السبت، 21 أبريل 2012

الثالوث القدوس ( 3 )

    

   
             
                    الفرق بين ولادة الابن وانبثاق الروح، كتابيا 


    يحدث الخلط عند البعض بين انبثاق الروح القدس ، كخروج من الآب ، وولادة الابن ،كخروج من الآب . ولكن التسليم الآبائي هو أن الانبثاق يخص الروح القدس ، والولادة تخص الابن ومن المستحيل تقبل أن يتم تبادل المواقع . بالتأكيد أن الكلمتين تعنيان حدث وفعل الخروج ، لاسيما في هذه المفردات العربية ، ولكن الحق الإنجيلي ، العميق جدا ، هو أن الانبثاق والولادة هويتان أقنوميتان مختلفتان . فالانبثاق هو هوية الروح القدس ، كشخص متمايز عن الشخصين الآخرين ، والولادة هي هوية الابن ، كشخص متمايز عن الشخصين الآخرين . واذا كان الانبثاق هو خروج الروح القدس من الآب ، والولادة هي خروج الابن من الآب ، فما هو الفرق بين الخروجين ؟ ماهي ماهية الخروج في الحالتين ، التي تمثل نقطة حاكمة في التمايز الشخصي بين الروح والكلمة ؟. انبثاق الروح القدس من الآب - كخروج - هو خروج " الفيض " من منبعه ومصدره الذاتي  شخص الآب،  أما ولادة الابن من الآب - كخروج - هي خروج " كل الملء" من منبعه الذاتي ، شخص الآب . انبثاق الروح القدس من الآب هو انبثاق لشركة ، لأن الفيض شركة بين النبع ، والملء الذي في المصب . ليس الفيض هو الملء ، وليس خروج الفيض هو قبول كل الملء .  انبثاق الروح القدس يستر ، ضمنا ، نبعا لاينضب هو الآب ، ومصبا ممتلئا لاينقص هو الابن . وولادة الابن تستر ، ضمنا ، مصدرا ذاتيا لايتوقف ، هو الآب وفيضا مستمرا لاينقطع ، هو الروح القدس .  انبثاق الروح القدس هو عطية بغير فقدان أو نقصان . وولادة الابن هي قبول بغير اكتساب أو زيادة .
    الانبثاق هو الاستعلان الشخصي للطبيعة الروحية التي للألوهة . الولادة هي الاستعلان الشخصي لقبول كل ملء الألوهة . الانبثاق هو هوية شخص الروح القدس ، كفيض . الولادة هي هوية شخص الابن ، كملء.  
الخلاصة، الولادة ليست مجرد خروج ولكنها خروج كل الملء الذي لاينتقص ، فهي خروج الكل منطوقا في الابن . والانبثاق ليس مجرد خروج ولكنه خروج الكل كشركة بين الآب والابن ، لأن الروح القدس هو روح الآب وروح الابن بان واحد .
        الفعل "ekporeumai"  ينبثق 
هو الفعل اليوناني المستخدم ، في إنجيل يوحنا للتعبير عن خروج الروح القدس من الآب : " ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب ، روح الحق ، الذي من عند الآب ينبثق ، فهو يشهد لي . ( يو 15 : 26 )
وقد ورد الفعل مرة أخرى ، فقط ، في انجيل يوحنا ، في : ( .. تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته ، " فيخرج" الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة ، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة" ( يو 5 : 28 و 29 ). . الفعل ، لغويا يعني الخروج منسوبا إلى نقطة الانطلاق ، أي الخروج من منظور نقطة الخروج ؛ فهو يعني - بتعبير دقيق - " الخروج من " ، وليس مجرد " الخروج " ، فقط . وعلى هذا فالفعل يشير إلى تواصل واستمرار مع مصدر الخروج ، وهذا ما أحدثته إضافة الحرف " ek" إلى أصل الفعل ، الذي يعنى الخروج والانطلاق . واذا أردنا أن ندلل على خصوصية استخدام هذا الفعل ، في التعبير عن انبثاق الروح القدس ، فلن نجد أفضل من هذا الاقتباس من رؤيا يوحنا : " وأراني نهرا صافيا من ماء حياة لامعا كبلور ، " خارجا من" عرش الله والخروف  " ( رؤ 22 : 1 ).
  الفعل " exerchomai "، ومضمون خروج الابن من الآب  
هذا فعل آخر يستخدم ، في إنجيل يوحنا للتعبير عن مضمون الخروج ، ولكن له استخداما مختلفا ومتمايزا عن استخدام الفعل السابق ، فالفعل يشير إلى التواصل مع هدف الخروج وليس إلى مصدره ، الفعل يعني - بطريقة دقيقة - " الخروج إلى " ، وليس مجرد " الخروج " ، فقط ، وهذا ما أحدثته إضافة الحرف " ex " إلى أصل الفعل ، الذي يعني المجيء، كما في:   
 - "  في الغد أراد يسوع أن" يخرج إلى "الجليل ." ( يو 1 : 43  )
- " فأخذوا سعوف النخل وخرجوا للقائه ، وكانوا يصرخون : " أوصنا ! مبارك الآتي باسم الرب ! ."( يو 12 : 13 )
  – " فخرج وهو حامل صليبه الى الموضع الذي يقال له " موضع الجمجمة . "( يو 19 : 17)
تخدع الترجمة ، أحيانا ، البعض ، فيخلطون بين الفعلين ، ومن هنا فقد ظن البعض أن استخدام القديس يوحنا اللاهوتي لفعل : " exerchomai" ، في حديث يسوع عن خروجه من الآب ، له نفس مضمون استخدامه لفعل: " ekporeumai " ، مع انبثاق الروح القدس من الآب . وبالتالي - وفقا لظنهم - فان التمييز بين خروج الابن وخروج الروح ، قد بات مستحيلا ، أو على الأقل صعبا ! وواقع الحال هو أن الفعل المستخدم ، مع خروج الابن من الآب ، إنما يشير تحديدا إلى خروج الإرسالية ، خروج التجسد ، خروج الكلمة للشركة في البشر . وكما قلنا فهو الخروج الموجه ، المتواصل مع هدفه ، الخروج المستعلن والظاهر في النعمة . وهو معنى مختلف تماما عن خروج الروح القدس ، على مستوى الثالوث القدوس ، بعيدا عن استعلان النعمة ، أي على مستوى الاستعلان السرمدي للذات الالهية ، داخل شركة الثالوث القدوس .
. وهذه هي عبارات إنجيل يوحنا ، التي استخدم فيها فعل الخروج الى العالم ( بالتجسد ) ، والتي من المستحيل أن نتخيل استخدام نفس فعل الخروج - المذكور فيها - للتعبير عن انبثاق الروح القدس :
- "لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني ، لأني خرجت من قبل الله وأتيت . لأني لم آت من نفسي ، بل ذاك أرسلني ."( يو 8 : 42 )
- "يسوع ... من عند الله خرج ، وإلى الله يمضي ،.. "( يو13: 3و4   )
- " لأن الآب نفسه يحبكم ، لأنكم قد أحببتموني ، وآمنتم أني من عند الله خرجت . خرجت من عند الآب ، وقد أتيت إلى العالم ، وأيضا أترك العالم وأذهب إلى الآب " . ..قال له تلاميذه :... لهذا نؤمن أنك من الله خرجت."( يو 16 : 27 – 30)
- "لأن الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم ، وهم قبلوا وعلموا يقينا أني خرجت من عندك ، وآمنوا أنك أرسلتني . "( يو 17 :8 )
الفعل " didwmi" ( يعطي ) ومضمون خروج الابن من الآب   
  خروج الابن من الآب - على مستوى الثالوث - أو حدث ولادة الابن من الآب - في إنجيل يوحنا - يستخدم معه فعل العطاء ، فالحدث هو إعطاء كل الملء ، كل الذات :
 -" الآب يحب الابن وقد دفع ( أعطى ) كل شيء في يده "(يو3: 35 )  
 "  - لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته، كذلك أعطي الابن أيضا أن تكون له حياة في ذاته "( يو 5 : 26) .
-  " أنا قد أعطيتهم المجد الذي " أعطييتنى" ، ليكونوا واحدا " كما أننا نحن واحد " . أنا فيهم وأنت في ليكونوا مكملين إلى واحد .) .( يو 17 : 22)
- " أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا ، لينظروا مجدي الذي " أعطيتني " ،  لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم " .) .( يو 17 : 24)
العلاقة بين مفهومي" الانبثاق والولادة " ومفهوم النعمة
   النعمة هي استعلان حضور الثالوث الأقدس في الخليقة ، وقد بلغت ذروة استعلان النعمة ، في تجسد الكلمة ، حيث صار وجود البشرية - في المسيح - صورة للثالوث القدوس ، ولذلك فان الهوية الأقنومية لشخوص الثالوث قد استعلنت - على مستوى النعمة - بشركة الطبيعة الالهية ، التي تحققت للبشر ، في المسيح. والملاحظة العجيبة هي استخدام مضموني : " الفيض و العطية " للتعبير عن النعمة ، كشركة في ذات الحدث والهوية الأقنومية ، لكل من الأقنومين .
أولا : فانبثاق الروح القدس ، من الآب ، أي خروج فيض الألوهة من نبع الآب - ذلك الحدث السرمدي الذي يتحقق فيه الوجود الالهي - قد استعلن على مستوى النعمة ، الذي يتحقق فيه الوجود الانساني الجديد ، بقبول الامتلاء من فيض الروح القدس ، المعطى في المسيح :
 -  " كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا . ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد ، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية ."( يو 4 : 13 و 14 ( 
 -  " إن عطش أحد فليقبل إلي ويشرب . من آمن بي ، كما قال الكتاب ، تجري من بطنه أنهار ماء حي " قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه ، لأن الروح القدس لم يكن قد أعطي بعد ، لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد ."( يو 7 : 37 - 39  )
 -  " ولما حضر يوم الخمسين ،... وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم . وامتلأ الجميع من الروح القدس ،."( أع 2 : 1-4 ) .
 -  " بل هذا ما قيل بيوئيل النبي . يقول الله : ويكون في الأيام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل بشر ، فيتنبأ بنوكم وبناتكم ، ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاما ."( أع 2 : 16 و 17)
ثانيا : ولادة الابن ، من الآب ، أي قبول عطية كل ملء الآب لابنه الذاتي - ذلك الحدث السرمدي الذي يتحقق فيه الوجود الالهي - قد استعلن على مستوى النعمة ، بقبول الشركة في الابن ، أي التبني ، الذي يعني الشركة ، بالنعمة في عطية الآب كل ملئه للابن ، الحدث الذي يتحقق فيه الوجود الانساني الجديد ، في المسيح . وفي هذا السياق فان لنا أن نرصد مستويين يمثلان توصيفين لحدث النعمة :
1- شخص الابن هو عطية من الآب للبشر :
    -  " أنا قد أعطيتهم كلمتك ( اللوغوس ، بصيغة المفرد ) "( يو 17 : 14 )
 -  " أنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ..أنا فيهم وأنت في ليكونوا مكملين إلى واحد "( يو 17 : 22(
2-  بالشركة في الابن - المعطى للبشر ( أي التبني ) - قد أعطيت الحياة الأبدية  :
 -  " لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ( أعطى ) ابنه الوحيد ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية ."( يو 3 : 16 ).
 - " مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضا ،إذأعطيته سلطانا على كل جسد ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته"( يو 17: 2 )
 -  " اعملوا لا للطعام البائد ، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يعطيكم ابن الانسان ، لأن هذا الله قد ختمه ."( يو 6 : 27 )
مجدي داود

ليست هناك تعليقات: