الأحد، 22 أبريل 2012

لغة الأرقام في الكتاب المقدس ( 1 )


مقدمة
  بالرغم من أن لغة الأرقام هي لغة التجريد ، التي هي أرقى وأرفع لغة من الممكن أن يتحدث بها العلم (أي علم ) ، فإنه لم يحدث امتهان لموضوع يخص الكتاب المقدس مثلما حدث لموضوع "دلالة الأرقام في الكتاب المقدس" . فقد انبرى الكثيرون في تلبيس انطباعاتهم الخاصة ، وبطريقة تجزيئية على النص الكتابي . وفي ذلك قد ضلوا وانحرفوا عن الطريق إلى إدراك العلاقات بين دلالات الأرقام في النص الكتابي في المواضع المختلفة ، وضلوا وانحرفوا عن الطريق إلى إكتشاف نموذج ثابت وشامل لهذه الدلالات في الكتاب المقدس ككل ، وليس كما يقتضيه النص في سياق جزئي محدد. وبالطبع لا ينبغي أن يكون الأمر هكذا ، فالأرقام في النص الكتابي لغة لها مفرداتها التي تبوح بها ثنايا معاني النص ، ودلالاتها تتضافر معا لتشكل نموذجا صلبا ثابتا (concrete model )( إذا جاز التعبير ).
وأهمية هذا الطرح هي في أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الدنو ( بأقصى قدر ممكن ) من أفق شرح وتأويل النص الكتابي بدون التمكن من هذه اللغة كآلية وكأداة من الممكن أن تمد الشارح ببعد تأويلي إضافي  .ولعل من أبرز الأمثلة - الأثيرة إلى نفسي شخصيا - والتي تضطلع لغة الأرقام بدور أساسي في شرحها، هو مفهوم الكنيسة بتركيبتها الثلاثية ، ذلك المفهوم الذي قد قمت بالتأسيس له في دراسة منشورة على موقع " الدراسات القبطية والأرثوذكسية "، بعنوان :" هل يخلص غير المسيحي ؟: نص وتعليقات ". من أجل هذا كانت هذه الدراسة . وهي مجرد إرهاصات البداية لمثل هذا الموضوع ، ومن المفترض أن تتطور هذه الدراسة لاكتشاف المزيد من العلاقات وللقيام بالتحليل الحصري لمدلولات كل الأرقام المذكورة في الكتاب المقدس بحيث لا يظهر التحليل لأي رقم في موضع ما بالكتاب تناقضا مع مدلول رقم آخر بموضع آخر ،سواء ذكر الرقم كاملا أو ذكرت دلالات تفاصيله التحليلية بمختلف العمليات الحسابية ( التي من المفترض أنها هي أيضا لغة بحد ذاتها ).وبالتأكيد الأمر جد صعب ويحتاج إلى جهد كثيرين ، ولكنني في هذا السياق أكتفي بإلقاء حجر صغير في مياه ساكنة .
                                 الرقم "واحد"
     هو حد الإيجابية . هو الحد الأدنى لوجود ما . هو عتبة الوجود " being threshold "( إذا جاز التعبير ) . هو مايحتاجه  الوجود حتى ما يظهر كوجود ، " فالحاجة إلى واحد "( لو 42:10)  وأشهر الأحاد في الكتاب هو  الوجود الإلهي " الواحد" ، تلك الحقيقة المثبتة منذ فجر الوحي وطيلة وحي العهد القديم ، والتي تم استجلاؤها واستعلانها في سر الثالوث القدوس وفي سر التجسد ،في العهد الجديد :
-  " اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد  " ( تثنية6: 4) .
-  " لا يكن لك آلهة أخرى أمامي " (خروج 20: 3) ·
  -  " للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد " (متى 4: 10  )
  -  " ليس إله آخر إلا واحدًا "(1كورنثوس8: 4) .
  - " الوسيط لا يكون لواحد· ولكن الله واحد  " (غلاطية 3: 20) .
 - " لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح"(1تي 2: 5 ).  
  -   أنت تؤمن أن الله واحد· حسنًا تفعل"  (يعقوب2: 19 ) .
 إذن " توحيد الإله " ،أي الإيمان بإله واحد هو الحد الأدنى المعرفي الذي حصل عليه الإنسان في بداية تعامله مع الوحي الإلهي ، وعليه فإن التوحيد هو الذي جعل الله موجودا في الوعي البشري في بداية علاقته بالله .
 وحتى وجود الكنيسة لايمكن أن يصير حقيقة واقعية إلا بصيرورة الجميع "واحدا " في المسيح . واحدية الكنيسة ، كجسد واحد ، هي جوهر وجودها:
 -  " جسد واحد، وروح واحد، كما دعيتم أيضًا في رجاء دعوتكم الواحد" ( أفسس4: 4 ).
 - " جميعنا بروح واحد أيضًا اعتمدنا إلى جسد واحد.. وجميعنا سُقينا روحًا واحدًا (1كو12: 13)   
-  " لي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة، ينبغي أن آتي بتلك أيضًا، فتسمع صوتي، وتكون رعية واحدة وراعٍ واحد . "  )يوحنا10: 16( .
-  " ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد" (يوحنا11: 52).
-  " وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة)" (أع4: 32 ) .
-  " لأن المقدِّس والمقدَّسين جميعهم من واحد)  "( عبرانيين 2: 11) .
                              الرقم" اثنان "
الرقم اثنان هو " فعل " النسخ ، والمحو ، والإلغاء والإبطال ، لوجود ما :
-  يظهر ، أول مايظهر في الكتاب ، في اليوم الثاني من أيام الخلق الستة ،إذ يفصل الله بين المياه التي فوق الجَلَد، والمياه التي أسفل الجَلَد (تك1:7و8) ، أي يمحو وينهي الشركة في مابينهما .
- وفي علاقة الزيجة بين الرجل والمرأة تتلاشى الفردية والعزلة بينهما " ويكون الاثنان جسدا واحدا . إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد . فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان "( مت19 :5و6).
- وفي كلمات للحكيم ، نجد أن الرفقة بين اثنين تمحو وتقضي على مايترتب على مأساة الوحدة والعزلة : " اثنان خيرٌ من واحد، لأن لهما أجرة لتعبهما صالحة· لأنه إن وقع أحدهما يقيمه رفيقه. وويل لمن هو وحده إن وقع، إذ ليس ثان ليقيمه· أيضًا إن اضطجع اثنان يكون لهما دفء، أما الوَحدُ فكيف يدفأ؟ وإن غلب أحد على الواحد يقف مقابله الاثنان " (جا4: 9-12 ) .
-  في إرسالية الرب لخدامه إلى المسكونة كلها ، قد أرسلهم اثنين اثنين ، وقد كان حريصا على تجريدهم من أي إمكانيات بشرية . وفي هذا إشارة مضاعفة ومشددة إلى الغياب المطلق لأثر إمكانيات هؤلاء على إنجاح الخدمة :
  - "  ودعا الاثنى عشر وابتدأ يرسلهم اثنين اثنين ، وأعطاهم سلطانا على الأرواح النجسة، وأوصاهم أن لا يحملوا شيئا للطريق غير عصا فقط، لا مزودا ولا خبزا ولا نحاسا في المنطقة، بل يكونوا مشدودين بنعال، ولا يلبسوا ثوبين."(مر6 : 7- 9 ).
  - " وبعد ذلك عين الرب سبعين آخرين أيضا ، وأرسلهم اثنين اثنين أمام وجهه إلى كل مدينة وموضع حيث كان هو مزمعا أن يأتي . فقال لهم :" ... اذهبوا ! ها أنا أرسلكم مثل حملان بين ذئاب. لا تحملوا كيسا ولامزودا ولا أحذية ، ولا تسلموا على أحد في الطريق ."( لو10 :1-4).
 - والعهد "الثاني "، الجديد هو العهد الأفضل والأعظم الذي فيه تمحى عيوب الأول ، فعن الرب يقول الرسول : " ولكنه الآن قد حصل على خدمة أفضل بمقدار ماهو وسيط لعهد أعظم ، قد تثبت على مواعيد أفضل . فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طلب موضع لثان ."( عب8 : 6و7 ).
- والإنسان الثاني ، الرب يسوع المسيح هو الذي محيت (ونسخت ) فيه صورتنا الترابية المادية لحساب الصورة السماوية الروحانية  : " الإنسان الأول من الأرض ترابي. الإنسان الثاني الرب من السماء . كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضا، وكما لبسنا صورة الترابي ، سنلبس أيضا صورة السماوي." ( 1كو 15 : 47و48 ).
- وأعظم حدث محو ونسخ في تاريخ البشر هو ماسيظهر عليه الرب مستوعبا كنيسته بكاملها في كيانه ،بعد أن يكون قد قضى على الخطية وعلى استحقاقاتها في الذين قد سبق هو فحمل خطيتهم عنهم : "  ..، هكذا المسيح أيضا ، بعدما قدم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين ، سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه."( عب9: 28).
                                الرقم" ثلاثة" 
إذا كان العدد "واحد" هو الحد الأدنى الوجودي ، أو " عتبة الوجود " لوجود ما  ، دون كشف أو توصيف أو تفصيل ، فإن العدد "ثلاثة " هو الشهادة والاستعلان والكشف لحقيقة وجود ما  .
إذن الشهادة الثالوثية هي الشهادة بوجود الواحد :
-  " فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة : الآب، والكلمة ،والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد .والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة :الروح ، والماء ، والدم . والثلاثة هم في الواحد. ( 1يو5: 7و8) .
 - كان بيت الله ، الواحد ، قديما ، سواء خيمة الاجتماع أو الهيكل ( في أورشليم ) مكونا من ثلاثة أقسام :" الدار الخارجية ، القدس ،وقدس الأقداس ". وأيضا المدينة العظيمة ،في سفر الرؤيا ، ثلاثة أقسام ( رؤ 16: 19).
- السماوات عددها ثلاثة ، وقد اختطف الرسول بولس إلى السماء الثالثة ، واختطف إلى الفردوس وشهد أنه "سمع كلمات  لا ينطق بها، ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها"  .(2كو 2:12 و3) .
-  وأعظم شهادة في العهد الجديد قد حدثت حينما استعلنت نصرة الرب يسوع الكلمة المتجسد على الموت في اليوم الثالث لموته ، بالقيامة من بين الأموات. وبذلك كانت إنسانية يسوع المنتصرة على الموت هي أول شاهد إثبات على وجود الإنسانية الجديدة عديمة الموت والفساد . وقد كان المثال القديم لذلك هو آية وجود يونان النبي في بطن الحوت لثلاثة أيام وثلاث ليال ليظهر بعد ذلك سالما حيا: " لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال ."(مت38:12-40)
                       الفرق بين شهادة "الاثنين" وشهادة "الثلاثة "
 لا تكون الشهادة إلا على فم شاهدين أو ثلاثة  . وهذا الأمر تكرر مرات كثيرة جدًا في الوحي، والآيات الآتية هي عيّنة لذلك :
 - ( تثنية 17: 6؛ 19: 15) ؛ - (متى 18:  16)،-( 2كورنثوس 13: 1) ؛  -( 2تيموثاوس 5: 19 )؛ - (عبرانيين 10: 28 ) .
الشهادة نوعان . والشهود أيضا نوعان : شهادة إيجابية ، وهي شهادة الإثبات ، التي يقدمها شهود الإثبات ، وهذه مايحملها الرقم" ثلاثة " ، الذي يستعلن ويكشف حقائق وتفاصيل وجود ما أو مفهوم ما . والشهادة الأخرى هي الشهادة السلبية شهادة النفي والنسخ والإلغاء والبطلان ، تلك التي يحملها شهود النفي الذين يمثلهم  الرقم " اثنان ".
   ويربتط بهذا مفهوم الشهادة لاسم المسيح ، أي الوجود في المسيح  ، الأمر الذي به تتحقق الحياة الأبدية وعدم الفساد . وهنا نجد أننا أمام شهادتين تقومان بتوصيف الحدث كوجهين لعملة واحدة :
 شهادة إيجابية ( الشهادة للحياة الأبدية والخليقة الجديدة في المسيح) وهي مايقدمها الرقم" ثلاثة " ، وشهادة سلبية ( الشهادة للخلاص من الموت بالوجود في المسيح ) وهي مايقدمها الرقم" اثنان " :
"حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي هناك أكون في وسطهم ". ( مت 18: 20 ).
                          لغة الأرقام بين " التوحيد " و" التثليث  "
المسلمة الأساسية هي أن التوحيد والتثليث وجهان لعملة واحدة هي حدث الوجود الإلهي . فالله الواحد ، هو واحد بالفعل لأنه قائم في ثالوث . وهنا - بالطبع – تسقط قيمة " الإضافة والتراكم " بين الأرقام لحساب قيمة " الشركة "، فالشخص ، أي شخص من شخوص الثالوث ، يستعلن الذات ( الجوهر ) بالكامل . الآب يستعلن الجوهر الإلهي " الواحد "محققا إياه ، إذ يصدر ( يعطي ) بملء إرادته الشخصية ، الذات الإلهية . والابن يستعلن الجوهر الإلهي  " الواحد " محققا إياه ، إذ يقبل بملء إرادته  الشخصية ، عطية الآب . والروح القدس يستعلن الجوهر الإلهي "الواحد " محققا إياه، إذ يقبل بملء إرادته الشخصية أن يكون " شركة" بين " العطاء" الذي لشخص الآب و"القبول" الذي لشخص الابن ، فهو روح الآب وروح الابن بآن واحد. وهنا تتجلى لغة الأرقام ، بل تتلبس شرعيتها الحقيقية من خلال دلالاتها المتجذرة في الثالوث الإله الواحد . فالواحدية - التي هي الحد الأدنى الوجودي ، أو "عتبة الوجود "كما قلنا -  لامعنى لها ، بل تكاد تصبح فراغا ، بدون " شهادة " الثالوث. كل شخص من شخوص "الثالوث" يشهد" للواحد" ، وبشهادته يتحقق وجود "الواحد "، وبشهادته تستتر شهادتا الشخصين الآخرين . وإذا كانت الشهادة - هنا - تقوم  على " ثلاثة " فإن المعنى  هو أن الشخص " الشاهد " هو شاهد لأنه ينضوي ضمن ثلاثة شخوص يحتوى كل شخص منهم الشخصين الآخرين. فشهادة "أبوة " الآب تتضمن شهادة "بنوة" الابن ، لأنه " لا آب بدون ابن ". وتتضمن في ذات الوقت شهادة "الطبيعة الروحية الفائقة " التي للروح القدس الذي هو "شركة "بين "عطاء " أبوة الآب و"قبول" بنوة الابن ،لأنه روح الآب وروح الابن .وهنا نستطيع أن نؤكد بجلاء شديد أن الفرض المستحيل بغياب الشخص ( أي شخص ) هو غياب للثالوث كما أنه غياب للجوهر الواحد ، ففيما يشهد الشخص " شهادته الوجودية " لحساب الجوهر الواحد ، فإن شهادته – المستعلنة في وجود الجوهر الواحد- تبدو في حالة من الاحتواء والضمنية المتبادلة مع شهادتي الشخصين الآخرين ، المستعلنتين في وجود ذات الجوهر الواحد . هذه هي شهادة " الثلاثة الذين هم واحد "( 1يو5 : 7 ). لغة الأرقام بين " الثلاثة " و" الواحد" في عقيدة " التثليث والتوحيد " قد تجذرت في بعد ديناميكي جديد لاتعرفه خبرتنا البشرية عن الأرقام ،أفضل مايعبر عنه هو اللحن القبطي " ثالوث في واحد وواحد في ثالوث ، الآب والابن والروح القدس ".
                                 الرقم" أربعة" 
يعني الإحاطة والاستيعاب لوجود أو لحضور ما والسيطرة على حدوده وأركانه ، الأمر الذي بدونه ينهار هذا الوجود أو هذا المفهوم .
 الرقم أربعة هو إذن   الضمان والحفظ لوجود أو لمفهوم ما  :
- فعندما أمسك هيرودس الملك ببطرس " وضعه في السجن ، مسلما إياه إلى أربعة أرابع ( قمة الحفظ والحراسة ) من العسكر ليحرسوه ، ناويا أن يقدمه بعد الفصح إلى الشعب . فكان بطرس محروسا في السجن ،. "( أع 12 :4و5 ).
- وملاءة بطرس التي " كان فيها  كل دواب الأرض، والوحوش، والزحافات، وطيور السماء " (أع10: 12 ) والمدلاة من السماء على الأرض ، ماكانت لتصل بكل محتواها  أمام بطرس مالم تكن " مربوطة بأربعة أطراف ".
- والقضيب الخارج من جزع يسى ، الرب يسوع الكلمة المتجسد الذي فيه   يحفظ الجميع ، هو الذي " يرفع راية للأمم ، ويجمع منفيي إسرائيل ، ويضم مشتتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض ."( أش 11: 12) .
- و الرياح التي تهب لتسبب الدمار والفناء للجميع هي أربع ، تهب من أربع زوايا وأطراف الأرض ، غير الممسوكة :
  - " وأجلب على عيلام أربع رياح من أربعة أطراف السماء ، وأذريهم لكل هذه الرياح ولاتكون أمة إلا ويأتي إليها منفيو عيلام ."(  إرميا 49 : 36 )
   - " وبعد هذا رأيت أربعة ملائكة واقفين على أربع زوايا الأرض ممسكين أربع رياح الأرض لكي لا تهب ريح على الأرض ولا على البحر ولا على شجرة ما " ( رؤ7 :1 ).
- ومجيء ابن الإنسان ،أي  مجيء الكنيسة الكاملة الممتلئة  وتكريس ملكوت السماوات هو الحدث الذي فيه " يرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت ، فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح ، من أقصاء السماوات إلى أقصائها ."( مت24: 31 ).
                               الرقم" خمسة"
 هو الفئة ، أو النوع ، أو الصنف الذي ينتمي لوجود أو لمفهوم ما :
- فقديما كانت " خمس حجارة ملس " – في جعبة داود ، الضعيف بطبيعته -بمثابة سلاح فتاك جبار ،لأنها كانت  تمثل صنفا ونوعا مختلفا من القوة، نوعا يختلف عن قوة جليات المصارع الجبار المحصن بكل أسلحة ذلك الوقت   . هكذا تقدم داود مؤيدا بقوة الله ليصارع عدوه ، وهكذا انتصر عليه . وهو قد أخبره بمنتهى الثقة : " أنت تأتي إلي بسيف وبرمح وبترس، وأنا آتي إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذين عيرتهم "( 1صم 17 : 45 ) .
- وفي العهد الجديد ، في ( مت25) كانت العذارى العشر اللاتي خرجن للقاء العريس صنفين ( نوعين ، فئتين ) : خمس حكيمات ( فئة الحكيمات ) ، وخمس جاهلات ( فئة الجاهلات ) .
                                  الرقم" ستة "
هو الإقصاء والتجاوز والتجاهل والإنكار ، لوجود أو لمفهوم ما :
- هو عدد "الإنسان ". وكانت خلقة الإنسان في "اليوم السادس"( تك1: 26 ) هي أول مناسبة كتابية لظهور هذا العدد . وبخلقة الإنسان ظهرت الطبيعة البشرية العتيقة بنرجسيتها وأنانيتها  وإقصائها للآخر ولتجاهلها له ، الأمر الذي افتضح في لحظة سقوط الإنسان الأول حينما تمركز حول ذاته فعبد المخلوق دون الخالق .
-هو رقم العمل والمشقة التي يتم تجاوز الراحة فيه ، على أن تستعاد في " السابع "
   - " فالله عمل السماوات والأرض في ستة أيام، واستراح في اليوم السابع (تكوين 2: 2و3؛ خروج20: 11) .
  - وأمر الرب شعبه في العهد القديم أن تكون أيام العمل في الأسبوع ستة، وأن يستريحوا في اليوم السابع (خر20: 9،10 )·
  -  وبالمثل أوصى الرب شعبه أن يزرعوا أرضهم ست سنين، ويريحونها في السنة السابعة (لاويين 25: 3 ،4) .
 -هو رقم العبودية والإقصاء من الحرية ، المستعادة في " السابع ":  " إذا اشتريت عبدا عبرانيا فست سنين يخدم و في السابعة يخرج حرا مجانا."( خر21: 1).
- والعدد " ستة " تظهره قديما عثليا الملكة الشريرة القاتلة، وهي تلك التي أبادت كل السلالة الملكية من نسل داود الملك، طامعة في اغتصاب العرش، ملكت على الأرض لمدة ست سنين (2ملوك 11: 3 (  .
- ظهر الرقم" ستة " في إقصاء " الله " من الوعي البشري وإنكار وجوده :
 -   جليات الفلسطيني   عدو شعب الله، والذي عيَّر صفوف الله الحي على عهد داود النبي، كان طوله ستة أذرع وشبر، كما أن أسنان رمحه ست مئة شاقل حديد، وعدد قطع السلاح التي كان يرتديها هي ستة (1صم  17 )،   وواحد من أقرباء جليات، هو ابن رافا، كان عدوًا لداود الملك، كان له ست أصابع في كل من أطرافه الأربع! (2صموئيل 21: 20 )
  - والتمثال الذي نصبه نبوخذنصر، وطلب من كل الشعوب الخاضعة لسلطانه أن تسجد له، عوض السجود لله وحده، كان طوله ستون ذراعًا وعرضه ستة أذرع (دانيال 3: 1)· وأمر أنه بمجرد أن يستمعوا إلى صوت الموسيقى المتصاعدة من ست آلات موسيقية مختلفة، أن يخروا ويسجدوا للتمثال·
-  وفي العهد الجديد :
  - يظهر الرقم" ستة " في مثل من أقوى الأمثلة ،وذلك عندما يتخذ الرب موقفا ثوريا مخالفا لما هو سائد من  تعصب ، فيتقابل مع " امرأة سامرية " عند بئر يعقوب وقت الساعة السادسة . كان اللقاء مع هذه الشخصية مثالا كاشفا لعنصرية وتعصب وإقصائية  يهود ذلك الزمان  ؛ فليس الأمر مجرد أنها سامرية ،" واليهود لا يعاملون السامريين". ( يو4: 9 ) ، ولكن مايزيد الطين  بلة هو كونها " امرأة " ، وحتى التلاميذ عندما رجعوا " كانوا يتعجبون أنه يتكلم مع امرأة "( يو4: 27 ).
 -  وحلم " الساعة السادسة " كان كاشفا للتعصب وللعنصرية وديانا لهما ، وكان دعوة صريحة لبطرس لأن يتعلم الدرس ، فملاءة النعمة النازلة من السماء تستوعب الكل . سمعها صريحة : " قم يابطرس ، اذبح وكل " ( أع10: 13)... " ما طهره الله لاتدنسه أنت "( أع10: 15 ).
 كان على بطرس أن يتعلم أن الأمم المرفوضين ( الكلاب بالنسبة لليهود) ممثلين في " كرنيليوس " ، على موعد مع النعمة ، بل أن بطرس ذاته هو خادم هذا المشهد .
- كان مشهد الصلبوت أعظم مناسبة لاستعلان الإقصائية والتجاهل " لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد ."( 1كو: 8) . أقصوه خارجا ، "حاملا عاره خارج المحلة" ( عب 13:13)  . كان اليوم السادس ، وكانت الساعة السادسة ، ساعة الظلمة ( مت27 :45 ). وحينما سمروه على خشبة في تلك الساعة ، كان المجتازون يجدفون عليه ويهزأون به :" .. إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب ."( مت27 :40). قمة الجهالة  والتجاهل والإنكار                                                            
                                  الرقم "سبعة"
  هو الامتلاء ( والملء ) ، والإكتمال ( والكمال ) .
 ويكاد يكون من شبه المستحيل عمليا حصر مواضع ورود ذكر الرقم سبعة  في الكتاب المقدس ، في هذا السياق ، ولكن لا بأس من بعض الأمثلة :
- هو اكتمال وامتلاء العمل ، المعلن في راحة اليوم السابع ، بعد ستة أيام من العمل .والخالق ذاته قد دشن " امتلائية وكمالية " الرقم سبعة باستراحته في اليوم السابع بعد أكمل وأتم خليقته في ستة أيام.
- ومنذ القديم يمثل الرقم " سبعة " مدلولا ليتورجيا في عبادات الشعب ، فهو كمال وامتلاء العبادة والتعبد الطقوسي ، فاليهود يحتفلون باليوم السابع " السبت " ، وبالسنة السابعة ، وباليوبيل ( الذي هو "سبع" سنوات مضروبا في " سبعة ").. .وتستمر أعياد الفطير والمظال " سبعة "أيام ، وتذبح فيها " سبع " ذبائح ... وفي عيد الكفارة يرش الدم على المذبح "سبع "مرات ( لا  16 : 14- 19 )... ومواسم الرب بالنسبة للشعب القديم كانت " سبعة "( لا23 ) .
- اكتمال وامتلاء النصرة بدخول الشعب القديم أرض الموعد - وبعد أن طاف الشعب حول أريحا ستة أيام - قاموا في اليوم السابع بالطواف سبع مرات حول أسوار أريحا فسقطت لهم ( يشوع6 ، عبرانيين 11: 30 ).
- والنبي المرنم - الذي قال عن نفسه :" أما أنا فصلاة "( مز109: 4 ) – يكشف عن ملء وكمال حالته (كصلاة ) فيقول :" سبع مرات في النهار سبحتك على أحكام عدلك "( مز119 : 164 ).
- وللحكيم عبارة عن  مفهوم الرجاء الكامل :" الصديق يسقط سبع مرات ويقوم "(أم24 :16).
- حتى أتون النار الذي بلغ قمة تأججه ليستقبل " شدرخ وميشخ وعبدنغو " ،كان نبوخذ نصر قد أمر بتحميته "سبعة أضعاف أكثر مما كان معتادا أن يحمى "( دانيال 3 : 19 ) .
  وفي العهد الجديد لدينا عبارة تشير إلى معنى الملء ، بطريقة مباشرة ، فقد ورد في سفر الأعمال أن التلاميذ قد انتخبوا " سبعة رجال ممتلئين من الروح القدس وحكمة "(أعمال 6: 3) .
- ولأن شريعة العهد الجديد هي شريعة المحبة ، حتى للأعداء ، فإن الرب يقدم لنا أفقا لكمال وامتلاء التسامح والمغفرة " سبعين مرة سبع مرات "( متى 18: 22 ).
- أما سفر الرؤيا ، الذي يتكشف فيه امتلاء وتكميل الكنيسة جسد المسيح ، فهو بطبيعته بمثابة منظومة من السباعيات مثل : سبعة أرواح الله ، الكنائس السبع ، الختوم السبعة ، الكواكب السبعة ، الجامات السبعة ، الأبواق السبعة ... الخ
                                 الرقم "ثمانية"
هو التكريس لوجود ،أو لمفهوم، أو لقيمة جديدة . هو البداية لوجود ما . هو بدء لوجود جديد أو لواقع جديد . هو البدء الجديد :
- فاليوم الثامن ( الأحد ) هو إعلان لبدء الأسبوع الجديد .
- والذين كانوا بداية جديدة ونواة للجنس البشري بعد هلاك الطوفان هم ثمانية أشخاص : " نوح وبنوه ( الثلاثة ) وامرأته ونساء بنيه ( الثلاث )."( تك7:7 ).
- وقديما ،كما نقرأ في العهد القديم كان الختان يتم  في اليوم الثامن ومن اختتن يكون في عهد مع الله ، موثق في لحمه ومن لم يختتن يقطع من شعب الله لأنه نكث عهده (تكوين 17 : 12 -14  )  . هكذا يتكشف في اليوم الثامن تكريس بداية  العلاقة مع الله من منظور ظلال العهد القديم .
- أيضا تطهير الأبرص ، ونزع عاره من بين الناس وتأهيله لبدء حياة جديدة وسط الجماعة كان يتم فى اليوم الثامن (لاويين14:10 ) .
- والباكورة ( بداية   الثمر ) كانت تُقدَّم في "غد السبت" أي في اليوم الثامن (لاويين23:11).
  " أبكار بيتك تعطيني كذلك تفعل ببقرك سبعة أيام يكون مع أمه وفي اليوم الثامن تعطيني إياه ."( خر22: 29 ، 30 ).
-  واختار الله اليوم الثامن ليبدأ فيه هرون وأولاده ممارسة الكهنوت ( لا9 :1).
- كانت ثمانية أيام هي مدة الاحتفال بعيد المظال الذي هو آخر الأعياد السنوية الكبرى التي كان يطلب فيها من كل رجل في بني إسرائيل أن يظهر أمام الرب في الهيكل ،وثاني أعياد الحصاد ( تث16 : 16 و2أخ 8 :12و13 ) . واشتق العيد من عادتهم في أن يسكنوا مظالا أثناء مدة العيد ( لا 23 :4-44 ) .
 كان حلول هذه "الثمانية" أيام دخولا إلى " مواسم الرب التي ينادى فيها  بمحافل مقدسة للرب  " .
 -  وكذلك أيضًا عيد الخمسين، الذي تقدم فيه تقدمة جيدة للرب ،كان في غد السبت، أي في اليوم الثامن ( اليوم الذي يلي السبعة أسابيع )(لاويين23 : 15و16) .
    وفي العهد الجديد الذي لايتقادم أبدا والذي لايأتي عليه آخر يجعله قديما -لأنه " إذ قال جديدا عتق الأول . وأما ماعتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال "( عب8: 13 )- تكرست جدة كل شيء لأنه " إن كان أحد في المسيح فهو خليقة حديدة الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدا ." ( 2كو5: 17 ).
- في فجر الأحد ( اليوم الثامن ) قام الرب البكر من بين الأموات . باكورة ثمر الخليقة الإنسانية الجديدة ، فدشن زمن قيامة الجميع فيه وأظهر باكورة الطبيعة الجديدة الخالدة  والتي شفيت من داء الموت الطبيعي الذي للعتيق الفاسد .
- في المسيح ولد الجميع وتكرس لهم واقع أبدي جديد إلى الأبد  في عهد ( وختان ) لاينحل ولاينكث . هكذا فيه ظهر الواقع الجديد الذي فيه قد اصطبغ الجميع بصبغة ( معمودية ) الحياة .
 - "   الذي فيه أيضا ( في جسده الخاص ) ذهب فكرز للأرواح التي في السجن ، إذ عصت قديما ،حين كانت أناة الله تنتظر مرة في أيام نوح ،إذ كان الفلك يبنى، الذي فيه خلص قليلون، أي ثماني أنفس بالماء . الذي مثاله يخلصنا نحن الآن ،أي المعمودية .لا إزالة وسخ الجسد ،بل سؤال ضمير صالح عن الله ،بقيامة يسوع المسيح ، .    " ( 1بط 3 : 19-21)
  - " فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا. وأنتم مملوؤون فيه ،الذي هو رأس كل رياسة و سلطان. و به أيضا ختنتم ختانا غير مصنوع بيد، بخلع جسم خطايا البشرية ،بختان المسيح. مدفونين معه في المعمودية، التي فيها اقمتم أيضا معه بإيمان عمل ،الله الذي أقامه من الأموات . وإذ كنتم أمواتا في الخطايا و غلف جسدكم، أحياكم معه ،مسامحا لكم بجميع الخطايا،." ( كو2: 9- 13 ) .
- أيضا في يوم الخمسين ( اليوم الثامن ،أي اليوم الذي يلي السبعة أسابيع )،  العنصرة - والذي كان العيد القديم رمزا وظلا له – تم تدشين زمن مجيء الكنيسة بحلول الروح القدس على الكنيسة المجتمعة في ذلك الزمان وانطلق الرسل إلى المسكونة كلها ليجمعوا حصاد الملكوت في مخزن ابن الإنسان .
                                الرقم"تسعة"
هو مفهوم  التخلي عن أمر ما أو عن وجود ما :
- قديما ، في السنة التاسعة من ملك صدقيا الملك ، وهو آخر ملوك مملكة يهوذا، الذي  عَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ فأغضب الرب عَلَى أُورُشَلِيمَ وَيَهُوذَا "حَتَى طَرَحَهُمْ مِنْ أَمَامِ وَجْهِهِ "( إر 52 :2و3 ) . هكذا تركه الرب وترك الشعب للهلاك  ،إذ أتى نبوخذنصر ملك بابل وحاصر أورشليم، وكانت نتيجة ذلك أن هيكل الرب في أورشليم قد أُحرق· كما أنه في اليوم التاسع من الشهر الرابع بدأت المجاعة في أورشليم، التي انتهت بسقوطها .(2ملوك25: 1 ،3؛ إرميا52: 4 ،6 )  .
- وفي العهد الجديد نجد أن رجلا سامريا واحدا  ضمن عشرة رجال-  طهرهم الرب من داء البرص – هو الذي عاد ليمجد الله بينما التسعة   تركوه ومضوا وتخلوا عن تمجيد واجب لله . ويتساءل الرب :" أليس العشرة قد طهروا فأين التسعة؟ ألم يوجد من يرجع ليعطي مجدًا لله غير هذا الغريب الجنس؟ " (لوقا17: 17 ، 18 ) .
- في أعمال 3 نجد معجزة شفاء الأعرج من بطن أمه- الذي يحمل- على يد بطرس ويوحنا عندما صعدا إلى الهيكل في ساعة الصلاة التاسعة . كان المقعد يستعطي ,لم يطلب الشفاء من بطرس ويوحنا بل طلب عطية مادية ، سألهما صدقة . تخليا عنه في طلبه هذا لظروف خارجة عن إرادتهم ، وهنا يصبح التخلي ولأول مرة إيجابيا !؛ إذ في المقابل قد أعطياه مايملكانه بالفعل ،نعمة الشفاء :
" فقال بطرس :" ليس لي فضة ولاذهب، ولكن الذي لي فإياه أعطيك : باسم يسوع المسيح الناصري قم وأمش ."( أع3 :6 ).
- وفي (أعمال 10) نقرأ عن الرؤيا التي رآها كرنيليوس الساعة التاسعة من النهار، حيث طلب إليه ملاك السماء أن يستدعي بطرس الرسول، حيث تم خلاص أول أممي في العالم، هو وأهل بيته، وانضموا إلى الكنيسة ونالوا موهبة الروح القدس.
   في رؤيا الملاءة المدلاة من السماء والتي رآها بطرس الساعة السادسة ( ساعة الإقصاء والتجاهل ) قادت السماء بطرس إلى التخلي عن قناعاته القديمة  ، إذ أن  ماطهره الله لاينبغي أن يدنسه هو( أع10:15) . وهكذا ذهب إلى كرنيليوس وهناك استهل خدمته بتذكر الدرس الأول الذي تعلمه إذ " فتح فاه وقال : بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه  بل في كل أمة، الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده." أع10: 34و35 ).
- وقمة مفهوم  الترك ، قمة مفهوم التخلي في الكتاب هو ماحدث في الساعة التاسعة من يوم الصلبوت العظيم ، إذ ترك الرب ليذوق آخر قطرات العذاب ،حتى الموت ، الذي هو موتنا ومصيرنا لطبيعي . هكذا لبس كياننا العتيق الفاسد  المتروك بالطبيعة " لأن لحما ودما لا يقدران أن يرثا ملكوت الله، ولا يرث الفساد عدم الفساد  ."( 1كو15: 50)، وحتى إذا ماأسلم عتيقنا إلى مصيره الطبيعي ، استطاع أن يعلن لنا عن كيانه الجديد بقيامته من الموت ، هذا الذي فيه لن يترك أحد من أعضاء كنيسته - التي هي جسده- خارجا ، إلى الأبد .
"   ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا : "إيلي ، إيلي ، لماشبقتني ؟ " أي : إلهي ، إلهي ، لماذا تركتني؟...فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم ، وأسلم الروح .  "( مت27: 46- 50 ) ، ( مر15: 34-37 ).
                               الرقم "عشرة"
هو المضمون أو المحتوى الكلي أو الجماعي لمفهوم أو لقيمة أو لوجود ما .
 هو الكل . هو الجميع  :
-  كانت الوصايا العشر هي المضمون الكلي للعهد القديم :
   - " و أخبركم بعهده الذي أمركم أن تعملوا به الكلمات العشر وكتبه على لوحي حجر ( تثنية4: 13 )
  - " و قال الرب لموسى اكتب لنفسك هذه الكلمات لأنني بحسب هذه الكلمات قطعت عهدا معك و مع إسرائيل و كان هناك عند الرب أربعين نهارا و أربعين ليلة لم يأكل خبزا و لم يشرب ماء فكتب على اللوحين كلمات العهد الكلمات العشر"(  خروج 34: 27 ،28 )
- في مفاوضاته ومساواماته مع الرب حاول أبونا ابراهيم أن يثني المولى عن قرار إهلاك سدوم وعمورة فوصل معه إلى حد أنه لو وجد عشرة أبرار هناك  لعصمتا من الهلاك . ولكن للأسف لم يوجد العشرة . قد كان وجود" العشرة " أبرار كافيا لإنقاذ وجود الكل  .( تك 18: 32 ).
- وخروف الفصح الذي ذُبح ليفدي البكر من شعب إسرائيل ، والذي أُحضر في اليوم العاشر من الشهر الأول ، كان لابد أن يكون مأكلا للكل ·
"  كلما جماعة إسرائيل قائلين في العاشر من هذا الشهر يأخذون لهم كل واحد شاة بحسب بيوت الآباء شاة للبيت  و إن كان البيت صغيرا عن أن يكون كفوا لشاة يأخذ هو و جاره القريب من بيته بحسب عدد النفوس كل واحد على حسب أكله تحسبون للشاة . " ( خروج   12 :3و 4)  .
- ولقد دخل الشعب ، كل الشعب ،  إلى أرض كنعان على عهد يشوع بن نون في العاشر من الشهر الأول، وكان ذلك بعد أربعين سنة من خروجهم من أرض مصر (يشوع 4: 19 ).
- عندما ذهب عبد إبراهيم ليخطب رفقة لإسحاق ، قال أخو رفقة وأمها :"لتمكث الفتاة عندنا أياما أو عشرة ( أي على الأقل عشرة أيام ). بعد ذلك تمضي " ( تك 24: 55 ) . فكانت إجابة العبد :" لا تعوقوني والرب قد أنجح طريقي " . إذن كان بقاء الفتاة في بيت أهلها يوما واحدا بعد خطبتها إعاقة وإفشال للمشروع ككل ، وكان لابد أن ترحل لتمضي كل أيامها - منذ تلك اللحظة - في حياتها الجديدة .
- وفي رحلة بني إسرائيل في البرية، نقرأ عن من جربوا الرب في البرية عشر مرات ،فاستحق جميعهم العقاب:  " ولكن حي أنا فتملأ كل الأرض من مجد الرب  إن جميع الرجال الذين رأوا مجدي وآياتي التي عملتها في مصر وفي البرية، وجربوني الآن عشر مرات، ولم يسمعوا لقولي  لن يروا الأرض التي حلفت لآبائهم. وجميع الذين أهانوني لا يرونها. "(عدد14:  21 - 23  )  
- ونقرأ في قصة دانيآل ، أنه قال لرئيس السقاة في قصر نبوخذنصر: " جرِّب عبيدك عشرة أيام· فليعطونا القطاني لنأكل، وماء لنشرب···  وعند نهاية العشرة الأيام ظهرت مناظرهم أحسن وأسمن لحمًا من كل الفتيان الآكلين من أطايب الملك . "( دانيال 1: 12- 15 ) .
 وفي العهد الجديد :
- عشر عذارى يمثلن حدث تكريس ملكوت السماوات كاملا ، حدث العرس السماوي ، بما فيهن من فئة الحكيمات المستعدات وفئة الجاهلات المتراخيات ." جميعهم نعسن ونمن فيما أبطأ العريس ."( مت25 : 5 ) . وجميعهن قمن ليصلحن مصابيحهن عند سماعهن صراخ نصف الليل المصاحب لمجيء العريس ( مت25 : 6 ). العذارى العشر هن كل البشر : من له نصيب في العريس ،ومن ليس له .
-  عشرة دراهم هي كل ماتملكه امرأة ، فأضاعت درهما واحدا ، فأوقدت سراجا وكنست البيت حتى إذا ماوجدته أقامت الأفراح .( لو15: 8- 10).
- عشرة رجال برص ، هم كل من استقبل يسوع من قرية ما وهو ذاهب إلى أورشليم مجتازا في وسط السامرة والجليل . شفاهم الرب وطهرهم . قسم منهم وهو ذلك السامري قد رجع يمجد الله وخر على وجهه عند رجلي يسوع .وأما التسعة الباقين فقد ذهبوا لحالهم ولم يبالوا بتمجيد الله .( لو17 : 11- 19 ).
- وفي سفر الرؤيا ، قال الرب لملاك كنيسة سميرنا:
"لا تخف البتة مما أنت عتيد أن تتألم به. هوذا إبليس مزمع أن يلقي بعضا منكم في  السجن لكي تجربوا، و يكون لكم ضيق عشرة أيام. كن أمينا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة ."( رؤ2: 10 ).
ويفهم من "الأمانة حتى الموت" أن ضيق العشرة أيام هو ضيق العمر كله :"  في العالم سيكون لكم ضيق ، ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم."( يو16: 33 ).
                             الرقم "أحد عشر"
هو " النعمة . هو الهبة ، أو العطية المجانية . هو تكريس الاستحقاق لمن هو في الحقيقة غير مستحق . هو المردود الإلهي الإيجابي لما هو بطبيعته فاشل وفاسد "
- قديما ، وبسبب عدم الإيمان وبسبب التذمر استغرقت رحلة الشعب من أرض مصر إلى أرض كنعان ، أربعين سنة . هذا هو مايستحقه ذلك الشعب . أما المفترض والواقعي – في حالة إذا كان الشعب شعبا لله بالحقيقة وشعبا يلتحف بمظلة النعمة – هو أن تستغرق الرحلة أحد عشر يوما فقط .( تث1: 2 ).
- كان يوسف الصديق هو الابن الحادي عشر ليعقوب من بين اثني عشر ابنا.   حسده اخوته و" باعوه إلى مصر، وكان الله كان معه، وأنقذه من جميع ضيقاته ، وأعطاه نعمة وحكمة أمام فرعون ملك مصر، فأقامه مدبرا على مصر وعلى كل بيته ."(أع 7: 9و10 ).
- كانت إحدى عشرة شقة من شعر معزى هي الخيمة التي تغطي المسكن في خيمة الاجتماع ( خر36 :14 ). هي غطاء النعمة الذي يظلل الكنيسة القديمة .
وفي العهد الجديد :
- " هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة ، و قد ساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار و الحر! " ( مت 20: 12 ). كانت هذه مظلمة الفعلة الذين استأجرهم صاحب الكرم بداية من أول النهار ، بينما في ساعة الحساب قد ساواهم  بالذين عملوا فقط في الساعة الأخيرة ، الساعة الحادية عشرة . يبدو تظلمهم منطقيا ولكن حدث تكريس ملكوت السماوات – موضوع المثل – هو حدث النعمة . وأمام النعمة يتساوى عمل وعطاء الجميع ،كقول الرب : " متى فعلتم كل ما أمرتم به فقولوا إننا عبيد بطالون ، ."( لو17: 10 ). وإذ ذاك فقد كان من الصواب ومن غير شبهة ظلم أن يجيب صاحب الكرم على أحد الفعلة المتظلمين قائلا:  " يا صاحب ، ما ظلمتك ! أما اتفقت معي على دينار ؟  فخذ الذي لك و اذهب، فإني أريد أن أعطي هذا الأخير مثلك. أو ما يحل لي أن أفعل ما أريد بما لي ؟ "( مت20: 13- 15 ).
- كان أحد عشر تلميذا- من ضمن الاثني عشر- محفوظين في حظيرة النعمة، بينما يهوذا الإسخريوطي ، الذي كان معهم ، هو ابن الهلاك .( يو17 : 12 ).
مجدي داود

ليست هناك تعليقات: