الأحد، 22 أبريل 2012

شخص المسيح جوهر الوحي الإلهي


                             بنية الوحي
 "  يقول القديس بولس الرسول  بالروح " كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر ، لكي يكون إنسان الله كاملا متأهبا لكل عمل صالح " (2تي 3 :  16و17) . ويقول القديس بطرس بالروح أيضا " وعندنا الكلمة النبوية وهي اثبت التي تفعلون حسنا أن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم ، عالمين هذا أولا أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص ، لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس " (2بط19:1-21)  
 وقد ورد النص الإلهي في قوله " كل الكتاب هو موحى به من الله " في اليونانية هكذا " : pasa graphi theopneustos" "، وكلمة " موحى به " كما وردت في اليونانية " ?  - theopneustos - ثيؤبنوستوس " ، وتعنى حرفياً " نفس الله - divinely breathed " أو " الله تنفس -  God-breathed" . وتنفس الله هنا هو كلمته ويساوى قول الرب يسوع المسيح، " مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله " (مت4:4) . وقد وردت أيضاً في سفر أيوب في العبرية " نسمه  "، " نسمة القدير " ، " ولكن في الناس روحاً  ونسمة القدير تعقلهم " (أى8:32) . وهذا يعنى أن كل ما تكلم ونطق به الأنبياء والرسل وكل ما دونوه في الأسفار المقدسة ، كل أسفار الكتاب المقدس ، هو " نفس الله " ، " ما تنفس به الله " ، " كلمة الله " التي تكلم بها بواسطة ، أو عن طريق ، أو من خلال أنبيائه القديسين . ومن ثم فقد ترجمت هكذا : All Scripture is God-breathed   كل الكتاب المقدس هو ما تنفس به الله
  وقد وردت كلمة " مسوقين " في اليونانية في قوله " أن كل نبوة الكتاب    ليست من تفسير خاص لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس " (2بط19:1-21) ، "    pheromenoi - فيرومينوى " وتعنى محمولين أو مسوقين ، من الفعل "   phero  - فيرو " والذي يعنى " يحمل ، أو يسوق " وتؤكد في قوله " تكلم أناس الله القديسون مسوقين ( محمولين ) من الروح  القدس " أن الروح القدس كان يحملهم ويسوقهم ويتكلم على لسانهم وينطق بأفواههم ب " كلمة الله " ( القس عبد المسيح بسيط - الكتاب المقدس يتحدى نقاده والقائلين بتحريفه).
والآن لنا أن نتساءل : ماذا يعني أن " الوحي " هو " أنفاس الله " ، وماذا يعني أن كلمات الوحي قد كتبت بواسطة قديسي الله " المحمولين بروح الله " ؟ الإجابة الوحيدة الصحيحة هي أن بنية وطبيعة الوحي الإلهي هي " حضور الله ذاته في خليقته " ؛ فالله الحاضر في خليقته ، والذي بحضوره يقيم الخليقة ، هو ذاته يخاطب خليقته معلنا لها ذاته . ليس الوحي - في المسيحية -  مفهوما انقطاعيا كأن يتنزل على البشر كتاب من السماء ، كما في الإسلام مثلا ، بل أن الروح القدس الحامل لكل شيء في العالم ، هو ذاته الذي يحمل كتبة الوحي في كتابتهم للوحي . وفي ذلك فإن الروح يحمل الكاتب بتاريخه وثقافته وهويته  فتخرج كلمات الوحي المعجونة بالروح - والمعبرة عن ذهن الله -  معبرة أيضا عن شخصية وأسلوب الكاتب ولكن في سياق موحد يرسمه الروح من أول الكتاب المقدس لآخره  . التصور الفاسد - الذي يعود للثنائية القديمة - بأن الله منعزل عن الكون ، وبينه وبين خليقته فجوة وهوة عظيمة لا يمكن عبورها ، هو الذي يفرض على الذهن نوعا من الوحي " الإملائي ، أو حتى " التنزيلي " ، إذ أن الهوة المفترضة بين وعي الكاتب ومصدر الوحي ( الله ) لا يمكن عبورها إلا تعسفيا من قبل الله . مثل هذا الفكر لا يعرف أصحابه معنى أن يكون الإنسان " في الروح " ، ومعنى أن يكون الإنسان مملوءا بروح الله فتتكشف أمامه الحقيقة الإلهية ، موضوع الوحي ، فيصوغها بكلماته ، التي تظل أيضا كلمات الله . ولم لا ، أليست منظومة الوحي هي : " إنسان الله "  يكتب " كلمات الله " محمولا " بروح الله "  ؟
                           مفهوم "هرم الوحي "
   الروح القدس ، الذي يحمل كتبة الوحي هو ذاته الذي كان حاضرا " يرف على وجه المياه " في بدء حدث الخلق ، وكان وجوده - هكذا - هو المناسبة التي قال الله فيها " ليكن نور " ، فكان نور .( تك1 : 2و3 ) .في الروح القدس ظهر الكون من العدم .   وأنفاس الله ، التي هي مضمون وجوهر كلمات الوحي ، كانت حاضرة في خلقة الإنسان الأول ، كانت منفوخة في أنفه ، كنسمة حياة ،  فصارآدم  نفسا حية ( تك2 : 7 ) .
   الخليقة  إذن بجملتها هي مجال لإعلان سر الله الحاضر فيها  . الخليقة كلها عبارة عن "حالة متصلة من الوحي الإلهي "(إذا جاز التعبير ). المسيح -  شخص الكلمة الكائن في الكون منذ أول لحظة لظهور الكون ، والمستمر في حضوره حتى لحظة نهاية الكون - هو محور حركة تاريخ الكون ومحور - وهدف - تطوره . وما يثمره الكون - في كل تاريخه - هو شخص المسيح الممتلئ بالكنيسة . هذا هو الكون الجديد ، الخليقة الجديدة ، السماء الجديدة والأرض الجديدة . والأمر أشبه بهرم ، قاعدته هي الكون بكل مافيه من جمادات وحيوانات . ثم يأتي الإنسان ويمثل طبقة أخرى - من الهرم -  قد استعلن فيها " كم " أعظم من الحضرة الإلهية بظهور العقل البشري ، " ظل الكلمة " ( بحسب أثناسيوس ) . ثم يأتي  " الوحي الإلهي " ليمثل طبقة أكثر ارتفاعا ، من طبقات الهرم ، وقد استعلن فيها لشريحة  من البشر أعلان أكثر وضوحا عن الله المتجسد في البشر . ثم يأتي ، كقمة للهرم ، نفر من البشر المدعوين - الذين قبلوا كلمات الوحي - قد استعلن فيهم المسيح جاعلا منهم جسدا له ، مكملا بهم ذاته ، ليصل الأمر هنا إلى قمة تجلي الإعلان الإلهي ، قمة هرم الوحي .
                  كلمة الله :  " الشخص " ، و " الوحي "
  والمسيح ، شخص الكلمة المتجسد  ، هو محور وهدف الكتاب المقدس ، محور وهدف " الوحي الإلهي " . الكتاب من أول كلمة في سفر التكوين ، إلى آخر كلمة في سفر الرؤيا ، ليس له موضوع آخر يشير إليه غير شخص المسيح  . والقضية ليست مجرد إشارات أو نبوات أو رموز ، فالموضوع أكبر من ذلك بكثير ، فكلمات الوحي هي " كلمة الله " هي " المسيح ذاته " مجسدا في مايمكن أن يدركه وعينا ، في المسيح ، عن المسيح . والمعنى المقصود هنا تحديدا وبوضوح هو أنه من المستحيل الوصول إلى تأويل أو شرح نهائي لكلمات الوحي ، في هذا العالم وفي هذا الجسد . من المستحيل الوصول بالمعاني إلى حدها الأقصى ، في هذا العالم وفي هذا الجسد . فالتأويل الصحيح النهائي للكتاب ، كل الكتاب - بتاريخه وقصصه ورجالاته ، وأقواله - هو شخص المسيح ذاته . وفقط في المسيح ، حينما نرتحل إلى الملكوت ، فقط هناك نستطيع أن نقول أننا أدركنا مضمون كلمات الوحي ، أدركنا شخص المسيح وتموقعنا فيه .  فقط في المسيح تتماهى " كلمة الوحي"  ، المكتوبة  مع " كلمة الله " ، الشخص الواحد المستوعب للكنيسة ، فيصبح شخص المسيح هو المضمون الحقيقي  النهائي للوحي ، الذي فيه قد كلمنا الله . يقول الرسول بولس : " الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة  " كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه " الذي جعله وارثا لكل شيء الذي به أيضا عمل العالمين الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته ( عب1 : 1- 3 ). وأيضا كما يقول الرسول بطرس ، في (   2بط 1 :19 - 21 ) بأن الكلمة النبوية - كلمة الوحي المكتوبة ، والمحمول كاتبها بالروح القدس - هي - الآن - بمثابة سراج منير في موضع مظلم ولكن مصيرها ومستقبلها - وامتلاءها وتأويلها - هو  كوكب الصبح  ( المسيح ) الذي ينفجر نوره ونهاره في قلوب أعضاء الكنيسة .أي أن مستوى التأويل المتاح لنا الآن - في هذا العالم -  بخصوص كلمات الوحي لايتخطى مجرد سراج منير في موضع مظلم أما في المسيح - الذي هو المضمون النهائي للوحي والتأويل الأمثل له -  يتكشف الكتاب نورا مبهرا ويتكشف المسيح ككوكب للصبح ، يتجلى كل هذا في الكنيسة الكائنة في مسيحها .
مجدي داود

ليست هناك تعليقات: