العيد
المسيحي هو احتفالية بشخص المسيح ، ولكن السؤال هو : هل الاحتفال بتلك الشخصية ينضوي
تحت بند الاحتفال بالشخوص التاريخية ، التي
غيرت وجه التاريخ ؟. هل العيد المسيحي هو مجرد تكريم لشخصية تاريخية ، هي الرب يسوع
، التاريخي ؟المسيحيون حينما يحتفلون بالعيد ، فهم يحتفلون بالنعمة العظمى التي حصلوا
عليها ، في المسيح . هم يحتفلون بالوجود الجديد عديم الفساد ، الذي نالوه في المسيح
. هم لا يحتفلون بشخص ، بل يحتفلون بوجودهم في هذا الشخص .
1 - في عيد البشارة ، تستعاد تلك اللحظة التاريخية
، التي سمعت فيها العذراء كلمات المبشر : " ها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع . هذا يكون عظيما ، وابن العلي
يدعى ، ويعطيه الرب كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ، ولا يكون لملكه نهاية " ( لو
1 : 31 -33 ) . ولكن ليست القضية هي مجرد استعادة
لتلك الذكرى ، فقد كانت الكنيسة ، حاضرة هناك ، مع العذراء تسمع كلمات المبشر . لأن
ذلك الملك الذي يبشر به الملاك ، لم يكن ملكا بلا رعية أو مملكة . الكنيسة هي مملكته
، هي حاضرة في كلمات المبشر ، هي كرسي داود ، هي بيت يعقوب ، هي الملكوت الذي بلا نهاية
. إذن ، حينما تحتفل الكنيسة بعيد البشارة
فهي تدخل إلى تلك اللحظة التاريخية ، لتسمع ذات الكلمات التي سمعتها العذراء ، ولتقبل
، طائعة ، خاضعة ، ما قبلته العذراء ، لتجيب أيضا بما أجابته العذراء : " هوذا
أنا أمة الرب . ليكن لي كقولك ."( لو 1 : 38 ) . هذا هو جوهر احتفالية عيد البشارة
.
2- في عيد الميلاد
، تستعاد تلك اللحظة التاريخية ، التي ظهر فيها الكلمة ، للتاريخ ، متجسدا ، في البشر
. لحظة ولادة يسوع ، الابن البكر بين إخوة كثيرين . يسمع الرعاة صوت الملاك : "
ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب ."( لو 2 : 11 ). ويسمعون أيضا
ترنيمة الجوقة السمائية :" المجد لله في الأعالي . وعلى الأرض السلام ، بأناس
مسرته ." ( لو2 : 14 ) . ولكن ليست القضية
هي مجرد استعادة لتلك الذكرى ، فقد كانت الكنيسة ، حاضرة هناك ، مع الرعاة تسمع صوت
الملاك ، فالكنيسة لا وجود لها خارج ذلك الوليد ، المسيح الرب . فالاسم " المسيح
" يتخطى الفرد التاريخي المقمط في بيت لحم . اسم " المسيح " يستوعب
الكنيسة ، التي رأسها هو ذلك المولود . الكنيسة هي شعب الله الذي قد سر به على الأرض
، واهبا إياه السلام الأبدي الذي لاينزع ، بتخليصه من فساده الطبيعي ، مظهرا بذلك مجده
العلوي ، في وجودهم الجديد ، في الابن المتجسد . إذن ، حينما تحتفل الكنيسة بميلاد
الرب يسوع ، فهي تدخل إلى تلك اللحظة التاريخية ، لترصد ولادة رأسها وحجر زاويتها ،
وبذلك فهي لا تحتفل بميلاد لشخص ، كأي ميلاد لأي شخص ، فهي تحتفل بميلاد يخص وجودها
، فقد ولدت الكنيسة بولادة الرب يسوع التاريخي . هذا هو جوهر احتفالية عيد الميلاد
.
3- في عيد
الظهور الإلهي ( الثيوفانيا ) ، تستعاد تلك اللحظة التاريخية ، التي نزل فيها الرب
يسوع ، الابن المتجسد ، في نهر
الأردن ، واستعلن الثالوث القدوس ، فيه ، للتاريخ
البشري ، وسمعت شهادة الآب :" هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ." وظهر روح
الله نازلا مثل حمامة وآتيا عليه :( مت 3 : 16 و 17 ) و ( مر 1 : 10و 11 ) و ( لو
3 : 22 ) و ( يو 1: 33 ). ولكن ليست القضية هي مجرد استعادة لتلك الذكرى ، فقد كانت
الكنيسة ، حاضرة هناك ، في الأردن ، معه . فهي الوجود البشري الجديد ، الكائن إلى الأبد
كصورة للثالوث الأقدس . هي موضوع مسرة الآب ، حينما صارت كائنة في الابن المتجسد ،
فقد سر الآب أن يتبنى البشر حينما صاروا مشتركين في ابنه المتجسد . إذن ، حينما تحتفل الكنيسة بعيد الظهور الإلهي ،
فهي تدخل إلى تلك اللحظة التاريخية ، لتغطس في الأردن ، معه ، وليظهر وجودها كصورة
للثالوث القدوس . هذا هو جوهر احتفالية عيد الغطاس .
4- في عيد الشعانين ، تستعاد تلك اللحظة التاريخية
، التي دخل فيها الرب أورشليم ، راكبا على جحش ، فاستقبل كملك ، رفعت له الأغصان ، وفرشت له القمصان ، وتعالت صيحات أنشودة
الخلاص :" أوصنا لابن داود ! مبارك الآتي باسم الرب ! أوصنا في الأعالي
." ( مت 21 : 9 و 10 ) . " مباركة مملكة أبينا داود الآتية ." ( مر
11 : 10 ) . فقال الفريسيون بعضهم لبعض : " انظروا ! إنكم لا تنفعون شيئا ! هوذا
العالم قد ذهب وراءه ! ." ( يو :12 : 19 ) ولكن ليست القضية هي مجرد استعادة لتلك
الذكرى ، فقد كانت الكنيسة ، حاضرة هناك ، ليملك عليها الرب يسوع ، الكلمة المتجسد
، ويدخل بها أورشليم السمائية . كانت هي مملكة أبينا داود الآتية . كانت كائنة كملء
لذلك المبارك الآتي باسم الرب .إذن ، حينما تحتفل الكنيسة بدخول الرب يسوع أوررشليم
، كملك ، فهي تدخل إلى تلك اللحظة التاريخية ، لتختبر المواطنة الأبدية في مملكة أورشليم السمائية ، التي
أدخلها الرب يسوع إليها . هذا هو جوهر احتفالية عيد دخول يسوع أورشليم .
5- في عيد القيامة ، تستعاد
تلك اللحظة التاريخية ، التي أعلنت فيها نصرة الرب على الموت ، تاركا قبره فارغا ،
مع دهشة النسوة حاملات الحنوط وخطاب الملاكين
: " لماذا تطلبن الحي بين الأموات ؟ ليس هو ههنا ، لكنه قام ! " ( لو 24 : 5و6 ).ولكن ليست القضية هي مجرد استعادة
لتلك الذكرى ، فقد كانت الكنيسة ، حاضرة هناك ، فهذا القائم ، المنتصر هو باكورتها
. هو رأس قيامتها . هي قد قبلته كرأس لها ، وهو قال عن ذاته : " أنا هو القيامة
والحياة . من آمن بي ولو مات فسيحيا ، وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد
. ( يو 11 : 25 ) إذن ، حينما تحتفل الكنيسة بقيامة الرب يسوع
من الأموات ، فهي تدخل إلى تلك اللحظة التاريخية ، لتختبر القيامة معه ، وفيه . هذا
هو جوهر احتفالية عيد القيامة .
6- في عيد الصعود
، تستعاد تلك اللحظة التاريخية ، التي ارتفع فيها الرب عن تلاميذه بينما هم يشخصون
إلى السماء وهو منطلق ، وملاكان يخاطبانهم : " إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم الى
السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا الى السماء. ( أع 1 : 11 )" ولكن ليست القضية
هي مجرد استعادة لتلك الذكرى ، فقد كانت الكنيسة ، حاضرة هناك ، فهي البشرية الصاعدة
إلى السماء ، والرب يسوع ، الكلمة المتجسد سيأتي صاعدا ، فيها ، بنفس الطريقة التي
أصعد بها جسده الخاص . وهو كان قد سبق فوعد بذلك ، ونقلت المجدلية هذا الوعد
:" إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم ."( يو 20 : 17 ). وكأنه يريد أن
يقول : كما أصعدت جسدي الخاص إلى الآب ، أبي ، أصعدكم أنتم أيضا إلى الآب ، الذي صار بواسطتي ، أباكم . إذن ، حينما تحتفل الكنيسة بعيد
الصعود ، فهي تدخل إلى تلك اللحظة التاريخية ، لترصد صعود رأسها وباكورتها ،إلى السماء
، الذي هو عربون صعودها ، كاملة . هذا هو جوهر احتفالية عيد الصعود.
7- في عيد الخمسين
، العنصرة ، تستعاد تلك اللحظة التاريخية ، التي كان فيها الجميع معا بنفس واحدة ،
وحل عليهم الروح القدس مثل ألسنة نار وامتلأ الجميع من الروح القدس ، وابتدأوا يتكلمون
بألسنة ، وانطلقت خدمة الكنيسة إلى العالم ، بعظة بطرس ( أع2 ).ليست القضية هي مجرد
استعادة لتلك الذكرى ، فقد كانت الكنيسة - بمفهومها الشامل ، أي جسد المسيح الممتلئ
- حاضرة هناك ، فهي المسكن الأبدي للروح القدس. إذن ، حينما تحتفل الكنيسة بالعنصرة
، فهي تدخل إلى تلك اللحظة التاريخية ، لتستقبل عنصرتها الأبدية ، التي امتلأ فيها
البشر بالروح القدس ، في المسيح . هذا هو جوهر احتفالية عيد العنصرة .
خلاصة
العيد المسيحي هو احتفالية المسيحيين
باستحقاق وتفعيل سر التجسد ، فيهم :
1- بتجسد
الكلمة ، قد سمعوا تلك البشرى الرائعة ، أن إنسانا من طبيعتهم قد نال العتق من موتهم
الطبيعي ، والأعظم من ذلك أنه لم يصنع ذلك كحدث منفرد ، ولكنه صنع ذلك لحساب كل البشر
، فهو الكلمة المتجسد ، الذي صار ربا للجميع ، وفي جسده يقبل الجميع إلى حياة عدم الفساد
. هو فلك نجاتهم وخلاصهم من هلاكهم ، الطبيعي .
2- بتجسد
الكلمة ، قد ولدوا ، معه . فهو رأس خلقتهم الجديدة ، وميلاد الرأس يعني ميلاد كل الجسد
، لأنه لا رأس حي بدون جسد حي .
3- بتجسد الكلمة ، قد صاروا ثيوفانيين ( إذا جاز التعبير ) ،أي صار وجودهم صورة للثالوث القدوس.
فيه قد اصطبغوا بالحياة وعدم الفساد .
4- بتجسد الكلمة ، قد صاروا مملكة ورعية لملكهم ورأسهم
الرب يسوع المسيح الذي جعل من جسده مملكة أبدية ، تضمهم . وبدخوله إلى العالم قد أدخلوا
إلى أورشليم جسده ، فصاروا مملكة الأحياء الى الأبد .
5- بتجسد الكلمة ، قد قاموا من موتهم
الطبيعي ، باشتراكهم في حياة الكلمة ، الحاضر فيهم إلى الأبد .
6- بتجسد الكلمة ، قد صعدوا إلى الآب ، باشتراكهم في جسد الابن الصاعد إلى الآب
، بفضل كونه جسد الابن ، الخاص .
7- بتجسد الكلمة ، قد مسحوا بالروح القدس ، الذي أتى وسكن فيهم إلى الأبد ،
حينما صاروا منتمين كأعضاء لرأس مسحتهم الرب يسوع ، الكلمة المتجسد .
مجدي داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق