقيق هدفها المنشود وهو تحقيق وجود الخليقة الجديدة ، الكنيسة ، الكائنة في شخص المسيح ، محور حركة الكون وحامله ، بحضوره فيه . هذا هو الابن الأكبر ( الشيخ ) ، الخليقة العتيقة التي لم تخذل الآب السماوي في خدمتها ، بل ظلت في مسار ليتورجيتها الكونية التي فيها تصعد الخليقة الجديدة إلى حيث ما يجب أن يسترد الضال ، وفي ذلك كله لا نصيب  للابن الأكبر ( الشيخ  ) في حضور احتفالية العودة . فيتكرر ذكر ( وظهور ) الأربعة والعشرين شيخا في ستة إصحاحات من رؤيا يوحنا ( 4، 5 ، 7،11 ، 14 ،19 ) ، وفي هذه المشاهد يؤكد ويوثق الشيوخ شهادتهم التاريخية على مسار حركة تكريس وإظهار وجود الكنيسة بكل منعطفاته وأحداثه ، كنمط من وجود جديد عديم الفساد عوضا عن وجودهم العتيق . يخرون ساجدين  مقدمين المجد والكرامة لمن يستحق المجد والكرامة . لنصل إلى آخر مشهد يظهر فيه الشيوخ - في الإصحاح التاسع عشر- حيث يشهدون دينونة المدينة العظيمة بابل . هكذا تكون الخليقة قد شهدت  وأدلت بشهادتها بخصوص كل البشر . شهدت مصيرا إيجابيا للذين  في المسيح ومصيرا سلبيا للذين ليسوا في المسيح . وأما في باقي الرؤيا - أي إصحاحات : 20 و 21 و22  - فنحن نشهد النهاية السعيدة لكل شي : السماء الجديدة والأرض الجديدة ( الخليقة الجديدة ) مسكن الله مع الناس ، أورشليم المدينة العظيمة المقدسة النازلة من السماء ، نهر الحياة الصافي ، ..  إلخ  . وفي كل مشاهد الإصحاحات الثلاثة ، المدهشة ، لم يأت أي ذكر من قريب أو من بعيد لأي تواجد للشيوخ . وأظن أن الأمر لايخلو من ثمة دلالة غير ضعيفة. هؤلاء هم الأربعة والعشرون شيخا ( الخليقة العتيقة ، بلغة سفر الرؤيا ) ،يؤكدون ويشهدون شهادة إيجابية فاعلة نشطة  - في رضا وامتنان ، في كل مشهد يتواجدون فيه  - عن دورهم المحوري في إصعاد الكنيسة  - من وسطهم  - إلى السماء الجديدة والأرض الجديدة ، في الخروف القائم كأنه مذبوح ، في وسطهم ، أيضا . وما أن تنتهي مهمتهم النبيلة إلا  وبختفون تماما من المشهد ، فلامكان ولازمان للقديم وسط الجديد ، مثلما كان تماما لهم بصيغة مثل الابن الضال أي صيغة الابن الأكبر- الذي بالرغم من أن كل ماللأب كان له بعد أن أخذ الصغير نصيبه ، حتى تكلفة احتفالية العودة والعجل المسمن ، كل شيء كان من حساب الشيخ . هو الذي يعمل كعبد في تنمية نصيبه – وفي النهاية لم يكن له نصيب في احتفالية وليمة العجل المسمن ، ولكن من المفترض أن يفرح لأن أخاه كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد .
الأربعة والعشرون شيخا والليتورجية الكونية
لاشك أننا حينما نتحدث عن الأربعة والعشرين شيخا فنحن بصدد الحديث عن عمل كهنوتي ملوكي من الطراز الأول: قيثارات وجامات من ذهب مملوءة بخورا هو صلوات القديسين، وترنيمة جديدة تسبح ذلك الذي استطاع واستحق – بذبيحة نفسه- أن يأخذ السفر ويفك ختومه، جاعلا من شعبه – الذي أخذه من كل أمة- ملوكا وكهنة – هذه هي شهادة الشيوخ الجالسين على عروشهم حول العرش، والمتسربلين بثياب بيض وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب. هذه هي شهادتهم عن الكلمة المتجسد ، الأسد الذي من سبط يهوذا. الخليقة ( الأربعة والعشرون شيخا ) منذ انطلاقها من العدم، وحتى فنائها، هي سائرة في مسار كاشف لسر الله المكتوم منذ الأزل، أي تجسده في البشر وجعلهم كنيسة في جسده الواحد. هذا هو الهدف، وهذه هي الغاية العظمى للخليقة، وهذه هي وظيفتها الكهنوتية التي تضطلع بها، وتلك هي الليتورجية الكونية التي انطلقت من لحظة تجسد الكلمة لتخترق كل الزمان، ماضيه وحاضره ومستقبله، في لحظة آنية ممتدة يأتي فيها بالكل كأنافورا صاعدة إلى الآب في ابنه المتجسد. وفي كل هذا ترضخ الخليقة لهذا العمل الكهنوتي، راصدة له، وضالعة فيه، بل وممتنة لكونها شريكا أساسيا في إنتاج هذه الثمرة العظمى، المسيح الكوني المحتضن لكنيسته في جسده إلى الأبد. وبالرغم من كون الرب، الكلمة المتجسد هو رئيس الكهنة الأعظم، و" لأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ يُقَامُ لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ. فَمِنْ ثَمَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِهذَا أَيْضًا شَيْءٌ يُقَدِّمُهُ"( عب8: 3 )، ولأن تقدمته هي جسده، فإن كهنوته هذا لم يكن غير دليل دامغ على الطبيعة الكهنوتية  للخليقة؛ فما قد قدمه ذاك ، هو قد سبق أن قبله وأخذه من الخليقة؛ لأن تجسده لا يعني إلا اتخاذه جسدا مخلوقا. هكذا – وإلى هذا الحد – نرصد أن الخليقة كم هي ضالعة في كهنوت رئيس الكهنة، المسيح الرب، بل هي التي قدمت له ماقد قدمه هو- وبالطبع كل شيء مسيطر عليه من الكلمة الحاضر في الخليقة منذ أن صارت خليقة – لذلك نجد في المشهد الثالث أن المخلص ليس فقط قائما وسط العرش – باعتباره الابن الوحيد الذي في حضن الآب – ولا هو قائم فقط وسط الحيوانات الأربعة المملوءة عيونا- باعتباره موضوعا لشهادتهم – ولكنه قائم أيضا وسط الشيوخ، باعتباره الثمرة العظمى للخليقة، والذي فيه تمتلئ الكنيسة بسباعية استعلانات الروح الواحد، الذي يرسله الآب باسمه ليتمم كل استحقاقات تجسده، وهكذا يكتب الرائي بكل وضوح :" وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ "( 5: 6 ).
الأربعة والعشرون شيخا وخدمة اللاويين
يتبقى سؤال أخير: هل نحن مضطرون لقبول ترجمة الكلمة إلى " قس أو كاهن "- بدلا من " شيخ " -  طالما تجلت أمام أذهاننا الطبيعة الكهنوتية  - والوظيفة الليتورجية - للأربعة والعشرين ؟ الإجابة : بالطبع لا، لسنا مضطرين لقبول هذه الترجمة؛ فالأربعة والعشرون شيخا – بلغة سفر الرؤيا – ليسوا كهنة، مطلقا، بل هم – بلغة العهد القديم – لاويون. والكهنة واللاويون ينتمون إلى سبط لاوي، ولكن هناك فرقا بين وظيفتيهما ؛ فبينما الكهنة – أبناء هارون – هم المسئولون عن أعمال الذبائح والبخور والصلوات، فاللاويون يقومون بدور " لوجيستي "( إذا جاز التعبير ) مساعد. ولكن أبرز أدوارهم – بالإضافة إلى خدمة خيمة الاجتماع وحراستها – هو حمل الخيمة في الترحال وإعادة نصبها وتثبيتها في الحل، هذا – بالتأكيد – فضلا عن حمل تابوت العهد.
   ويدهشني التطابق – على مستوى الرمز - بين اللاويين ، من ناحية ، والابن الأكبر( في مثل الابن الضال) والأربعة والعشرين شيخا ، من ناحية أخرى، وقد استطعت بنعمة الرب أن أرصد عشرة أوجه في هذا السياق :
 1- اللاويون ( أبناء لاوي )، ولاوي اسم يعني " المقترن أو القرين ": " وَحَبِلَتْ ( لَيْئَةُ ) أَيْضًا وَوَلَدَتِ ابْنًا، وَقَالَتِ: «الآنَ هذِهِ الْمَرَّةَ يَقْتَرِنُ بِي رَجُلِي، لأَنِّي وَلَدْتُ لَهُ ثَلاَثَةَ بَنِينَ». لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُهُ «لاَوِيَ» ( تك29: 34 )؛ فالوجود الطبيعي، الكون - الذي سبق وجود الكنيسة ثم استمر ملازما مسارات تحققها، ملازما ومقترنا بذلك الفعل الكهنوتي الكوني الذي اكتمل في رئيس الكهنة الرب يسوع المسيح – هو اللاوي المقترن بالكنيسة في هذا العالم، مثلما كان اللاويون مقترنين بالخيمة وبأعمالها وبكهنتها من  أبناء هارون. وكما كان اقتران هؤلاء بالكهنوت الهاروني وبالخيمة أساسيا ومحوريا قي الليتورجية القديمة  فإن اقتران الوجود العتيق وتلازمه للكنيسة  المرتحلة في هذا العالم- حتى ماتصل إلى مبتغاها الأبدي، المسيح- أمر لا سبيل إلى الاستغناء عنه.
 2- بعض من الغموض يكتنف كلام الرب لموسى: «قَدِّمْ سِبْطَ لاَوِي وَأَوْقِفْهُمْ قُدَّامَ هَارُونَ الْكَاهِنِ وَلْيَخْدِمُوهُ... فَتُعْطِي اللاَّوِيِّينَ لِهَارُونَ وَلِبَنِيهِ. إِنَّهُمْ مَوْهُوبُونَ لَهُ هِبَةً مِنْ عِنْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ... «وَهَا إِنِّي قَدْ أَخَذْتُ اللاَّوِيِّينَ مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَكُونُ اللاَّوِيُّونَ لِي... لأَنَّ لِي كُلَّ بِكْرٍ. يَوْمَ ضَرَبْتُ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ قَدَّسْتُ لِي كُلَّ بِكْرٍ فِي إِسْرَائِيلَ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ. لِي يَكُونُونَ. أَنَا الرَّبُّ»( عدد3: 6و 9 و 12 و 13 ). ماهذه البدلية العجيبة ؟ لماذا اختار الرب ، أولا، أبكار إسرائيل كلهم – من الناس والبهائم – وقدسهم ، ثم يأتي الآن ليختار اللاويين بدلا منهم كأبكار بالرغم من كون لاوي ليس البكر، ليعقوب، بل  هو الثالث؟ في اعتقادي لا يفك الاشتباك هنا سوى تطبيق وتنزيل الرمز على واقع الكنيسة، في المسيح من ناحية، وواقعها في هذا العالم من ناحية أخرى ؛ فهكذا قد دعيت الخليقة ( الأربعة والعشرون شيخا  ) ابنا بكرا – دعيت الأخ الأكبر للكنيسة ، في هذا العالم - بالرغم من أن الكنيسة تضم الأبكار الحقيقيين المعينين من قبل خلقة العالم، والذين قد تحقق وجودهم في المسيح، وفي ذلك يكنب الرسول مخاطبا الكنيسة : " بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ اللهِ الْحَيِّ. أُورُشَلِيمَ السَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ، وَكَنِيسَةُ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي السَّمَاوَاتِ، وَإِلَى اللهِ دَيَّانِ الْجَمِيعِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ، وَإِلَى وَسِيطِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، يَسُوعَ، وَإِلَى دَمِ رَشٍّ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ"( عب12: 22- 24 ). هكذا نستطيع أن نرصد مستويين من البكورية: بكورية الخليقة الجديدة ، الكنيسة، جسد المسيح  ، وهي البكورية الأصلية الكائنة في إرادة الله قبل الخليقة. والبكورية الثانية هي بكورية الخليقة العتيقة، التي بحسب الزمن ؛ فبكورية الخليقة " اللاوية "( إذا جاز التعبير ) بكورية موقوتة، في هذا العالم، بحسب زمن خدمة إصعاد كنيسة الأبكار في رئيس الكهنة الأعظم الرب يسوع المسيح، ومتى اكتملت هذه الليتورجية الكونية انتفت سببية وجود الخليقة فما تلبث أن تتوارى عن المشهد تاركة خلفها ثمرة خدمتها العظمى، الكنيسة. فالخدمة اللاوية التي للخليقة ، تجاه الكنيسة تعني كونها " موهوبة " لهرون وبنيه الحقيقيين، كقرين لمسار الكنيسة في الزمان والمكان، منذ أن كان هناك زمان ومكان.
   3- وهناك وجه قد يبدو متناقضا – من حيث الظاهر – مع الوجه السابق؛ فبينما اتخذ اللاويون – من قبل الرب – بديلا لأبكار بني إسرائيل، وخصصوا للرب، فهم مقصيون ومستثنون من الإحصاء بين بني إسرائيل :" وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى فِي بَرِّيَّةِ سِينَاءَ، فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِخُرُوجِهِمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ قَائِلًا: «أَحْصُوا كُلَّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِعَشَائِرِهِمْ وَبُيُوتِ آبَائِهِمْ، بِعَدَدِ الأَسْمَاءِ، كُلَّ ذَكَرٍ بِرَأْسِهِ، مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِدًا، كُلَّ خَارِجٍ لِلْحَرْبِ فِي إِسْرَائِيلَ. تَحْسُبُهُمْ أَنْتَ وَهَارُونُ حَسَبَ أَجْنَادِهِمْ ... «أَمَّا سِبْطُ لاَوِي فَلاَ تَحْسُبُهُ وَلاَ تَعُدَّهُ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.  بَلْ وَكِّلِ اللاَّوِيِّينَ عَلَى مَسْكَنِ الشَّهَادَةِ وَعَلَى جَمِيعِ أَمْتِعَتِهِ وَعَلَى كُلِّ مَا لَهُ. هُمْ يَحْمِلُونَ الْمَسْكَنَ وَكُلَّ أَمْتِعَتِهِ، وَهُمْ يَخْدِمُونَهُ، وَحَوْلَ الْمَسْكَنِ يَنْزِلُونَ. فَعِنْدَ ارْتِحَالِ الْمَسْكَنِ يُنَزِّلُهُ اللاَّوِيُّونَ وَعِنْدَ نُزُولِ الْمَسْكَنِ يُقِيمُهُ اللاَّوِيُّونَ. "( عدد1: 1-3 ، 49- 51 ). إذن، اللاويون غير محسوبين على بني إسرائيل لسبب وحيد هو خدمتهم للمسكن، في حله وترحاله وحراسته، في كل مساراته، هكذا أيضا الخليقة، الوجود العتيق، غير محسوب على الخلود الذي للكنيسة، في المسيح. هو فقط القرين الحامل والحارس للكنيسة المرتحلة في صحراء هذا العالم.    
4 - أيضا اللاويون، مثلما هم غير محسوبين – إحصائيا - على بني إسرائيل، هم أيضا لم يكن لهم نصيب- في اقتسام الأرض مع إخوتهم، الرب هو نصيبهم ( راجع تث10: 9 ). وهو نفس الموقف من الابن الأكبر ، حينما عاد ليفاجأ بأفراح عودة أخيه الضال ، الذي أخذ القسم الذي يخصه من ثروة أبيه، بينما هو لم يأخذ شيئا، ولم يكن له نصيب مخصص له, قد كان نصيبه هو نصيب اللاويين، وهذا ماقد أكده له أبوه : " كل مالي فهو لك " ( لو15: 31  ).
5 - بالرغم من أن اللاويين لا نصيب لهم مع إخوتهم -كقسم ظاهر واضح، في مكان واحد محدد، مقارنة بأقسام الأسباط الأخرى – إلا أنهم قد حصلوا عل نصيب عظيم، ولكنه منتشر في وسط كل الأسباط:  " جَمِيعُ مُدُنِ اللاَّوِيِّينَ فِي وَسَطِ مُلْكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعُونَ مَدِينَةً مَعَ مَسَارِحِهَا" ( يش21 : 41 ). والرقم ذو دلالة مهمة؛ فهو " أربعة مضروب اثني عشر " أي الإحاطة والاستيعاب للكنيسة، وهذا يقودنا إلى ذروة عبقرية الرمز.
6 - وكما أطاع اللاويون موسى في موقفهم الشجاع في حادثة العجل الذهبي، هكذا أيضا كان الابن الأكبر – طيلة حياته – طائعا وخاضعا لإرادة أبيه، الذي أقر بهذه الحقيقة : " أنت معي في كل حين " (لو15: 31   ).
7 -  قام داود ، في أيامه الأخيرة، بتنظيم اللاويين وتقسيمهم على فرق، وقد كان الرقم " أربعة وعشرون " رقما محوريا وأساسيا في تقسيمهم ( راجع: 1أخ 24و 25)
8 - كان محظورا على اللاويين أن يقدموا ذبائح أو يحرقوا بخورا أو يروا الأشياء المقدسة إلا مغطاة، هكذا أيضا الخليقة، الأخ الأكبر للكنيسة، فيما تخدم ليتورجية إصعاد الكنيسة فهي ليست شريكة في مجد الحياة الأبدية في المسيح، بل تتعامل مع أمجاد الكنيسة من وراء حجاب وظيفتها أي خدمة اللاويين وليس خدمة الكهنة؛ فلا كاهن إلا واحد وهو الكلمة المتجسد.
9 - بينما يحمل الشيوخ " قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوَّةٌ بَخُورًا هِيَ صَلَوَاتُ الْقِدِّيسِينَ."( رؤ5: 8 )، فهم لم يحرقوا هذا البخور بل هم – فقط – حاملون له في جاماتهم ومصعدون إياه. هم فقط خادمون شاهدون على سر إصعاد القديسين إلى الآب في ابنه رئيس الكهنة الأعظم الرب يسوع المسيح، الوحيد الذي يستطيع أن يحرق بخور القديسين، المشتركين في ذبيحة محرقة موته المحيي.
 10-حدود خدمة اللاويين هي سن الخمسين :" مِنِ ابْنِ خَمْسِينَ سَنَةً يَرْجِعُونَ مِنْ جُنْدِ  الْخِدْمَةِ وَلاَ يَخْدِمُونَ بَعْدُ" ( عدد8:  25)، والرقم خمسون هو " مضروب خمسة وعشرة "، والخمسة هو الفئة، والعشرة هو الكل؛ فالخليقة ( الأربعة والعشرون شيخا ، اللاويون ) هي الفئة الخادمة لكل أفراد الكنيسة،  وبمجيء الكل ينتهي دورها وتنتفي سببية وجودها. والسنة الخمسون هي سنة اليوبيل، وهي السنة الأولى بعد سبع سبعات من السنوات ( ستة عمل معتاد، والسابعة راحة )، وهي : سنة العتق ( لا25: 10 )، سنة البركة ( لا25: 20- 22)،  سنة الرب المقبولة ( لو4: 17- 19 ). واليوبيل كلمة تعني " القرن "، الذي ينفخ فيه إيذانا ببدء الاحتفال بهذه السنة. هكذا يأخذنا الرمز إلى البوق السابع، زمن تمام سر الله، التجسد، وتأخذنا رمزية حدود خدمة اللاويين ( أي الخمسين سنة ) إلى حدود خدمة الخليقة للكنيسة باستيعابها لكل مسار استحقاقات سر التجسد في الزمان والمكان حتى ماتكتمل الكنيسة، في سنة اليوبيل الحقيقي  التي تتكمل فيها الخليقة الجديدة الآتية في اليوم الجديد، اليوم الثامن ( بعد سباعية السبعات ). هكذا تأخذنا حقيقة خدمة الأربعة والعشرين " اللاوية "( إذا جاز التعبير ) إلى تخوم تتميم سر المسيح، سر الكنيسة، وإذذاك يكون قد اكتمل دورها العظيم. أيضا لدينا عيد الخمسين، العنصرة، سواء في صيغته القديمة، عند اليهود – وكان يطلق عليه عيد الأسابيع لأنه يأتي بعد سبعة أسابيع من ثاني يوم لعيد الفصح، أي اليوم الخمسين من عيد الفصح، وكانوا يحتفلون فيه بتقديم كل إنسان لرغيف من باكورة حصاده؛ لذلك دعي، أيضا، عيد الحصاد – أو في صيغته الجديدة، في العهد الجديد، حيث هبوب الريح العاصف وحلول الروح القدس ليكرس وجود الكنيسة كهيكل أبدي لروح الله، يكرس وجود مخزن حصيد الحنطة البشرية، المسيح الرب ( بحسب يوحنا الصابغ، في لو3: 17 ). هكذا ينقلنا الرمز بصيغتيه،  القديمة والجديدة إلى حدود الدور اللاوي العظيم للخليقة في مسارها المنتج لحصيد الكنيسة، حتى ولو لم يكن لها – بحكم طبيعتها – نصيب في مجد الخلود الذي للكنيسة، وهذا يذكرنا بالابن الأكبر، الذي بينما كان في الحقل، كانت أصوات احتفالية عودة أخيه، المستعاد بعد ضلاله، صادحة في الأفق منطلقة من البيت معلنة استمتاع المحتفلين بخيرات حصيده وبثمرة خدمته في الحقل دون أن يستدعيه أحد لحضور الاحتفالية ( راجع لو 15: 25- 32 ). وبالتأكيد، إن مجرد تنظيم الجماهير الجائعة - فرقا، خمسين خمسين – ليس كافيا لإحداث الاختراق العجائبي الذي فيه يتم إشباع  خمسة آلاف رجل من خمسة أرغفة وسمكتين، ولكنه يكفي لتحديد مسارات استقبال النعمة المجانية المشبعة للجميع ( راجع: مر6 : 40- 42 ، لو9: 13- 17 ). وعلى نفس القياس نقول: ليس للخليقة، الأخ الأكبر للكنيسة دور في إصعاد الكنيسة سوى طاعة الخالق في تحديد مسارات الزمان والمكان التي يستقبل فيها أفراد الكنيسة النعمة، فيتم تقدمتهم كصعيدة إلى الآب في الابن المتجسد، رئيس الكهنة الأعظم. فقط الخليقة لها هذا الدور اللاوي " المقترن" بكهنوت هارون وبنيه الحقيقيين، المسيح المستوعب لكنيسته في جسده. وباختصار شديد فإن الرقم "خمسين"، كحد للخدمة اللاوية للخليقة ، يعني الوصول إلى تخوم المجيء الكامل للكنيسة في الرب. هكذا قد وهبت الخليقة للكنيسة كقرين كاشف وحامل لهذا المسار في هذا العالم.  والخدمة اللاوية التي تقوم بها الخليقة- بهذا الشكل - هي ماقد أشارت إليها رمزية أرض الطريق، في مثل الزارع؛ فهذه الأرض ليست مستهدفة؛ لذلك لم تأت أرض الطريق بالثمر المرجو، فهذا لم يكن دورها،  بينما كان كل دورها حمل أقدام الزارع إلى الأرض الجيدة حيث الثمر المرتجى للكنيسة الكاملة، المملوءة من روافدها الثلاثة: ثلاثون ( خمسة مضروب ستة، أي رافد الأمم )، وستون ( خمسة مضروب اثني عشر، أي رافد الراقدين )، ومئة ( عشرة مضروب عشرة، الكل في الكل، أي رافد دعوة الكرازة ).  

مفتاح شرح سفر الرؤيا ( 6 )





           ثلاثية تركيب الكنيسة في مشاهد الباقة السابعة

                   2- الكنيسة في الإصحاح الرابع عشر

   أولا : ثلاثية روافد الكنيسة
1- اقتباس :" ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا خَرُوفٌ وَاقِفٌ عَلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَمَعَهُ مِئَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا، لَهُمُ اسْمُ أَبِيهِ مَكْتُوبًا عَلَى جِبَاهِهِمْ.  وَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ وَكَصَوْتِ رَعْدٍ عَظِيمٍ. وَسَمِعْتُ صَوْتًا كَصَوْتِ ضَارِبِينَ بِالْقِيثَارَةِ يَضْرِبُونَ بِقِيثَارَاتِهِمْ،  وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ كَتَرْنِيمَةٍ جَدِيدَةٍ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ وَالشُّيُوخِ. وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّرْنِيمَةَ إِّلاَّ الْمِئَةُ وَالأَرْبَعَةُ وَالأَرْبَعُونَ أَلْفًا الَّذِينَ اشْتُرُوا مِنَ الأَرْضِ. هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ لَمْ يَتَنَجَّسُوا مَعَ النِّسَاءِ لأَنَّهُمْ أَطْهَارٌ. هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ الْخَرُوفَ حَيْثُمَا ذَهَبَ. هؤُلاَءِ اشْتُرُوا مِنْ بَيْنِ النَّاسِ بَاكُورَةً للهِ وَلِلْخَرُوفِ. وَفِي أَفْوَاهِهِمْ لَمْ يُوجَدْ غِشٌّ، لأَنَّهُمْ بِلاَ عَيْبٍ قُدَّامَ عَرْشِ اللهِ"( 14: 1- 5 ).
التعليق : الرقم " مئة وأربعة وأربعون ألفا " هو حاصل ضرب " اثني عشر " في " اثني عشر " في " ألف "، الرقم اثنا عشر هو رقم الكنيسة، والرقم ألف يعني الأبدية، يعني ملكوت السموات. وهكذا فالرقم " مئة وأربعة وأربعون ألفا " يمكن تأويله إلى " الكنيسة الكاملة، كنيسة الكنائس الأبدية، الوجود الإنساني الجديد الحي إلى  الأبد ، والذي لا يوجد خارجه أي نصيب من الحياة الأبدية لأي بشر". أما المئة والأربعة والأربعون ألفا الذين في معية الخروف على جبل صهيون فهم رافدنا نحن ابناء دعوة الإنجيل والكرازة الرسولية، ورافدنا – في هذا العالم – يرى ذاته الرافد الوحيد الشريك في بنوة الابن و" لَهُمُ اسْمُ أَبِيهِ مَكْتُوبًا عَلَى جِبَاهِهِمْ ". يرى ذاته، الوحيد الذي يعرف سر المسيح من دون الأرض كلها  فلم" يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّرْنِيمَةَ إِّلاَّ الْمِئَةُ وَالأَرْبَعَةُ وَالأَرْبَعُونَ أَلْفًا الَّذِينَ اشْتُرُوا مِنَ الأَرْضِ .. هؤُلاَءِ اشْتُرُوا مِنْ بَيْنِ النَّاسِ بَاكُورَةً للهِ وَلِلْخَرُوفِ " .هؤلاء  يرون ذواتهم أنهم الوحيدون "الَّذِينَ يَتْبَعُونَ الْخَرُوفَ حَيْثُمَا ذَهَبَ "، ويرون ذواتهم كرافد وحيد نقي يملأ  الكنيسة؛ فهم "الَّذِينَ لَمْ يَتَنَجَّسُوا مَعَ النِّسَاءِ لأَنَّهُمْ أَطْهَارٌ". والغريب والمدهش أن الرقم "مئة وأربعة وأربعون ألفا" كان قد أتى ذكره في موضع آخر – في هذا السفر – ولكن بخصوص الرافد الذي يعد نقيضا لرافدنا – في هذا العالم – وهو رافد كنيسة الأمم، رافد الجهالة، كان هذا في مناسبة فتح الختم السادس، على أن هذا الأمر ينبغي أن لا يفهم كتناقض. وحل الإشكالية يكمن في إدراك الفرق بين كون أصحاب رافد الكرازة "لَهُمُ اسْمُ أَبِيهِ مَكْتُوبًا عَلَى جِبَاهِهِمْ "، بينما أصحاب رافد كنيسة الأمم قد أخذوا فرصتهم لأن يختموا على جباههم بعد أن أمسكت " أَرْبَعَ رِيَاحِ الأَرْضِ لِكَيْ لاَ تَهُبَّ رِيحٌ عَلَى الأَرْضِ، وَلاَ عَلَى الْبَحْرِ، وَلاَ عَلَى شَجَرَةٍ مَا"( 7: 1 )، وهكذا فالرقم مئة وأربعة وأربعون ألفا- بالنسبة لرافد الأمم – يشير إلى ولوجهم إلى الكنيسة جسد المسيح، كرافد ثالث – مع رافد الراقدين ورافد الكرازة- بعد رفض وإنكار وتجاهل من قبل أصحاب دعوة الكرازة، في هذا العالم. كانوا هنا مرفوضين رفضا أبديا ومحسوبين على ماهو خارج الكنيسة ، ولكن بتدبير لا نعرفه ولا نتوقعه ولا يخطر على بالنا، في المسيح قد صاروا محسوبين على المئة والأربعة والأربعين ألفا، قد صاروا مختومين على جباههم، أي الانتماء إلى الكنيسة الكاملة، جسد المسيح.
2- اقتباس:" ثُمَّ رَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ طَائِرًا فِي وَسَطِ السَّمَاءِ مَعَهُ بِشَارَةٌ أَبَدِيَّةٌ، لِيُبَشِّرَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ وَكُلَّ أُمَّةٍ وَقَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ، قَائِلًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «خَافُوا اللهَ وَأَعْطُوهُ مَجْدًا، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ سَاعَةُ دَيْنُونَتِهِ، وَاسْجُدُوا لِصَانِعِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَالْبَحْرِ وَيَنَابِيعِ الْمِيَاهِ». ثُمَّ تَبِعَهُ مَلاَكٌ آخَرُ قَائِلًا: «سَقَطَتْ! سَقَطَتْ بَابِلُ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ، لأَنَّهَا سَقَتْ جَمِيعَ الأُمَمِ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ زِنَاهَا!». ثُمَّ تَبِعَهُمَا مَلاَكٌ ثَالِثٌ قَائِلًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْجُدُ لِلْوَحْشِ وَلِصُورَتِهِ، وَيَقْبَلُ سِمَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ أَوْ عَلَى يَدِهِ،  فَهُوَ أَيْضًا سَيَشْرَبُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ اللهِ، الْمَصْبُوبِ صِرْفًا فِي كَأْسِ غَضَبِهِ، وَيُعَذَّبُ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ أَمَامَ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ وَأَمَامَ الْخَرُوفِ.  وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. وَلاَ تَكُونُ رَاحَةٌ نَهَارًا وَلَيْلًا لِلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ وَلِصُورَتِهِ وَلِكُلِّ مَنْ يَقْبَلُ سِمَةَ اسْمِهِ».  هُنَا صَبْرُ الْقِدِّيسِينَ. هُنَا الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ وَإِيمَانَ يَسُوعَ" ( 14: 6- 12 ).
التعليق: هنا إشارة إلى رافد الأمم، المتغرب في وسط ماهو محسوب على ضد المسيح، و" هُنَا صَبْرُ الْقِدِّيسِينَ. هُنَا الَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا اللهِ وَإِيمَانَ يَسُوعَ" والمقصود بهؤلاء الصابرين أصحاب رافد كنيسة الأمم "  هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْخَرُوفِ"( 7: 14 ).
3- اقتباس : " وَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا لِي: «اكْتُبْ: طُوبَى لِلأَمْوَاتِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي الرَّبِّ مُنْذُ الآنَ». «نَعَمْ» يَقُولُ الرُّوحُ: «لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ، وَأَعْمَالُهُمْ تَتْبَعُهُمْ» ( 14: 13 ).
التعليق: هؤلاء هم أصحاب رافد الراقدين الذين كانوا الباكورة في الولولوج إلى الكنيسة، وقد استحضروا بواسطة يسوع وبمعيته، حينما تجسد الكلمة.
   ثانيا: حصاد رافدين 
1- اقتباس:" ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا سَحَابَةٌ بَيْضَاءُ، وَعَلَى السَّحَابَةِ جَالِسٌ شِبْهُ ابْنِ إِنْسَانٍ، لَهُ عَلَى رَأْسِهِ إِكْلِيلٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِي يَدِهِ مِنْجَلٌ حَادٌّ.  وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ الْهَيْكَلِ، يَصْرُخُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ إِلَى الْجَالِسِ عَلَى السَّحَابَةِ: «أَرْسِلْ مِنْجَلَكَ وَاحْصُدْ، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتِ السَّاعَةُ لِلْحَصَادِ، إِذْ قَدْ يَبِسَ حَصِيدُ الأَرْضِ». فَأَلْقَى الْجَالِسُ عَلَى السَّحَابَةِ مِنْجَلَهُ عَلَى الأَرْضِ، فَحُصِدَتِ الأَرْضُ"( 14: 14- 16 ).
التعليق: هذا هو حصاد رافدنا، رافد دعوة الكرازة. والأرض في سفر الرؤيا تشير إلى رافد دعوة الكرازة الرسولية، دعوة الإنجيل.
2- اقتباس: "ثُمَّ خَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، مَعَهُ أَيْضًا مِنْجَلٌ حَادٌّ. وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ الْمَذْبَحِ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى النَّارِ، وَصَرَخَ صُرَاخًا عَظِيمًا إِلَى الَّذِي مَعَهُ الْمِنْجَلُ الْحَادُّ، قَائِلًا: «أَرْسِلْ مِنْجَلَكَ الْحَادَّ وَاقْطِفْ عَنَاقِيدَ كَرْمِ الأَرْضِ، لأَنَّ عِنَبَهَا قَدْ نَضِجَ».  فَأَلْقَى الْمَلاَكُ مِنْجَلَهُ إِلَى الأَرْضِ وَقَطَفَ كَرْمَ الأَرْضِ، فَأَلْقَاهُ إِلَى مَعْصَرَةِ غَضَبِ اللهِ الْعَظِيمَةِ. وَدِيسَتِ الْمَعْصَرَةُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ دَمٌ مِنَ الْمَعْصَرَةِ حَتَّى إِلَى لُجُمِ الْخَيْلِ، مَسَافَةَ أَلْفٍ وَسِتِّمِئَةِ غَلْوَةٍ"( 14: 17- 20 ).
التعليق: هذا هو حصاد كنيسة الأمم، المقصية خارج المدينة. والمسافة " ألف وستمئة غلوة" إشارة إلى الفجوة التي تفصلهم عن وعي أصحاب الكرازة بهم، فهم مقصيون تماما؛ فالرقم " ستمئة "- كما قلنا سابقا - هو رقم الفرقة الناجية الوحيدة، رافد الكرازة - إذا جاز التعبير – والتي لها الحياة الأبدية ( رقم " ألف "). هذه هي الهوة العظيمة التي تفصل هؤلاء عنا في هذا العالم. كان نوح هو أول من غرس كرما، وشرب من الخمر وسكر وتعرى ( تك9: 20و 21 )، وما كان سببا في تعري نوح – صاحب الفرقة الناجية الوحيدة ، من الطوفان، في العالم ( كان عمره حين الطوفان ستمئة سنة ) – الآن ،في المسيح يستر عري نوح؛ فيصبح الكرم حصيدا لحساب الحياة الأبدية في ذلك الرافد المجهول والمقصي والمدان منا في هذا العالم؛ فتجتاز عناقيد كروم هذا الرافد معصرة غضب الله العظيمة ليشترك في موته، ويداس الموت ( المعصرة ) خارج المدينة لتعبر حياتهم في المسيح هذه الفجوة  التي سيطرت على وعينا في هذا العالم( مسافة ألف وستمئة غلوة ).  
             3 - الكنيسة في الإصحاح الخامس عشر
اقتباس : ثُمَّ رَأَيْتُ آيَةً أُخْرَى فِي السَّمَاءِ، عَظِيمَةً وَعَجِيبَةً: سَبْعَةَ مَلاَئِكَةٍ مَعَهُمُ السَّبْعُ الضَّرَبَاتُ الأَخِيرَةُ، لأَنْ بِهَا أُكْمِلَ غَضَبُ اللهِ.  وَرَأَيْتُ كَبَحْرٍ مِنْ زُجَاجٍ مُخْتَلِطٍ بِنَارٍ، وَالْغَالِبِينَ عَلَى الْوَحْشِ وَصُورَتِهِ وَعَلَى سِمَتِهِ وَعَدَدِ اسْمِهِ، وَاقِفِينَ عَلَى الْبَحْرِ الزُّجَاجِيِّ، مَعَهُمْ قِيثَارَاتُ اللهِ، وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ اللهِ، وَتَرْنِيمَةَ الْخَرُوفِ قَائِلِينَ: «عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! عَادِلَةٌ وَحَقٌ هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ الْقِدِّيسِينَ! مَنْ لاَ يَخَافُكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُ اسْمَكَ؟ لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ، لأَنَّ جَمِيعَ الأُمَمِ سَيَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ، لأَنَّ أَحْكَامَكَ قَدْ أُظْهِرَتْ».  ثُمَّ بَعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإِذَا قَدِ انْفَتَحَ هَيْكَلُ خَيْمَةِ الشَّهَادَةِ فِي السَّمَاءِ، وَخَرَجَتِ السَّبْعَةُ الْمَلاَئِكَةُ وَمَعَهُمُ السَّبْعُ الضَّرَبَاتِ مِنَ الْهَيْكَلِ، وَهُمْ مُتَسَرْبِلُونَ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ وَبَهِيٍّ، وَمُتَمَنْطِقُونَ عِنْدَ صُدُورِهِمْ بِمَنَاطِقَ مِنْ ذَهَبٍ"( 15: 1- 6 ).
التعليق: الحديث في هذا الإصحاح منصب على رافد واحد من روافد الكنيسة وهو رافد كنيسة الأمم، رافد الجهالة والإقصاء. وعلى خلفية خروج جامات غضب الله التي بها تكتمل دينونة كل ماهو ضد المسيح وضد مجيئه في الكنيسة، على هذه الخلفية يبدو رافد الأمم عابرا لهذا الغضب ، يبدو مرتلا ترنيمة موسى عبد الله أي ترنيمة البصخة، ترنيمة عبور الهلاك المفترض لأصحاب هذا الرافد، بالنسبة لنا نحن أصحاب الكرازة في هذا العالم. هم قد غلبوا الوحش وصورته وسمته وعدد اسمه. كانوا محسوبين على كل هذا، ولكن في المسيح – وبتدبير يفوق قدرات عقولنا على التصور- سيأتي جميع الأمم ويسجدون أمام الرب ممجدين اسمه. ولابأس من تكرار القول بأن البحر في سفر الرؤيا  - في سياق حديث روافد الكنيسة – يشير إلى رافد كنيسة الأمم . والبحر هنا من زجاج مختلط بنار، والنار هي شركة موت المسيح التي يلج إليها هؤلاء . والزجاج في سفر الرؤيا هو النقاوة ؛ فقدام العرش " بحر زجاج شبه بلور ( 4: 6 )، وأورشليم المدينة العظيمة ، الكنيسة الخالدة جسد المسيح مدينة " ذهب نقي شبه زجاج نقي"( 21: 18 ). هكذا في المسيح تتجلى نقاوة وأصالة رافد كنيسة الأمم .
  
            4- الكنيسة والجامات ( الإصحاح السادس عشر )
سباعية جامات غضب الله هي " الحبل " الثالث ( مع سباعية الختوم وسباعية الأبواق ) في ضفيرة سباعية الباقات.ضفيرتنا مكونة من سبع عقد متصلة، كل عقدة هي باقة مؤلفة من ثلاثية: الختم والبوق والجام. فتح الختم يكشف عن رافد معين من روافد الكنيسة، والبوق يكشف عن تمام سر الله في هذا الرافد بفضل الشركة في موت المسيح المحيي. وجام الغضب هو دائما مصبوب على الآخر، المقاوم لتمام سر الله المعلن في البوق، بخصوص ذلك الرافد موضوع الباقة. الباقات الأربع الأولى تكشف عن رافد دعوة الكرازة، رافد هؤلاء الذين قبلوا دعوة الإنجيل، دعوة الحيوانات  الأربعة المملوءة أعينا. والباقة الخامسة تكشف عن رافد الراقدين. والباقة السادسة تكشف عن رافد الأمم. والباقة السابعة هي باقة الباقات، باقة انطلاق سر الله في الكنيسة، أي التجسد.
أولا: في رباعية الباقات الأولى 
1- حديث إنجيل مرقس عن المسيح المنتصر على كل الأعداء الروحيين ينسجم مع جام الغضب الأول المصبوب على الناس الذين بهم سمة الوحش والذين يسجدون لصورته.
2- حديث إنجيل لوقا عن المسيح ذبيحة السلامة الحقيقية، للعالم كله، ينسجم مع جام الغضب الثاني المصبوب على البحر فيصير دما كدم ميت وكل نفس حية ماتت في البحر.
3- حديث إنجيل متى عن مسيح الإنسانية كلها- والذي في عدله يقبل الجميع ولا يقصي أحدا لأي سبب عنصري – ينسجم مع جام الغضب الثالث المصبوب على الأنهار وعلى ينابيع المياه فتصير دما، تلك الينابيع التي امتنعت عن أن تكون روافدا للكل حتى مايملأوا الكنيسة، وفي هذا السياق يستحق الرب هذه التسبحة الملائكية:" عَادِلٌ أَنْتَ أَيُّهَا الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَكُونُ، لأَنَّكَ حَكَمْتَ هكَذَا. لأَنَّهُمْ سَفَكُوا دَمَ قِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَاءَ، فَأَعْطَيْتَهُمْ دَمًا لِيَشْرَبُوا. لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ!» ... «نَعَمْ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! حَقٌ وَعَادِلَةٌ هِيَ أَحْكَامُكَ»( 16: 5- 7 ).
4- حديث إنجيل يوحنا عن الكلمة المتجسد الصائر حياة ونورا للعالم ينسجم مع جام الغضب  الرابع المصبوب على الشمس، رمز النور، فتصير محرقة عظيمة لهؤلاء المقاومين والرافضين لأن يستنيروا بالنور الحقيقي الآتي إلى العالم.
ثانيا: في الباقة الخامسة، الكاشفة لرافد الراقدين- الذين ماتوا وفقا لطبيعتهم العتيقة، الفاسدة، ثم ابتعثوا من رقادهم حينما تجسد الرب- ينسجم جام الغضب الخامس المصبوب على عرش الوحش ومملكته لتصير مظلمة؛  فهؤلاء الراقدين كانوا تحت سلطان الجحيم، وعندما حررهم الكلمة المتجسد من موتهم كان ذلك بمثابة  التدمير والإظلام لتلك المملكة وانتقاصا للكثير من رعاياها.
ثالثا: في الباقة السادسة، الكاشفة لرافد الأمم، رافد الجهالة، الذين يأتون إلى المسيح من الضيقة العظيمة، أي مما هو محسوب على ضد المسيح، وبفضل كورش الحقيقي الكلمة المتجسد يتحررون من سبيهم في بابل مدينة الشر العظيمة. في هذا السياق، من المنطقي، ومما ينسجم مع موضوع الباقة ، أن يكون جام الغضب السادس مصبوبا على منظومة الشر الكاملة: الوحش الطالع من البحر ( ضد المسيح ) والوحش الطالع من الأرض، الداعم للوحش الأول ( النبي الكداب )، وبالطبع بابل أم الزواني التي نشف ماء نهرها الكبير كمستهل لسقوطها المدوي. هذه المنظومة – التي بلغت أقصى درجات توحشها في إقصاء الآخر " رافد الأمم "، وابتلاعه من الوجود واعتباره من الهالكين في أشرس صيغة من التوحش الإنساني المتلبس الدين والتدين، بل والمتأله في نظرته لذاته، كما لو كان مالكا للحقيقة المطلقة وحده، لذلك كان حريا بهؤلاء أن يكونوا مستحقين لأن يباغتهم اليوم العظيم، يوم الله القادر على كل شيء، يباغتهم كلص فيكشف عريهم وبفضح أمرهم ليسقطوا صرعى في معركة الفصل الإخيرة، هرمجدون ، معركة الفصل بين الخير وبين مايدعي  - كذبا - أنه خير. 
رابعا: في الباقة السابعة، باقة الباقات- التي يعتلن فيها سر الله، أي تجسده الممتد في الكنيسة – ينسجم جام الغضب السابع المصبوب على الهواء ليخرج "صَوْتٌ عَظِيمٌ مِنْ هَيْكَلِ السَّمَاءِ مِنَ الْعَرْشِ قَائِلًا: «قَدْ تَمَّ!» "( 16: 17)، وبالفعل تم كل شيء في سياق الباقة السابعة. إيجابيا :" صَارَتِ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ "أي اكتملت الكنيسة وامتلأت من روافدها الثلاثة، وسلبيا تمت دينونة كل ماهو ضد المسيح:" بَابِلُ الْعَظِيمَةُ ذُكِرَتْ أَمَامَ اللهِ لِيُعْطِيَهَا كَأْسَ خَمْرِ سَخَطِ غَضَبِهِ ". وأما الهواء الذي استهدف من الجام المصبوب فهو رمز لعرش الشيطان ومملكته، فيكتب بولس:" وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلًا حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلًا بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا"( أفس2: 1- 3 ).لذلك فمن الناحية الإيجابية فإن الكنيسة هي إزاحة لمملكة الشيطان وقضاء عليها، قضاء النور على الظلمة؛ فروافد الكنيسة تقتحم هذه المملكة لتبددها بوجودها في المسيح، فيكتب الرسول:" لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ ( البوق السابع )، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلًا. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ"( 1تس4: 16و 17 ).

          5- الكنيسة و سر المرأة المحمولة بالوحش  
لدينا في سفر الرؤيا امرأتان : امرأة الإصحاح الثاني عشر وامرأة الإصحاح السابع عشر. المشترك الوحيد الذي يجمعهما هو موضعهما، البرية، برية هذا العالم. ولكن شتان الفرق بينهما؛ فالأولى "  مُتَسَرْبِلَةٌ بِالشَّمْسِ، وَالْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَبًا "( 12: 1 )، والثانية " امْرَأَةً جَالِسَةً عَلَى وَحْشٍ قِرْمِزِيٍّ مَمْلُوءٍ أَسْمَاءَ تَجْدِيفٍ، لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ. وَالْمَرْأَةُ كَانَتْ مُتَسَرْبِلَةً بِأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ، وَمُتَحَلِّيَةً بِذَهَبٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ وَلُؤْلُؤٍ، وَمَعَهَا كَأْسٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِهَا مَمْلُوَّةٌ رَجَاسَاتٍ وَنَجَاسَاتِ زِنَاهَا، وَعَلَى جَبْهَتِهَا اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «سِرٌّ. بَابِلُ الْعَظِيمَةُ أُمُّ الزَّوَانِي وَرَجَاسَاتِ الأَرْضِ»( 17: 3-5 ).الأولى هي الكنيسة، الخليقة الجديدة التي "وَلَدَتِ ابْنًا ذَكَرًا عَتِيدًا أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ الأُمَمِ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ. وَاخْتُطِفَ وَلَدُهَا إِلَى اللهِ وَإِلَى عَرْشِهِ"( 12: 5 )، والثانية هي " سَكْرَى مِنْ دَمِ الْقِدِّيسِينَ وَمِنْ دَمِ شُهَدَاءِ يَسُوعَ "( 17: 6 ). إذن بينما الأولى هي الخليقة الجديدة – في مسارها المنطلق من الرأس، يسوع، الكلمة المتجسد، وحتى اكتمال ملء الكنيسة التي هي جسده- فالثانية هي الكيان والمسار المعاكس، المحارب والمقاوم، والمضاد لوجود الكنيسة ولمجيء المسيح في كل  الذين له، أي الكنيسة. وبينما الأولى "حُبْلَى تَصْرُخُ مُتَمَخِّضَةً وَمُتَوَجِّعَةً لِتَلِدَ"( 12: 2 )، تلد رأس الوجود الجديد  الكنيسة، فالثانية هي رأس الحربة- المقاوم للمسيح - في المنظومة الرباعية لأضداد المسيح: المرأة، بابل أم الزواني، والوحش ( ضد المسيح ) الحامل للمرأة، والنبي الكداب، الداعم للوحش، والتنين الحية القديمة، الشيطان، الذي أعطى سلطانه للوحش.
ولكن العجيب والمدهش هو أنه في داخل منظومة الشر هذه، توجد إشارات إلى الكنيسة، بروافدها الثلاثة: 
1- اقتباس  : " ثُمَّ قَالَ لِي الْمَلاَكُ: «لِمَاذَا تَعَجَّبْتَ؟ أَنَا أَقُولُ لَكَ سِرَّ الْمَرْأَةِ وَالْوَحْشِ الْحَامِلِ لَهَا، الَّذِي لَهُ السَّبْعَةُ الرُّؤُوسِ وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونِ: الْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتَ، كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ مِنَ الْهَاوِيَةِ وَيَمْضِيَ إِلَى الْهَلاَكِ. وَسَيَتَعَجَّبُ السَّاكِنُونَ عَلَى الأَرْضِ، الَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، حِينَمَا يَرَوْنَ الْوَحْشَ أَنَّهُ كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، مَعَ أَنَّهُ كَائِنٌ"...."وَالْوَحْشُ الَّذِي كَانَ وَلَيْسَ الآنَ فَهُوَ ثَامِنٌ، وَهُوَ مِنَ السَّبْعَةِ، وَيَمْضِي إِلَى الْهَلاَكِ"( 17: 7و 8 و11 ).
التعليق
 الوحش هو ذاته وحش الإصحاح الثالث عشر، الوحش الطالع من البحر، والمدعوم من الوحش الآخر الطالع من الأرض، الذي له قرنان شبه خروف( النبي الكداب ). والوحش البحري هو وحش طبيعتنا البشرية العتيقة بكل نرجسيتها وميولها الرديئة، والتي تبلغ أقصى مبلغ في وحشيتها حينما تتلبسها العنصرية والطائفية والتعصب فتتوحش إلى درجة ابتلاع الآخر وإلغائه من الوجود .و" هو من السبعة " – والسبعة يعني الملء، وهو محوري في السفر فيما يخص الكنيسة - لأنه الطبيعة العتيقة التي تخص جميع أفراد أصحاب الروافد الثلاثة للكنيسة ( السبعة رؤوس ). و " هو عتيد أن يصعد من الهاوية "  لأنه قد استحضر إلى الوجود، من العدم .و "هو يمضي إلى الهلاك " لأن " لَحْمًا وَدَمًا لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ، وَلاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ "( 1كو15: 50 ) ؛ فهو " من تراب وإلى تراب يعود "( تك3 : 19 ). " وهو ثامن" ،  لأن موته قد حسب استثمارا، لأننا " نَحْنُ الَّذِينَ فِي الْخَيْمَةِ نَئِنُّ مُثْقَلِينَ، إِذْ لَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَخْلَعَهَا بَلْ أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا، لِكَيْ يُبْتَلَعَ الْمَائِتُ مِنَ الْحَيَاةِ"( 2كو5: 4). هو كائن كحبة الحنطة التي تموت في الأرض فتؤتي ثمرا كثيرا ( يو12: 24 ). لذلك هو ثامن، والرقم " ثمانية " هو " الجديد، التالي "، في لغة الأرقام في الكتاب المقدس. إذن السبعة رؤوس التي للوحش إشارة إلى طبيعة هؤلاء الروافد المغتربة في هذا الوجود العتيق، ومتى اشتركوا جميعا في موت المسيح المحيي خلصوا وانتهى اغترابهم وتموقعوا في وطنهم الحقيقي الكنيسة الكاملة، جسد المسيح.
2- اقتباس:" وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونِ الَّتِي رَأَيْتَ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ لَمْ يَأْخُذُوا مُلْكًا بَعْدُ، لكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحِدَةً مَعَ الْوَحْشِ. هؤُلاَءِ لَهُمْ رَأْيٌ وَاحِدٌ، وَيُعْطُونَ الْوَحْشَ قُدْرَتَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ. هؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ الْخَرُوفَ، وَالْخَرُوفُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ»..." وَأَمَّا الْعَشَرَةُ الْقُرُونِ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى الْوَحْشِ فَهؤُلاَءِ سَيُبْغِضُونَ الزَّانِيَةَ، وَسَيَجْعَلُونَهَا خَرِبَةً وَعُرْيَانَةً، وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ"( 17: 12- 14 ، 16 ).
التعليق
الرقم " عشرة "يعني " الكل "، والعشرة قرون تشير إلى الطبيعة العتيقة التي لكل البشر بما فيهم كل أفراد الكنيسة  ( كل الكنيسة ) المتغربين في هذا العالم، ولكن الفرق بين أفراد   الكنيسة والباقين الذين لا نصيب لهم في المسيح هو أن سطوة وسلطان الطبيعة العتيقة ، المؤدي للهلاك هو سلطان موقوت، بالنسبة للآتين إلى الكنيسة، فهم "يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحِدَةً مَعَ الْوَحْشِ"( 17: 12 )، وسرعان ماسيحسم الخروف هذا الصراع ليهزم فيهم هذا العتيق بإشراكهم في موته المحيي ف " سَيُبْغِضُونَ الزَّانِيَةَ، وَسَيَجْعَلُونَهَا خَرِبَةً وَعُرْيَانَةً، وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ"( 17: 16 )، فهؤلاء "مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ"( 17: 14 ). المدعوون هم رافد دعوة الكرازة. والمختارون هم رافد الراقدين، الذين اختيروا وحفظوا في إرادة الرب لحين تجسده. والمؤمنون - وياللعجب – هم أصحاب رافد الأمم، رافد الجهالة، ولكن " كَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ"( رو10: 14 )، هنا لغز رافد الأمم.
وباختصار إذا كان حديث السبعة رؤوس ، في الاقتباس الأول، يشير إلى تجديد الطبيعة البشرية في الذين صاروا كنيسة ( بكل روافدها )،  فالعشرة قرون ، في الاقتباس الثاني- هنا – يشير إلى الوجه الآخر من الحدث أي موت العتيق وتجريده من سلطانه " الموقوت " الذي سرعان مايستسلم لإرادة الخروف ولشركة ذبيحته، في الذين معه، أي الكنيسة، ليترك الزانية،  فخر منظومة الشر، خربة وعريانة.
3- اقتباس: "لأَنَّ اللهَ وَضَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَصْنَعُوا رَأْيَهُ، وَأَنْ يَصْنَعُوا رَأْيًا وَاحِدًا، وَيُعْطُوا الْوَحْشَ مُلْكَهُمْ حَتَّى تُكْمَلَ أَقْوَالُ اللهِ " ( 17: 17 ).
التعليق
هم يتنازلون ويتخلون طواعية عن سلطان الظلمة الذي يداعب عتيقهم، فيفضلون موت هذا العتيق مع المسيح متنازلين عن هذا الملك الذي لصالح مملكة الشيطان، لصالح ضد ( أو أضداد ) المسيح.
4- اقتباس:" هُنَا الذِّهْنُ الَّذِي لَهُ حِكْمَةٌ! اَلسَّبْعَةُ الرُّؤُوسِ هِيَ سَبْعَةُ جِبَال عَلَيْهَا الْمَرْأَةُ جَالِسَةً.  وَسَبْعَةُ مُلُوكٍ: خَمْسَةٌ سَقَطُوا، وَوَاحِدٌ مَوْجُودٌ، وَالآخَرُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ. وَمَتَى أَتَى يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى قَلِيلً"( 17: 9و 10 ).
التعليق
هذا الاقتباس يشير- تفصيلا - إلى روافد الكنيسة الثلاثة بطريقة تمييزية؛ فالسبعة ملوك هم : 1- خمسة سقطوا، والرقم خمسة يشير إلى رافد الراقدين ( الباقة الخامسة )، هؤلاء الذين ماتوا وفقا لطبيعتهم، فسقطوا من الوجود، إلا أنهم قد ابتعثوا من رقادهم حينما تجسد الرب.2- واحد موجود، وهو رافد دعوة الكرازة بالإنجيل، وهو الرافد الوحيد – في هذا العالم – الواضح ككنيسة، والموجود في مركز الوعي، وعي الكنيسة بذاتها ككنيسة. 3- والآخر الذي لم يأت بعد هو الرافد المستتر عن وعينا به؛ فنحن نجهله تماما، كرافد معنا في الكنيسة ، وهو أيضا يجهل ذاته ككنيسة، ولكنه سيأتي في المسيح من منظور اسخاطولوجي، ومتى أتي ينبغي أن يبقى قليلا؛ أي حينما ندرك وجوده، بانتقالنا جميعا، من هذا العالم، إلى المسيح ، ساعتئذ سندرك أنه كان موجودا معنا في العالم، ولم نكن نعلم عنه هذا الوجود القليل. 

                       6- الكنيسة وسقوط بابل   
1- اقتباس:" ثُمَّ بَعْدَ هذَا رَأَيْتُ مَلاَكًا آخَرَ نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ، لَهُ سُلْطَانٌ عَظِيمٌ. وَاسْتَنَارَتِ الأَرْضُ مِنْ بَهَائِهِ. وَصَرَخَ بِشِدَّةٍ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلًا: «سَقَطَتْ! سَقَطَتْ بَابِلُ الْعَظِيمَةُ! وَصَارَتْ مَسْكَنًا لِشَيَاطِينَ، وَمَحْرَسًا لِكُلِّ رُوحٍ نَجِسٍ، وَمَحْرَسًا لِكُلِّ طَائِرٍ نَجِسٍ وَمَمْقُوتٍ، لأَنَّهُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ زِنَاهَا قَدْ شَرِبَ جَمِيعُ الأُمَمِ، وَمُلُوكُ الأَرْضِ زَنَوْا مَعَهَا، وَتُجَّارُ الأَرْضِ اسْتَغْنَوْا مِنْ وَفْرَةِ نَعِيمِهَا». ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتًا آخَرَ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا: «اخْرُجُوا مِنْهَا يَا شَعْبِي لِئَلاَّ تَشْتَرِكُوا فِي خَطَايَاهَا، وَلِئَلاَّ تَأْخُذُوا مِنْ ضَرَبَاتِهَا. لأَنَّ خَطَايَاهَا لَحِقَتِ السَّمَاءَ، وَتَذَكَّرَ اللهُ آثَامَهَا. جَازُوهَا كَمَا هِيَ أَيْضًا جَازَتْكُمْ، وَضَاعِفُوا لَهَا ضِعْفًا نَظِيرَ أَعْمَالِهَا. فِي الْكَأْسِ الَّتِي مَزَجَتْ فِيهَا امْزُجُوا لَهَا ضِعْفًا.  بِقَدْرِ مَا مَجَّدَتْ نَفْسَهَا وَتَنَعَّمَتْ، بِقَدْرِ ذلِكَ أَعْطُوهَا عَذَابًا وَحُزْنًا. لأَنَّهَا تَقُولُ فِي قَلْبِهَا: أَنَا جَالِسَةٌ مَلِكَةً، وَلَسْتُ أَرْمَلَةً، وَلَنْ أَرَى حَزَنًا"(  18: 1- 7 ).
التعليق
 صرخات مبشر من السماء، له سلطان عظيم، يبشر بسقوط بابل العظيمة ،ثم صوت آخر من السماء يدعو لخروج شعب الله من المدينة، مشهد قديم جديد، وسقوط بابل القديمة على يد كورش الفارسي وتحرير شعب الله المسبي، يستعاد الآن في الكنيسة بواسطة كورش الجديد، يسوع المسيح، فيتحرر شعب رافد الأمم المسبي في بابل الحقيقية، أيقونة أضداد المسيح وقوتها الضاربة. الحدث الذي لا ندركه الآن – نحن أصحاب دعوة الكرازة- سوف ندركه في سياقه الإسخاطولوجي، ساعتئذ ستحدث لنا الاستنارة التي حملتها بشرى المبشر السماوي الذي له سلطان عظيم. والأرض – كما نقول دائما، في سياق حديث روافد الكنيسة – تشير إلى رافد الكرازة، رافدنا نحن. أما مجازاة وعقاب بابل من قبل رافد الأمم فهو في خروجهم منها الذي يعد نقضا وتخريبا لمملكتها وتفريغا لها من شعب كان مسبيا فيها ومحسوبا عليها، فأي عار قد أحاق بها بعد مجد، وأي حزن قد حط عليها بعد تنعم ومجون!
2- اقتباس: "اِفْرَحِي لَهَا أَيَّتُهَا السَّمَاءُ وَالرُّسُلُ الْقِدِّيسُونَ وَالأَنْبِيَاءُ، لأَنَّ الرَّبَّ ( لأن الله ، في النص اليوناني ) قَدْ دَانَهَا دَيْنُونَتَكُمْ». ( 18: 20 ).
التعليق
السماء ، في سياق حديث روافد الكنيسة ، تشير إلى رافد الراقدين، وبشرى الفرح موجهة – هنا – إلى رافد الراقدين، وذلك لتشابه حالة افتقاد الرب لهم – بعد أن ماتوا وحسبوا مسبيين في الجحيم، ولكنهم بواسطة يسوع المسيح الكلمة المتجسد قد أخرجوا وتحرروا من الجحيم، وديس موتهم وأدين الآخر عرش الوحش، الذي اظلم بخروجهم من تحت سلطانه. أيضا رافد الأمم كان مسبيا في بابل ، أيقونة الشر في  منظومة أضداد المسيح، ثم  بخروجهم، في المسيح قد أدينت أم الزواني وسقطت سقوطا عظيما.هكذا قد أدان الله بابل دينونة الذين في السماء، فحق لهم الفرح والابتهاج.


                  7 - الكنيسة وعشاء عرس الخروف 
1- اقتباس: "وَبَعْدَ هذَا سَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ فِي السَّمَاءِ قَائِلًا: «هَلِّلُويَا! الْخَلاَصُ وَالْمَجْدُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ لِلرَّبِّ إِلهِنَا، لأَنَّ أَحْكَامَهُ حَقٌ وَعَادِلَةٌ، إِذْ قَدْ دَانَ الزَّانِيَةَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي أَفْسَدَتِ الأَرْضَ بِزِنَاهَا، وَانْتَقَمَ لِدَمِ عَبِيدِهِ مِنْ يَدِهَا».  وَقَالُوا ثَانِيَةً: «هَلِّلُويَا! وَدُخَانُهَا يَصْعَدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ».  وَخَرَّ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا وَالأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتِ وَسَجَدُوا للهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ قَائِلِينَ: «آمِينَ! هَلِّلُويَا!».  وَخَرَجَ مِنَ الْعَرْشِ صَوْتٌ قَائِلًا: «سَبِّحُوا لإِلهِنَا يَا جَمِيعَ عَبِيدِهِ، الْخَائِفِيهِ، الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ!». وَسَمِعْتُ كَصَوْتِ جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَكَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَكَصَوْتِ رُعُودٍ شَدِيدَةٍ قَائِلَةً: «هَلِّلُويَا! فَإِنَّهُ قَدْ مَلَكَ الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ"( 19: 1- 6 ).
 التعليق
تستمر احتفالية مقدم رافد الأمم بعد سقوط بابل والانتقام لدمائهم. صوت المياه الكثيرة، البحر، رمز لرافد الأمم؛ فالزانية جالسة حيث المياه ، وبحسب تفسير الملاك ليوحنا: " الْمِيَاهُ الَّتِي رَأَيْتَ حَيْثُ الزَّانِيَةُ جَالِسَةٌ، هِيَ شُعُوبٌ وَجُمُوعٌ وَأُمَمٌ وَأَلْسِنَةٌ "( 17: 15 ).
2- اقتباس:" لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ! لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا. وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ». وَقَالَ لِيَ: «اكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ!». وَقَالَ: «هذِهِ هِيَ أَقْوَالُ اللهِ الصَّادِقَةُ».  فَخَرَرْتُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ لأَسْجُدَ لَهُ، فَقَالَ لِيَ: «انْظُرْ! لاَ تَفْعَلْ! أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ. اسْجُدْ للهِ! فَإِنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ».( 19: 7- 10 ).
التعليق
امرأة الخروف، الكنيسة، قد هيأت نفسها. والمدعوون على عشاء عرس الخروف هم أصحاب رافد دعوة الكرازة ؛ لذلك فعندما سمع يوحنا البشرى – كممثل لرافد الكرازة – خر ساجدا، فمنعه الملاك. وشهادة يسوع، التي هي روح النبوة، هي ظهور أفراد الكنيسة، وتحقق وجودهم كأعضاء في الجسد الذي رأسه يسوع .
3- اقتباس:" ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا، وَبِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ. وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ، وَلَهُ اسْمٌ مَكْتُوبٌ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إِّلاَ هُوَ.  وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى اسْمُهُ «كَلِمَةَ اللهِ».  وَالأَجْنَادُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ عَلَى خَيْل بِيضٍ، لاَبِسِينَ بَزًّا أَبْيَضَ وَنَقِيًّا.  وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ لِكَيْ يَضْرِبَ بِهِ الأُمَمَ. وَهُوَ سَيَرْعَاهُمْ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ، وَهُوَ يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ وَغَضَبِ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.  وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ»( 19: 11- 16 ) .
التعليق
هذا هو الكلمة المتجسد ، وقد خصص في ذاته نصيبا لرافد الأمم، وهو سيرعاهم بعصا من حديد بعد اشراكهم في موته المحيي.
4- اقتباس:" وَرَأَيْتُ مَلاَكًا وَاحِدًا وَاقِفًا فِي الشَّمْسِ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلًا لِجَمِيعِ الطُّيُورِ الطَّائِرَةِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ: «هَلُمَّ اجْتَمِعِي إِلَى عَشَاءِ الإِلهِ الْعَظِيمِ، لِكَيْ تَأْكُلِي لُحُومَ مُلُوكٍ، وَلُحُومَ قُوَّادٍ، وَلُحُومَ أَقْوِيَاءَ، وَلُحُومَ خَيْل وَالْجَالِسِينَ عَلَيْهَا، وَلُحُومَ الْكُلِّ: حُرًّا وَعَبْدًا، صَغِيرًا وَكَبِيرًا»..." وَالْبَاقُونَ قُتِلُوا بِسَيْفِ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ الْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ، وَجَمِيعُ الطُّيُورِ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ "( 19: 17و18و21 ).
التعليق
 هذه هي وليمة أصحاب رافد الأمم الذين أعطي لهم أن يشتركوا في موت الرب ، )، وهم في هذا النص يشتركون في وليمة عرس الخروف ، أي ذبيحته، مثل إخوتهم المدعوين أصحاب دعوة الكرازة، ولكن بتدبير غير معروف لنا في هذا العالم. هذه هي التوليفة العجيبة  - من ملوك، وقواد، وأقوياء، وخيل والجالسون عليها، والأحرار والعبيد، والصغير والكبير – تلك التوليفة الموجودة كوليمة على مائدة عشاء الإله العظيم، والمدعو لالتهامها جميع الطيور الطائرة في السماء - تنبئ عن جيش عظيم محارب بطبيعته ومقاوم لما هو عليه من اغتراب ، في كل ماهو ضد المسيح . هم موجودون هناك لكنهم ليسوا منسجمين مع هذه المنظومة الشريرة. هذا هو الجيش العظيم، الملوك القادمون من الشرق، من مشرق الشمس؛ فالملاك الصارخ الذي وجه الدعوة للوليمة كان واقفا في الشمس. هم قادمون على انقاض بابل الزانية العظيمة ، بعد أن نشف ماء نهرها الكبير، الفرات ( رؤ16: 12 )، فيتحرر شعب الله المسبي هناك ليعود إلى أورشليم ، إلى الهيكل ، إلى الكنيسة. هم يشتركون في ذبيحة المسيح ووليمته، يشتركون في موته المحيي. هم مستهدفون كجزء من مسار مجيء الكنيسة في الرب، أو مجيء الرب في الكنيسة. والكنيسة هي حيث الرب لأنها جسد الرب  و" حَيْثُمَا تَكُنِ الْجُثَّةُ، فَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ النُّسُورُ "( مت24: 8  )،  لذلك هم " قُتِلُوا بِسَيْفِ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ الْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ، وَجَمِيعُ الطُّيُورِ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ ".

                       8- الكنيسة والحكم الألفي
اقتباس :  " وَرَأَيْتُ مَلاَكًا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ مَعَهُ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ، وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ. فَقَبَضَ عَلَى التِّنِّينِ، الْحَيَّةِ الْقَدِيمَةِ، الَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَالشَّيْطَانُ، وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ، وَطَرَحَهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ لِكَيْ لاَ يُضِلَّ الأُمَمَ فِي مَا بَعْدُ، حَتَّى تَتِمَّ الأَلْفُ السَّنَةِ. وَبَعْدَ ذلِكَ لاَبُدَّ أَنْ يُحَلَّ زَمَانًا يَسِيرًا. وَرَأَيْتُ عُرُوشًا فَجَلَسُوا عَلَيْهَا، وَأُعْطُوا حُكْمًا. وَرَأَيْتُ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَالَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ وَلاَ لِصُورَتِهِ، وَلَمْ يَقْبَلُوا السِّمَةَ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ، فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ الْمَسِيحِ أَلْفَ سَنَةٍ. وَأَمَّا بَقِيَّةُ الأَمْوَاتِ فَلَمْ تَعِشْ حَتَّى تَتِمَّ الأَلْفُ السَّنَةِ. هذِهِ هِيَ الْقِيَامَةُ الأُولَى. مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْقِيَامَةِ الأُولَى. هؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً للهِ وَالْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ."..."وَطُرِحَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. هذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي"( 20: 1-  6 ، 14 ).
التعليقات
 1- الرقم " ألف "، هو " عشرة مضروبا في عشرة، مضروبا في عشرة "، ماهذه الثلاثية العشرية العجيبة؛ فالرقم " عشرة "- بطبيعته - يعني الكل – بخصوص وجود ما – فكيف يتفق هذا المنطق مع هذه الثلاثية؟ مامعنى " الكل في الكل في الكل "؟ أو " كل الكل الذي للكل " ؟  لايمكن أن يستقيم التأويل إلا إذا افترضنا أن هذه " الكليات " لا يجمعها مستوى واحد. هذه إذن هي حالة اللامحدودية المعطاة لوجود ما ينتمي إلى عالمنا ثلاثي الأبعاد؛ فهي كل ماللطول مضروبا في كل ماللعرض مضروبا في كل ماللارتفاع ( العلو ). أليس هذا هو شكل أورشليم المدينة العظيمة النازلة من السماء، الكنيسة؛ فهي على شكل مكعب " لها اثنا عشر ضلعا، الطول والعرض والارتفاع متساوية"( رؤ21: 16 ) ؟. وعليه فعندما ينسب الرقم ألف إلى الزمن فهذا يعني الأبدية، أو الزمن اللانهائي؛ فأعضاء جسد المسيح، الكنيسة سيملكون معه ألف سنة، أي إلى الأبد، والشيطان سيقيد ويطرح في الهاوية ويغلق عليه ألف سنة، أي إلى الأبد.
كان الرسول بولس قد ذكر هذه الأبعاد الثلاثة في حديث رائع عن الكنيسة، ولكنه قد أضاف بعدا رابعا هو " العمق "، فيكتب :" بِسَبَبِ هذَا أَحْنِي رُكْبَتَيَّ لَدَى أَبِي رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ،  الَّذِي مِنْهُ تُسَمَّى كُلُّ عَشِيرَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَعَلَى الأَرْضِ. لِكَيْ يُعْطِيَكُمْ بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ، أَنْ تَتَأَيَّدُوا بِالْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ،  لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ،  وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ، وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ" ( أفس3: 14- 19 ). ولكن لاخلاف بين رؤية بولس ورؤية سفر الرؤيا؛ فالبعد الرابع عند بولس هو البعد الروحي ( نسبة للروح القدس ) أي شركة الطبيعة الإلهية؛ فالكنيسة هي هيكل روح الله، الذي " يفحص كل شيء حتى أعماق الله"( 1كو2: 10 ). ومن المنطقي والطبيعي أن هذا البعد موجود أيضا في الحكم الألفي للكنيسة؛ أي الحياة الأبدية التي بطبيعتها تعني شركة الروح القدس.  
  2- والكنيسة واضحة بروافدها الثلاثة في النص:1- " وَرَأَيْتُ عُرُوشًا فَجَلَسُوا عَلَيْهَا، وَأُعْطُوا حُكْمًا" ، هؤلاء هم أصحاب رافد دعوة الكرازة. 2- " وَرَأَيْتُ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ "، هؤلاء هم أصحاب رافد الراقدين.3- " وَالَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ وَلاَ لِصُورَتِهِ، وَلَمْ يَقْبَلُوا السِّمَةَ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ، فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ الْمَسِيحِ أَلْفَ سَنَةٍ"، هؤلاء هم أصحاب رافد الأمم.
 3- والحكم الذي حكمه، أو يحكمه، هؤلاء، هو حياتهم الأبدية التي هي شركة في قيامة الرب، شركة في القيامة الأولى، و" هؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً للهِ وَالْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ". وأما الموت الثاني فهو هلاك البشر وفقا لطبيعتهم الفاسدة، في حالة عدم شركتهم في قيامة الرب. وسمي الموت الثاني لتمييزه عن انتقال الجميع من هذا العالم، الذي يعد " أولا "، بالنسبة لأفراد الكنيسة. ويعد "الأول والثاني " ، في نفس الوقت بالنسبة لمن هم خارج جسد المسيح. وأما الموت الثاني فلا يعرفه الذين للمسيح، هؤلاء الشركاء في القيامة الأولى، قيامة الرب، التي امتدت من الرأس يسوع إلى كل الجسد، الكنيسة، بروافدها الثلاثة. وأما طبيعة هذا الحكم - المتصف بالعدل وقبول الآخر في سلامية عجيبة - فيتحدث عنها إشعياء، فيكتب :" وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ.  وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ،  بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ.  وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَهَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ.  فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا.  وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعًا، وَالأَسَدُ كَالْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْنًا.  وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ الْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوَانِ"(إش11: 1- 8).
 4- وأما النص :" ثُمَّ مَتَى تَمَّتِ الأَلْفُ السَّنَةِ يُحَلُّ الشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ "فلا ينبغي أن يفهم على محمل أن الألف سنة هي مدة زمنية منقضية، فلا شيء في سفر الرؤيا يقبل الإسقاط الزمني عليه، فهي حقائق خارج الزمن. وحينما يقول النص: متى تمت الألف سنة، فهذا يعني ماهو خارج نطاق الأبدية، أي ماهو ينتمي لعالمنا الزماني المكاني، فلا حل للشيطان من سجنه الأبدي، أي الجحيم  والهلاك، فهي ليست مسرحية متفق عليها.لا بد أن لا ننسى  الملاك الذي " أَقْسَمَ بِالْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، الَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَمَا فِيهَا وَالأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَالْبَحْرَ وَمَا فِيهِ: أَنْ لاَ يَكُونَ زَمَانٌ بَعْدُ! بَلْ فِي أَيَّامِ صَوْتِ الْمَلاَكِ السَّابعِ مَتَى أَزْمَعَ أَنْ يُبَوِّقَ، يَتِمُّ أَيْضًا سِرُّ اللهِ، كَمَا بَشَّرَ عَبِيدَهُ الأَنْبِيَاءَ"( 10: 6و7 )؛ فالآن المطلق ( إذا جاز التعبير ) هو الزمن المسيحي، الزمن الجديد، الذي اعتلن فيه سر الله أي تحقق وجود الكنيسة إنطلاقا من رأسها يسوع، ومتى اكتملت فهي خالدة، هي حية إلى الأبد ، هذا هو الحكم الألفي.

            9- الكنيسة، أورشليم الجديدة النازلة من السماء
اقتباس:" ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ.  وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا.  وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا: «هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهًا لَهُمْ ".( 21: 1- 3 )
التعليق
"الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا"(2كو5: 17 )، والجديد هو الكنيسة بروافدها الثلاثة، تلك الروافد التي صارت مالئة للكنيسة بعد تغير الصيغة القديمة لكل منهم واستثمارها بالموت المحيي مع المسيح. السماء- التي هي رمز لرافد الراقدين ، والأرض – التي هي رمز لرافد الكرازة، والبحر – الذي  هو رمز لرافد الأمم، الكل قد صار جديدا، والعتيق قد مضى. وما كان عليه القدماء قد تبدل وابتعثوا مع الرب حينما تجسد، وما كان عليه أفراد دعوة الكرازة قد تبدل واختطفوا لملاقاة الرب في الهواء، وما كان عليه أصحاب رافد الأمم قد تبدل وتحرروا، من سبيهم في ماهو محسوب على ضد المسيح. وإذا كانت السماء الأولى قد صارت سماء جديدة، والأرض الأولى قد صارت أرضا جديدة، فلماذا لم يصر البحر بحرا جديدا ؟ سؤال يبدو منطقيا، والإجابة هي أن البحر، المياه الكثيرة، هو رمز سلبي للأمم، في حالة دينونتهم من قبلنا نحن أصحاب دعوة الكرازة؛ فالوحش طالع من البحر، والمرأة بابل أم الزواني، جالسة حيث المياه، لذلك فمن المنطقي أن جديد " البحر  المدان" هو أن يمضي ولا يوجد في مابعد؛ فلا دينونة جديدة، ولا إقصاء أو تجاهل جديد، ولكن الجديد هو أن تزول كل هذه بغير رجعة ليحل محلها القبول الأبدي للآخر، في المسيح.
 وأما "الْمَدِينَةَ الْعَظِيمَةَ أُورُشَلِيمَ الْمُقَدَّسَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ"( 21: 10)، الكنيسة، فهي أمر مدهش جدا، وإذا كنا متفقين على أن الرقم " اثني عشر" هو رقم الكنيسة، الذي ورد كثيرا في مسار سفر الرؤيا، فهنا في المشهد الأخير، الرئيس، نحن بصدد مايمكن أن نطلق عليه " الاثني عشرية المطلقة " ؛إذ يبلغ الرقم ذروته الاستعلانية - في العهد الجديد -   في مشهد يرصد  مملكة الممالك ( ملكوت السماوات) الكنيسة الكاملة الممتلئة .مشهد يرصد  كيانا يستوعب الكل ،ورأسه هو "الخروف "( رؤ21 :22 ، 22: 1 ) ، "شجرة الحياة "( رؤ22 : 2 )، الرب يسوع الكلمة المتجسد ، وأما باقي الجسد فهو الكنيسة الجامعة " العروس امرأة الخروف "( رؤ21: 9 ).إننا لانستطيع أن نمسك عيون أذهاننا عن الدهشة بخصوص هذه الاثنى عشرية العجيبة التي تستعلنها الكنيسة الممتلئة الكاملة " المدينة العظيمة أورشليم المقدسة النازلة من السماء من عند الله ، ولها مجد الله ."( رؤ21 :10و11 )، ومواصفاتها :
1-  لها اثنا عشر بابا ( رؤ21 : 12).
2-  الاثنا عشر بابا اثنا عشرة لؤلؤة ( رؤ21: 21 ).
3-  على الابواب اثنا عشر ملاكا ( رؤ21: 12 ).
4-  أسماء مكتوبة ( على الأبواب ) هي أسباط بني إسرائيل الاثني عشر ( رؤ21 : 12 ).
5-  سور المدينة كان له اثنا عشر أساسا ( رؤ21: 14 ).
6-  عليها ( على الأساسات ) أسماء رسل الخروف الاثني عشر ( رؤ21: 14).
7-  قياس المدينة بالقصبة مسافة اثني عشر ألف غلوة ( رؤ21: 16 ).
8و9 –  قياس سورها : مئة وأربعا وأربعين ذراعا  ( اثناعشر مضروبا في اثني عشر ). ( رؤ21: 17 ).
10-  لها اثنا عشر ضلعا  ( حرف، حافة  ) ، شكل المكعب ،" الطول والعرض والارتفاع متساوية "( رؤ21: 16 ).
11-  في وسط سوقها وعلى النهر من هنا ومن هناك ، شجرة حياة تصنع اثنتي عشرة ثمرة،( رؤ22: 2 ).
12-  شجرة الحياة تعطي ثمرها على مدار الاثني عشر شهرا لأنها " تعطي كل شهر ثمرها، وورق الشجرة لشفاء الأمم  "( رؤ22: 2 ).
 نستطيع أن نرصد توزيع المعطيات التي ذكر فيها الرقم اثنا عشر- بطريقة حرفية مباشرة ( بخلاف 7، 8 و9  )، وبدون استنتاج من السياق  ( بخلاف 10و 12 ) – على ثلاثة أقسام :
1- قسم " الأبواب " : 1، 2، 3و 4 .
5- قسم" الأساسات" : 5و6 .
3- قسم " الأمم " : 11و 12 .
 هذه هي الأقسام الثلاثة التي تمثل الروافد الثلاثة التي تمتلئ منها الكنيسة :
   1 - القسم الأول  هو رافد الراقدين ، كنيسة العهد القديم ، مرموزا له بالأسباط الاثني عشر المكتوبة أسماؤهم على الأبواب . وهم أصحاب " الأبواب "لأنهم أول رافد يصب في الكنيسة ، وهم سبقوا – حتى – رافد أصحاب دعوة الرسل ، فهم " الأموات في المسيح " الذين " سيقومون أولا " ( 1تس4: 16  ).
 2 - القسم الثاني هو رافد دعوة الكرازة الرسولية ، مرموزا له بأسماء "رسل الخروف الاثني عشر" . وأصحاب هذا الرافد هم أصحاب"  الأساسات" لكونهم " مبنيين على أساس الرسل والأنبياء " ، كما يخاطبهم الرسول بولس في ( أفس 2: 20 ).
  3- القسم الثالث هو رافد الجهالة والتجهيل . رافد الذين يسقطون من وعي أصحاب دعوة الإنجيل . شريحة " الأمم " بالمفهوم  المطلق وليس بالمفهوم التاريخي للكلمة ( أي المحكوم عليهم بالإدانة والإقصاء عن المسيح ، لمجرد كونهم ليسوا "مسيحيين " ،أو لم يدعوا "مسيحيين" ). ولكن- وآه من بعد لكن، فهذه مفاجأة سفر الرؤيا- هؤلاء لهم نصيب في شجرة الحياة الرب يسوع المسيح الكلمة المتجسد، والذي في جسده اجتمعت كل الكنيسة بدءا من الراقدين ومرورا بمركز وعي الكنيسة بنفسها- في هذا العالم – رافد الكرازة، وانتهاء بالرافد المفاجأة ، رافد الأمم ( الأمم بالمعنى المطلق للكلمة وليس بالمفهوم اليهودي القديم؛ أي كل مانعتقد أنه مخالف ومعاكس  لنا ثقافيا، بما يستدعي إقصاءه وإدانته واعتباره محسوبا على ضد المسيح.  شجرة الحياة، التي اشترك فيها رافد الأمم تعطي ثمرها على مدار السنة لأنها تضع اثنتي عشر ثمرة، وتعطي كل شهر ثمرها. هذه هي سنة الرب المقبولة، بالنسبة لهؤلاء، التي تحدث عنها إشعياء، حينما كتب: " رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ، وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا. لأُعَزِّيَ كُلَّ النَّائِحِينَ"( إش61: 1و2 ). فهؤلاء هم " المسبيين " الذين نادى لهم الرب بالعتق، وهم " المأسورين " الذين نادى لهم الرب بالإطلاق. وهذا النص هو الذي قرأه الرب بنفسه حينما جاء إلى الناصرة يوم السبت فدفع إليه سفر إشعياء، ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه هذا النص ( لو4: 16- 19 ).
هذه الأقسام الثلاثة هي ماقد صارت إليه المدينة العظيمة، الكنيسة، كتحقيق لفحوى الصوت العظيم الخارج من هيكل السماء من العرش، : "قد تم"( رؤ16: 17)، في ملابسات صب جم الغضب السابع.
اقتباس:" وَالرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: «تَعَالَ!». وَمَنْ يَسْمَعْ فَلْيَقُلْ: «تَعَالَ!». وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا "( 22: 17 )
التعليق
" من يسمع "، المقصود رافد الكرازة، الذي قبل دعوة الإنجيل وسمع فكان أهلا لأن ياتي فيه الرب. " من يعطش "، المقصود رافد الأمم، فالمرأة السامرية- رمز ذلك الآخر المرفوض والمدان- في مقابلة لها مع الرب عند بئر يعقوب، نحو الساعة السادسة ( ورقم " ستة " رمز لرافد الأمم ) طلبت من الرب أن يعطيها الماء الذي يجعلها لا تعطش ثانية ( يو4: 15 )، طلبت هذا المطلب كرد فعل على قول الرب لها :" «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا. وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ»( يو4: 13و 14 )." من يرد "، المقصود رافد الراقدين، الذي - في المسيح – يرد، فيأخذ حياة مجانا بعد مسيرة من القفر والجفاف ومحاولات البحث غير المجدية عن ماء الحياة، وكان قد صدق عليهم قول الرب على لسان النبي :" تَرَكُونِي أَنَا يَنْبُوعَ الْمِيَاهِ الْحَيَّةِ، لِيَنْقُرُوا لأَنْفُسِهِمْ أَبْآرًا، أَبْآرًا مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً "( إرميا2: 13 )، هذه الحالة من الورود الفاشل كانت بسبب افتقادهم لمعية الكلمة المتجسد. أما ورودهم ماء الحياة، الذي تم مصاحبا لمجيء تجسد الرب ، فقد كان بالنسبة لهم بمثابة النهاية السعيدة.


مجدي داود