الفرق بين ولادة الابن وانبثاق الروح، كتابيا
يحدث الخلط عند البعض بين انبثاق الروح القدس
، كخروج من الآب ، وولادة الابن ،كخروج من الآب . ولكن التسليم الآبائي هو أن الانبثاق
يخص الروح القدس ، والولادة تخص الابن ومن المستحيل تقبل أن يتم تبادل المواقع . بالتأكيد
أن الكلمتين تعنيان حدث وفعل الخروج ، لاسيما في هذه المفردات العربية ، ولكن الحق
الإنجيلي ، العميق جدا ، هو أن الانبثاق والولادة هويتان أقنوميتان مختلفتان . فالانبثاق
هو هوية الروح القدس ، كشخص متمايز عن الشخصين الآخرين ، والولادة هي هوية الابن ،
كشخص متمايز عن الشخصين الآخرين . واذا كان الانبثاق هو خروج الروح القدس من الآب ،
والولادة هي خروج الابن من الآب ، فما هو الفرق بين الخروجين ؟ ماهي ماهية الخروج في
الحالتين ، التي تمثل نقطة حاكمة في التمايز الشخصي بين الروح والكلمة ؟. انبثاق الروح
القدس من الآب - كخروج - هو خروج " الفيض " من منبعه ومصدره الذاتي شخص الآب، أما ولادة الابن من الآب - كخروج - هي خروج
" كل الملء" من منبعه الذاتي ، شخص الآب . انبثاق الروح القدس من الآب هو
انبثاق لشركة ، لأن الفيض شركة بين النبع ، والملء الذي في المصب . ليس الفيض هو الملء
، وليس خروج الفيض هو قبول كل الملء . انبثاق
الروح القدس يستر ، ضمنا ، نبعا لاينضب هو الآب ، ومصبا ممتلئا لاينقص هو الابن . وولادة
الابن تستر ، ضمنا ، مصدرا ذاتيا لايتوقف ، هو الآب وفيضا مستمرا لاينقطع ، هو الروح
القدس . انبثاق الروح القدس هو عطية بغير فقدان
أو نقصان . وولادة الابن هي قبول بغير اكتساب أو زيادة .
الانبثاق هو الاستعلان الشخصي للطبيعة الروحية
التي للألوهة . الولادة هي الاستعلان الشخصي لقبول كل ملء الألوهة . الانبثاق هو هوية
شخص الروح القدس ، كفيض . الولادة هي هوية شخص الابن ، كملء.
الخلاصة،
الولادة ليست مجرد خروج ولكنها خروج كل الملء الذي لاينتقص ، فهي خروج الكل منطوقا
في الابن . والانبثاق ليس مجرد خروج ولكنه خروج الكل كشركة بين الآب والابن ، لأن الروح
القدس هو روح الآب وروح الابن بان واحد .
الفعل
"ekporeumai" ينبثق
هو الفعل اليوناني المستخدم ، في إنجيل
يوحنا للتعبير عن خروج الروح القدس من الآب : " ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا
إليكم من الآب ، روح الحق ، الذي من عند الآب ينبثق ، فهو يشهد لي . ( يو 15 : 26
)
وقد ورد الفعل مرة أخرى ، فقط ، في
انجيل يوحنا ، في : ( .. تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته ، " فيخرج"
الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة ، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة"
( يو 5 : 28 و 29 ). . الفعل ، لغويا يعني الخروج منسوبا إلى نقطة الانطلاق ، أي الخروج
من منظور نقطة الخروج ؛ فهو يعني - بتعبير دقيق - " الخروج من " ، وليس مجرد
" الخروج " ، فقط . وعلى هذا فالفعل يشير إلى تواصل واستمرار مع مصدر الخروج
، وهذا ما أحدثته إضافة الحرف " ek"
إلى أصل الفعل ، الذي يعنى الخروج والانطلاق . واذا أردنا أن ندلل على خصوصية استخدام
هذا الفعل ، في التعبير عن انبثاق الروح القدس ، فلن نجد أفضل من هذا الاقتباس من رؤيا
يوحنا : " وأراني نهرا صافيا من ماء حياة لامعا كبلور ، " خارجا من"
عرش الله والخروف " ( رؤ 22 : 1 ).
الفعل " exerchomai "، ومضمون خروج الابن
من الآب
هذا فعل آخر يستخدم ، في إنجيل يوحنا
للتعبير عن مضمون الخروج ، ولكن له استخداما مختلفا ومتمايزا عن استخدام الفعل السابق
، فالفعل يشير إلى التواصل مع هدف الخروج وليس إلى مصدره ، الفعل يعني - بطريقة دقيقة
- " الخروج إلى " ، وليس مجرد " الخروج " ، فقط ، وهذا ما أحدثته
إضافة الحرف " ex " إلى أصل الفعل ، الذي يعني المجيء، كما
في:
- " في الغد أراد يسوع أن" يخرج إلى "الجليل
." ( يو 1 : 43 )
- " فأخذوا سعوف النخل وخرجوا
للقائه ، وكانوا يصرخون : " أوصنا ! مبارك الآتي باسم الرب ! ."( يو 12
: 13 )
– "
فخرج وهو حامل صليبه الى الموضع الذي يقال له " موضع الجمجمة . "( يو 19
: 17)
تخدع الترجمة ، أحيانا ، البعض ، فيخلطون
بين الفعلين ، ومن هنا فقد ظن البعض أن استخدام القديس يوحنا اللاهوتي لفعل :
" exerchomai" ، في حديث يسوع عن خروجه من الآب ، له نفس مضمون استخدامه لفعل:
" ekporeumai " ، مع انبثاق الروح القدس من الآب . وبالتالي - وفقا لظنهم
- فان التمييز بين خروج الابن وخروج الروح ، قد بات مستحيلا ، أو على الأقل صعبا !
وواقع الحال هو أن الفعل المستخدم ، مع خروج الابن من الآب ، إنما يشير تحديدا إلى
خروج الإرسالية ، خروج التجسد ، خروج الكلمة للشركة في البشر . وكما قلنا فهو الخروج
الموجه ، المتواصل مع هدفه ، الخروج المستعلن والظاهر في النعمة . وهو معنى مختلف تماما
عن خروج الروح القدس ، على مستوى الثالوث القدوس ، بعيدا عن استعلان النعمة ، أي على
مستوى الاستعلان السرمدي للذات الالهية ، داخل شركة الثالوث القدوس .
. وهذه هي عبارات إنجيل يوحنا ، التي
استخدم فيها فعل الخروج الى العالم ( بالتجسد ) ، والتي من المستحيل أن نتخيل استخدام
نفس فعل الخروج - المذكور فيها - للتعبير عن انبثاق الروح القدس :
- "لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني
، لأني خرجت من قبل الله وأتيت . لأني لم آت من نفسي ، بل ذاك أرسلني ."( يو
8 : 42 )
- "يسوع ... من عند الله خرج
، وإلى الله يمضي ،.. "( يو13: 3و4 )
- " لأن الآب نفسه يحبكم ، لأنكم
قد أحببتموني ، وآمنتم أني من عند الله خرجت . خرجت من عند الآب ، وقد أتيت إلى العالم
، وأيضا أترك العالم وأذهب إلى الآب " . ..قال له تلاميذه :... لهذا نؤمن أنك
من الله خرجت."( يو 16 : 27 – 30)
- "لأن الكلام الذي أعطيتني قد
أعطيتهم ، وهم قبلوا وعلموا يقينا أني خرجت من عندك ، وآمنوا أنك أرسلتني .
"( يو 17 :8 )
الفعل "
didwmi" ( يعطي ) ومضمون خروج الابن من الآب
خروج الابن من الآب - على مستوى الثالوث - أو حدث ولادة الابن من الآب - في
إنجيل يوحنا - يستخدم معه فعل العطاء ، فالحدث هو إعطاء كل الملء ، كل الذات :
-" الآب يحب الابن وقد دفع ( أعطى ) كل شيء
في يده "(يو3: 35 )
"
- لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته، كذلك أعطي الابن أيضا أن تكون له حياة
في ذاته "( يو 5 : 26) .
- " أنا قد أعطيتهم المجد الذي " أعطييتنى"
، ليكونوا واحدا " كما أننا نحن واحد " . أنا فيهم وأنت في ليكونوا مكملين
إلى واحد .) .( يو 17 : 22)
- " أيها الآب أريد أن هؤلاء
الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا ، لينظروا مجدي الذي " أعطيتني "
، لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم "
.) .( يو 17 : 24)
العلاقة بين مفهومي"
الانبثاق والولادة " ومفهوم النعمة
النعمة هي استعلان حضور الثالوث الأقدس في الخليقة
، وقد بلغت ذروة استعلان النعمة ، في تجسد الكلمة ، حيث صار وجود البشرية - في المسيح
- صورة للثالوث القدوس ، ولذلك فان الهوية الأقنومية لشخوص الثالوث قد استعلنت - على
مستوى النعمة - بشركة الطبيعة الالهية ، التي تحققت للبشر ، في المسيح. والملاحظة العجيبة
هي استخدام مضموني : " الفيض و العطية " للتعبير عن النعمة ، كشركة في ذات
الحدث والهوية الأقنومية ، لكل من الأقنومين .
أولا :
فانبثاق الروح القدس ، من الآب ، أي خروج فيض الألوهة من نبع الآب - ذلك الحدث السرمدي
الذي يتحقق فيه الوجود الالهي - قد استعلن على مستوى النعمة ، الذي يتحقق فيه الوجود
الانساني الجديد ، بقبول الامتلاء من فيض الروح القدس ، المعطى في المسيح :
-
" كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا . ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه
أنا فلن يعطش إلى الأبد ، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية
."( يو 4 : 13 و 14 (
-
" إن عطش أحد فليقبل إلي ويشرب . من آمن بي ، كما قال الكتاب ، تجري من
بطنه أنهار ماء حي " قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه
، لأن الروح القدس لم يكن قد أعطي بعد ، لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد ."( يو 7
: 37 - 39 )
-
" ولما حضر يوم الخمسين ،... وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت
على كل واحد منهم . وامتلأ الجميع من الروح القدس ،."( أع 2 : 1-4 ) .
-
" بل هذا ما قيل بيوئيل النبي . يقول الله : ويكون في الأيام الأخيرة أني
أسكب من روحي على كل بشر ، فيتنبأ بنوكم وبناتكم ، ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاما
."( أع 2 : 16 و 17)
ثانيا
: ولادة الابن ، من الآب ، أي قبول عطية كل ملء الآب لابنه الذاتي - ذلك الحدث السرمدي
الذي يتحقق فيه الوجود الالهي - قد استعلن على مستوى النعمة ، بقبول الشركة في الابن
، أي التبني ، الذي يعني الشركة ، بالنعمة في عطية الآب كل ملئه للابن ، الحدث الذي
يتحقق فيه الوجود الانساني الجديد ، في المسيح . وفي هذا السياق فان لنا أن نرصد مستويين
يمثلان توصيفين لحدث النعمة :
1- شخص الابن هو عطية من الآب للبشر
:
-
" أنا قد أعطيتهم كلمتك ( اللوغوس ، بصيغة المفرد ) "( يو 17 :
14 )
-
" أنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ..أنا فيهم وأنت في ليكونوا مكملين
إلى واحد "( يو 17 : 22(
2- بالشركة في الابن - المعطى للبشر ( أي التبني )
- قد أعطيت الحياة الأبدية :
-
" لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ( أعطى ) ابنه الوحيد ، لكي لا يهلك
كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية ."( يو 3 : 16 ).
- " مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضا ،إذأعطيته سلطانا
على كل جسد ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته"( يو 17: 2 )
-
" اعملوا لا للطعام البائد ، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يعطيكم
ابن الانسان ، لأن هذا الله قد ختمه ."( يو 6 : 27 )
مجدي داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق