الخميس، 26 أبريل 2012

العيد المسيحي : رؤية لاهوتية

  العيد المسيحي هو احتفالية بشخص المسيح ، ولكن السؤال هو : هل الاحتفال بتلك الشخصية ينضوي تحت بند الاحتفال بالشخوص   التاريخية ، التي غيرت وجه التاريخ ؟. هل العيد المسيحي هو مجرد تكريم لشخصية تاريخية ، هي الرب يسوع ، التاريخي ؟المسيحيون حينما يحتفلون بالعيد ، فهم يحتفلون بالنعمة العظمى التي حصلوا عليها ، في المسيح . هم يحتفلون بالوجود الجديد عديم الفساد ، الذي نالوه في المسيح . هم لا يحتفلون بشخص ، بل يحتفلون بوجودهم في هذا الشخص . 
   1 -   في عيد البشارة ، تستعاد تلك اللحظة التاريخية ، التي سمعت فيها العذراء كلمات المبشر : " ها أنت ستحبلين وتلدين  ابنا وتسمينه يسوع . هذا يكون عظيما ، وابن العلي يدعى ، ويعطيه الرب كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب  إلى الأبد ، ولا يكون لملكه نهاية " ( لو 1 : 31 -33 )  . ولكن ليست القضية هي مجرد استعادة لتلك الذكرى ، فقد كانت الكنيسة ، حاضرة هناك ، مع العذراء تسمع كلمات المبشر . لأن ذلك الملك الذي يبشر به الملاك ، لم يكن ملكا بلا رعية أو مملكة . الكنيسة هي مملكته ، هي حاضرة في كلمات المبشر ، هي كرسي داود ، هي بيت يعقوب ، هي الملكوت الذي بلا نهاية .  إذن ، حينما تحتفل الكنيسة بعيد البشارة فهي تدخل إلى تلك اللحظة التاريخية ، لتسمع ذات الكلمات التي سمعتها العذراء ، ولتقبل ، طائعة ، خاضعة ، ما قبلته العذراء ، لتجيب أيضا بما أجابته العذراء : " هوذا أنا أمة الرب . ليكن لي كقولك ."( لو 1 : 38 ) . هذا هو جوهر احتفالية عيد البشارة .
   2-  في عيد الميلاد ، تستعاد تلك اللحظة التاريخية ، التي ظهر فيها الكلمة ، للتاريخ ، متجسدا ، في البشر . لحظة ولادة يسوع ، الابن البكر  بين  إخوة كثيرين . يسمع الرعاة صوت الملاك : " ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب ."( لو 2 : 11 ). ويسمعون أيضا ترنيمة الجوقة السمائية :" المجد لله في الأعالي . وعلى الأرض السلام ، بأناس مسرته ." ( لو2 : 14  ) . ولكن ليست القضية هي مجرد استعادة لتلك الذكرى ، فقد كانت الكنيسة ، حاضرة هناك ، مع الرعاة تسمع صوت الملاك ، فالكنيسة لا وجود لها خارج ذلك الوليد ، المسيح الرب . فالاسم " المسيح " يتخطى الفرد التاريخي المقمط في بيت لحم . اسم " المسيح " يستوعب الكنيسة ، التي رأسها هو ذلك المولود . الكنيسة هي شعب الله الذي قد سر به على الأرض ، واهبا إياه السلام الأبدي الذي لاينزع ، بتخليصه من فساده الطبيعي ، مظهرا بذلك مجده العلوي ، في وجودهم الجديد ، في الابن المتجسد . إذن ، حينما تحتفل الكنيسة بميلاد الرب يسوع ، فهي تدخل إلى تلك اللحظة التاريخية ، لترصد ولادة رأسها وحجر زاويتها ، وبذلك فهي لا تحتفل بميلاد لشخص ، كأي ميلاد لأي شخص ، فهي تحتفل بميلاد يخص وجودها ، فقد ولدت الكنيسة بولادة الرب يسوع التاريخي . هذا هو جوهر احتفالية عيد الميلاد . 
    3-  في عيد الظهور الإلهي ( الثيوفانيا ) ، تستعاد تلك اللحظة التاريخية ، التي نزل فيها الرب يسوع ، الابن المتجسد ، في نهر
 الأردن ، واستعلن الثالوث القدوس ، فيه ، للتاريخ البشري ، وسمعت شهادة الآب :" هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ." وظهر روح الله نازلا مثل حمامة وآتيا عليه :( مت 3 : 16 و 17 ) و ( مر 1 : 10و 11 ) و ( لو 3 : 22 ) و ( يو 1: 33 ). ولكن ليست القضية هي مجرد استعادة لتلك الذكرى ، فقد كانت الكنيسة ، حاضرة هناك ، في الأردن ، معه . فهي الوجود البشري الجديد ، الكائن إلى الأبد كصورة للثالوث الأقدس . هي موضوع مسرة الآب ، حينما صارت كائنة في الابن المتجسد ، فقد سر الآب أن يتبنى البشر حينما صاروا مشتركين في ابنه المتجسد . إذن ، حينما تحتفل الكنيسة بعيد الظهور الإلهي ، فهي تدخل إلى تلك اللحظة التاريخية ، لتغطس في الأردن ، معه ، وليظهر وجودها كصورة للثالوث القدوس . هذا هو جوهر احتفالية عيد الغطاس . 
   4- في عيد الشعانين ، تستعاد تلك اللحظة التاريخية ، التي دخل فيها الرب أورشليم ، راكبا على جحش ، فاستقبل كملك ، رفعت  له الأغصان ، وفرشت له القمصان ، وتعالت صيحات أنشودة الخلاص :" أوصنا لابن داود ! مبارك الآتي باسم الرب ! أوصنا في الأعالي ." ( مت 21 : 9 و 10 ) . " مباركة مملكة أبينا داود الآتية ." ( مر 11 : 10 ) . فقال الفريسيون بعضهم لبعض : " انظروا ! إنكم لا تنفعون شيئا ! هوذا العالم قد ذهب وراءه ! ." ( يو :12 : 19 ) ولكن ليست القضية هي مجرد استعادة لتلك الذكرى ، فقد كانت الكنيسة ، حاضرة هناك ، ليملك عليها الرب يسوع ، الكلمة المتجسد ، ويدخل بها أورشليم السمائية . كانت هي مملكة أبينا داود الآتية . كانت كائنة كملء لذلك المبارك الآتي باسم الرب .إذن ، حينما تحتفل الكنيسة بدخول الرب يسوع أوررشليم ، كملك ، فهي تدخل إلى تلك اللحظة التاريخية ، لتختبر المواطنة الأبدية في مملكة أورشليم السمائية ، التي أدخلها الرب يسوع إليها . هذا هو جوهر احتفالية عيد دخول يسوع أورشليم . 
  5-  في عيد القيامة ، تستعاد تلك اللحظة التاريخية ، التي أعلنت فيها نصرة الرب على الموت ، تاركا قبره فارغا ، مع دهشة  النسوة حاملات الحنوط وخطاب الملاكين : " لماذا تطلبن الحي بين الأموات ؟ ليس هو ههنا ، لكنه قام ! "  ( لو 24 : 5و6 ).ولكن ليست القضية هي مجرد استعادة لتلك الذكرى ، فقد كانت الكنيسة ، حاضرة هناك ، فهذا القائم ، المنتصر هو باكورتها . هو رأس قيامتها . هي قد قبلته كرأس لها ، وهو قال عن ذاته : " أنا هو القيامة والحياة . من آمن بي ولو مات فسيحيا ، وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت  إلى الأبد  . ( يو  11  : 25 ) إذن ، حينما تحتفل الكنيسة بقيامة الرب يسوع من الأموات ، فهي تدخل إلى تلك اللحظة التاريخية ، لتختبر القيامة معه ، وفيه . هذا هو جوهر احتفالية عيد القيامة . 
 6- في عيد الصعود ، تستعاد تلك اللحظة التاريخية ، التي ارتفع فيها الرب عن تلاميذه بينما هم يشخصون إلى السماء وهو منطلق ، وملاكان يخاطبانهم : " إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم الى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا الى السماء. ( أع 1 : 11 )" ولكن ليست القضية هي مجرد استعادة لتلك الذكرى ، فقد كانت الكنيسة ، حاضرة هناك ، فهي البشرية الصاعدة إلى السماء ، والرب يسوع ، الكلمة المتجسد سيأتي صاعدا ، فيها ، بنفس الطريقة التي أصعد بها جسده الخاص . وهو كان قد سبق فوعد بذلك ، ونقلت المجدلية هذا الوعد :" إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم ."( يو 20 : 17 ). وكأنه يريد أن يقول : كما أصعدت جسدي الخاص إلى الآب ، أبي ، أصعدكم أنتم أيضا إلى الآب ، الذي صار   بواسطتي ، أباكم . إذن ، حينما تحتفل الكنيسة بعيد الصعود ، فهي تدخل إلى تلك اللحظة التاريخية ، لترصد صعود رأسها وباكورتها ،إلى السماء ، الذي هو عربون صعودها ، كاملة . هذا هو جوهر احتفالية عيد الصعود. 
 7- في عيد الخمسين ، العنصرة ، تستعاد تلك اللحظة التاريخية ، التي كان فيها الجميع معا بنفس واحدة ، وحل عليهم الروح القدس مثل ألسنة نار وامتلأ الجميع من الروح القدس ، وابتدأوا يتكلمون بألسنة ، وانطلقت خدمة الكنيسة إلى العالم ، بعظة بطرس ( أع2 ).ليست القضية هي مجرد استعادة لتلك الذكرى ، فقد كانت الكنيسة - بمفهومها الشامل ، أي جسد المسيح الممتلئ - حاضرة هناك ، فهي المسكن الأبدي للروح القدس. إذن ، حينما تحتفل الكنيسة بالعنصرة ، فهي تدخل إلى تلك اللحظة التاريخية ، لتستقبل عنصرتها الأبدية ، التي امتلأ فيها البشر بالروح القدس ، في المسيح . هذا هو جوهر احتفالية عيد العنصرة . 
خلاصة
العيد المسيحي هو احتفالية المسيحيين باستحقاق وتفعيل سر التجسد ، فيهم : 
 1-  بتجسد الكلمة ، قد سمعوا تلك البشرى الرائعة ، أن إنسانا من طبيعتهم قد نال العتق من موتهم الطبيعي ، والأعظم من ذلك أنه لم يصنع ذلك كحدث منفرد ، ولكنه صنع ذلك لحساب كل البشر ، فهو الكلمة المتجسد ، الذي صار ربا للجميع ، وفي جسده يقبل الجميع إلى حياة عدم الفساد . هو فلك نجاتهم وخلاصهم من هلاكهم ، الطبيعي . 
 2-  بتجسد الكلمة ، قد ولدوا ، معه . فهو رأس خلقتهم الجديدة ، وميلاد الرأس يعني ميلاد كل الجسد ، لأنه لا رأس حي بدون جسد حي .
  3- بتجسد الكلمة ، قد صاروا ثيوفانيين ( إذا  جاز التعبير ) ،أي صار وجودهم صورة للثالوث القدوس. فيه قد اصطبغوا بالحياة وعدم الفساد .
4-  بتجسد الكلمة ، قد صاروا مملكة ورعية لملكهم ورأسهم الرب يسوع المسيح الذي جعل من جسده مملكة أبدية ، تضمهم . وبدخوله إلى العالم قد أدخلوا إلى أورشليم جسده ، فصاروا مملكة الأحياء الى الأبد  .
  5-  بتجسد الكلمة ، قد قاموا من موتهم الطبيعي ، باشتراكهم في حياة الكلمة ، الحاضر فيهم إلى الأبد .
  6- بتجسد الكلمة ، قد صعدوا إلى الآب ، باشتراكهم في جسد الابن الصاعد إلى الآب ، بفضل كونه جسد الابن ، الخاص .
  7- بتجسد الكلمة ، قد مسحوا بالروح القدس ، الذي أتى وسكن فيهم إلى الأبد ، حينما صاروا منتمين كأعضاء لرأس مسحتهم الرب يسوع ، الكلمة المتجسد . 
 مجدي داود

ليست هناك تعليقات: