محاور أساسية للإجابة
للإجابة على السؤال لابد لنا من أن
نخضع عقولنا لعملية عصف ذهني حر ، في عدة محاور هي مفاهيم أساسية تتضافر معا مكونة
بنية الإجابة :
1- الانتماء إلى المسيح .
2- الحكم على الآخر .
3- مصطلح " الأمم " .
4- مقاصة الإيمان .
5- السر الكنسي وعلاقته بالآخر ، غير
المسيحي .
6- مصطلح " الكرازة "
1- الانتماء
إلى المسيح
مفهوم الانتماء إلى المسيح
للانتماء
- إلى المسيح - مفهوم ومضمون مختلف ، لايعرفه البشر ، مقارنة بذلك المفهوم الذي لديهم
. فالانتماء إلى المسيح ليس انتماءا " من الخارج " ، بمعنى أنه ليس كأي انتماء
إلى فكرة معينة - يتم الاقتناع بها - أو إلى شخص تاريخي ، تلتصق به الأذهان والأفئدة
( من الخارج ) ، ولكنه انتماء إلى الداخل ، أي انتماء إلى داخل الشخص ذاته . والحقيفة
أن العالم لم يعرف مثل هذا النوع من الانتماء ؛ فلم يعرف العالم فكرة معينة قد تم التماهي
، والتوحد، معها إلى درجة الولوج فيها ، كجزء منها . ولم يعرف العالم شخصا تاريخيا
انتمى إليه نفر لدرجة أنهم صاروا مستوعبين داخله ،كأجزاء منه ، ولكن المسيح هو هكذا
. المسيح ليس مجرد شخص تاريخي - تنتمى إليه الكنيسة فكريا أوعقائديا ، بل إنه شخص يحتوي
الكنيسة ؛ فهي جسده الخاص ، وبدون هذا الانتماء يبقى المسيح مجرد رأس لكيان فارغ
!!!. وهكذا يتكمل ويمتلئ المسيح بانتماء الكنيسة إليه ، ويذكرنا ذلك ، بالالحاح - والتأكيد
المستمر والمستميت للرسول بولس - على تعبير ( في المسيح ) كتعبير عن كيان الكنيسة ،
التي بدورها ، ليس لها وجود ، خارجا عن هذا الاسم .
آلية الانتماء
، إلى المسيح
فعل الانتماء المسيحي وديناميكيته ليس فعلا بشريا
؛ فالحق الالهي يعلمنا أن الكلمة صار جسدا ، أى أن الكلمة هو الذى انتمى إلى البشر
، حتى أنه صار " ابن الانسان " . فاتجاه حركة الانتماء هو اتجاه نازل وليس
اتجاها صاعدا . هو الذى انتمى إلينا أولا فصرنا منتمين إليه ، فيه . انتماء الكلمة
إلى الإنسان هو " الفعل " بينما انتماء الإنسان إلى الكلمة هو " رد
الفعل ". وبالتأكيد ، إن للمفهوم طبيعة مزدوجة ؛ فالكلمة حينما صار جسدا ، تأله
البشر فيه ، صائرين شركاء في الحياة الأبدية -التي له - وهذا هو مفهوم " النعمة
" ، ولكن تبقى الحقيقة المؤكدة ، أن حدث الانتماء - بفعله ومساره - هواتجاه نازل
، هو اتجاه تجسد الكلمة ؛ فشخص" الابن " هو المعطى (بضم الميم ) إلى العالم
- هذا هو الانتماء ( كفعل ) - وفيه قد صعد البشر إلى الآب ، منتمين إليه ، وهذا هو
الانتماء ( كرد فعل ) .إذن ، حدث الانتماء هو الاختراق الذي
صنعه الكلمة بتجسده ، مهيئا لنفسه جسدا من البشر ، جاعلا إياه رأسا لكيان وجودهم الجديد
، ومن هذه الرأس ( الرب يسوع المسيح ) ينطلق مسار حركة الانتماء - بقدرته الذاتية وإرادته
التي تخترق الكل - لجذب كل الأعضاء ، حتى مايكتمل كيان المسيح ، الممتلئ بكنيسته .
2- الحكم على الآخر
1- مفهوم الدينونة
الدينونة ، أو الحكم بالإدانة هي حالة " الكشف
" و " التعرية " لخرق قانوني ، يؤدي للوقوع تحت طائلة القانون . ما نحن بصدده هو قانون الحياة والوجود
، المستعلن في ناموس ( قانون ) المسيح ، كقول الرسول بولس : " تمموا ناموس المسيح
" ( غل 6 : 2 )، والحياة الأبدية - المعطاة للبشر في
شخص الكلمة المتجسد - هي فحوى ومضمون " القانون "، وعدم الايمان بالمسيح
، ورفضه سوف يفتضح ، باستمرار حالة الموت ، وعدم الخلاص منها : " الذي يؤمن بالابن
له حياة أبدية ، والذي لايؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله " .
( يو 3 : 36 ) .اذن ، الدينونة هي حالة سلبية ، تعني تحصيلا حاصلا لعدم قبول الدخول
إلى مظلة " قانون " الحياة ، أي "شخص المسيح " . وبالتالي فإن
التمايز الصارخ - بين الحياة والموت ، بين هؤلاء الذين في المسيح ، وأولئك الذين خارجه
- هو في حد ذاته ، حدث النطق بحكم الدينونة على الذين ليسوا في المسيح : " لأنه
لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم ، بل ليخلص به العالم . الذي يؤمن به لايدان
، والذي لايؤمن قد دين (بالفعل ) ، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة
: أن النور قد جاء إلى العالم ، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت
شريرة . لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور ، ولا يأتي إلى النور لئلا توبخ أعماله
. وأما من يفعل الحق فيقبل إلى النور ، لكي تظهر أعماله بالله معمولة " . ( يو
3 : 17 - 21 )
2-القانون الذي يحتكم إليه ، بالدينونة
المرجعية القانونية ، التي نحن بصددها ، ليست هي
الناموس ( القانون ) - بمفهومه العتيق - بل هي شخص المسيح ، الذي هو ، غاية الناموس
. الخروج عن القانون - هنا - هو الخروج عن " شخص المسيح " . وليس لدينا أوضح
من القاعدة الكتابية ، التي يسجلها الرسول بولس : " لاشيء من الدينونة الآن على
الذين هم في المسيح يسوع " .( رو 8 : 1 )
3- أهلية الحكم بالدينونة
لكي يكون القاضي ، قاضيا حقيقيا ،
لابد أن يكون مدركا لحدود وأطر القانون ، أي لابد له أن يكون مدركا لشروحات وفحوى تفاصيل
القانون . هذا الإدراك يؤهله للحكم ، بالخروج عن القانون - اذا كان هناك خروج عن القانون
في القضية المعروضة عليه - وبالتالي يستطيع ، وهو مرتاح الضمير ، أن يحكم بالإدانة
. وأما عن القضية - التي نحن بصددها - فالقانون ليس مجرد " نص " ، يحتكم
إليه ، بل هو شخص يتجاوز الزمان والمكان ( شخص المسيح ). حقا ، إننا- نحن المسيحيين
- نمتلك تصوراتنا عن القانون (شخص المسيح ) ، ولكننا ، بالفعل لن نتجاسر على القول
بأننا نتماهى مع القانون ولا نتجاسر على القول بأننا نمتلك حدود القانون وأطره ، وبالتالى
لانتجاسر على القول ، بأننا نستطيع أن نحكم - على أحد بالخروج عن القانون . إننا الآن
- في هذا العالم – لانتجاسر على القول بأننا قضاة ! .نحن المسيحيون مدعوون لأن نصير"
قضاة "، ولكن ليس في هذا العالم ، بل حينما نتكمل ، ( في المسيح ) . فقط ، حينما
نخرج من هذا العالم - ونصير أعضاء فيه - نستطيع أن ندين العالم ، لأن " القديسين
سيدينون العالم " ( 1 كو 6 : 2 )
3- مصطلح
: " الأمم "
أولا : مفهوم الخريطة الدينية
اسمحوا لي أن أنحت هذا المصطلح ، وإنني أرى أنه مهم
جدا لفهم مصطلح " الأمم " . وما أعنيه ، بتلك " الخريطة " هو
: علاقة الله بالشرائح المختلفة للبشر ، المعلنة في الكتاب المقدس ( بعهديه ) . ولهذه
الخريطة وجهان : وجه ظاهري ، يبدو عنصريا ، فنرى " شعب الله المختار " ،
الذي أعلن له الله ذاته ، من خلال " الناموس " ونرى أيضا - في نفس المشهد
- الأمم ، المحكوم عليهم بالإقصاء من العلاقة نهائيا . ونرى أيضا وجها آخرا للخريطة
، يتكشف في مسار النعمة ، وهو وجه يمثل عدالة الله ، المستترة وراء ذلك المشهد ؛ فبينما
يحدث ، التمرد والرفض ، داخل حظيرة الإيمان ، التي لشعب الله " المختار"
، نرى رعية يتم اجتلابها ، من الأمم ( المرفوضين والمدانين ، سابقا ) ، لتدخل إلى حظيرة
الايمان .إذن ، هذا هو النموذج ( الخريطة )
: شعب مدعو للإيمان ( داخل الحظيرة ) ، شعوب مرفوضة ( في الخارج ) ، متمردون ( في الداخل
) و مستجلبون ( من الخارج ). هكذا كان
" اسرائيل القديم " ، الشعب المختار ، في مقابل " الأمم " ( الكلاب
الضالة ، المدانة ، المحكوم عليها بالموت ، روحيا ) ، وبينما يتمرد ، ذلك " المختار"
! ، يقيم الله ، من أولئك " الكلاب " أمة " ، يغيظهم بها ، بقبولهم
المسيح ، الذي هو: غاية الناموس ( التي لم يدركوها ). فى العهد الجديد ، يتجلى تطبيق
نفس النموذج ، ويصبح التطبيق القديم ، مجرد رمز ، يتم امتلاؤه في التطبيق الجديد ؛
فالشعب " المختار" ، في العهد الجديد ( اسرائيل الجديد ) ، هو رافد الكنيسة
، التي قبلت دعوة الإنجيل ، في العالم كله . اسرائيل الجديد هو المدعوون مسيحيين ،
هو رافد الكرازة الرسولية ، للعالم أجمع . وأما في الخارج ، فيوجد من هم يمثلون المفهوم
الجديد للأمم ، هؤلاء هم المحكوم عليهم ( في هذا العالم ) ، بالسجن داخل ثقافات ومعتقدات
مختلفة ، يكاد يكون من المستحيل اختراقها (عمليا وواقعيا ) بواسطة كرازة الانجيل ،
وهم أيضا - وللأسف الشديد - محكوم عليهم من المسيحيين ، بالإقصاء خارج المسيح ، وفي
وسط هذه المساحة ( الخارجية ) المترامية من الثقافات والمعتقدات - المغايرة للثقافة
والمعتقد المسيحي - يوجد الكثير من البشر الذين قد هيأهم الله ، بالنعمة ليصيروا شركاء
في المسيح ، عوضا عن ذلك ، المتمرد ، داخل اسرائيل الجديد ، عوضا عن " ابن الهلاك
" . وفى صلاته الأخيرة ، يقدم الرب يسوع ، خريطة العهد الجديد ، في كامل وضوحها
، فيقول : " حين كنت معهم في العالم كنت أحفظهم في اسمك ، الذي أعطيتنى ، حفظتهم
ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب …. ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط ، بل
أيضا من أجل الذين يؤمنون بي بواسطة كلمتهم " ( يو 17 : 12 و 20 )
ثانيا : عدالة الله
نحتاج إلى الاستنارة ، لكي نفهم النص
الكتابي ., فيما يلي بعض النصوص ، ونسأل الرب أن ينيرها أمام أذهاننا :
- ( " ففتح بطرس فاه وقال :
" بالحق أنا أجد أن الله لايقبل الوجوه . بل في " كل أمة " ، الذي يتقيه
ويصنع البر مقبول عنده . الكلمة ( اللوغوس ) التي أرسلها إلى بني اسرائيل يبشربالسلام
بيسوع المسيح . هذا هو " رب الكل " " ) . ( أع 10 : 34 – 36 )
- ( " لأني لست أستحي بإنجيل
المسيح ، لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن : " لليهودي أولا ثم لليوناني
" . لأن فيه معلن بر الله بإيمان ، لإيمان ، كما هو مكتوب : " أما البار
فبالإيمان يحيا " " ) .( رو 1 : 16
)
- ( أما الذين بصبر في العمل الصالح
يطلبون المجد والكرامة والبقاء ، فبالحياة الأبدية . وأما الذين هم من أهل التحزب ،
ولايطاوعون للحق بل يطاوعون للإثم ، فسخط وغضب ، شدة وضيق ، على كل نفس إنسان يفعل
الشر : " اليهودي أولا ثم اليوناني " . ومجد وكرامة وسلام لكل من يفعل الصلاح
: " اليهودي أولا ثم اليوناني ". لأن " ليس عند الله محاباة ) . ( رو
2 : 7 – 11)
- ( " لأن الكتاب يقول :
" كل من يؤمن به لا يخزى " . لأنه لافرق بين " اليهودي واليوناني
" . لأن " ربا واحدا للجميع " ، مغنيا لجميع الذين يدعون ( بضم الياء
وتسكين الدال ) به . لأن " كل من يدعى باسم الرب يخلص" . فكيف يدعون بمن
لم يؤمنوا به ؟ وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به ؟ وكيف يسمعون بلا كارز ؟ ." )
.( رو 10 : 11 - 14 )
تعليق
عبارة : " اليهودي أولا ثم اليوناني
" ، هى إشارة لتتابع إدراك ووعي كنيسة العهد الجديد ؛ فاسرائيل الجديد ، الذي
صارت إليه دعوة كرازة الإنجيل ، هو اليهودي ، الذي يجتاز الخبرة أولا ، في هذا العالم
؛ فيقبل - بما أتيح له من وعي - صورة الايمان ، بالمسيح ، وهو مدعو لتنامي هذه الصورة
، إلى الشركة الأبدية في كيان المسيح ( كرافد من روافد الكنيسة ) ، وبالطبع يتم رفض
الدعوة من قبل ابن الهلاك . أما " اليوناني " ، فهو ذلك الرافد الآتى من
" الأمم " ، غير المدعوين ، والذي سينفتح إدراكه - لحقيقة ذاته (ككنيسة
) - مؤخرا ، عندما يغادر هذا العالم .
آلية عدالة الله
الله يتيح فرصة عادلة للجميع لكي يأتوا
وينضموا إلى جسد ابنه . هذه الفرصة ليست متوقفة ، على مستوى الوعي والإدراك الثقافي
- نوعا أو كما - ولكنها محكومة بالتهيئة الطبيعية ، التي تكرسها النعمة ، في الفرد
الإنساني ، المعين- سابقا - للحياة الأبدية ، في المسيح يسوع ، ولذلك ، فإن المجهولين
، المغتربين - في الأمم - ماأن يتكملوا- باستثمار ناموسهم الطبيعى لحساب المسيح ، إلا
ويقال لهم أن وجودهم هو مضمون وغاية الإنجيل ، الذي لم تتح لهم الفرصة لكي يؤمنوا به
في هذا العالم :
- " لأن ليس الذين يسمعون الناموس
هم أبرار عند الله ، بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون . لأنه " الأمم الذين
ليس عندهم الناموس ، متى فعلوا بالطبيعة ماهو في الناموس ، فهؤلاء إذ ليس لهم الناموس
هم ناموس لأنفسهم ، الذين يظهرون عمل الناموس مكتوبا في قلوبهم شاهدا أيضا ضميرهم وأفكارهم
فيما بينها مشتكية أو محتجة ، في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب "
انجيلى" بيسوع المسيح " ( رو2: 13-16)
- " فماذا ؟ إن كان الله ، وهو
يريد أن يظهر غضبه ويبين قوته ، احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك . ولكي يبين
غنى مجده على آنية رحمة قد سبق فأعدها للمجد ، التي أيضا دعانا نحن إياها ، ليس من
اليهود فقط بل من " الأمم " أيضا . كما يقول في هوشع أيضا : " سأدعو
الذي ليس شعبي شعبي ، والتي ليست محبوبة محبوبة . ويكون في الموضع الذي قيل لهم فيه
: " لستم شعبي "، أنه هناك يدعون أبناء الله الحي " . وأشعياء يصرخ
من جهة اسرائيل : " وإن كان عدد بني اسرائيل كرمل البحر ، " فالبقية
" ستخلص . لأنه متمم أمر وقاض بالبر . لأن الرب يصنع أمرا مقضيا به على الأرض
" . وكما سبق أشعياء فقال : " لولا أن رب الجنود أبقى لنا نسلا ، لصرنا مثل
سدوم وشابهنا عمورة " . ( رو 9 : 22 – 28 )
. اذن ، الناموس الطبيعي ( للمختارين
من الأمم ) ، من الممكن أن يتطور - بالنعمة النابعة من الكلمة المتجسد - إلى ناموس
المسيح ، بينما اختزال الناموس في صيغة المحتوى الشكلي والتصديق المعتقدي - للمدعوين
" مسيحيين " ، فهذه هى حقيقة وواقع " ابن الهلاك " .
4- مقاصة
الإيمان
اسمحوا لي أن أستخدم هذا التعبير
( التجارى ) ، الذي يبدو غريبا عن سياق حديثنا ، ولكنني أجده هاما للغوص في مفهوم
" الإيمان " ، فعندما يقدم الرسول بولس - في ( عب : 11 ) - أعظم تنظير لمفهوم
الإيمان ، فهو لايقدمه كمضمون لصورة ، ثابتة ، محددة ولكنه يقدمه " كمعالجة نعموية
" ، لصور حياتية ، مختلفة عاشها رجال الله ، المؤمنون - كل في زمانه الخاص وفي
" صورته " الخاصة ، وبالرغم من ذلك ، قال عنهم أنهم : ( " في الايمان
مات هؤلاء أجمعون ، وهم لم ينالوا المواعيد ، بل من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها ،
… ولكن الآن يبتغون وطنا أفضل ، أي سماويا . " لذلك " لايستحي " بهم
الله أن يدعى إلههم ، لأنه أعد لهم مدينة " . " ). ( عب 11 : 13 - 16 )
. لذلك - وبصفة عامة - نجد الرسول
بولس - حينما يتحدث عن المفهوم الشامل ، والعميق للإيمان ، الذي يتحقق به وجود الكنيسة
، بكل روافدها - فإنه يستخدم كلمات تشير إلى تلك المعالجة ، لصور إيمان عظماء الإيمان
، المختلفة ؛ فيستخدم فعلا مثل " يستحي " ، الذي ذكرناه في الاقتباس السابق
. أيضا في مثل اخر ، يقول : " لأني لست " أستحي" بانجيل المسيح ، لأنه
قوة الله للخلاص لكل من يؤمن : لليهودي أولا ثم لليوناني . لأن فيه معلن بر الله بإيمان
، لإيمان ، كما هو مكتوب : " أما البار فبالإيمان يحيا " .( رو 1 : 16 و
17 ) . وأيضا كما في : ( " لأنه لاق بذاك الذي من أجله " الكل " وبه
" الكل "، وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد ، أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلآم
. لأن المقدس والمقدسين "جميعهم " من واحد ، فلهذا السبب " لايستحي
" أن يدعوهم إخوة ، قائلا : " أخبر باسمك إخوتي ، وفي وسط " الكنيسة
" أسبحك "." ) . ( عب 2 : 10 - 12 ) . الاستحياء ( الخجل ) هو الشعور
بعدم لياقة أمر ما . وعدم الاستحياء - الذي نحن بصدده - يعني أنه ليس من غير اللائق
بالله أن يؤمن به البشر، منطلقين من صور شتى ، متعدده ولكنه يليق بالله أن يؤمن به
الكل ، في الكنيسة . وحقيقة الأمر هي أن الاستحياء والخجل هو منظورنا ، نحن ، الذين
نعتقد أنه لايليق أن يوجد في كنيسة الله أي روافد غيرنا . وأيضا ، هناك فعل آخر يستخدمه
الرسول بولس ، يفيد مضمون إعادة التقييم والحساب ، الذي يكشف بعدا جديد للصورة ، لم
يكن واضحا قبلا ، وهو فعل " الحسبة " ، فعل التقييم كما لو كنا نصنع
" مقاصة " :
- ( " فإن الختان ينفع إن عملت
بالناموس . ولكن إن كنت متعديا الناموس ، فقد صار ختانك غرلة ! إذا إن كان الأغرل يحفظ
أحكام الناموس ، أفما " تحسب " غرلته ختانا ؟ وتكون الغرلة التي من الطبيعة
، وهي تكمل الناموس ، تدينك أنت الذي في الكتاب والختان تتعدى الناموس ؟ لأن اليهودي
في الظاهر ليس هو يهوديا ، ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختانا ، بل اليهودي
في الخفاء هو اليهودي ، وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان ، الذي مدحه ليس من
الناس بل من الله " ) . ( رو 2 : 25 – 29 )
- ابراهيم ، أبو الآباء : (
" آمن بالله " فحسب " له برا " ) . ( غل 3 : 6 ) .
- " ولكن لم يكتب من أجله وحده
أنه "حسب " له ، بل من أجلنا نحن أيضا ، الذين "سيحسب " لنا ،
الذين نؤمن بمن أقام يسوع ربنا من الأموات . الذي أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا
". ( رو 4 : 23 - 25 ) . - " بالإيمان قدم ابراهيم اسحاق وهو مجرب . …إذ
"حسب " أن الله قادر على " الإقامة من الأموات " .( عب 11 :
17 - 19 )
- " بالإيمان سارة نفسها أيضا أخذت قدرة على
إنشاء نسل ، وبعد وقت السن ولدت ، إذ " حسبت " الذي وعد صادقا " .
( عب 11 : 11 (
- " بالإيمان موسى لما كبر أبى
أن يدعى ابن ابنة فرعون ، مفضلا بالأحرى أن يذل مع شعب الله .. " حاسبا عار المسيح
" غنى أعظم من خزائن مصر ، لأنه كان ينظر إلى المجازاة . " ). ( عب 11 :
24 – 26)
. كل شخص من عظماء الايمان ، المذكورين في "
عب11 " قد عاش خبرة خاصة به ، عاش صورة معينة ، ولكن الجميع قد اتفقوا فى شيء
واحد ، هو أنهم كانوا ينظرون إلى مابعد الصورة ؛ فإن اختلف الجميع في تفاصيل و أحداث
صور الإيمان ، فقد اتحد الجميع في تأويل فحوى وجوهر كل الصور ، أي شخص المسيح . الايمان
ليس صورة محددة ولكنه " تجاوز وتخطي كل الصور" . تشييء الإيمان في صورة محددة
هو تفريغ للإيمان من مضمونه . الصورة هي الخبرة البشرية - الأولى - بالله ، والتي
- من المفترض -أن تخضع لتجاوز النعمة ، في طريق الشركة ، في المسيح . وبالنسبة لنا
، نحن المسيحيين فإن فهمنا لكلمات الانجيل ، واستيعابها ذهنيا ، هو مجرد صورة ، والنقطة
الحاكمة هي جوهر تلك الكلمات ( شخص المسيح ) ، وليس مجرد الصورة الذهنية التي ترسمت
في أذهاننا عن المسيح . ومن المنظور العام والشامل فإن الصورة
الاستاتيكية ( الثابتة ، الساكنة ) ليست هي طبيعة الإيمان بل إن ديناميكية تجاوز هذه
الصورة - أيا كانت ( عقيدة أو ثقافة ) - في اتجاه المسيح هي جوهر حركة الإيمان ، وهذا
يقودنا إلى القول بأن كل الصور هي " متكافئة " وليس هناك أي أفضلية - لصورة
على أخرى - بالنسبة إلى الجوهر النهائي ، المحقق من خلال تجاوز كل الصور ( شخص المسيح
الممتلئ بالكنيسة ). أينما تتجه عيناك - في الكون - فالمفترض أنهما تتجهان صوب المسيح
، الكلمة الحال في الكل . القضية الأساسية هي قدرتك على البصر ، تلك القدرة التي تنطلق
من حالة العمى ! ؛ فالكل عميان ، يبدأون رحلة الايمان ، فتنفتح أعينهم في المسيح ،
ليدركوا - حينئذ - مدى فشل وانهيار " الصورة " الأولى ، أيا كانت . والأمر
أشبه بأن تضع عدة صور أمام عدد مماثل من العميان ، واتركهم يتخيلون - كل بطريقته -
ماعسى أن تكون تلك الصور ، وتخيل حكمهم على تلك الصور - في حالة افتراضنا بأنهم جميعا
قد أبصروا . الإجابة الوحيدة الصحيحة هي أن الكل ، وان كان قد اختلفت الصور الموضوعة
أمامهم ، إلا أنهم جميعا قد اتفقوا على حكم واحد بخصوص جميع الصور الذهنية التى كونوها
، وهذا الحكم هو أن كل هذه الصور ، في حد ذاتها ، ليست الحقيقة . كل الصور هى متكافئة
- إيجابيا - من منظور قابليتها لاختراق النعمة ، وتجاوزها ، الذي يصب في المسيح . وكل
الصورهى متكافئة - سلبيا - من منظور تركها والتخلي عنها ، في المسيح . صورة إيماننا - نحن المسيحيين - هي
صورة متكافئة مع كل الصور ، الاستاتيكية الأخرى - من حيث كونها لاتمتلك القوة الذاتية
للوصول إلى الأصل - مالم يتم إخضاعها وتجاوزها بالنعمة ؛ فنحن نقبل الإنجيل ، كلمة
الله المكتوبة ، بعقولنا الطبيعية ، ولكن اشتراكنا في " الكلمة الشخص" لم
يتكمل ، بعد . ونحن ندخل الكنيسة ( المبنى ) ، ولكن دخولنا إلى " الكنيسة ، جسد
المسيح "، لم يتكمل ، بعد . نحن نؤدي الطقوس الأرثوذكسية ، ولكننا لم نتحرر إلى
طقس السماء ، بعد . نحن نعيش المنظور ولكننا لم نعش غير المنظور ، بعد . اختزال القضية - في مجرد التعاطي مع الصورة الاستاتيكية
- هو الإقصاء الأبدي عن المسيح .الفرق الأساسى بين تعاطي النعمة -
مع صورتنا - وتعاطيها مع صورة " الآخر" ( غير المسيحي ) هي في " آلية
التجاوز " ؛ فبينما يتم ذلك - بالنسبة لنا - بطريقة كمية ، تراكمية ، يتم - بالنسبة
للآخر - بطريقة نوعية ، دراماتيكية . بالنسبة لنا ، يتطور مستوى وعينا تدريجيا ، فيتنامى
إدراكنا لكياننا ، ككنيسة . وبالنسبة للآخر ، تنفتح عيناه بطريقة مفاجئة ، ليجد نفسه
في المسيح ، بالمسيح . بالنسبة لنا ، يجب أن يوضع " الطين " - الذي صنعه
يسوع - على أعيننا ، ثم يجب أن نجتاز الطريق إلى سلوام ، ثم يجب أن نغتسل ، وفى نهاية
الطريق ( التراكمي ) ، نعود مبصرين ، وبالنسبة للآخر يكفي أن يقول له يسوع :
" اذهب . إيمانك قد شفاك " فللوقت يبصر ويتبع يسوع في الطريق " . (
مر 10 : 52 ). التنامي االتدريجي لوعينا (
نحن المسيحيين ) ، بالمسيح ، لايفرض على المسيح تطبيق نفس الأسلوب مع الآخر ؛ فهو قادر
أن يعطي الآخر ، الحد الأقصى للوعي ، الذي لم نستطع ، نحن الوصول إليه ، إلا تدريجيا
.
الخلاصة :
آلية التجاوز والتخطي - لكل الصور - الحادثة بالنعمة - هي رمانة ميزان عدالة الله ،
بخصوص الفرصة المتكافئة للكل ، وهي أساس " مقاصة الإيمان " ، التي تزن وتحسب
ماتستحقه صور الوعي البشري المختارة لأن تشترك في المسيح .
5- السرالكنسي وعلاقته بالآخر ( غير المسيحي )
والآن لنا سؤال كاشف : هل يجوز لنا
أن نعتقد بأن قدرة سر المسيح ، مغلولة بسقف وعينا وإدراكنا به ؟ .هل يحدد مستوى الوعي
- بسر المسيح - مدى استحقاق هذا السر في البشر ؟ أم أن سر المسيح ( الكلمة المتجسد
في البشر ) هو الاختراق الأعظم في الخليقة ، الذي لايمكن أن يحتكره ، مجرد الوعي به
والإدراك له من قبل شريحة معينة ، من البشر ، . وبالتالي فان تلك القدرة تتخطى - بطريقة
مطلقة - أي مستوى من مستويات الوعي والإدراك البشري ؟.نحن المسيحيون ، ونحن ننطلق إلى
الشركة في سر المسيح ، إنما ننطلق من مستوى وعي نسبي ، يميزنا عن الآخر- الذي بلا وعي
ولا إدراك ، لذلك السر- ولكن يظل هذا المستوى ، من الوعي - واقعيا - جهالة ، ويبقى
مجرد منطلق وبداية لحركة السر ، وليس كمالا للسر .نحن ننطلق من صورة ذاتنا ، من صورة
أنانيتنا ونرجسيتنا ، نحو ذات بديلة ، هي شخص المسيح .و طقس السر الكنسي هو صورة وعينا
النسبي ، بذاتنا وبسر المسيح ، تلك الصورة التي نتجاوزها ، في ديناميكية " الرمز"
التي تصب في المسيح .. نحن نعي وندرك صورة خلقتنا وولادتنا من العدم - واصطباغنا بصبغة
الوجود - حينما ننطلق من طقس المعمودية .وغاية المعمودية هي أن نصطبغ بالمسيح ( قد
لبستم المسيح . غل3 :27 ) . فهل مازلنا نعتقد بأن المعمودية هي فقط مجرد صورة التغطيس
( في الماء المقدس ).؟. نحن نعي وندرك صورة هشاشة وجودنا وعدم ثباته ، حينما ننطلق
من طقس المسحة (التثبيت )، وغاية المسحة هي أن يصير وجودنا -
في المسيح - هيكلا أبديا للروح القدس . فهل مازلنا نعتقد بأن سرالمسحة هو مجرد ، صورة
مسحة الزيت المقدس ؟.. نحن نعي وندرك صورة تشرذمنا وتفرقنا ، حينما ننطلق من طقس كسر
الخبز ( الإفخارستيا )وغاية الإفخارستيا هي
أن نصير شركاء في جسد المسيح . فهل مازلنا نعتقد بأن الإفخارستيا هي مجرد صورة الأكل
للخبز المقدس ؟. إذن صورة السر (الطقس ) هى
مجرد منطلق لحركة الرمز - الذي يكشفه ويملأه السر - نحو جوهر السر ، شخص المسيح ذاته
. وأما نظرة التماهي بين الصورة والجوهر، والتغاضي عن حركة الرمز- التي هي بمثابة رحلة
النعمة الفاصلة بينهما - فهي التي تدمر مفهوم السر ، وتعيده إلى الممارسات الفريسية
العتيقة ، وربما تعيده إلى الوثنية !.. نحن المسيحيون ، حينما نمارس السر الكنسي فنحن
نعيش المسيح ، ولسنا نعيش صورة السر ( طقس السر ) . المسيح شخص حي وليس صورة طقسية
. المسيح واحد يجمع الكل . وصور السر الكنسي متعددة ، ولكن كل منها ، على حدة يهدف
إلى الشركة في المسيح الواحد .والآن نستطيع أن نقول بأن طقس السر ليس هو النقطة الحاكمة
، وليس هو المعيار الذي يحتكم إليه في دينونة الآخر ، بل إن المعيار هو جوهر السر ،
شخص المسيح ذاته ، ذلك الشخص الذي ، من المستحيل أن يكون الطريق إليه ، غيرمنطلق إلا
من صورتنا ، نحن ، فقط .صورة السر ( العلامة ) هي صورتنا نحن ، ننطلق منها لنتجاوزها
إلى الشخص ، وأما الآخر ، غير المسيحي ، فالكلمة المتجسد ، له القدرة أن يأتي به محققا
سره فيه؛ فيلبسه ذاته ، صابغا إياه بصبغة الحياة ، دون احتياج
لصورة طقس المعمودية ، كما نختبره نحن .. وجاعلا
إياه هيكلا للروح القدس ، دون احتياج لصورة طقس مسحة الزيت ، كما نختبره نحن . . مصيرا إياه شريكا في جسده ، دون احتياج لصورة طقس
كسر الخبز ، كما نختبره نحن .
خلاصة
إذا كان سر المسيح هو مجرد طقس ( صورة ) فإنه يجوز
لنا - بضمير مستريح - أن نكون قضاة وأن نحكم بالهلاك الأبدي على الآخر ( الذي بلا طقس
) ، ويجوز لنا أيضا أن نطرده من الشركة في المسيح . ولكن إذا كان سر المسيح هو شخص
المسيح ، ذاته ، فإنه يجب علينا أن نعتقد بأنه يليق بذلك الشخص أن يكون قادرا على تكميل
كيانه ، برافد يجتلبه من ذلك الآخر ، أيا كان طقسه ( صورته ).. باختصار شديد ، وصادم
، نستطيع أن نقول بأن القناعة بتماهي السر الكنسي مع علامته الظاهرة ، لدى نفر من المسيحيين
، يجعلهم معتقدين باحتكارهم لشخص المسيح .
6- مصطلح " الكرازة "
في سياق تنظير الرسول بولس - بالروح
- لمصطلح " الكرازة "، نجده يقدم تعبيرا عجيبا ومدهشا هو "جهالة الكرازة
" : " لأنه إذا كان العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة ، استحسن الله
أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة ." ( 1كو1 : 21 ).. لغويا ، مفردة " الجهالة
" ، الواردة هنا ، ( في الأصل اليوناني ) لاتعني عدم المعرفة ، بل تعني عدم فاعلية
(عدم صلاحية ) المعرفة ، المتاحة ، ويستخدم الرسول بولس - في نفس السياق - مفردة مقابلة
، في المعنى هى مفردة " الحكمة " . والحكمة ليست هي المعرفة ، بل هي قوة
وفاعلية وجوهرالمعرفة ، . ولعل أفضل مثل على هذه المقابلة ، الكاشفة هو هذه الآية
: " فإن كلمة الصليب عند الهالكين "جهالة "، وأما عندنا نحن المخلصين
فهي " قوة الله "، لأنه مكتوب : " سأبيد حكمة الحكماء ، وأرفض فهم الفهماء
". ( 1كو1: 18و19 ). الجهالة هي البطلان ، هي التحييد ، هي الصورة الميتة
، لشي )، الحكمة ، في النهاية ، هي شخص الكلمة
. ء موجود ، ولعل أعجب مثل نضربه ، من الكتاب - وقد ورد فيه الفعل الأصلي الذي اشتق
منه ، اسم " الجهالة " - هو : " أنتم ملح الأرض ، ولكن إن " فسد
" الملح فبماذا يملح ؟ لايصلح بعد لشئ ، الا لأن يطرح خارجا ويداس من الناس .
" ( مت 5 : 13 ) . هنا قد أتى مفهوم الفساد وعدم الصلاحية ، كترجمة لمفردة
" الجهالة ". . جهالة الكرازة تعني تحييد الكرازة - من منظور قوتها الذاتية
- في تحقيق هدفها في العالم . الكرازة تقدم صورة المسيح للعالم ولكن جوهر الكرازة هو
شخص المسيح الحي وليس صورة المسيح . القوة الفاعلة - في مسار حركة الكرازة - هي شخص
يحقق وجود ذاته ، الممتلئة بالكنيسة. فالفعل الكرازي يتم بقوة تتخطى مجرد
الكرازة ، حتى لايكون لأحد فخر : " فانظروا دعوتكم أيها الإخوة ، أن ليس كثيرون
حكماء حسب الجسد ، ليس كثيرون أقوياء ، ليس كثيرون شرفاء ، بل اختار الله جهال العالم
ليخزى الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزى الأقوياء . واختار الله أدنياء العالم
والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود ، لكي لايفتخر كل ذي جسد أمامه . ومنه أنتم بالمسيح
يسوع ، الذي صار لنا جكمة من الله وبرا وقداسة وفداء . حتى كما هو مكتوب : " من
افتخر فليفتخر بالرب " .( 1كو : 26 - 31 ) .- " وأنا كنت عندكم في ضعف ،
وخوف ، ورعدة كثيرة . وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الانسانية المقنع ، بل
ببرهان الروح والقوة . لكي لايكون إيمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله ". ( 1كو
2 : 3- 5 ). إن الانجيل - الذي تستهدف حركة الكرازة
توصيله للمدعوين- ليس مجرد رسالة مكتوبة ، بل هو مجد المسيح ذاته الذي يحققه المسيح
بذاته ، وأما الكلمة المكتوبة ، العارية من جوهرها الشخصي ( المسيح) ، فهي " الانجيل
المكتوم " ، الذي لايحمل أي قوة ذاتية في مسار الفعل الكرازي : " ولكن إن
كان إنجيلنا مكتوما . فإنما هو مكتوم في الهالكين ، الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى
أذهان غير المؤمنين ، لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح ، الذي هو صورة الله .
فاننا لسنا نكرز بأنفسنا ، بل بالمسيح يسوع ربا ، ولكن بأنفسنا عبيدا لكم من أجل يسوع
. لأن الله الذي قال : " أن يشرق نور من ظلمة " ، هو الذي أشرق في قلوبنا
، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح " ( 2كو 4 : 3 - 6 ). ولكن ربما
يسأل سائل - ومعه كل الحق - قائلا : إذا كان تبليغ دعوة الإنجيل ليس هو النقطة الحاسمة
بل إن النقطة الحاسمة هي عمل إلهي فوقي يتخطى ظاهر الكرازة ، وهو قادر بأن يأتي بآخرين
لم تصلهم الرسالة ، فماجدوى تدبير التجسد والخلاص ، إذن ؟ والإجابة ببساطة هي أن الفعل
الكرازي قد أخذ كل زخمه وكل ملئه وكل قوته وفعله ، من استحقاق قوة وفعل التجسد ؛ فالمسيح
الكلمة المتجسد هو الكارز بذاته ، من أجل أن يمد ذاته في كنيسته ، وإن كان قد أتاح
لرافد من روافد كنيسته - الذي هو نحن - بأن يتمتع بقدر من الوعي النسبي بفحوى دعوة
الإنجيل ، فهذا لا يلغي قدرته على امتداد جسده في " خراف أخر ليست من هذه الحظيرة
" ( يو10 : 16 )
خلاصة
عامة
من أجل الوصول إلى إجابة صحيحة على
سؤال " هل يخلص غير المسيحي ؟ " علينا أن نجيب على عدة أسئلة جزئية ، تشكل
الإجابة عليها محاور إجابة السؤال المطروح :
-إذا كان الانتماء إلى المسيح هو الشركة والعضوية
فيه ، الأمر الحادث للكنيسة بالنعمة ، كرد فعل واستحقاق لانتماء الكلمة إلى البشر بالتجسد
، فهل نستطيع أن ندعي ، وننادي باحتكارنا ، وحدنا ، نحن أبناء دعوة الإنجيل - بسبب
وعينا النسبي بأنفسنا ، ككنيسة - لرد الفعل الوحيد الممكن للبشر من نحو تجسد الكلمة
، في البشر ؟
-إذا كان القديسون سيدينون العالم بإظهارهم وفضحهم
للأشرار الخارجين عن الشركة معهم في المسيح ، فهل يستطيع المسيحيون ، الآن ، في هذا
العالم - وهم لم يغادروا ، بعد ، إلى الجسد الواحد الذي يجمعهم والذي يعرف كل عضو فيه
باقي الأعضاء - أن يدينوا ويحكموا على أي أحد - مهما كانت ديانته أو ثقافته - بالإقصاء
عن المسيح ؟
- إذا كان الله قد افتقد الأمم الخارجين
عن حظيرة شعب الله المختار ، كنيسة العهد القديم ، بطريقة غير مدركة وغير متوقعة وغير
مرغوب فيها أو مقبولة ، من قبل الشعب القديم ، فهل يعجز الله عن افتقاد " أمم
العصر المسيحي " ( إن جاز التعبير ) ، الذين لم تصلهم كرازة الإنجيل ، بطريقة
وبتدبير لانستطيع إدراكه أو الوعي به بل نرفضه تماما ،كشعب مختار ؟
- إذا كان الله قد جعل نصيبا ، في ابنه المتجسد ،
للقدماء الراقدين وكانت صور إيمانهم المختلفة ولوجا نعمويا نحو المسيح الآتي ، وإذا
كان الله بتجسد ابنه قد فتح الطريق للمدعوين مسيحيين أن ينطلقوا من صورة إيمانهم الآنية
نحو الولوج إلى المسيح حيث مالم تره عين ، حيث ماهو ليس صورة ، أفليس هو قادر على أن
يجعل نصيبا - في ابنه - لنفر معين ومختار من ضمن أولئك الجهلاء المتغربين في ثقافات
مختلفة، دون ذنب لهم ؟
- إذا كان السر الكنسي هو تحقق وجود الكنيسة بتموقعها
في المسيح ، انطلاقا من صورة وجودها الآني - انطلاقا من مؤسسيتها ، انطلاقا من طقسها
وطقوسيتها ، انطلاقا من ليتورجيتها ، انطلاقا من علامتها الظاهرة ، انطلاقا من صورة
وعيها النسبي بشخص المسيح - فهل يعجز المسيح عن اجتذاب أقوام آخرين من صور وعي مختلفة
، نحو التموقع في شخصه والعضوية فيه ؟
- إذا كان الفعل الكرازي وتوصيل الإنجيل إلى المدعوين
هو فعل وقوة شخص المسيح ، ذاته ، الذي يمتد في العالم محققا وجود الكنيسة ومستوعبا
إياها في ذاته ،وليست القوة الذاتية للكرازة أو للرسل ، فهل يعجز ذاك عن الوصول إلى
الآخر المغاير لنا ، الذي " بلا كارز " ، واجتذابه إلى ذاته وإلحاقه بنا
نحن الذين وصلت إلينا دعوة الكرازة الرسولية ؟
المرجع
. " هل يخلص غير المسيحي ؟ :
نص وتعليقات " - المطران جورج خضر وتعليق مجدي داود - pdf ، منشور بباب اللاهوتيات ،
موقع : coptology ، بتاريخ 25- 9 - 2009 .
تنويه
ترجع بداية القصة بمقال للمطران جورج
خضر تم نشره على مدونة " مساحة حرة " الملحقة بالموقع السابق ذكره ، بتاريخ
: 6-11-2008 . وهي منقولة عن جريدة النهار ( 22-6- 2002) ، وقد قامت شبكتكم بنقلها
عن موقع الكوبتولوجي .تحمست للطرح الذي يثيره سؤال نيافة المطران المبجل ، وقمت منذ
ذلك الحين بنشر سلسلة من التعليقات الممنهجة على المقالة ، تحت اسم " m-david ".وقد لاقت التعليقات نعمة في
أعين مديري الموقع وعلى رأسهم الدكتور جورج حبيب ، وسمحوا بطباعة جميع المقالات ، مصحوبة
بتعليق محترم للدكتور جورج حبيب ، وهذا هو المرجع المذكور عاليه .
مجدي داود
هناك تعليق واحد:
مجهود يذكر فيشكر :)
إرسال تعليق