هذه زبدة المقالتين السابقتين وقد تمت صياغتها كمحددات للمفهوم والتي بالنظر إليها مجتمعة نتمكن من الاقتراب المستنير من مفهوم مجيء الرب.
1- الفرق بين الربوبية والألوهية
ليس من باب الحصافة اللاهوتية أن نخلط بين
الربوبية والألوهية؛ فالله الكلمة لم يصر" ربا " إلا عندما صار خالقا؛
أي أصبح له مربوبون يعتني بهم، ولم تستعلن ربوبيته في كمالها إلا بالتجسد ، الحدث الذي
فتح دعوة وفعلا كونيا - يمتد حتى نهاية
التاريخ - لمجيء كل المربوبين ليستقروا في كيانه العجيب. الربوبية ترتبط بالنعمة وهذا
يختلف تماما عن مفهوم الألوهة الذي يشير إلى الوجود الإلهي الكائن خارجا عن إطار النعمة.
ومن هذا المنطلق ، نستطيع أن ندخل إلى مفهوم " مجيء الرب " ؛ فالمجيء ، أو
" الحضور" ليس حضورا للاهوت ؛ إذ أن الحضور المجرد المطلق ، لله ، لامعنى
له خارج " الثالوث القدوس ". الله
لايحضر بطريقة مطلقة إلا في ذاته . أما التجسد ، فهو ليس " حضورا للاهوت العاري
" ، ولكنه حضور للكلمة المتجسد. يسوع
التاريخي هو مركز دائرة الربوبية ومنبعها ، وما أن تبلغ هذه الدائرة أقصى اتساع لها
، باستيعاب كل أفراد الكنيسة ، حتى ويستعلن كمال مفهوم " الربوبية "، أي
" اكتمال مجيء الرب" . وإذا كان " البعد الكيفي " للربوبية قد
بلغ قمته وسقفه في الرب يسوع ، فإن البعد الكمي
لمجيء الرب إنما يتم استيفاؤه الآن في الزمن
المقرر له والذي يبدأ منذ لحظة يسوع وحتى لحظة نهاية العالم.
2- ابن الإنسان
" مجيء ابن الإنسان " صيغة إنجيلية أخرى
لمفهوم مجيء الرب، وتتجلى الرؤية البانورامية للحدث في ذلك المشهد الكلاسيكي لمجيء
ابن الإنسان على سحاب السماء بقوة ومجد كثير ثم يرسل ملائكته فيجمعون مختاريه من الأربع
الرياح . والمشهد يذكرنا على نحو ما بالتبادلية الظهورية العجيبة بين ابن الإنسان وبني
العلي في رؤيا دانيال ، فيبدو حدث مجيء الشخص معادلا لحدث تجميع المختارين ، فمجيء
شخص ابن الإنسان كاملا وممتلئا يعني مجيء ملء هذا الشخص أي كنيسته ( مختاريه ). سحاب
السماء بطبيعة الحال هو الروح القدس الذي يحقق وجود الكنيسة مصورا المسيح فيها ، ناقلا
إلى كل أعضائها ثمر استحقاق سر التجسد النابع من رأس الكيان يسوع. يمتد كيان جسد الرب
يسوع في مسار يهيمن عليه الروح القدس، هو مسار الكنيسة في زمن مابعد التجسد ، إلى أن يكتمل
بناؤها . هكذا يكتمل مجيء ابن الإنسان بقوة الروح القدس هكذا يجيء على السحاب . لذلك
فإن زمن مجيء ابن الإنسان ( يوم الرب ) ليس لحظة تاريخية يمكن تسجيلها بل هو مجال زمني
يستوعب زمن مابعد التجسد كاملا. ابن الإنسان ليس مجرد شخص الكلمة الصائر إنسانا بل
شخص الكلمة الصائر الإنسان، كل الإنسان، كل أفراد الجنس البشري الجديد؛ فالكلمة الصائر
إنسانا هو يسوع التاريخي، أما ابن الإنسان فهو الكيان الكامل، الذي يسوع رأسه. الرب
( الذي يجيء ) هو المسيح ( الشخص الآتي )، هو ابن الإنسان ( الآتي على سحاب السماء
)، هو الكيان الذي يتكمل ويمتلئ الآن، انطلاقا من لحظة ظهور يسوع التاريخي وحتى لحظة
نهاية التاريخ.
3- الرصدية المستحيلة
ولأن شخض الرب الذي يجيء هو شخص كل الزمان وكل
المكان فحدث مجيئه لايمكن رصده وبحسب قول الرب : " لايأتي بمراقبة " وهو
شخص لايمكن أن ينطبق عليه القول : " هوذا ههنا أو هوذا هناك " ؛ فهو شخص
لا يمكن لعين طبيعية أن تراه ولا لمكان طبيعي أن يحتويه ولا للحظة تاريخية أن تسجل
اكتمال مجيئه. وحدث مجيء الرب لا يمكن رصده لعدة أمور : الأمر الأول طبيعة زمن الحدث
؛ فهو الزمن الآني الذي يفترش كل التاريخ حتى نهايته، وبالتالي إذا افترضنا جدلا وجود
لحظة تاريخية من الممكن أن يرصد من خلالها اكتمال مجيء الرب فلابد أن تكون لحظة مابعد
نهاية التاريخ ونهاية الزمان والمكان ، وهذا تناقض وعبث غير مقبول. ولكن حل اللغز قد
يكون في رصد الحدث من خلال لحظة غير تاريخية ، أي لحظة مابعد انهيار الزمكان ، لحظة اسخاطولوجية ، وهذا ماكشفه الرائي
حينما كتب : " هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ،
وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ " ( رؤ1:
7 ). والرصدية المستحيلة - التي نتحدث عنها - هي مايخص الشطر الأول " يأتي مع السحاب
"، حيث زمن المضارعة والآنية المستمرة للحدث الواحد الذي يستوعب كل التاريخ، أما
الشطر الثاني - حيث الزمن المستقبلي ( ستنظره كل عين )- فيخص الرصدية الاسخاطولوجية
، رصدية مابعد التاريخ . والأمر الثاني الذي يؤدي إلى عدم إمكانية رصد حدث مجيء الرب
هو طبيعة الراصد ؛ فالمفترض أن يتمثل الراصد في أعضاء الكنيسة الذين ينتظرون مجيء الرب،
ولكن هذا أيضا مستحيل فهم ضالعون في الحدث وفي الحركة؛ إذ أن " ملكوت الله داخلهم
" ، وراصد الحركة لابد أن يكون مستقلا عن الحركة، أما هم فكل منهم "جزء من
كل "بالنسبة للشخص الآتي فيهم، ومن غير الوارد أن أيا منهم يستطيع في وجوده الطبيعي
الآني أن يرصد مجيئا لشخص لم يكتمل بعد . هذا وضع الذين للرب هنا في هذا العالم أما
في مايخص حياة الدهر الآتي فالوضع إذذاك لايقبل
المقارنة، حيث الجميع ملكوتا واحدا ، مسيحا واحدا ، إدراكا واحدا ورؤيه واحدة للشخص
الواحد الذي يضمهم .وأما الأمر الثالث الذي يمنع إمكانية رصد الحدث فهو طبيعة الشخص؛
فالرب الآتي ليس فردا مستقلا، من الممكن أن يأتي ويذهب في المكان، أو يرصد حضوره في لحظة تاريحية معينة ، فهو كيان جماعي،
كاثوليكي ، يتكمل ويمتلئ عبر التاريخ كله، هو منتج كل الزمان وكل المكان. وأما اللحظة
التي ينضم فيها آخر عضو إلى كيان الرب فهي اللحظة التي يكتمل فيها كل ماهو مرجو من
التاريخ، وإذذاك يتخلى الكلمة عن الكون ليعود
ثانية إلى العدم. ولذلك فإن الرصد الافتراضي- المستحيل - لمجيء الرب في لحظة تاريخية
معينة هو رصد لحدث ناقص ولكيان لم يكتمل ؛ فلارصد لتمام حدث مجيء الرب إلا في حياة
الدهر الآتي .
4- كونية مجيء الرب
المسيح ، ليس شخصا تاريخيا ، تقاطع مع الزمان والمكان في الكون ، في لحظة زمنية وفي مكان
معين ، بل هو محور حركة وجود الكون . وهذه المحورية تتجلى على صعيدين، الأول محوريته
كفاعل ، في الكون إذ بحضوره قد ظهر الكون ، وبحضوره يتطور الكون في مساره المرسوم ، وفقا للقوانين الطبيعية
، التي هي ، في حد ذاتها ، تكشف صورته كشخص اللوغوس الفاعل والمسيطر والمعلن ذاته.
والثاني محوريته كمستهدف ( بفتح التاء )، من وجود الكون. حضور شخص الكلمة ، كفاعل ،
فى الكون الطبيعى هو حضور مؤقت ، وباستمراره، يستمر وجود الكون الطبيعي، ولكن الخبر
السار، هو أن شخص الكلمة الحاضر في الكون الطبيعي
، قد صار - بتجسده - بكرا للكون الجديد ، عديم الفساد وعديم الموت ، صار رأسا للإنسانية
الجديدة الممتدة في الزمان والمكان. هوية شخص المسيح هوية مركبة ممتدة عبر الزمان والمكان،
في حدث إفخارستي كوني يمتد من الرأس يسوع إلى الأعضاء كافة. وبهذا المخاض الكوني يولد
الكون الجديد ويتحقق المسيح الكوني. ليس لوجود الكون هدف غير إنتاج شخص المسيح الكامل
المستوعب للكنيسة. هذا هو الكون الجديد . هذا هو الأرض الجديدة والسماء الجديدة. هذا
هو ملكوت السموات . هذا هو المسيح الكوني . انطلاق الكون واستمراره، حتى تلاشيه ، حدث
يمثل غاية كونية واحدة . أنافورا واحدة يصعدها خادم كوني واحد . حدث يستهدف منتجا كونيا
واحدا هو المسيح الواحد. المسيح الكوني هو الشخص الذي يتحقق مجيئه الآن في الليتورجيا
الكونية . والمسيح الشخص الآتي ليس فردا مستقلا منعزلا بل هو الكون الجديد الذي يطلق
عليه ملكوت الله، والرب حينما قال لكنيسته : " ملكوت الله داخلكم" لم يكن
يشير إلا إلى حضوره في كنيسته وحضور كنيسته فيه .
5- الوجود المتبادل بين الرب والكنيسة
ولأن كل شخص ينتمي للكنيسة هو عضو في جسد الرب فهو
بالتعريف "بعض الرب " ( إذا جاز التعبير )؛ فالعضوية في الرب بعضية منه.
الكنيسة في الزمان والمكان، أشلاء مبعثرة في التاريخ، تستعاد لها الحياة في الرب باجتلابه
لها فتصير أعضاء فيه، كل في زمانه الخاص بدءا من لحظة التجسد حتى لحظة نهاية التاريخ.
وليس معنى " بعضية الرب " أن الكنيسة قد صارت يسوعا بل قد صارت تنتمي - كجسد
- إلى ذلك الذي ينتمي إليه يسوع ،كرأس ، لذلك " دعي بكرا بين إخوة كثيرين
" ، وهي إن لم تصر يسوعا فهي في طريقها لأن تصير مسيحا، باعتبار أن الجسد ينتمي
للشخص مثلما أن الرأس ينتمي لذات الشخص، ولكن على كل حال لن يصير الجسد رأسا. ومتى
اجتذب الرب أبعاضه المشتتين زمكانيا، وضمهم إلى كيانه، يكون قد اكتمل مجيء الرب، يكون
قد اكتمل مجيء المسيح الكوني؛ فالرب - ومنذ ظهوره متجسدا - يبحث عن ذاته الكاملة في
كل التاريخ ليجدها في كل أفراد الكنيسة المشتتين في الزمان والمكان، ومتى استحضرهم
جميعا إلى ذاته ، يصير موجودا فيهم وإذذاك
يقال أن مجيء الرب قد تم، لتعتلن صريحة بدون مراوغة : " هوذا قد جاء
الرب في ربوات قديسيه " ( يه: 14 ).
مجيء الرب - أي تحقق وجود شخصه الممتلئ - لايتأتى إلا بوجود الكنيسة، ووجود الكنيسة لايتأتى إلا في الرب. لذلك يمكننا القول بأن "ربانية الكنيسة"( إذا جاز التعبير ) أي انتماءها العضوي إلى الرب، كجسد، هي الوجه الآخر ل" كنسية الرب" ( إذا جاز التعبير )، أي انتمائه العضوي للكنيسة ، كرأس. إذن، مجيء الرب من مجيء الكنيسة، ومجيء الكنيسة من مجيء الرب. هذه التبادلية العجيبة للوجود بين الرب والكنيسة ( الحضور - الوجود، الحلول- المتبادل ( CO- INHERENCE ) محدد أساسي لمفهوم مجيء الرب.
مجيء الرب - أي تحقق وجود شخصه الممتلئ - لايتأتى إلا بوجود الكنيسة، ووجود الكنيسة لايتأتى إلا في الرب. لذلك يمكننا القول بأن "ربانية الكنيسة"( إذا جاز التعبير ) أي انتماءها العضوي إلى الرب، كجسد، هي الوجه الآخر ل" كنسية الرب" ( إذا جاز التعبير )، أي انتمائه العضوي للكنيسة ، كرأس. إذن، مجيء الرب من مجيء الكنيسة، ومجيء الكنيسة من مجيء الرب. هذه التبادلية العجيبة للوجود بين الرب والكنيسة ( الحضور - الوجود، الحلول- المتبادل ( CO- INHERENCE ) محدد أساسي لمفهوم مجيء الرب.
لذلك لم يكن تعبير " في
المسيح " - ذلك التعبير الذائع الصيت والانتشار عند الرسول بولس- تعبيرا
بلاغيا رومانسيا – من خلاله يتغزل الرسول بذلك الانتماء الإيماني بين المسيحيين وشخص
المسيح – ولكنه كان تعبيرا وجوديا يوصف انتماء عضويا كيانيا في داخل شخص المسيح
الواحد، نفسه، الذي يضم كل أفراد الكنيسة في اتحاد عضوي شخصي يفيض وجوده من الرأس
، الرب يسوع التاريخي الكلمة المتجسد، إلى كل الأعضاء المشتتين في الزمان والمكان-
كل في زمانه الخاص - إلى أن ينضم الجميع إلى الشخص الواحد فيكتمل تحقق وجود
الكنيسة، في الرب ويكتمل مجيء الرب، في الكنيسة. وجود الكنيسة في الرب باكتمال مجيء الرب هو الوجود الإنساني الجديد عديم الموت ، وهو
وجود موطنه وأرضه وسماؤه شخص المسيح نفسه، الذي بالتموقع العضوي فيه - وليس بمجرد
الانتماء العقدي الإيماني له – يتحقق ويتكرس إلى الأبد، " لأَنَّهُ
كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ ( الاسم المعرف،
أي الشخص الكامل الممتلئ ) سَيُحْيَا الْجَمِيعُ. وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي رُتْبَتِهِ:
الْمَسِيحُ ( الاسم بدون تعريف، أي حالة النعمة الآنية الفائضة من الرأس
نحو الأعضاء )بَاكُورَةٌ، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ ( الاسم بدون تعريف
) فِي مَجِيئِهِ" ( 1كو15: 22و 23 ).
6- إيجابية
المفهوم
الانطباع المزعج - أحيانا - عن المفهوم مرده إلى ارتباط مجيء الرب بنهاية العالم ومايستتبع ذلك من الحساب والدينونة، ولكن الواقع الإنحيلي للمفهوم لاعلاقة له - في عمقه – بهذا الانطباع. مجيء الرب حدث إيجابي؛ فهو موسم حصاد الحنطة البشرية ليتم تجميعها في مخزن الرب. هذا ماقد بشر به يوحنا الصابغ إذا قال عن الرب: " رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ ( مت3: 12 ). الرب ذاته هو مخزن الحنطة البشرية، أما ماهو خارج الرب – خارج المخزن - فمصيره التلاشي، هذه هي طبيعة الأشياء. أيضا الرب قال عن ذاته أنه " رب الحصاد الذي يرسل فعله إلى حصاده "( لو10: 2 ) . هو رب الحصاد الذي يتحقق كيانه الممتلئ حينما يستقبل كل حصيد الكون في ذاته. المفهوم إيجابي لأن الحدث بمثابة احتفالية جني ثمر تجسد الكلمة في الكون، احتفالية الفرح بالحصاد الممتد من لحظة التجسد حتى لحظة نهاية العالم. وإتمام العمل، بالإتيان بكل الحصيد - بالنسبة لكيان الرب – هو طعام يملأه ويشبعه؛ فبعد لقائه بالسامرية قال الرب لتلاميذه: " أَنَا لِي طَعَامٌ لآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ».. «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ.. هَا أَنَا أَقُولُ لَكُمُ: ارْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَانْظُرُوا الْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ابْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ. وَالْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَرًا لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، لِكَيْ يَفْرَحَ الزَّارِعُ وَالْحَاصِدُ مَعًا"( يو4: 32- 36 ). فرحة الزارع والحاصد معا هي فرحة الرب ، لأن الرب هو الزارع والحاصد بآن واحد. هو الزارع الذي خرج ( من عند الآب ) ليزرع زرعه، مستهدفا أرضا جيدة، فاستنبت فيها ثمرا وفيرا ثلاثين وستين ومئة. هو الحاصد- بحسب المعمدان- الممسك برفشه والمنقي بيدره والجامع لحصيده في مخزن ذاته. مجيء الرب في كماله هو حالة شبعه بتخزين حصيد الكنيسة في كيانه وإذذاك يخاطبهم قائلا : " كنت جوعانا فأطعمتموني "( مت25: 35 ). هو ، كبكر بين إخوة كثيرين يخاطب إخوته هؤلاء الأصاغر بهذه العبارة العجيبة؛ فلم تكن شركتهم في ابن الإنسان شبعا خاصا بهم ، فقط - من جهة الحياة الأبدية وعدم الفساد - بل كانت شبعا لكيان ابن الإنسان - الكامل ، الممتلئ بهم - ذاته. هم بشبعهم قد أشبعوه ، إذ أن امتلاء الجزء هو امتلاء للكل ، وتحقق وجود العضو هو في سياق تحقق وجود الجسد الكامل . لذلك قال لهم ، ما معناه : بما أنكم أطعمتم أحد إخوتي الأصاغر ، فيكم ، فقد أطعمتموني. حدث مجيء الرب حدث إيجابي لأنه حدث منتج ( بكسر التاء ). وهو ينتج شخصا كونيا يولد في التاريخ بميلاد يسوع، لينطلق ممتدا في الزمان والمكان مجتلبا حصيد البشر - الذي هو الكنيسة - إلى كيانه، ومتى امتلأ هذا الكيان بكل المعينين للحياة الأبدية تنتفي سببية وجود الكون فينهار مرتدا إلى العدم بعدما ينهي الكلمة حضوره فيه. هذه البانوراما العجيبة هي البشرى التي يزفها إنجيل يسوع المسيح. ترى هل من الممكن - بعد بلورة مضمون المفهوم بهذا الشكل - أن يتبقى لدينا مايصم مفهوم مجيء الرب بالسلبية، أو يختزله في مجرد مشهد يوم الحشر العظيم حيث التطبيق الحرفي البائس لنظرية الثواب والعقاب، التي هي بالطبع ليست نظرية مسيحية ؟
الانطباع المزعج - أحيانا - عن المفهوم مرده إلى ارتباط مجيء الرب بنهاية العالم ومايستتبع ذلك من الحساب والدينونة، ولكن الواقع الإنحيلي للمفهوم لاعلاقة له - في عمقه – بهذا الانطباع. مجيء الرب حدث إيجابي؛ فهو موسم حصاد الحنطة البشرية ليتم تجميعها في مخزن الرب. هذا ماقد بشر به يوحنا الصابغ إذا قال عن الرب: " رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ ( مت3: 12 ). الرب ذاته هو مخزن الحنطة البشرية، أما ماهو خارج الرب – خارج المخزن - فمصيره التلاشي، هذه هي طبيعة الأشياء. أيضا الرب قال عن ذاته أنه " رب الحصاد الذي يرسل فعله إلى حصاده "( لو10: 2 ) . هو رب الحصاد الذي يتحقق كيانه الممتلئ حينما يستقبل كل حصيد الكون في ذاته. المفهوم إيجابي لأن الحدث بمثابة احتفالية جني ثمر تجسد الكلمة في الكون، احتفالية الفرح بالحصاد الممتد من لحظة التجسد حتى لحظة نهاية العالم. وإتمام العمل، بالإتيان بكل الحصيد - بالنسبة لكيان الرب – هو طعام يملأه ويشبعه؛ فبعد لقائه بالسامرية قال الرب لتلاميذه: " أَنَا لِي طَعَامٌ لآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ».. «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ.. هَا أَنَا أَقُولُ لَكُمُ: ارْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَانْظُرُوا الْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ابْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ. وَالْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَرًا لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، لِكَيْ يَفْرَحَ الزَّارِعُ وَالْحَاصِدُ مَعًا"( يو4: 32- 36 ). فرحة الزارع والحاصد معا هي فرحة الرب ، لأن الرب هو الزارع والحاصد بآن واحد. هو الزارع الذي خرج ( من عند الآب ) ليزرع زرعه، مستهدفا أرضا جيدة، فاستنبت فيها ثمرا وفيرا ثلاثين وستين ومئة. هو الحاصد- بحسب المعمدان- الممسك برفشه والمنقي بيدره والجامع لحصيده في مخزن ذاته. مجيء الرب في كماله هو حالة شبعه بتخزين حصيد الكنيسة في كيانه وإذذاك يخاطبهم قائلا : " كنت جوعانا فأطعمتموني "( مت25: 35 ). هو ، كبكر بين إخوة كثيرين يخاطب إخوته هؤلاء الأصاغر بهذه العبارة العجيبة؛ فلم تكن شركتهم في ابن الإنسان شبعا خاصا بهم ، فقط - من جهة الحياة الأبدية وعدم الفساد - بل كانت شبعا لكيان ابن الإنسان - الكامل ، الممتلئ بهم - ذاته. هم بشبعهم قد أشبعوه ، إذ أن امتلاء الجزء هو امتلاء للكل ، وتحقق وجود العضو هو في سياق تحقق وجود الجسد الكامل . لذلك قال لهم ، ما معناه : بما أنكم أطعمتم أحد إخوتي الأصاغر ، فيكم ، فقد أطعمتموني. حدث مجيء الرب حدث إيجابي لأنه حدث منتج ( بكسر التاء ). وهو ينتج شخصا كونيا يولد في التاريخ بميلاد يسوع، لينطلق ممتدا في الزمان والمكان مجتلبا حصيد البشر - الذي هو الكنيسة - إلى كيانه، ومتى امتلأ هذا الكيان بكل المعينين للحياة الأبدية تنتفي سببية وجود الكون فينهار مرتدا إلى العدم بعدما ينهي الكلمة حضوره فيه. هذه البانوراما العجيبة هي البشرى التي يزفها إنجيل يسوع المسيح. ترى هل من الممكن - بعد بلورة مضمون المفهوم بهذا الشكل - أن يتبقى لدينا مايصم مفهوم مجيء الرب بالسلبية، أو يختزله في مجرد مشهد يوم الحشر العظيم حيث التطبيق الحرفي البائس لنظرية الثواب والعقاب، التي هي بالطبع ليست نظرية مسيحية ؟
7- ماهية فعل المجيء
لدينا في العهد
الجديد كلمتان ، في صيغة الاسم، تترجمان إلى " المجيء " في الحديث
عن مجيء الرب، الأولى هي" الباروسيا" ( parousia )، والثانية هي " الإبيفانيا "( epiphania ). الأولى هي الحضور والثانية هي الظهور، والكلمتان مترادفتان
بخصوص مجيء الرب؛ فمجيء الرب هو ظهوره في الكنيسة، وظهور الرب هو مجيئه في الكنيسة.
الباروسيا هي الكلمة الأكثر استخداما وقد وردت في أربعة وعشرين موضعا في العهد
الجديد منها سبع مرات في الحديث عن حضور مؤثر لأشخاص معينين، عند الرسول بولس،
منهم بولس الرسول نفسه. والسبع عشرة مرة الأخرى كانت في الحديث عن مجيء الرب،
ومنها مرة واحدة في الحديث عن " يوم الله "( 2بط3: 12 ). جاءت الباروسيا
في إنجيل متى وفي رسائل الرسول بولس وفي رسائل بطرس ويعقوب ويوحنا. الإبيفانيا
وردت في عدة مواضع في رسائل الرسول بولس فقط. وردت الكلمتان معا في سياق عبارة واحدة
" ظهور مجيئه " ( th epifaneia thV parousiaV ) عند الرسول بولس في:( 2تس2: 8). الباروسيا هي الحضور الشخصي المؤثر، الحضور
الظاهر في الآخر، أي حضور الرب في الكنيسة. الباروسيا ليست في تحرك الرب الزمكاني
في لحظة معينة وفي مكان معين بل في تحقق وجود وحضور شخص الرب في مسار يخترق كل الزمان وكل
المكان. لذلك فالباروسيا ، وبالتوازي مع الإبيفانيا هي الحضور الظهوري ( إذا جاز
التعبير ) لمجيء الرب بدءا من لحظة تجسده وحتى اكتمال الكنيسة في كيانه. ظهور
مجيئه ، ابيفانيا الباروسيا ( إذا جاز التعبير ) هي كشف وجودي للكنيسة بدءا من
ظهور رأسها الرب يسوع التاريخي وحتى اكتمال كل الثمر في المسيح الآتي؛ فيكتب بولس
الرسول : " لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ
سَيُحْيَا الْجَمِيعُ. وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي رُتْبَتِهِ: الْمَسِيحُ بَاكُورَةٌ
( الرب يسوع التاريخي )، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ ( الكنيسة ) فِي مَجِيئِهِ (
الباروسيا )"( 1كو15 : 22و23 ).ويكتب بطرس الرسول:" " لأنَّنَا لَمْ
نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً، إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ
الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ ( الباروسيا) ،
... وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ
... كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ،
وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ( الرب يسوع المسيح ) فِي قُلُوبِكُمْ ( الكنيسة )"
( 2بط1: 16- 19). ويكتب يعقوب الرسول: " فَتَأَنَّوْا أَيُّهَا الإِخْوَةُ إِلَى
مَجِيءِ الرَّبِّ( الباروسيا ). هُوَذَا الْفَلاَحُ يَنْتَظِرُ ثَمَرَ الأَرْضِ الثَّمِينَ،
مُتَأَنِّيًا عَلَيْهِ حَتَّى يَنَالَ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ ( في الرب يسوع )وَالْمُتَأَخِّرَ(
في الكنيسة ). فَتَأَنَّوْا أَنْتُمْ وَثَبِّتُوا قُلُوبَكُمْ، لأَنَّ مَجِيءَ الرَّبِّ(
الباروسيا ) قَدِ اقْتَرَبَ"( يع5: 7 و 8).وهناك كلمة ثالثة لها علاقة
بالباروسيا والإبيفانيا وهي " apocalypsis"، الكشف والإعلان وترجمت
إلى الرؤيا ، رؤيا يوحنا اللاهوتي، وهو السفر النبوي الوحيد في العهد الجديد ، وروح
نبوته هو شهادة يسوع ( رؤ19: 10 ) ، أي مجيء الرب في الكنيسة، وشهادة الكنيسة بأنها جسد الرب الذي رأسه يسوع، ففي استهلالية السفر يكتب الرائي: " إِعْلاَنُ ( apocalypsis) يَسُوعَ الْمَسِيحِ الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ اللهُ، لِيُرِيَ
عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ، .. .. طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ
يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ، وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا،
لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ. يُوحَنَّا، إِلَى السَّبْعِ الْكَنَائِسِ الَّتِي فِي أَسِيَّا:
نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ الْكَائِنِ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي،
وَمِنَ السَّبْعَةِ الأَرْوَاحِ الَّتِي أَمَامَ عَرْشِهِ، وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ: الَّذِي
أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ، لَهُ
الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ. هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ
كُلُّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ"(
رؤ1:1- 7 ).
خلاصة القول هي أن مجيء الرب حدث يكشف تمدد استحقاق حضور الكلمة المتجسد، في البشر، في الزمان والمكان ، الكشف الذي ينطلق مساره من لحظة التجسد وحتى اكتمال ظهور الكنيسة؛ " لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ ( الرب يسوع التاريخي ) وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ ( الكنيسة )، هكَذَا يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ"( مت24: 27 ).
والباروسيا ، الكلمة المستخدمة إنجيليا، هي من الأصل مصطلح تقني في الثقافة اليوناية له مدلول خاص يعبر عن الحضور الرسمي لملك أو لإمبراطور، حضور مصحوب باحتفالية عظيمة ويكون إيذانا بالولوج في عصر جديد . والكلمة انطلاقا من هذا المدلول تضيء مفهوم مجيء الرب الذي هو احتفالية حضور الملك الرب يسوع المسيح. والحضور هو حضور فاعل مؤثر جاذب - في كل مساراته عبر الزمان والمكان- للكنيسة "لأَنَّهُ حَيْثُمَا تَكُنِ الْجُثَّةُ، فَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ النُّسُورُ" ( مت24: 28 ). هو حضور( presence ) مستعلن في البشر ( الكنيسة) وليس مجرد إتيان في المكان (coming ) لشخص مستقل عن الكنيسة ، تنتظره الكنيسة ، في لحظة تاريخية معينة ، لذلك قد سبق الرب وحذر كنيسته قائلا : "حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ. فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ: هَا هُوَ فِي الْبَرِّيَّةِ! فَلاَ تَخْرُجُوا. هَا هُوَ فِي الْمَخَادِعِ! فَلاَ تُصَدِّقُوا"( مت24: 23- 26 ).
هو إذن ليس مجيئا تاريخيا ولكنه مجيء كل التاريخ بدءا من لحظة التجسد حتى نهاية التاريخ ( الزمن ) بطرفيه : الماضي والمستقبل؛ وأقصد بالماضي زمن ماقبل التجسد، وبالمستقبل زمن مابعد التجسد؛ فلحظة التجسد هي مركز دائرة الزمن الذي انطلق منه حضور الرب مثل اشعة الشمس ليغمر كل مساحة تلك الدائرة. وفكرة مجيء ماضي لحظة التجسد ، أي ماقبل التجسد ، قد تبدو غريبة، ولكن هذا ماقد كتبه الرسول بولس ؛ فالراقدون على الرجاء في زمن ماقبل التجسد قد احضروا به ومعه في لحظة تجسده، وقد سبقوا كنيسة دعوة الإنجيل، كنيستنا نحن المتبقين من رصيد المجيء الكامل للرب، فكان انضمامهم للرب ابتعاثا لهم من موتهم، الذي أصبح مجرد رقاد. ولكن انضمامنا نحن إليه هو بمثابة اختطاف لنا فنحن لانرقد مثلهم، ولكننا ننتقل لنتموقع فيه ونكون جميعا معا، فيكتب الرسول: " ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ. لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ، سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضًا مَعَهُ. فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ ( tou kuriou thn parousian ) ، لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلًا. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ"( 1تس4: 13- 17 ).
نحن الآن في زمن مجيء الرب. نحن الآن في يوم الرب. الرب قد أتى بالتجسد، وهو يأتي الآن في الكنيسة منذ لحظة تجسده، وهو سوف يأتي بتكميل مجيئه في الكنيسة حتى نهاية التاريخ. حدث مجيء الرب لاشبيه له في الأحداث والأزمنة التي تعرفها اللغة ، أي لغة ؛ فلايوجد فعل يبتلع الماضي والحاضر والمستقبل في حدث واحد إلا فعل وحدث مجيء الرب.
مجدي داود
خلاصة القول هي أن مجيء الرب حدث يكشف تمدد استحقاق حضور الكلمة المتجسد، في البشر، في الزمان والمكان ، الكشف الذي ينطلق مساره من لحظة التجسد وحتى اكتمال ظهور الكنيسة؛ " لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ ( الرب يسوع التاريخي ) وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِبِ ( الكنيسة )، هكَذَا يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ"( مت24: 27 ).
والباروسيا ، الكلمة المستخدمة إنجيليا، هي من الأصل مصطلح تقني في الثقافة اليوناية له مدلول خاص يعبر عن الحضور الرسمي لملك أو لإمبراطور، حضور مصحوب باحتفالية عظيمة ويكون إيذانا بالولوج في عصر جديد . والكلمة انطلاقا من هذا المدلول تضيء مفهوم مجيء الرب الذي هو احتفالية حضور الملك الرب يسوع المسيح. والحضور هو حضور فاعل مؤثر جاذب - في كل مساراته عبر الزمان والمكان- للكنيسة "لأَنَّهُ حَيْثُمَا تَكُنِ الْجُثَّةُ، فَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ النُّسُورُ" ( مت24: 28 ). هو حضور( presence ) مستعلن في البشر ( الكنيسة) وليس مجرد إتيان في المكان (coming ) لشخص مستقل عن الكنيسة ، تنتظره الكنيسة ، في لحظة تاريخية معينة ، لذلك قد سبق الرب وحذر كنيسته قائلا : "حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ. فَإِنْ قَالُوا لَكُمْ: هَا هُوَ فِي الْبَرِّيَّةِ! فَلاَ تَخْرُجُوا. هَا هُوَ فِي الْمَخَادِعِ! فَلاَ تُصَدِّقُوا"( مت24: 23- 26 ).
هو إذن ليس مجيئا تاريخيا ولكنه مجيء كل التاريخ بدءا من لحظة التجسد حتى نهاية التاريخ ( الزمن ) بطرفيه : الماضي والمستقبل؛ وأقصد بالماضي زمن ماقبل التجسد، وبالمستقبل زمن مابعد التجسد؛ فلحظة التجسد هي مركز دائرة الزمن الذي انطلق منه حضور الرب مثل اشعة الشمس ليغمر كل مساحة تلك الدائرة. وفكرة مجيء ماضي لحظة التجسد ، أي ماقبل التجسد ، قد تبدو غريبة، ولكن هذا ماقد كتبه الرسول بولس ؛ فالراقدون على الرجاء في زمن ماقبل التجسد قد احضروا به ومعه في لحظة تجسده، وقد سبقوا كنيسة دعوة الإنجيل، كنيستنا نحن المتبقين من رصيد المجيء الكامل للرب، فكان انضمامهم للرب ابتعاثا لهم من موتهم، الذي أصبح مجرد رقاد. ولكن انضمامنا نحن إليه هو بمثابة اختطاف لنا فنحن لانرقد مثلهم، ولكننا ننتقل لنتموقع فيه ونكون جميعا معا، فيكتب الرسول: " ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ. لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ، سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضًا مَعَهُ. فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ ( tou kuriou thn parousian ) ، لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلًا. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ"( 1تس4: 13- 17 ).
نحن الآن في زمن مجيء الرب. نحن الآن في يوم الرب. الرب قد أتى بالتجسد، وهو يأتي الآن في الكنيسة منذ لحظة تجسده، وهو سوف يأتي بتكميل مجيئه في الكنيسة حتى نهاية التاريخ. حدث مجيء الرب لاشبيه له في الأحداث والأزمنة التي تعرفها اللغة ، أي لغة ؛ فلايوجد فعل يبتلع الماضي والحاضر والمستقبل في حدث واحد إلا فعل وحدث مجيء الرب.
مجدي داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق