في هذه المقالة لدينا ثلاث نقاط أساسية بخصوص كهنوت
المسيح :
1- سيامته الكهنوتية
2- معايير كهنوته
3- الفرق بين تخليص يسوع من الموت
وتخليصنا من الموت
أولا
: سيامته الكهنوتية
1- كان مشهد الصلبوت المأساوي الرهيب
آخر مشهد من مراسم سيامة الرب يسوع المسيح رئيسا للكهنة . " قدم" الكاهن
ذاته ذبيحة مقبولة، وكانت آلام الصليب المنتهية بالموت بمثابة خدمة ( ليتورجية )
"التقدمة ". ويطلق الرسول بولس على هذه الليتورجية معنى " التكميل
" ، ذلك الحدث الذي فيه قبل الرب - طائعا مريدا – أن يجتاز ذروة مأساة التجربة
الإنسانية حتى ما يستطيع أن يهب نصرته لشعبه المعين للخلاص .
اقتباسات
- " مع كونه ابنا تعلم الطاعة مما تألم به. وإذ
كمل صار لجميع الذين يطيعونه ، سبب خلاص أبدي،
"( عب5 :8و9 ).
- " من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء،
لكي يكون رحيما، ورئيس كهنة أمينا في ما لله حتى يكفر خطايا الشعب . لأنه في ما هو
قد تألم مجربا يقدر أن يعين المجربين "( عب2: 17و 18 ) .
- " فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السماوات
، يسوع ابن الله، فلنتمسك بالإقرار. لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا،
بل مجرب في كل شيء مثلنا، بلا خطية. فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد
نعمة عونا في حينه "( عب4: 14و 15 ) .
2- وفي هذا السياق لابد لنا أن نميز
بين أمرين : موضوع التقدمة، و خدمة التقدمة.
على الصليب ، وفي حدث أبدي ، انطلقت ليتورجية التقدمة . وفي ذات الحدث تمت سيامة الرب
رئيسا للكهنة جاعلا ذاته منبعا لحياة البشر. أما موضوع التقدمة فهو كيانه الإنساني
الذي أظهر جدة الإنسانية المنتصرة على الموت . كيانه الإنساني هذا ، هو هكذا بفضل الوحدة الأقنومية بين لاهوت الكلمة وناسوته منذ
أول لحظة للتجسد . ظهر الكلمة بتجسده إنسانا كاملا منتصرا على الألم والموت ، ولكن
على الصليب ، إذ اضطلع الرب بخدمة تقدمة ذاته وأعلن النصرة بالقيامة، فحينئذ قد دشن
زمن استثمار تجسده ، في البشر .
3- لذلك نجد أن المعنى العملي التطبيقي
لصيرورة الرب رئيسا للكهنة - عند الرسول بولس - هو صيرورته رأسا للكنيسة . فكهنوت المسيح يعني تجلي هبة الحياة التي نالها جسد الرب - بفضل
كونه جسد الكلمة الخاص - في الكنيسة. ويكون
معنى ذلك أيضا أن سيامته الكهنوتية تعني تدشين كيانه كحجر زاوية للكنيسة .
4- بالتجسد صار الابن إنسانا، وبموت الصليب المحيي صار الابن
المتجسد بكرا بين إخوة كثيرين . بالتجسد أعطى
الكلمة الحياة والعتق من الفساد الطبيعي لجسده الخاص ، وبموت الصليب المحيي صار جسد
الكلمة الخاص مصدرا لحياة البشر الذين ينضمون بواسطة شركة موت الصليب المحيي ، إلى
التقدمة المقبولة التي هي بذاتها كيانه وهي بيته الذي دخله مرة واحدة وإلى الأبد مدشنا ذاته كاهنا أبديا يخدم ليتورجية أبدية . بالتجسد أعطى الكلمة ذاته للإنسان يسوع الذي اتخذه
من طبيعتنا ، "وفيه قد حل ملء اللاهوت جسديا " . وبموت الصليب المحيي أعطى
الرب يسوع المسيح الشركة في حياة الكلمة للذين يقبلونه رأسا لوجودهم الجديد .
بالتجسد تكرست الحياة لجسد الكلمة الخاص ، وبكهنوت
المسيح تكرست الحياة للذين يشتركون في جسد الكلمة الخاص ، بالنعمة .
بالتجسد صار الابن الوحيد إنسانا كاملا ، وبتكميله
كرئيس للكهنة – بقبوله الآلام والموت طائعا ومريدا- صار البشر مكملين فيه ، أي باشتراكهم
في حياته .
اقتباسات
- " ولكن الذي وضع قليلا عن الملائكة
، يسوع، نراه مكللا بالمجد والكرامة، من أجل ألم الموت لكي يذوق بنعمة الله الموت لأجل
كل واحد. لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد
، أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام. لأن المقدس والمقدسين جميعهم من واحد، فلهذا السبب
لا يستحي أن يدعوهم إخوة، قائلا: " أخبر باسمك إخوتي، وفي وسط الكنيسة أسبحك
"( عب 2: 9- 12 )
- "..،
لاحظوا رسول اعترافنا ورئيس كهنته المسيح يسوع، حال كونه أمينا للذي أقامه ،
كما كان موسى أيضا في كل بيته . فإن هذا قد حسب أهلا لمجد أكثر من موسى ، بمقدار ما
لباني البيت من كرامة أكثر من البيت...وأما المسيح فكابن على بيته . وبيته نحن إن تمسكنا
بثقة الرجاء وافتخاره ثابتة إلى النهاية."( عب3: 1- 6 )
- " وأما رأس الكلام فهو: أن
لنا رئيس كهنة مثل هذا ،قد جلس في يمين عرش العظمة في السماوات خادما للأقداس والمسكن
الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان."( عب8: 1و2 )
5- لذلك فقد نجح كهنوت المسيح في ما قد فشل فيه الكهنوت العتيق . في الأخير
لدينا كاهن معين يقدم خدمة مادية جسدية لأجل نفسه ولأجل مجموعة معينة من البشر ، هذا
فضلا عن أنه مضطر أن يكرر ذات الخدمة مرارا ، وفي النهاية هو يمارس ظلا للحقيقة ، هو في ذاته طقسا ميتا غير قادر أن يهب
الحياة.
اقتباسات
- " لأن كل رئيس كهنة مأخوذ من الناس يقام لأجل
الناس في ما لله، لكي يقدم قرابين وذبائح عن الخطايا، قادرا أن يترفق بالجهال والضالين،
إذ هو أيضا محاط بالضعف. ولهذا الضعف يلتزم
أنه كما يقدم عن الخطايا لأجل الشعب هكذا أيضا لأجل نفسه ."( عب 5: 1-
3 )
-
" فلو كان بالكهنوت اللاوي كمال – إذ الشعب أخذ الناموس عليه- ماذا كانت
الحاجة بعد إلى أن يقوم كاهن آخر على رتبة ملكي صادق؟ ... وذلك أكثر وضوحا أيضا إن
كان على شبه ملكي صادق يقوم كاهن آخر، فقد صار ليس بحسب ناموس وصية جسدية، بل بحسب
قوة حياة لا تزول. لأنه يشهد أنك :" كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق".
فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها ، إذ الناموس لم يكمل شيئا
. ولكن يصير إدخال رجاء أفضل به نقترب إلى الله. ( عب7: 11- 19).
- " وأولئك قد صاروا كهنة كثيرين من أجل منعهم
بالموت عن البقاء"( عب7 :23 )
- " وأما هذا فمن أجل أنه يبقى
إلى الأبد ، له كهنوت لا يزول . فمن ثم يقدر أن يخلص إلى التمام الذين يتقدمون به إلى
الله، إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم. لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا ، قدوس
بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات الذي ليس له اضطرار كل يوم
مثل رؤساء الكهنة أن يقدم ذبائح أولا عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب، لأنه فعل هذا
مرة واحدة، إذ قدم نفسه. فإن الناموس يقيم أناسا بهم ضعف رؤساء كهنة . وأما كلمة القسم
التي بعد الناموس فتقيم ابنا مكملا إلى الأبد."( عب7: 24- 28 )
–
" فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طلب موضع لثان. ..فإذ قال "جديدا
" عتق الأول. وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الإضمحلال"( عب8: 7و 13 )
6- هو رئيس كهنة وليس مجرد كاهن ،
فكهنوته هو كهنوت أبدي ، وأبدية كهنوته هي ما تجعله رئيسا للكهنة إذ أنه بتقدمة ذاته
مرة واحدة قد جعل كل المعينين للخلاص يقدمون ذواتهم ، فيه ، فيشتركون في كهنوته جاعلا منهم كهنة تحت
رئاسته الأبدية للكهنوت ، حتى أن وجود الكنيسة ذاته كبناء مؤسس على حجر زاوية رئاسته
للكهنوت هو التعبير الأبدي عن مفهوم الكهنوت .
اقتباسات
- " الذي إذ تأتون إليه ، حجرا
حيا مرفوضا من الناس، ولكن مختار من الله كريم،كونوا أنتم أيضا مبنيين - كحجارة حية-
بيتا روحيا، كهنوتا مقدسا، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح ... وأما
أنتم فجنس مختار ، وكهنوت ملوكي ، أمة مقدسة ، شعب اقتناء،..."( 1بط2: 4- 9
).
- " .. الذي أحبنا ، وقد غسلنا
من خطايانا بدمه، وجعلنا ملوكا وكهنة لله أبيه، له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين
. آمين "( رؤ1: 5و6 )
-
" كذلك المسيح أيضا لم يمجد نفسه ليصير رئيس كهنة، بل الذي قال له :
" أنت ابني أنا اليوم ولدتك". كما يقول في موضع آخر:" أنت كاهن إلى
الأبد على رتبة ملكي صادق".... مدعوا من الله رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق
"( عب 5: 5- 10 )
- " لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد
أشباه الحقيقة ، بل إلى السماء عينها، ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا. ولا ليقدم
نفسه مرارا كثيرة، كما يدخل رئيس الكهنة إلى الأقداس كل سنة بدم آخر. فإذ ذاك كان يجب
أن يتألم مرارا كثيرة منذ تأسيس العالم ، ولكنه الآن قد أظهر مرة عند انقضاء الدهور
ليبطل الخطية بذبيحة نفسه. وكما وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة، هكذا
المسيح أيضا، بعدما قدم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين، سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين
ينتظرونه"( عب9: 24- 28 )
ثانيا : معايير كهنوته
1- الوساطة
7- الوساطة بين الله والناس هي معيار
أساسي للكهنوت ، ولم يكن الكاهن العتيق وسيطا حقيقيا ، كان مجرد ظل للحقيقة ، فقد كان
يحتاج أن يقيم ليتورجيته من أجل نفسه بذات القدر الذي يقيمها به من أجل الشعب . ولذلك
فواقع الحال أنه كان محتاجا لآخر حتى ما يصير وسيطا بينه وبين الله ؛ فهو مختزل تماما
في أحد طرفي الوساطة ، أي طرف الشعب الخاطئ . أما كهنوت المسيح فله شأن آخر ، فوساطته
هي حقيقة كيانية تخص وجوده كشخص الكلمة المتجسد . فهو الله والإنسان بآن واحد. وإنسانيته
كائنة في وحدة أقنومية أبدية مع لاهوته ، لذلك فحينما قدم ذاته مرة وإلى الأبد كباكورة
لتقدمة الجميع فيه ، فهو يعلن ذاته كوسيط أبدي بين الله والناس .
اقتباسات
- " لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله
والناس: الإنسان يسوع المسيح، الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع، الشهادة في أوقاتها
الخاصة،.. "( 1تي2: 5و6 )
- " ولكنه الآن قد حصل على خدمة أفضل بمقدار
ما هو وسيط أيضا لعهد أعظم، قد تثبت على مواعيد أفضل "( عب8: 6 )
- " ولأجل هذا هو وسيط عهد جديد، لكي يكون
المدعوون- إذ صار موت لفداء التعديات التي في العهد الأول- ينالون وعد الميراث الأبدي
"( عب9: 15 )
8- كانت ذبيحة العهد القديم ذبيحة
ميتة، لم تكمل أحدا ، ولم تكن موضوعا لمسرة الله . كانت تقدم - في يأس - مرارا كثيرة
دون جدوى ، لكن حينما اضطلع رئيس كهنة العهد الجديد بعمله الكهنوتي فقد قدم ذبيحة واحدة
لمرة واحدة وإلى الأبد . وهو حينما أقام ليتورجيته هذه لم يقدم ذبيحة غيره بل قدم ذبيحة
ذاته . وحينما تقدم كذبيحة محرقة فهو لم يتقدم ليهلك هلاك الموت بل قد اجتاز الموت
منتصرا ومعلنا نصرته بالقيامة ، فهو ما كان له أن " يمسك من الموت" بفضل
الوحدة الأقنومية بين إنسانيته ولاهوته. وهو حينما اجتاز موت البشر لم يكن بمثابة بديل
عقابي عن البشر ، بل قد اجتاز موت البشر لحساب البشر. وهو حينما أصعد ذاته كتقدمة مقبولة
لدى الآب وكموضوع لمسرته ، فهو قد دشن باكورة تقدمة الجميع فيه فيلتحقون بقربانه الواحد
الحي إلى الأبد الكائن في رئيس الكهنة الواحد، الجالس عن يمين الله.
اقتباسات
- " لأن الناموس، إذ له ظل الخيرات العتيدة لا
نفس صورة الأشياء ، لا يقدر أبدا بنفس الذبائح كل سنة، التي يقدمونها على الدوام، أن
يكمل الذين يتقدمون... لكن فيها كل سنة ذكر خطايا. لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس
يرفع خطايا . لذلك عند دخوله إلى العالم يقول:" ذبيحة وقربانا لم ترد، ولكن هيأت
لي جسدا. بمحرقات وذبائح للخطية لم تسر... فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع
مرة واحدة."( عب10: 1-10 )
- " وكل كاهن كل يوم يخدم ويقدم مرارا كثيرة
تلك الذبائح عينها، التي لا تستطيع البتة أن تنزع الخطية . وأما هذا فعندما قدم عن
الخطايا ذبيحة واحدة ، جلس إلى الأبد عن يمين الله، منتظرا بعد ذلك حتى توضع أعداؤه
موطئا لقدميه. لأنه بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين. "( عب 10: 11-
14 )
3- الكفارة
9- الكفارة و التكفير أو " المغفرة
" - لغة ، واصطلاحا أيضا - هي التغطية . وقد فشلت ذبائح الكهنوت العتيق في تكفير
الخطايا ، فالقضية تخص طبيعة البشر الفاسدة
التي لم يستطع غير رئيس كهنة العهد الجديد أن يشفيها من داء الموت . وهو حينما
قدم ذاته كذبيحة - غالبا الموت ومكرسا ذاته
كباكورة لحياة الجميع فيه - فهو قد جعل من
ذاته كفارة لخطايا الجميع ، إذ فيه يتغطى عري موت الجميع ، بحياته .
بتجسد الكلمة قد اكتست وتغطت إنسانيته
بمجد حياة الكلمة ، إذ هو الإله والإنسان بآن واحد ، وفي وحدة أقنومية واحدة ، وحينما
سيم الرب رئيسا للكهنة على الخشبة ، واجتاز الموت منتصرا ، فقد وهب كسوة مجد الحياة
للذين يشتركون فيه صائرا كفارة لخطايا الجميع .
اقتباسات
- " من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء،
لكي يكون رحيما، ورئيس كهنة أمينا في ما لله حتى يكفر خطايا الشعب "(عب2: 17)
.
- " ...وإن أخطأ أحد فلنا شفيع
عند الآب ، يسوع المسيح البار . وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل
العالم أيضا "(1يو2:2)
-" بهذا أظهرت محبة الله فينا:أن الله قد أرسل ابنه
الوحيد إلى العالم لكي نحيا به. في هذه هي
المحبة: ليس اننا نحن أحببنا الله، بل أنه هو أحبنا، وأرسل ابنه كفارة لخطايانا
"( 1يو4: 10 ).
- " .. إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم
مجد الله ، ( لاحظ التناقض بين الخطية ومجد الله ) متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي
بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان
بدمه ، لإظهار بره، من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله. لإظهار بره في الزمان
الحاضر، ليكون بارا ويبرر من هو من الإيمان بيسوع"( رو3: 23- 26 ).
10- لا يمكن أن ندرك معنى " تكفير
الخطايا " بدون أن نبدأ بإدراك مفهوم " الخطية " ، وإذا كان تكفير الخطايا هو التسربل بمجد الحياة في المسيح
رئيس الكهنة والكفارة بآن واحد ، فإن
" الخطية هي حالة التعري من شركة الألوهة ، التعري من شركة الروح ، تلك الحالة
التي يتم الخلاص منها في المسيح يسوع .
اقتباس
- " إذا لا شيء من الدينونة الآن على الذين
هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح. لأن ناموس روح الحياة في
المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت . لأنه ما كان الناموس عاجزا عنه ، في
ما كان ضعيفا بالجسد ، فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية ، دان الخطية في الجسد ، لكي يتم حكم الناموس فينا
، نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح . فإن الذين هم حسب الجسد فبما للجسد يهتمون،
ولكن الذين حسب الروح فبما للروح . لأن اهتمام الجسد هو موت، ولكن اهتمام الروح هو
حياة وسلام . لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله ، إذ ليس هو خاضعا لناموس الله ، لأنه
أيضا لا يستطيع. فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله. وأما أنتم فلستم في
الجسد بل في الروح ، إن كان روح الله ساكنا فيكم. ولكن إن كان أحد ليس له روح المسيح،
فذلك ليس له . وإن كان المسيح فيكم ، فالجسد ميت بسبب الخطية، وأما الروح فحياة بسبب
البر"( رو8: 1- 10 ).
11- لذلك فلم يستطع دم الذبائح الحيوانية
القديمة أن يكفر خطايا الشعب لأنه دم ميت لا حياة فيه ، أما دم المسيح فلأنه دم ذلك
الكائن في وحدة أقنومية مع الكلمة فهو دم حي ومحيي إلى الأبد ، وحينما يعطى كشركة للذين
ينضمون إلى ذبيحة رئيس كهنة العهد الجديد فهو يعطى لمغفرة ( تغطية ) الخطايا ، إذ بالشركة
في المسيح رئيس الكهنة يتغطى عري " موت " الطبيعة البشرية بحياة المسيح التي
تفيض عليهم في دمه المسفوك لأجلهم .
اقتباسات
-
" وأما المسيح ، وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة ، فبالمسكن الأعظم
والأكمل، غير المصنوع بيد، أي الذي ليس من هذه الخليقة، وليس بدم تيوس وعجول ، بل بدم
نفسه، دخل مرة واحدة إلى الأقداس، فوجد فداء أبديا. لأنه إن كان دم ثيران وتيوس ورماد
عجلة مرشوش على المنجسين، يقدس إلى طهارة الجسد، فكم بالحري يكون دم المسيح، الذي بروح
أزلي قدم نفسه لله بلا عيب، يطهر ضمائركم من أعمال ميتة ليخدموا الله الحي! "
( عب9 : 11- 14 )
- " عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى، بفضة
أو ذهب، من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء ، بل بدم كريم، كما من حمل بلا
عيب ولا دنس، دم المسيح، معروفا سابقا قبل تأسيس العالم، ولكن قد أظهر في الأزمنة الأخيرة
من أجلكم، أنتم الذين به تؤمنون بالله الذي أقامه من الأموات وأعطاه مجدا، حتى إن إيمانكم
ورجاءكم هما في الله"( 1بط1: 18- 21 ).
12- " الشركة في الطبيعة الإلهية " ، إذن
هي مرادف لمفهوم " المغفرة " والكفارة . وهي مقابل ومناقض لمفهوم "الخطية
" ، ففي المسيح " الكفارة "وهب للبشر أن يشتركوا في الروح القدس المسكوب
عليهم بغنى ، أي الذي يغطيهم ويسربلهم ، لحساب جدة الحياة الأبدية .
اقتباسات
-" ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله
وإحسانه- لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته – خلصنا بغسل الميلاد الثاني
وتجديد الروح القدس ، الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا . حتى إذا تبررنا بنعمته،
نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية"( تي3: 4- 7 )
- " كما أن قدرته الإلهية قد
وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى ، بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة ، اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة،
لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية ، هاربين
من الفساد الذي في العالم بالشهوة"( 2بط1: 3و 4 ).
13- أيضا ، مفهوم " المصالحة
" بين الله والناس هو مفهوم مرادف لمفهوم " الكفارة " ، ومقابل لمفهوم
" الخطية. والمصالحة هنا هي نشأة لعلاقة كيانية ، علاقة شركة بين الإنسان والله
بها يتم إزالة " عداوة " الخطية ، أي العزلة والاستقلال عن الله والتناقض
معه ، وهذا ما يتم بشركة الجميع في المسيح .
اقتباسات
- " ولكن الله بين محبته لنا، لأنه ونحن
بعد خطاة مات المسيح لأجلنا. فبالأولى كثيرا ونحن متبررون الآن بدمه نخلص من الغضب!
لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه، فبالأولى كثيرا ونحن مصالحون
نخلص بحياته ! وليس ذلك فقط، بل نفتخر أيضا بالله ، بربنا يسوع المسيح ، الذي نلنا
به الآن المصالحة "( رو5: 8- 11 )
لاحظ: الخطية مرادف للعداء ، التبريرمرادف
للمصالحة
- " إذا إن كان أحد في المسيح
فهو خليقة جديدة: الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدا. ولكن الكل من الله
، الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح، وأعطانا خدمة المصالحة، أي أن الله كان في المسيح
مصالحا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم ، وواضعا فينا كلمة المصالحة "( 2كو5:
17- 19 )
لاحظ : الخليقة الجديدة، في المسيح مرادف للمصالحة
14- وأيضا مفهوم " التبرير"
و" البر" كمقابل لمفهوم الخطية هو شركة في مجد الله بالكينونة في المسيح
رئيس كهنة العهد الجديد ،وكفارته الأبدية بآن واحد .
اقتباسات
"وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون
الناموس، مشهودا له من الناموس والأبياء، بر الله بالإيمان بيسوع المسيح، إلى كل وعلى
كل الذين يؤمنون . لأنه لا فرق. إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله، متبررين مجانا
بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار بره،
من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله. لإظهار بره في الزمان الحاضر، ليكون
بارا ويبرر من هو من الإيمان بيسوع"( رو3: 21- 26 ) .
- " لأني مت بالناموس للناموس
لأحيا لله. مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في. فما أحياه الآن في الجسد،
فإنما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي. لست أبطل نعمة
الله. لأنه إن كان بالناموس بر، فالمسيح إذا مات بلا سبب! "( غل2: 19- 21 ).
ثالثا
: الفرق بين تخليص يسوع من الموت وتخليصنا من الموت
15- ماهو الفرق بين خلاص يسوع من الموت
وخلاصا نحن ؟ الإجابة في النص الآتي:
" الذي، في أيام جسده، إذ قدم
بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت، وسمع له من أجل تقواه (
thV eulabeiaV ) ، مع كونه ابنا تعلم الطاعة مما تألم به"(
عب5: 7و8 ) .
التقوى ( eulabeia
)، هنا ، هي " الوقاية والحراسة والعصمة "، والحفظ الذي يدرأ الخوف من هلاك
الموت ، كما في :
- " لذلك ونحن قابلون ملكوتا لا يتزعزع ليكن
عندنا شكر به نخدم الله خدمة مرضية ، بخشوع وتقوى. لأن "إلهنا نار آكلة
"." ( عب12 : 28و 29 )
- " بالإيمان نوح لما أوحي إليه
عن أمور لم تر بعد خاف فبنى فلكا لخلاص بيته،
فيه دان العالم، وصار وارثا للبر الذي حسب الإيمان.( عب11: 7 )
إذن إنسانية الرب يسوع قد خلصت من
الموت لأنها محفوظة في حالة من الوقاية الأبدية
من الموت بفضل الوحدة الأقنومية مع لاهوت الكلمة ، فأنى للموت أن يستطيع أن يمسك بمن
هو جسد الحياة الخاص !
إن الرب يسوع بالرغم من كونه
"إبنا " ، أي الكلمة المتجسد الذي يحمل – بطبيعته- في جوهر إنسانيته
"الوقاية من الموت "، فقد اجتاز الألم ليتعلم " الطاعة مما تألم به
" واجتاز الموت منتصرا حتى مايصير رأسا
" لوقاية " الجميع فيه من الموت وذلك حينما تصير لهم شركة فيه .
شبه موته
16- ولأنه محفوظ في جوهره الإنساني
من الموت لأنه الإنسان والإله في ذات الوقت ، فإن الموت ما أن اقترب منه حتى فقد سطوته
التي نختبرها نحن عنه ، فبالنسبة لطبيعتنا البائسة ، ما أن ينشب فيها الموت أظفاره
حتى ما ينهار أقنومنا ويتلاشى كل شيء بخصوص وجودنا ، أما ذاك فلم يستطع الموت أن يمسك
منه غير حجابه العتيق الذي هو " كل طبيعتنا " والذي غرس فيه جوهره الإنساني
الجديد ، " التقي "، لذلك فموتنا الذي اجتازه يسوع لم يكن بالنسبة لكيانه
الكامل ( بجوهره الجديد الحي ، وظاهره العتيق الميت بالطبيعة ) إلا "شبه موت".
والنص عند الرسول بولس يستحق التحليل والتدقيق :
" أم تجهلون أننا كل من اعتمد
ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أقيم المسيح من الأموات،
بمجد الآب ، هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة؟ لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه (tw omoiwmati ) موته ، نصير أيضا بقيامته . عالمين
هذا: أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية، كي لا نعود نستعبد أيضا للخطية."
( رو6: 1- 6 )
تعليق
نص صعب ، وقد حار فيه الشراح ، وتحديدا
بخصوص كلمة "شبه "( homoioma
)- وبحسب الأب متى المسكين " لم يستقر الشراح
حتى الآن على المعنى الصحيح للكلمة . وفقا
لقاموس فرلين د. فيربروج – الكلمة تعني " الهيئة والشكل والصورة والتمثيل الرمزي
" ، ولا تعني "عملية التشبه بشيء". وللأسف قد انحاز الكثيرون للاختيار
الثاني ، فانحاز الأب متى المسكين إلى معنى أن موتنا مع المسيح ليس إلا موتا مستيكيا
فيه نتشبه بموته فتظهر فينا قوة واستحقاقات الصليب. واقع الحال ، وصحيحه ، أن كلمة
" هومويوما " هنا تعود إلى موت المسيح وليس إلى موتنا . فالمعنى هو أن موته
كان " شبه موت " بالمقارنة بموتنا نحن . فنحن وإن كانت تربطنا به شركة وتشابه
– من حيث موتنا – فالفرق الجوهري هو أن موتنا يمثل نهاية بائسة ويائسة بالنسبة لنا
، أما بالنسبة له فالأمر جد مختلف ، فبالرغم من اجتيازه لهذا الموت – الذي هو نفس موتنا
– إلا أن الموت لم يستطع أن يقترب من جوهر إنسانيته الجديدة المنتصرة بطبيعتها على
الموت بفضل الوحدة الأقنومية مع الكلمة ، وعليه فحينما يقبل الموت في عتيقه الظاهر
ويجتازه منتصرا – ولا يستطيع الموت أن يمسك منه غير حجابه الظاهر من لحم ودم- فحينئذ يكون الموت بالنسبة لكيانه الإنساني الكامل
" شبه موت " وليس "موت". وفي المعمودية نحن نتحد بشبه موته ، فنتحد
بقيامته لأن ذلك القائم من الموت لم يكن للموت أن يمسك به بفضل الاتحاد الأقنومي ،
وحينما اجتاز موت الصليب فقد جعل من هذا الموت موتا محييا لأنه شبه موت ،أي موت من
اجتاز الموت بحياته الثابتة فيه ، أي " الموت المحيي ". وبالشركة في هذا
الموت المحيي – بالنعمة - يصلب إنساننا العتيق ،" مستيكيا " ،معه "ليبطل
جسد الخطية، كي لا نعود نستعبد أيضا للخطية" .
17- والأصل في قضية " شبه الموت
" عند الرسول بولس يعود إلى أن الابن قد أرسل في " شبه جسد الخطية
"، ولم يرسل في " جسد الخطية "
- "، فالله إذ أرسل ابنه في شبه
( en omoiwmati ) جسد الخطية، ولأجل الخطية، دان الخطية في الجسد،.."( رو8:
3 )
ونفس الصعوبة التي في النص السابق
تستمر معنا هنا ، وتفرض نفسها على الشراح بفضل الانحياز إلى الاختيار الخطأ لمعنى
" الهومويوما " . والمعنى هنا هو أن الكلمة بتجسده في البشر قد لبس جسدا
كجسدهم ولكن بفضل أن الجسد الذي لبسه هو جسد الكلمة الخاص فإن جوهره هو الشركة الأبدية
بين البشرية واللاهوت بفضل الوحدة الأقنومية ، وبالتالي فإن جوهر إنسانيته هو بلا خطية
، لأن الخطية هي العزلة عن اللاهوت وهذا يتنافي تماما مع مفهوم الاتحاد الأقنومي بين
اللاهوت والناسوت . ولكن بالرغم من ذلك ظل الجوهر الإنساني الحي المنتصر ملتحفا بالهيكل
العتيق ، الذي هو جسد الخطية ، الذي هو نحن ،إلى أن اجتاز فيه الموت ، الذي هو موتنا
. وحينئذ ، أفلا يكون أن الله قد أرسل ابنه في شبه جسد الخطية لأن كيانه الإنساني الكامل
لم يكن فقط هو ذلك العتيق الهالك بطبيعته ، الذي هو جسد الخطية ، الذي هو نحن ؟
18- وأما عن الدينونة ( katakrima )، فهي حكم الموت ، وهو بذبيحة نفسه
، و"لأجل الخطية " قد اجتاز الموت وخرج منتصرا ، ففضح الخطية
في شبه جسد الخطية الذي له ، وأظهر عجزها على إهلاك كيانه الإنساني الكامل ، الذي
لم يكن الموت بالنسبة له إلا " شبه موت "
19- قضية "اتحادنا بشبه موته ، فنحيا بقيامته
" نجد لها معادلا في العبرانيين ، ولكن من منظور معاكس ، فالرب يحمل في كيانه
الإنساني جزءا يمثل طبيعة الأولاد " إخوته " بالكامل، أي اللحم والدم ، حتى
إذا ما أباد الموت الذي قبله فيهما – بواسطة حياته الإنسانية ، الكائنة في وحدة أقنومية
مع الكلمة - يكون قد أباد سلطان الموت بواسطة موته : " فإذ قد تشارك ( kekoinwnhken
) الأولاد في اللحم و الدم اشترك ( meteschen ) هو أيضا كذلك فيهما، لكي يبيد بالموت
ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس "( عبرانيين 2: 9- 14 ).
ومفهوم الشركة – لغويا – يختلف بين شركة يسوع في
اللحم والدم وشركة الأولاد فيهما ، فالأخيرة تبدو كمشترك عام يجمع طبيعتهم ، بينما
شركة يسوع هي شركة تساهمية ، وهو قد ساهم في
شركة اللحم والدم بجزء من كيانه وهو كيانه الظاهر فقط وليس كل كيانه الذي يحمل جوهرا
حيا ومنتصرا بطبيعته بفضل كونه جوهر طبيعة جسد الكلمة الخاص .
20- هذا هو حمل الله الذي بلا عيب
، الذي اجتاز موتنا وهو رب الحياة ، وحمل عارنا وهو رب المجد... الحمل والكاهن والمذبح
والسكين ، بل والنار أيضا . اجتمع الكل في واحد . صار الكاهن ذبيحة ،فصارت الذبيحة
حياة للجميع، فصار الجميع كهنة يستمدون كهنوتهم من رأسهم ، الذي جمعهم في قربان واحد
هو ذاته. وبالقربان الواحد تستعلن إلى الأبد مسرة الآب ، إذ قد صار الجميع أبناءا له
باشتراكهم في جسد ابنه ، رئيس الكهنة " المسيح يسوع ربنا .
مجدي داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق