الأحد، 22 أبريل 2012

مجيء الرب ( 2 )






                 
                   
                      الآتي هو المسيح الكوني


                       رؤية اللاهوت الآبائي  للكون  
  في اعتقادي ، تتلخص الرؤية الآبائية للكون في ثلاث خصائص ، هامة :
 1 - الاعتمادية  ، على حضور شخص الكلمة 
  ليس للكون عند الآباء - لاسيما أثناسيوس - وجود مستقل بذاته ، فالكون ، بطبيعته اعتمادى (dependant ) ، هكذا خرجت الخليقة إلى الوجود ، وأصبح الكون حقيقة ، بعد أن كان عدما ( creatio ex nihilo ) ، لسبب واحد  فقط ،    لا ثان له ، هو حضور الكلمة . ويكتسب مصطلح " الحضور = presence " ، ذلك الزخم العظيم ، عند أثناسيوس ، وهكذا لا يبدو الكون إلا استعلانا لذلك الحضور ، الذي لم يعد فقط مجرد فاعل  ، في لحظة خلقة الكون ، بل قد صار وجود الكون واستمراره - بكل تفاصيل حركته وتطوره - معتمدا على حضور الكلمة ، وكاشفا له . وتخيل الكون  بدون حضور الكلمة فيه ، هو تخيل لتلاشي الكون وعودته إلى العدم . إذن ، الأمر بتعبيرات تقنية ، أخرى ، هو  " حضور الله فى الكل" omnipresence"  ، أو " حضور الكل في الله "  panentheism".  
  2 - الشخصية الكونية  
 ليس الكون مجرد تجمع عشوائي لأجزاء عشوائية ، متناثرة ، بل للكون شخصية عامة ، ووجود كلي ، حاضر وظاهر في كل جزء من أجزائه ، مهما بلغ صغر هذا الجزء ،إنه الانسجام ، والتناغم بين جميع الأجزاء ، من خلال سياق منظومي ، شامل ، وهذا بالضبط ، هو ما عبر به العظيم أثناسيوس ، عندما استخدم كلمة "السيمفونية " للتعبير عن الإنسجام الكلي ، وعن الشخصية العامة للكون .
  3 -  الكون ، كصورة للثالوث القدوس 
 العبارة الشهيرة لأثناسيوس : " من الآب بالابن في الروح القدس " تظهر وجود الكون كصورة للوجود الالهي ، القائم فى علاقة شركة الثالوث القدوس . نعمة خلقة الكون هي استعلان حضور الثالوث ، في الكون . المحبة الثالوثية قد استعلنت في خلقة الكون ؛ إذ قد وهب ( بضم الواو) الابن الوحيد ، كعطية أبدية ، للكون ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية ، حدث هذا في تجسد الكلمة . هكذا أصبح تبني الكون ، حقيقة واقعة . هكذا أظهر الكون كصورة للثالوث القدوس .
   إذن  ومن خلال الثلاث خصائص السابقة ،نستطيع أن نقول بأننا أينما ننظر في الكون ، فنحن نتجه بأبصارنا صوب ما يكشف وما يستعلن حضورا شخصيا للكلمة . شخص المسيح حاضر ومستعلن في منظومة القوانين الطبيعية - ذات الطابع الكلي الشخصي ، السيمفوني - الحاكمة للكون . وهذه هي  ذات الصورة التي يتم اظهارها وتناميها وتثبيتها إلى الأبد بتكريس الوجود الكامل للمسيح المستوعب للكون الجديد ، أي الكنيسة . 
                              الكون الجديد
      بتجسد الكلمة، وظهور الرب يسوع التاريخي بدأ ظهور الكون الجديد،وفي يسوع، أعتق الكون من طبيعته الزمانية المكانية ، وبالقيامة استعلنت الطبيعة الجديدة، عديمة الفساد،غير المحدودة بقيود الزمان والمكان، فقد صار يسوع ، آدم الجديد، روحا محييا،منه ينطلق  الوجود الروحاني  للكون الجديد، أي الكنيسة .  صار الزمن الكوني ، في يسوع ، حاضرا أبديا ، يتحقق فيه ملكوت السماوات بامتلاء شخص المسيح بجميع المختارين . وصار المكان الكوني ، مجالا لاجتماع الكنيسة ، هيكل الروح القدس  الأبدي الذي ، حجر زاويته هو يسوع  التاريخي .والأبدية هي المصير النعموي لزمن الكون الطبيعي، هي الزمن الممتلئ ، هي الزمن الآني، أبدا . هذا هو ما تحقق لباكورة الكون الجديد، الرب يسوع ، التاريخي. وبخصوص الشق الثاني ،  لطبيعة الكون ، العتيق ، أي " المكان "، فقد تم تجديده وامتلاؤه . تحرر الكون الجديد ، في يسوع ، من قيود ومحدودية المكان . صار  للإنسانية طبيعة روحية ، صارت كائنة إلى الأبد في الروح القدس  ، صارت مستوعبة في مجال الروح وليست مقيدة بقيود المكان . فالحياة  في الروح القدس هي حالة من السعي الأبدي نحو عمق الله ؛ إذ أن الروح هو الذي يفحص ، حتى أعماق الله .( 1كو 2 : 10 ) .  فالإنسانية الجديدة ، بصعودها إلى الآب ، في يسوع ، قد صارت في ديناميكية أبدية نحو العمق الإلهي ، في الروح القدس  ، وليتنا نتأمل بشيء من التدقيق ، عبارة الرسول بولس : ". لِكَيْ يُعْطِيَكُمْ بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ، أَنْ تَتَأَيَّدُوا بِالْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ، لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ، وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ، وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ " ( أفس 3 : 16 - 19 ).

                          شخص الرب يسوع
  الإنسان الكامل
    المسلمة الأولى في الخريستولوجي هي أن الرب يسوع ، التاريخي ، هو إنسان كامل ، وإله كامل بآن واحد . إنسانية الرب يسوع كائنة في حالة احتواء ( تواجد) متبادل مع لاهوته ، حتى  أنه ينظر إليه فيرى الإنسان الكامل ، وأيضا ينظر إليه فيرى الإله الكامل . ولكن السؤال الجوهري هو : ما معنى  تعبير"الإنسان الكامل " ؟ . هل الإنسان الكامل هو طبيعتنا البشرية العتيقة ،بمعنى الإنسان النفساني ، اللحم والدم ؟ . إذا كان تعبير" الإنسان الكامل" ، في سياقه الخريستولوجي يعني الكيان البيولوجي، الحيواني ، النفساني ، الذي نحن إياه ، والذي تم تجديده في المسيح ، بالقيامة - فتكون النتيحة المنطقية لهذه الفرضية هي أن الكلمة بتجسده ، قد لبس إنسانية ناقصة ، مكملا إياها بالقيامة . ويكون الاتحاد الأقنومي كائنا بين عنصرين  هما الكلمة والطبيعة الإنسانية الحيوانية  العتيقة ( اللحم والدم ). وتكون النتيجة الأكثر كارثية ، هي أن شخص الرب يسوع ، الكلمة المتجسد ، قد ظل ناقصا( كشخص) ، إلى أن تكمل ، وتجدد ، ونال عدم الفساد ، بالقيامة . وبمعنى أكثر فجاجة ، يكون شخص الكلمة المتجسد ، قد تغير بالقيامة عن ما كان عليه قبل القيامة .وعليه فيكون حدث التجسد هو غير كامل منذ الحبل الإلهي ، ويكون أيضا  أن الاتحاد الأقنومي غير كامل منذ أول لحظة للتجسد ؛ لأن ما كان الكلمة قد اتحد به أقنوميا منذ بداية الحبل ، قد تبدل وتغير بالقيامة . أي كفر ، وأية هرطقة ، من الممكن أن تكون أعظم من هذا ؟!، وأي مفهوم للاتحاد الأقنومي يكون هذا ؟!  هناك ، إذن فرق جوهري ودقيق ، بين أن يقال أن الكلمة قد اتحد اقنوميا بالطبيعة البشرية ، الخاضعة للألم والموت ، مجددا إياها بالقيامة ( كما ينادي الطرح الذي نفنده الآن ) - وأن يقال أن الكلمة قد زرع ذاته في الطبيعة البشرية الخاضعة للألم والموت ، فنبت فيها باكورة الطبيعة الجديدة ، غير القابلة للألم والموت ( بمجرد التجسد) ، هذا الذي أعلن لنا ( في ما بعد ) ، بإظهار القيامة ، فى اليوم الثالث لموت الرب ، بعد أن خلع طبيعتنا العتيقة  على الصليب . فالقيامة هي حقيقة واستحقاق الاتحاد الأقنومي لشخص الرب يسوع ، منذ أن صار هناك اتحاد أقنومي ، مع أول لحظة للحبل في رحم العذراء . وأما الألم والموت فهما حقيقيان ، وبكل تأكيد ، ينسبان إلى الشخص كاملا  ، وسيظل الخروف المذبوح ، هو الخبرة الأبدية المنقوشة فى وعي شخص الرب يسوع المسيح . واقع الحال هو أن إنساننا العتيق ليس بأي حال من الأحوال ، إنسانا كاملا . فالإنسان الكامل هو ذلك النموذج الذي جبل الإنسان عليه ، وقد صار هذا النموذج واقعا كونيا جديدا مع أول لحظة للتجسد . وبالرغم من ظهور ذلك الإنسان الكامل فقد ظل لابسا نقصنا إلى أن اجتاز فيه موتنا ، فتمت إبادة النقص ، وتم موت الموت ، ووهب لنا الكامل ذاته ، كرأس  لكمالنا وكمصدر لحياتنا وكبداية للكون الجديد  .  الإنسان الكامل كائن خلف الذبيح المعلق على الخشبة ، بل هو كائن في أعماق الكون كله منذ أول لحظة لحدث التجسد  . الإنسان الكامل هو جسد الكلمة الخاص الذي اجتاز الموت في رداء ، في حجاب ، هو  طبيعتنا نحن . وحينما خلع الرب هذا الرداء كان قد خلع الموت عنا معلنا عن جديده الكامل المستتر خلف طبيعتنا البيولوجية ، بل خلف  الكون الطبيعي كله . 
  تفرد إنسانية يسوع
    شخص الابن ، بولادته في الكون ، قد أظهر شخصا متفردا ، والتفرد هنا هو تفرد الشخص كاملا ، بعنصريه الكلمة والإنسان .وتفرد إنسانية يسوع ينبع من كونها تمثل جسد الكلمة الخاص . وهنا يجب أن ندرك حقيقة هامة ، وهي أنه حيث يوجد الكلمة ، يوجد جسده الخاص . والكلمة حاضر فى الكون منذ انطلاقه ، حاملا إياه ومسيطرا على كل مساره حتى نهايته ، ومنذ أول لحظة للتجسد بلغ حضور الكلمة قمة غير مسبوقة فقد صار الكلمة في اتحاد شخصي مع أرفع منتج للكون ، أي الإنسان ،  وهكذا صار لإنسانية يسوع حضور كوني . هذه هي الحلقة المفقودة التى ينبغي أن نتحدث عنها ، أى الشخصية الكونية للرب يسوع التاريخي ، الإنسانية الجديدة التي له بفضل كونه جسد الكلمة الخاص ، تلك الإنسانية التي تحررت من قيود الزمان والمكان . فبتحررها من قيد الزمان أصبحت شريكة في حياة الكلمة أي في الحياة الأبدية ، وبتحررها من قيود المكان أصبحت طبيعة روحانية ، تحيا في مجال وليس في مكان ، أي في مجال الروح ، لأنه حيث روح الرب فهناك حرية . إذن فعندما نرصد تاريخيا عتيق الرب يسوع في مسيرة ضعفه على الأرض ، مرورا بآلامه وانتهاءا بموته ، فيجب أن لانعثر ونعتقد أن ذلك المشهد المحدود جغرافيا وتاريخيا هو كل شيء في مايخص شخص الرب يسوع الكامل ؛ فخلف ذلك الحمل المذبوح تستتر شخصية كونية ، هي إنسانيته الجديدة التي تملأ الكل وتجذب إليها الكل ، فهي رأس الكون الجديد الباحث عن أعضائه في الزمان والمكان .وهنا يجب أن نؤكد أمرا ، وهو بالحق مسلمة خريستولوجية ، وهو أن إنسانية يسوع قد ظلت في ديناميكيتها وحضورها الأبدي ، فلم يتخل الإنسان عن إنسانيته ليصبح إلها ، وإنما قد تأله أي نال نعمة الشركة في حياة الله . جسد يسوع هو جسد مخلوق ، وسيظل إلى الأبد  مخلوقا ، أي يظل يتقبل مجده الخاص كجسد الكلمة من شركته في الكلمة من خلال الاتحاد الشخصي غير القابل للانفصال سواء قبل  أو بعد الاتحاد . ولأن كيان يسوع الإنساني الجديد هو جسد الكلمة الخاص، فنتيجة ذلك أمران : أولا قبوله نعمة عدم الفساد واللامحدودية الزمكانية ( من الزمان والمكان ) بفضل اشتراكه في الكلمة ،وثانيا قبوله للنعمة ليس كقبول المستفيد فقط مثلما هو حالنا نحن  ، بل  قد صار مصدر النعمة الوحيد في الكون  ، كوسيط  لأنه الإنسان الكامل والإله الكامل بآن واحد . وإن كان قد أخذ  مجده بفضل اشتراكه في الكلمة ، الذي هو معه في اتحاد أقنومي ، فهو في ذات الوقت يمجد الذين يشتركون فيه بجعلهم أعضاءا منتمين إلى رأس هو جسد الكلمة الخاص ، وبذلك يهبهم ما قد حصل عليه ، هو شخصيا من نعمة التأله واللامحدودية الزمكانية . إنسانية يسوع الجديدة ، المتفردة ، جسد المونوجينيس  ، الخاص - قد أظهرها الرب يسوع التاريخي ،  للتاريخ في مواضع عدة ، فعلى الجبل ، وقبل أحداث الصليب والقيامة ، كان الرب قد كشف للخاصة من تلاميذه ، عن هذه الإنسانية الجديدة التي نالت مجد الشركة في الكلمة ، وأوصاهم أن لا يبوحوا بما قد رأوا إلى أن يعلنه هو ذاته بالقيامة . وبعد القبر كشف الرب ، بقيامته عن هذه الإنسانية الجديدة وأظهرها لتلاميذه مرات عديدة ، طيلة أربعين يوم ، ثم بعد ذلك أظهرها صاعدة إلى السماء ، وأما هم فقد  ظلوا شاخصين ، مخطوفة ألبابهم  من المشهد . ولكن كيف ينبغي لنا أن نفهم  هذه التجليات والظهورات ؟ هل يجب أن نفهم أن إنسانية يسوع الجديدة  مازالت محدودة بإحداثيات المكان ، حتى أن في استطاعة العين الطبيعية  ، أن ترصدها وهي تتحرك من هنا إلى هناك أو أن  تصعد  إلى أعلى ؟ وسؤال آخر : ما معنى الصعود ذاته ؟ هل هو الانتقال إلى أعلى ، إلى السماء ؟ ثم ماذا تعنى كلمة السماء ؟ هل السماء مكان ؟ . حقيقة الأمر هي أن إنسانية يسوع  الجديدة هي  باكورة الإنسانية الصاعدة إلى السماء ، والمقدمة إلى الآب عندما صارت شريكة في الابن ، باتحاد شخصي غير قابل للانفصال . إذن معنى أن الكلمة قد صار جسدا هو أن الكلمة قد أصعد هذا الجسد إلى الآب السماوي . فجسد الكلمة الخاص هو جسد ذلك المونوجينيس الكائن في حضن أبيه الذاتي ، وفيما تتحد إنسانية يسوع ، أقنوميا بالكلمة فهي تصعد ، وتقدم إلى الآب كباكورة لتقدمة الجميع .  تتفرد إنسانية يسوع في أنها قد نبتت في الزمان وبالرغم من ذلك فمنذ ظهورها قد صارت محورا ومآلا لحركة الزمان . وأيضا تتفرد إنسانية يسوع في أنها قد نبتت في المكان وبالرغم من ذلك فمنذ ظهورها قد صارت تملأ كل الكون ، إذ هي كائنة في اتحاد أقنومي مع ذلك الذي يملأ الكل ، الله الكلمة . إننا لا نجد عبارة في الإنجيل - تستطيع أن تعبر عن الطرح السابق - أعظم من عبارة يوحنا " هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ ( الكون =cosmos  )حَتَّى بَذَلَ( أعطى ) ابْنَهُ الْوَحِيدَ ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" ( يو 3 : 16 ). وفي رسالته الأولى : بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ ( المونوجينيس ) إِلَى الْعَالَمِ ( الكون =cosmos  ) لِكَيْ نَحْيَا بِهِ( 1يو 4 : 9 ).
   تفرد موت يسوع
     موت الإنسان- من الناحية العملية - وكما نختبره ، هو انهيار صورته البيولوجية ، بشق طبيعته النفسجسدية ، إلى عنصريها .والنفس هي طاقة الحياة ، غير المادية ، المعبرة عن الجسد ، والمحركة له . وببطلان هذه الطاقة تنهار بيولوجية الإنسان ، أي تنهار الأنسجة  وتنهار الخلية الحية ويرتد الكيان كله إلى حفنة من العناصر الأولية  الداخلة في تكوين الكون ، بصفة عامة . ومثلما كان الكيان الإنساني الجديد ليسوع ، متفردا - في عدم الفساد ، بفضل اتحاده أقنوميا مع الكلمة - كان موت يسوع متفردا ، في كونه موتا للكون كله ، فلم يكن موته انهيارا للصورة البيولوجية فقط ، بل قد انهارت جميع العناصر الأولية المكونة للبيولوجيا . خضع عتيق يسوع لاستحقاقات لحظة نهاية الكون وفنائه ، إذ قد انهارت المادة   ، واختفت القوانين  الطبيعية ، التي تحكمها. لم يترك الرب يسوع في قبره جثة قابلة للتحلل ، كما يحدث لنا ، ولو كان قد حدث له ذلك ، لكان عليه أن ينتظر حتى لحظة نهاية الكون ، لكي مايكتمل موته . هو لم يفعل ذلك ، ولكنه قد أكمل موتنا بل قد أكمل وأتم موت الكون كله ، وبذلك فقد اجتاز كيانه الجديد - الذي هو جسد الكلمة الخاص - أقصى درجات تحدي الموت ، له ، أي العدم ، وخرج ظافرا ومعلنا نصرة إنسانيته ، المتحدة أقنوميا بالكلمة ، ومظهرا هذه النصرة في شعبه الذي يجتمع فيه ، أي الكنيسة . ومثلما كان زمن الكون في جديد يسوع ، حالة من البدء اللانهائي ، كان الزمن في عتيق  يسوع هو زمن نهاية الكون ، وصار زمن الكون ماضيا قد تم تجاوزه . بموت "عتيق" يسوع  . قد تم طي الزمان والمكان ، وبإعلان حياة "جديد" يسوع قد أظهر الزمن الآني ، الآن الأبدي . وأظهرت الحرية من المحدودية المكانية ، بالشركة في الطبيعة الروحية الجديدة ، التي لا تستوعب في المكان  بل تستوعب في مجال الروح القدس . النقطة الجوهرية هي أن الحياة وعدم الموت ما هي إلا كشف لحضور الكلمة . وفي كيان يسوع الجديد القائم والمنتصر على الموت أصبح الكلمة حاضرا إلى الأبد في الكون ،  أما عتيق يسوع فهو عتيقنا ، هو الكون العتيق ، المتروك بطبيعته من الشركة الأبدية في الكلمة ، لأنه : " لا يرث الفساد عدم الفساد " . عتيق يسوع قد صرخ على الصليب معلنا حقيقة هذه المأساة : " إلهي ، إلهي ، لماذا تركتني " . هكذا ، كان موت المسيح إعلانا عن جدة الحياة ، الناشئة في بيئة الموت الكوني. بموته داس الموت ، وأعلن الحياة ، بالشركة غير القابلة للإنحلال ، في اللوغوس. شخص الرب يسوع التاريخي ، هو قائم ومستعلن في عنصرين : لاهوت الكلمة ، والإنسانية الجديدة عديمة الفساد . وأما البيئة العتيقة ، التي هي نحن ، فقد ظل الكلمة المتجسد مرتديا إياها ، وفيها قد قبل الألم ، إلى أن أسلمها لمصيرها الذي هو مصيرنا ، ومصير الكون الطبيعي  كله ، أي " العدم " . وهكذا اجتاز شخص الكلمة المتجسد  الموت وهزمه ، إذ لم يستطع الموت أن يقتنص منه غير عتيقه الظاهر ، أما جديده  فقد أعلنه لنا رأسا لنصرتنا ، رأسا للكون الجديد .

               عثرتان تعرقلان إدراكنا لكونية شخصية الرب يسوع 
 1- عثرة المحدودية الزمكانية 
 لأننا زمكانيون ( من الزمان والمكان) بطبيعتنا ،  فقد اصطبغت نظرتنا الخريستولوجية بصبغة الزمان والمكان ، وكانت النتيجة المأساوية أننا فقدنا - في اعتقادي - أهم حلقة في الفكر الخريستولوجي ، أي حلقة الشخصية الكونية ، لإنسانية يسوع ، الجديدة الكائنة منذ أول لحظة للتجسد .. نظرنا إلى عتيقه الظاهر منذ أن صار إيانا ، ولم نستطع أن نرى جديدنا الكائن فيه ، المستتر منذ أول لحظة للتجسد . . نظرنا إلى اللحم والدم ، الظاهرين منذ أن صار الكلمة إيانا ، ولم نستطع أن نرى طبيعتنا الروحية الجديدة المستترة ، الكائنة فيه منذ أول لحظة للتجسد .. نظرنا إلى التغير والتطور ( من ولادة ونمو وألم وموت ) - الظاهر ،  منذ أن صار إيانا ، ولم نستطع أن نرى طبيعتنا الكاملة الممتلئة ، الثابتة إلى الأبد ، المستترة فيه منذ أول لحظة للتجسد . . نظرنا إلى محدوديته في الزمان والمكان  ، منذ أن صار إيانا ، ولم نستطع أن نرى لامحدودية طبيعتنا الجديدة - وتحررها من قيود الزمان والمكان - المستترة فيه منذ أول لحظة للتجسد . ولما أردنا أن نوفق بين انطباعاتنا الزمكانية ، والمسلمة الأساسية في التجسد - من منظور النعمة - افترضنا أن اللحم والدم قد تغيرا ، تعسفيا ، إلى الطبيعة الممجدة الجديدة ، بالقيامة ، وبذلك قد كسرنا القاعدة الإنجيلية التي تقول بأن " اللحم والدم لا يستطيعان أن يرثا ملكوت الله ، ولا   يرث الفساد عدم الفساد " . ( 1كو15 : 50 ).   افترضنا أن استحقاق سر التجسد - في إنسانية يسوع - قد تكمل وامتلأ على مدار السيرة الذاتية ليسوع ، على الأرض ، ولم ندرك أن هذا الاستحقاق هو استحقاق الاتحاد الأقنومي ، منذ أول لحظة للتجسد .. افترضنا أن مضمون القيامة هو مجرد معجزة ، مثل معجزة إقامة لعازر ، مثلا ، ولم ندرك أن القيامة هي حقيقة ومضمون الاتحاد الأقنومي ، الكائن منذ أول لحظة للتجسد .. افترضنا أن حدث القيامة هو حدث منشئ لإنسانية يسوع الجديدة ، ولم ندرك أن حدث القيامة هو حدث كاشف لحقيقة ما هو واقع بالفعل منذ أول لحظة للتجسد . . لبسنا الزمان والمكان ، كمنظار ، على أعيننا فرأينا تدبير الخلاص كحدث زمني متسلسل ، ولم ندرك أن التدبير كامل ، وممتلئ منذ أن صار الاتحاد الشخصي بين الله والانسان . وما ترصده الأناجيل ، ما هو إلا أحداث كاشفة تخاطب زمكانيتنا التي لا تستطيع أن تدرك القيامة إلا وهي مسبوقة بالموت ، بينما حقيقة الأمر هي أن القيامة قد سبقت الزمان والمكان ، وأن جديد يسوع قد سبق اكتمال السيرة الذاتية لعتيقه ، بل هو كائن منذ أول لحظة لانطلاق هذه السيرة ، في التاريخ . ولم يكن موت يسوع إلا " اختبار التحدي =  challange test" الذي كشف عن عدم قابلية إنسانية يسوع الجديدة للموت ، وهذا ما أظهره الرب في فجر الأحد بعد اجتياز الموت الذي لم يستطع أن يلتهم منه غير عتيقه الظاهر الذي هو طبيعتنا ، وهكذا أظهر في حدث القيامة عربون وباكورة قيامتنا وعدم موتنا ، ذلك الذي سيتجلى فينا ، أيضا بعد أن نخلع عتيقنا ، كما سبق هو أن خلعه . . وإن كنا نتغير الآن ، باطنيا ( في الإنسان الباطن ) ، فلكي ما نشترك في جديده الذي كان مستترا منذ أول لحظة للتجسد ، وعندما نفقد عتيقنا الظاهر وفقا لطبيعته الفاسدة ، فلنا رجاء في الآخر المستتر الذي يتصور كعضو ، رأسه الرب يسوع التاريخي ، الكائن منذ أول لحظة للتجسد .
      2- عثرة التاريخية 
 . بالتأكيد ، إن شخص الرب يسوع ، المرصود إنجيليا ، هو شخصية تاريخية ولكن ما تتفرد به هذه الشخصية ،  هو أنها أول شخصية إنسانية تدخل التاريخ ، لتسكن التاريخ ، وليسكنها التاريخ  . فالرب يسوع ، الإنسان الجديد ، منذ أول لحظة للتجسد  هو حاضر في الكون ، كرأس تجتذب أعضاءها الكثيرين ، المشتتين في الزمن المتبقي من تاريخ الكون ، كما سبق أن اجتذبت المشتتين في الزمن السابق للتجسد ، وذلك بمجرد ظهوره وافتقاده للمأسورين في الجحيم . وهكذا بمجرد ظهوره  صار الزمن ، فيه ، حاضرا أبديا يصب فيه كل من الماضي والمستقبل وصار التاريخ فيه ، تاريخا أبديا للكون الجديد عديم الفساد .   وهكذا ، فمن منظور التاريخ ، تتفرد شخصية يسوع بصورتها المزدوجة ، فهو  " شخص نهاية التاريخ العتيق للكون " ، والذي كانت لحظة ظهوره هي اللحظة الوحيدة ، في تاريخ الكون ، التي تستحق أن يطلق عليها مفهوم " المستقبل " ( بالنسبة لما سبقها من زمن ) .  وهو ، في ذات الوقت  " شخص بداية التاريخ الجديد للكون " ، والذي كانت لحظة ظهوره ، هي لحظة الحاضر الأبدي ، غير القابل لأن يكون متبوعا بأي لحظة جديدة ، تجعل منه زمنا عتيقا أو زمنا ماضيا ، فهو شخص العهد الجديد ، الذي يظل جديدا إلى الأبد . بصعوده لم يغادر التاريخ ، بل قد كرس باكورة صعود الكون الجديد ، إلى الآب . فالصعود ، ذاته ، هو حدث تجدد الكون ،وهو حدث آني فاعل في الكون ، وجاذب للكون في الرب يسوع ، الحاضر في الكون ، والذي منه - كرأس - يسري تجديد الكون إلى باقى أعضاء الكنيسة ، الكون الجديد .  تحدث العثرة من تاريخية شخص الرب يسوع ، عندما يختزل الشخص في عتيقه الظاهر ، المرصود تاريخيا في الأناجيل ، وبالتالي نجد أنفسنا - بانتهاء السيرة الذاتية له على الأرض ، بالصعود - أمام نمط  لشخصية ، لابد أن ندعوها  تاريخية ، لكي تنسجم مع انطباعاتنا ، و لكن ما يجب أن ندركه ، هو أن إنسانية يسوع الجديدة ، بالرغم من كونها حقيقة تاريخية  ، إلا أنها   حاضرة في ما تبقى من التاريخ ، لتجتذب كل ثماره إلى تاريخ جديد للكون ، تاريخ لا نهائي. فالكلمة بتجسده قد  صار تاريخيا ، ولكن الكون - فيه ، ومنذ أول لحظة للتجسد - قد صار أبديا .

                      المسيح الكوني (  Cosmic Christ )
      المسيح ، ليس شخصا تاريخيا ، تقاطع مع  الزمان والمكان في الكون ، في لحظة زمنية وفي مكان معين ، بل هو محور حركة وجود الكون . وهذه المحورية   تتجلى على صعيدين :
  1- محوريته كفاعل ، في الكون
 إذ بحضوره قد ظهر الكون ،  وبحضوره  يتطور الكون في مساره المرسوم ، وفقا للقوانين الطبيعية ، التي هي ، في حد ذاتها ، تكشف   صورته  كشخص اللوغوس الفاعل والمسيطر والمعلن ذاته .
  2- محوريته كمستهدف ( بفتح التاء ) ، من وجود الكون 
  حضور شخص الكلمة ، كفاعل ، فى الكون الطبيعى هو حضور مؤقت  ، وباستمراره ، يستمر  وجود الكون الطبيعي ، وما أن ينهي الكلمة حضوره في الكون الطبيعي، إلا وينهار الكون عائدا إلى  أصله ، الذي هو العدم . ولكن الخبر السار،  هو أن شخص الكلمة الحاضر في  الكون الطبيعي ، قد صار -بتجسده - بكرا للكون الجديد ، عديم الفساد وعديم الموت ،  صار رأسا للإنسانية الجديدة الممتدة في الزمان والمكان. ليس لوجود الكون هدف غير إنتاج شخص المسيح الكامل المستوعب للكنيسة. هذا هو الكون الجديد . هذا هو الأرض الجديدة والسماء الجديدة . هذا هو ملكوت السموات . هذا هو المسيح الكوني .

                               الليتورجيا الكونية 
     تعبير " الليتورجيا الكونية "، هو من إبداع " اللاهوتي السويسري : ( Hans Urs Von Balthasar ,1905-1988  ) ، الذي يعتبر من أعظم اللاهوتيين في القرن العشرين ، وقد كان هذا التعبير ، مضمونا وعنوانا لكتابه الشهير:  " cosmic liturgy.the universe according to Maximus the Confessor). وفي هذا الكتاب تمت إعادة اكتشاف القديس  ماكسيموس المعترف  (580 م -662 م )، من خلال مفهوم "الليتورجيا الكونية "، التي يبقى فيها الرب يسوع المسيح هو  الإنسان الكامل ،الذي تم فيه توحيد الإنسان ، كما سبق أن تم توحيد الكون في الإنسان ، وهكذا يظهر شخص المسيح كمرجعية " قيمية "، كونية ، وحيدة . وهكذا يشير لنا المسيح ، أن الكون يجب أن يصبح  فى النهاية "ليتورجيا مجد الله" ، وأن العبادة هي بداية التحول الحقيقي ، والتجدد الحقيقي للعالم . إلى هنا ، والليتورجيا الكونية ، كما يجب أن ندركها - في اعتقادي - ليست هي  مجرد ذلك البعد التصالحي الكوني ، الذي يتم فيه قبول الآخر ، فهذا البعد  ، هو بالتأكيد يمثل قمة الوعي، في استيعاب وإدراك مفهوم الليتورجيا الكونية ، ولكن للمفهوم "بعد تحتي ، عملياتي " Process " ( إن جاز التعبير ) ، فالليتورجيا الكونية هي حدث  وفعل كوني، بل هي المنظومة  الكلية ، التي تشمل جميع الأحداث الكونية ، على جميع مستوياتها - ومن خلال كل القوانين الطبيعية ، ومن خلال كل العلاقات الكائنة في الكون ، ومن خلال كل  مسار تاريخ الكون - مستهدفة ،   هدفا واحدا ، هو تكميل شخص واحد وامتلائه ، شخص المسيح . فالمسيح هو وليد المخاض الكوني ، الذي فيه يتم تبني الحميع  . وبقاء الكون ، وانتظاره  ، مرهون بهذا الطرح ، فبحسب الرسول بولس : لأَنَّ انْتِظَارَ الْخَلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ اسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اللهِ. إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا عَلَى الرَّجَاءِ. لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ. فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ. وَلَيْسَ هكَذَا فَقَطْ، بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا، مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا ". ( رو 8 : 19-23 ) . شخص المسيح ، هو الخادم الكوني ، الذي لم يكتف بمجرد حضوره في الكون الطبيعي ، أن يظهر إياه وفقا لطبيعته العتيقة ، بل قد آثر أن يلبس هذا الكون ، كرداء أبدي  ، بتجسده فيه ، في شخص الرب يسوع ، التاريخي  ، وفيه يكمل خدمته ( leitourgia ) ، كما يقررالرسول بولس : " وأما رأس الكلام فهو : أن لنا رئيس كهنة مثل هذا ، قد جلس في يمين عرش العظمة في السماوات خادما (leitourgos ) للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان . لأن كل رئيس كهنة يقام لكي يقدم قرابين وذبائح . فمن  ثم يلزم أن يكون لهذا أيضا شيء يقدمه ." ( عب 8 : 1-3 ).  . كان ظهور الرب يسوع التاريخي هو منطلق  حدث امتلاء الخدمة الكونية  ، فبامتداد استحقاقات التجسد ، في كل الكنيسة الكونية . تتواصل حركة الليتورجية الكونية نحو امتلاء المسيح  الكوني .كل حركة الكون  منذ انطلاقه وحتى نهايته هي في خدمة هذا الهدف . الحركة الصادرة من الرب يسوع التاريخي ، كرأس  - نحو جمهرة الأعضاء المشتتين في الزمان والمكان - هي  " إفخارستيا  كونية "، يتحقق فيها الكون الجديد كجسد للمسيح . يتحقق فيها الكون الافخارستي عديم الفساد ، أي الكنيسة .

   العلاقة بين  ليتورجيتنا و مفهوم " الليتورجيا الكونية " 
  إن كنا نؤمن بمسيح واحد يستوعب كنيسته الواحدة( الكونية) ، فلابد أن نعي أن  ليتورجيا القداس الالهي هي مجرد انفتاح جماعة من المؤمنين - في لحظة زمنية معينة وفي مكان معين - على الليتورجيا الكونية ، المخترقة للزمان وللمكان ، لينضموا إلى " قداس كوني " واحد تتكرس فيه خدمة امتلاء المسيح بانضمام الجميع إلى رأسهم  الواحد . إذن  هي  ليتورجيا واحدة و خادم  كوني واحد . إن القداس الإلهي ليس حدثا انقطاعيا منعزلا، فالكاهن خادم السر ، لا ينشئ حدثا جديدا ، فما ليتورجيا القداس إلا مجرد باب يفتح على حدث جار ، آني ، هو " القداس الكوني " ، الذي يخدمه كاهن واحد هو المسيح الكوني . إنه انفتاح " الجزء " ، الزمكاني ، المحدود ، على " الكل" ، الإفخارستي ، الذي يفترش كل الكون .  والأمر بهذا الشكل أعمق بكثير من مجرد انفتاح جماعة المؤمنين - في ليتورجيتهم - على لحظة التأسيس الإفخارستي في العشاء الأخير للرب ؛ فلم تكن هذه اللحظة غير كشف لواقع انطلاق الليتورجية الكونية منذ أن صار اتحاد أقنومي بين لاهوت الكلمة وناسوته مع ظهور أول خلية ليسوع في رحم العذراء؛ فليتورجيا المسيح الكوني قد انطلقت من لحظة ظهور رأسه كواقع كوني وإذذاك يكون قد ظهر الخبز الحي النازل من السماء المعطى شبعا إفخارستيا كونيا .

                                  خلاصة

 انطلاق الكون واستمراره، حتى تلاشيه ، حدث يمثل خدمة كونية واحدة . أنافورا واحدة يصعدها خادم كوني واحد . حدث يستهدف منتجا كونيا واحدا هو المسيح الواحد. المسيح الكوني هو الشخص الذي يتحقق مجيئه الآن في الليتورجيا الكونية، وانتظار الكون مرهون  باستكمال حضور هذا الشخص . والمسيح الشخص الآتي ليس فردا مستقلا منعزلا بل هو الكون الجديد الذي يطلق عليه ملكوت الله، والرب حينما قال لكنيسته : " ملكوت الله داخلكم"( لو17: 21 ) لم يكن يشير إلا إلى حضوره في كنيسته وحضور كنيسته فيه . ولأن كل شخص ينتمي للكنيسة هو عضو في جسد الرب فهو بالتعريف بعض الرب ؛ فعضوية الرب بعضيته، وليس معنى هذا أن الكنيسة قد صارت يسوعا بل قد صارت تنتمي - كجسد - إلى ذلك الذي ينتمي إليه يسوع ،كرأس ، لذلك دعي بكرا بين إخوة كثيرين ( رو8: 29 )، وهي إن لم تصر يسوعا فهي في طريقها لأن تصير مسيحا، باعتبار أن الجسد ينتمي للشخص مثلما أن الرأس ينتمي لذات الشخص، ولكن على كل حال لن يصير الجسد رأسا. ومتى اجتلب الرب أبعاضه المشتتين زمكانيا، ليضمهم إلى كيانه، يكون قد اكتمل كيان المسيح الكوني .       
  مجدي داود

ليست هناك تعليقات: