( رؤية جديدة للنص الوارد في : مت 25 : 31 – 46 )
من الشائع ، جدا ، استخدام هذا النص للتدليل على
أهمية البعد الإجتماعي للخدمة ، أي أهمية خدمة الفقراء والمساكين ، وتوجيه أفراد الكنيسة
للتعاطف معهم بكل صنوف أعمال الرحمة . ولكنني أجد نفسي متسائلا : هل كان من الضروري
جدا ، أمام الوحي الإلهي ، أن يخصص كل هذا النص (16 آية ) ، للتدليل على أهمية عمل
الرحمة مع الفقراء ؟ . وهل كان من الضروري جدا ، أن يصبح الفقراء - تحديدا - إخوة للرب
، بل الأكثر من ذلك ، تصبح كل أعمال الرحمة - الموجهة إليهم - موجهة إلى الرب ، ذاته
؟. هل كان من الضروري جدا ، أن يأتي عرض القضية في هذا البناء الدرامي العجيب ؟. ألم
يكن كافيا أن تأتي عبارة مختصرة ولكنها واضحة ، في كلمات معدودة ، لتربط بين الأبدية
السعيدة ، والإحسان على الفقراء ؟. في الواقع إن إختزال أفق شرح النص ، في الطرح السابق
، يضيع من بين أيدينا فرصة عظيمة لإكتشاف أعماق مخبوءة بين ثنايا النص . ولكي نكتشف
هذه الأعماق لابد لنا من التعرض لمفردات النص ، بطريقة متأنية هادئة .
ابن الإنسان
هو لقب للكلمة المتجسد في البشر . ويكافئ لقب " المسيح " . وهذا اللقب
لايخص الرب يسوع التاريخي فقط ، بل يخص الرب يسوع المجتمع مع كنيسته المكتملة والممتلئة
، فيه . إذن هو لقب لشخص جامع ، ليس مجرد شخصية تاريخية ، وليس مجرد فرد إنساني ، بل
هو الوجود الإنساني الجديد ، في الكلمة المتجسد . ولقب " ابن الإنسان " - بمفهومه الجامع
للكنيسة - ضارب في تاريخ الكتاب ، وهو ليس مستحدثا على فم الرب يسوع ، في الأناجيل
. ومن كتاب " المدخل لشرح إنجيل يوحنا " للأب متى المسكين ( الطبعة الأولى
، صفحة رقم 200 ) ، أقتبس هذا النص ، المدلل على هذه النقطة : (( ونحن لو فحصنا بتدقيق
ما جاء في نبوة دانيال نجد نفس الرابطة الكيانية بين ابن الإنسان و " قديسي العلي
" إذ يذكرهما دانيال النبي ، الواحد بدل الآخر في أخذ المملكة وامتلاكها هكذا
:"... ابن الإنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه . فأعطي سلطانا ومجدا
وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة . سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته
ما لا ينقرض ... وأما قديسو العلي فيأخذون المملكة ويمتلكون المملكة إلى الأبد وإلى
أبد الآبدين ... حتى جاء القديم الأيام وأعطى الدين لقديسي العلي وبلغ الوقت فامتلك
القديسون المملكة ... والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت كل السماء تعطى لشعب قديسي
العلي . ملكوته ( الهاء تعود على شعب قديسي العلي ) ملكوت أبدي وجميع السلاطين إياه
يعبدون ويطيعون ...( دا 7 : 13 - 27 ). هنا التقابل بل التطابق بين " ابن الإنسان
" وبين " شعب قديسي العلي " شيء مذهل للعقل حتى أن دانيال كان معذورا
أن يقف منذهلا أمام عظمة هذا السر، سر احتواء ابن الإنسان لشعب قديسي العلي :
" أما أنا دانيال فأفكاري أفزعتني كثيرا وتغيرت علي هيأتي وحفظت الأمر في قلبي
" ( دا 7 : 28 ) . وقديسو العلي عند دانيال هم شعب إسرائيل الجديد الذي يراه من
خلف السنين . ))
مجيء
ابن الإنسان في مجد
إذا كان شخص ابن الإنسان ليس شخصا تاريخيا ، بل هو الشخص الذي يستوعب كل التاريخ
- ليمتلئ بكل أفراد الكنيسة ، المبعثرين في التاريخ - فإن مجيء هذا الشخص ، بطبيعة
الحال ، ليس حدثا تاريخيا ، متقوقعا في لحظة تاريخية بعينها ، بل هو حدث كل التاريخ
، والذي بتمامه ينتهي التاريخ . وما يرصده نص " مت 25 " ، هو مضمون حضور
شخص ابن الإنسان ( parousia ) ، هو ولوج داخل هذا الكيان العجيب ، هو مضمون
العلاقة بين تعدد " قديسي العلي " ووحدة شخص " ابن الإنسان ".
الملك والمملكة
يستعرض النص ذلك المشهد العجيب المهيب : مجيء
ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه ، يجلس على كرسي مجده ويجتمع أمامه
جميع الشعوب ، فيميز بعضهم من بعض ، كما يميز الراعي الخراف من الجداء ، فيقيم الخراف
عن يمينه والجداء عن اليسار . وهنا - تحديدا - تشير كلمات الوحي إشارة عجيبة ذات مغزى
، فيستكمل السرد هكذا : " ثم يقول الملك للذين عن يمينه : تعالوا يامباركي أبي
، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم ." والملحوظة العجيبة هي الإقحام
- الظاهر - لمفردة " الملك " ، على النص ، فقد كان السياق الطبيعي هو :
" ثم يقول ابن الإنسان للذين عن يمينه ..." ! . وهنا يختبئ مفتاح فهم النص
كله ، فنحن الآن بصدد حديث الملك إلى شعب مملكته ، أي خرافه الذين عن يمينه . فابن
الإنسان هو المملكة كاملة ، بما فيها الملك ذاته . إنه حوار من نوع خاص ، حوار الذات
مع الذات ، حوار الرأس مع الأعضاء .
. إن الحوار الذي يرصده هذا النص هو
مونولوج داخلي ( monologue
) يحتفل فيه رأس الإنسانية الجديدة بمقدم
أعضائه ، يحتفل بتكميل كيانه . وليس ابن الإنسان هو الرب يسوع التاريخي فقط ، بل هو
الكيان الذي فيه يجتمع الرأس ، الرب يسوع ، التاريخي ، مع الأعضاء ، أي جميع أفراد
الكنيسة . وهنا تجدر بنا هذه الإشارة : إذ أنه طيلة سرد سيرة الرب يسوع ، التاريخي
- في الأناجيل - لم يرد لقب ابن الإنسان منسوبا إلى فعل زمني معين ، منته ، كأن تذكر
الأناجيل ، مثلا ، أن ابن الإنسان قال كذا أو ذهب الى كذا أو فعل كذا . بمعنى أن الأناجيل
لم تضع شخص ابن إنسان كمعادل لشخص الرب يسوع التاريخي ، المنعزل عن كنيسته . لم تضع
الأناجيل لقب ابن الإنسان معادلا للرأس فقط ، بل هو الكيان بكامله ، أي الرأس المجتمع
مع الأعضاء . وعندما كان الرب يسوع يذكر فعلا منسوبا لابن الإنسان ، فقد كان الحديث
دائما في صيغة الغائب ، غير المحصور في لحظة محددة . ولم يأت شخص ابن الإنسان منسوبا
الى حدث - في الأناجيل - إلا في سياق حدث النعمة ، الخلاصي ، وهو بطبيعة الحال حدث
آني مستمر يبتلع التاريخ كله ، منطلقا من لحظة التجسد ، إلى أن يكتمل كيان ابن الإنسان
كله . وهذا هو نفس تعاطي الأناجيل مع لقب " المسيح " ، فكلا الاسمين هما
مترادفان ، ويعنيان ذلك الكيان الذي يجمع الكل في الكلمة المتجسد ، فابن الإنسان هو
الوجود الإنساني الجديد ، عديم الموت ، الذي ينبع من بكر الخليقة الجديدة ورأسها الرب
يسوع التاريخي ويستعلن ملؤه في كل أفراد الكنيسة ، كأعضاء . وبالنسبة للقب " المسيح
" فهو الكيان الذي فيه مسح البشر ، هيكلا أبديا للروح القدس حينما يستقبلون تلك
المسحة الأبدية من رأس مسحتهم الرب يسوع ، التاريخي . والرب يسوع ذاته - في تأكيده
واستحسانه لشهادة بطرس عنه : " أنت هو المسيح ابن الله الحي ."( مت 16 :
16 ) - قد أكد أن لقب " المسيح " هو المكافئ والمعادل للقب " ابن الإنسان
" ، إذ أن شهادة بطرس لم تكن إلا إجابة لسؤال يسوع : " من يقول الناس إني
أنا " ابن الإنسان ". ؟ . إذن ، قد كان مضمون شهادة بطرس - المؤكدة والممدوحة
من قبل يسوع - هو أن شخص ابن الإنسان هو كيان جامع لأفراد البشرية الجديدة ، هو شخص
المسيح ، الكوني ( Cosmic Christ ) ، الذي يستوعب كنيسته في داخل كيانه الذاتي
. شخص ابن الإنسان هو الكنيسة الممتلئة الكاملة المبنية على صخرة ، لا بديل لها ، هي
الرب يسوع التاريخي . لذلك فقد كان ختم الرب على مصير الكنيسة ، الكائنة في المسيح
، ابن الإنسان - من واقع شهادة بطرس - هو أن " أبواب الجحيم لن تقوى عليها
." ( مت 16 : 18 ) .كانت الأناجيل - دوما - رصدا تاريخيا لسيرة " الملك
"، الرب يسوع التاريخي ، على الأرض ، في تلك اللحظة التاريخية . وظل لقب ابن الإنسان
أفقا يلوح خارجا ومنطلقا كمملكة آتية تنبع من مليكها ، المرصود تاريخيا . هذا هو الاسم
المبارك - الذي يكافئ ويعادل المملكة الكاملة - مضمون بشارة الإنجيل التي سجلها المبشر
في صرخات أحد الشعانين : " أوصنا ! مبارك الآتي باسم الرب ! مباركة مملكة أبينا
داود الاتية ! أوصنا في الأعالي ! .( مر 11: 9و10 ).
ونعود الى
الملوحظة الأولى التي رصدناها في بداية هذه الفقرة ، فنتساءل : ماذا لو كان السرد هكذا
: ثم يقول ابن الإنسان للذين عن يمينه ؟ ! . وأعتقد أن الإجابة قد باتت واضحة الآن
، فالعبارة بهذا الشكل تحمل تناقضا مشينا ، إذ تطرد الكنيسة ( الذين عن اليمين ) خارجا
. فالكنيسة كائنة ، ككنيسة ، لأنها تستوطن داخل ابن الإنسان ، فهي كل ملئه ، وبدونها
يصبح كيانه مجرد رأس بلا جسد . ومن المستحيل أن يحاور شخص ابن الإنسان المكتمل ، كنيسته
، ولكن يحاور الرأس - أي الرب يسوع التاريخي ، الملك - أعضاءه ، أي الكنيسة ، داخل
كيان ابن الإنسان ، الواحد ، الجامع للكل ، والذي " خارجه " هو الظلمة
" الخارجية " .
الذين عن يمينه
اليمين ، في لغة الإنجيل ، هو يمين القوة ( مت26
: 64 ) ، ( مر 14 : 62 ) ، ( لو22 : 69 ) . والقوة هي قوة الوجود والحياة الأبدية ،
بالشركة في حياة الله ، ذاته .بتجسد الكلمة ، صارت الإنسانية فيه عن يمين الله ، لأنها
صارت جسد الكلمة الخاص . هكذا صار الرب يسوع ، التاريخي ، عن يمين الله . ولكن هذا
هو رأس الأمر وبدايته ، فقط ، إذ صار يسوع الجالس عن يمين الله ، مصدر وجود كنيسته
، الكائنة فيه والمالئة إياه : " مستنيرة عيون أذهانكم ، لتعلموا ما هو رجاء دعوته
، وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين ،... حسب عمل شدة " قوته " الذي عمله
في المسيح ، إذ أقامه من الأموات ، وأجلسه عن يمينه في السماويات ، ... وأخضع كل شيء
تحت قدميه ، وإياه جعل رأسا فوق كل شيء للكنيسة ، التي هي جسده ، ملء الذي يملأ الكل
في الكل ." ( أفس 1 : 18 - 23 ).
إذن ، بانضمام الكنيسة إلى الرب يسوع
، رأسها - في كيان ابن الإنسان المكتمل - يكون الجميع قد صاروا عن يمين الله ، بشركتهم
في رأسهم ، الذي عن يمين الله . وفي مشهد استشهاد استفانوس ، شخص الأخير إلى السماء
" وهو ممتلئ من الروح القدس ، فرأى مجد الله ، ويسوع قائما عن يمين الله . فقال
: " ها أنا أنظر السماوات مفتوحة ، وابن الإنسان قائما عن يمين الله " .
"( أع 7 : 55 و 56 ) . رأي استفانوس السماء مفتوحة لتستقبل أفراد الكنيسة ، أي
أهل اليمين ، لينضموا إلى رأسهم ، يسوع رأس القائمين عن اليمين ، ليكتمل كيان ابن الإنسان
. لذلك فإن المشهد الكلاسيكي لمجيء ابن الإنسان - في الأناجيل - هو أنه يجيء جالسا
عن يمين القوة ، وآتيا على سحاب السماء ( مت 26 : 64 ) و ( مر14 : 62 ).خلاصة الأمر
هي أن الذين عن يمين الملك - في النص الذي نحن بصدده - هم الكنيسة ، القائمة - في الرب
يسوع المسيح ، ابن الإنسان - عن يمين الله . إذ هي جسد ذاك الذي هو قائم عن يمين الله
.
اليسار - كما اليمين ، أيضا - ليس اتجاها جغرافيا
، بل هو اتجاه وجودي ( إن جاز التعبير ) . وإذا كان اليمين - كما سبق أن أشرنا - يشير
إلى الوجود في الله ، في ابن الإنسان ، فإن اليسار يشير إلى عدم الشركة في الله ، وبالتالي
، يعني الهلاك والعدم . فالله ليس وجودا مكانيا ، له أبعاد ، حتى يكون هناك مكان إلى
يمينه ، أو إلى يساره . اليسار هو اتجاه العدم ، واليمين هو اتجاه الوجود والشركة الأبدية
، في الكلمة المتجسد ، ابن الإنسان. وبينما " اليمين " هو اتجاه دخول البشر
إلى ابن الإنسان - حيث موطن وجودهم الأبدي ( تعالوا يا مباركي أبي ، رثوا الملكوت المعد
لكم منذ تأسيس العالم ) - فإن " اليسار " هو اتجاه الطرد إلى خارج ابن الإنسان
، حيث الهلاك الأبدي ( اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار أبدية المعدة لإبليس وملائكته
) .
إخوة
الرب
الملك ، الرب يسوع ، هو " بكر بين إخوة كثيرين
."( رو 8 : 29 ) ، يجتمعون معه في كيان ابن الإنسان ، الممتلئ بالكنيسة . ولأن
" المقدس والمقدسين جميعهم من واحد ، فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة ، قائلا
: " أخبر باسمك إخوتي ، وفي وسط الكنيسة أسبحك ". ( عب 2 11 و 12 ).
إخوته الأصاغر
الصغير ، هنا ( elachistos
) هو الصغير جدا أو القليل . إخوة الرب الأصاغر هم المختارون من البشر ليملأوا كيان
ابن الإنسان ، هم أعضاء الكنيسة الكائنة في جسده . هؤلاء هم الذين قال عنهم الرب ،
في مثل وكيل الظلم : " الأمين في القليل أمين في الكثير . " ( لو 16 :
10 ) . هم قد كانوا أمناء في استثمار القليل ، أي وجودهم العتيق ، الفاسد ، لحساب الجديد
، الكائن في ابن الإنسان . يخاطب الملك الخراف
الذين عن يمينه - أي رعيته التي في داخل كيانه ، كيان ابن الإنسان ، كيان الراعي الصالح
، باب الخراف - قائلا : " بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر ، فبي فعلتم
. " والخراف هي البشر ذوي الوجود الحقيقي ، عديم الفساد ، في المسيح ، بعكس الجداء
التي هي البشر ذوي الوجود الزائف ، العتيق ، الزائل ، المدانون لعزلتهم خارج ابن الإنسان
. لذلك ففيما يتحقق وجود الخراف كثمر- بالنعمة - للبشر الطبيعيين ، الأصاغر ، فإن ذلك
التحقق ينسحب أيضا على كيان ابن الإنسان الكامل ، إذ أن تحقق وجود الأعضاء هو تحقق
وجود الجسد الكامل ، وحينما يتحقق وجود الكنيسة يكون ذلك تحقيقا لمجيء ابن الإنسان
، أي امتلاء كيانه ، لذلك قال لهم : " بي قد فعلتم " . هذا هو حديث الرأس
إلى الأعضاء ، داخل الكيان الواحد . هذا هو " مونولوج ابن الإنسان " .
هؤلاء الأصاغر
عندما كان خطاب الملك موجها إلى أهل اليسار ، الجداء
، المرفوضين ، قال لهم : " بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر ، فبي لم تفعلوا
. " . لم يقل - مثلما قال للخراف : " أحد إخوتي هؤلاء الأصاغر "، فهم
ليسوا إخوته . هم فقط أصاغر ، بحكم الطبيعة البشرية العتيقة ، مثلما كان الخراف ، قبلا
، ولكنهم لم يقبلوا أن يثمروا خرافا ، ولم يقبلوا أن يكونوا من ضمن الإخوة الكثيرين
، الذين بكرهم هو الملك ذاته . هؤلاء الأصاغر لم يقبلوا أن ينضموا الى كيان ابن الإنسان
، ولم يقبلوا أن يثمروا له ما يملأ كيانه من أعضاء ، من خراف ، بل ظلوا محتفظين بطبيعتهم
كجداء مرفوضة ومطرودة . لذلك فبرفضهم أن يثمروا كأعضاء في ابن الإنسان ، هم يكونوا
قد رفضوا تحقيق مجيء ابن الإنسان ، فيهم . وهم حينما لم يفعلوا ما لأنفسهم - كوجود
في ابن الإنسان - فهذا يعني أنهم ، أيضا ، لم يفعلوا ما هو مفترض أن يخص ابن الإنسان
، فيهم . لذلك قال لهم " بي لم تفعلوا ".
جعت فأطعمتموني
عندما يأكل إخوته الأصاغر ، من الخبز الحي النازل من السماء - جسد ابن الإنسان
- فهم يتم استعلانهم كأعضاء في شركة جسده الواحد .
ومن أجل هذا فلم تكن شركتهم في ابن
الإنسان شبعا خاصا بهم ، فقط - من جهة الحياة الأبدية وعدم الفساد - بل كانت شبعا لكيان
ابن الإنسان - الكامل ، الممتلئ بهم - ذاته . . هم بشبعهم قد أشبعوه ، إذ أن امتلاء
الجزء هو امتلاء للكل ، وتحقق وجود العضو هو في سياق تحقيق الجسد الكامل . لذلك قال
لهم ، ما معناه : بما أنكم أطعمتم أحد إخوتي الأصاغر ، فيكم ، فقد أطعمتموني .
عطشت فسقيتموني
عندما يشرب إخوته الأصاغر ، من الماء الذي يعطيه ابن الإنسان فلن يعطشوا إلى
الأبد ، بل يصير هذا الماء ، فيهم ، ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية ( يو 4 : 14 )
.ومن أجل هذا فلم يكن شربهم وارتواؤهم شربا خاصا بهم ، فقط - من جهة الحياة الأبدية
وعدم الفساد - بل كان سقيا لكيان ابن الإنسان - الكامل ، الممتلئ بهم - ذاته . هم بشربهم الماء الحي قد سقوه ، إذ أن ارتواء الجزء
هو في سياق ري الكل ، وتحقق ارتواء العضو هو في سياق ارتواء الجسد الكامل . لذلك قال
لهم ، ما معناه : بما أنكم سقيتم أحد إخوتي الأصاغر ، فيكم ، فقد سقيتموني .
كنت غريبا فآويتموني
عندما يتم إيواء إخوته الأصاغر ، فيه ، كخراف حية
إلى الأبد ، فإن غربتهم عن الله تنتهي ، إذ يصيرون فيه هيكلا ، حجر زاويته هو الملك
ذاته : " فلستم إذا بعد " غرباء " ونزلا ، بل رعية مع القديسين وأهل
بيت الله ، مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ، ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية ، الذي
فيه كل البناء مركبا معا ، ينمو هيكلا مقدسا في الرب . الذي فيه أنتم أيضا مبنيون معا
، مسكنا لله في الروح ."( أفس 2 : 19 - 22 ) .
. ومن أجل هذا فلم يكن عثورهم على
المأوى السماوي - وإنتهاء غربتهم ، من جهة الحياة الأبدية وعدم الفساد - حدثا خاصا
بهم وحدهم ، بل كان بمثابة الإيواء لكيان ابن الإنسان الكامل ، الممتلئ بهم ، والذي
لم يكن له - قبل وجودهم فيه - أين يسند رأسه ( مت 8 : 20 ) . تحقق مواطنة العضو ، منهم
- بإنتمائه لكيان ابن الإنسان ، فتنتهي غربتهم - هو تحقق لهوية ابن الإنسان ، كوطن
يسكن ساكنيه ، لذلك قال لهم ما معناه : بما أنكم آويتم أحد إخوتي هؤلاء الأصاغر ، فيكم
، فقد آويتموني
عريانا فكسوتموني
عندما يلبس الإخوة الأصاغر كيانهم
السماوي ، ابن الإنسان ، فإن عري طبيعتهم العتيقة يتم ستره : " لأننا نعلم أنه
إن نقض بيت خيمتنا الأرضي ، فلنا في السماوات بناء من الله ، بيت غير مصنوع بيد ، أبدي
. فإننا في هذه أيضا نئن مشتاقين إلى أن نلبس فوقها مسكننا الذي من السماء . وإن كنا
لابسين لا نوجد " عراة " . فإننا نحن الذين في الخيمة نئن مثقلين ، إذ لسنا
نريد أن نخلعها بل أن نلبس فوقها ، لكي يبتلع المائت من الحياة ." ( 2 كو 5 :
1 - 5 ). ومن أجل هذا فلم تكن كسوتهم السماوية - وإنتهاء عريهم ، من جهة الحياة الأبدية
وعدم الفساد - حدثا خاصا بهم وحدهم ، بل كان بمثابة الكسوة لكيان ابن الإنسان ، الكامل
، الممتلئ بهم . هم عندما لبسوه ، كثوب - " لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد
لبستم المسيح ( غل 3 : 27 ) - قد لبسوا الحياة فيه ، كأعضاء . وعليه فإن كسوتهم هي
- في ذات الوقت - تكميل لكيانه ، لذلك قال لهم ما معناه : بما أنكم كسوتم أحد إخوتي
هؤلاء الأصاغر ، فيكم ، فقد كسوتموني .
مريضا فزرتموتني
لغويا - في الأصل اليوناني - يأتي المعنى بخصوص
هذه العبارة ،كنوع من الإفتقاد والرعاية للشخص الضعيف ، وليست مجرد زيارة مجاملة لمريض
. وعندما يتم افتقاد الإخوة الأصاغر من قبل ملكهم ، في كيان ابن الإنسان - راعيهم وأسقفهم
وولي أمرهم ( episkopos ) - فإنهم يفتقدون من جهة قوة الحياة : " إذ أنتم تطلبون برهان
المسيح المتكلم في ، الذي ليس " ضعيفا " لكم بل قوي فيكم . لأنه وإن كان
قد صلب من "ضعف "، لكنه حي بقوة الله . فنحن أيضا "ضعفاء فيه
" ، لكننا سنحيا معه بقوة الله من جهتكم ." ( 2 كو 13 : 3 و 4 ). ومن أجل
هذا ، فلم يكن إفتقادهم ، فيه ، بقوته ، وخلاصهم من ضعفهم - من جهة الحياة الأبدية
وعدم الفساد - حدثا خاصا بهم وحدهم ، بل كان بمثابة الافتقاد لكيان ابن الإنسان الكامل
، الممتلئ بهم . فهو يأتي عن يمين القوة - في كل ملئه ، بجميع أعضائه - عندما يتم إفتقاد
جميع الأعضاء في ضعفهم ، فإفتقاد الجزء هو سياق إفتقاد الكل ، لذلك قال لهم ما معناه
: بما أنكم زرتم ( إفتقدتم ) أحد إخوتي هؤلاء الأصاغر - في مرضم ( ضعفهم ) ، فيكم ،
فقد إفتقدتموني .
محبوسا فأتيتم إلي
الحبس هنا - في المعنى اليوناني للكلمة المستخدمة ( phylake ) - تعني الحفظ والحراسة ، وليست تعني العقاب ، تحديدا . فهي مستخدمة
مثلا للتعبير عن " حراسة " الرعاة لرعيتهم ( لو 2 : 8 ) ، وللتعبير عن حفظ
الأرواح التي في " السجن " إلى أن كرز إليها يسوع ( 1بط 3 : 19) . وعندما
يأتي الإخوة الأصاغر - المختارون ،" المحروسون" كأعضاء عتيدين - إلى كيان
ابن الإنسان ، فإنهم يفتقدون من جهة وراثة الحياة الأبدية : " ولكن قبلما جاء
الإيمان كنا " محروسين " تحت الناموس ، مغلقا علينا إلى الإيمان " العتيد"
أن يعلن . إذا قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح ، لكي نتبرر بالإيمان ...لأنكم جميعا
أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع . لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح
...فإن كنتم للمسيح ، فأنتم إذا نسل إبراهيم ، وحسب الموعد ورثة .( غل 3 : 23 - 29
) . و " أنتم الذين بقوة الله " محروسون " ، بإيمان لخلاص مستعد أن
يعلن في الزمان الأخير ."( 1 بط 1 : 5 ) . ومن أجل هذا ، فلم يكن حفظهم وحراستهم
( الإخوة الأصاغر )- إلى أن يأتوا داخلين في ابن الإنسان - حدثا خاصا بهم - من جهة
الحياة الأبدية وعدم الفساد - بل كان بمثابة الحفظ والحراسة لمواضع الأعضاء العتيدين
أن ينضموا إلى ابن الإنسان ، في ابن الإنسان . لذلك قال لهم ما معناه : بما أنكم قبلتم
ماهو محفوظ ومحروس لكم من حياة أبدية وعدم فساد ، بالانضمام إلي ، فقد أتيتم إلى ماهو
محفوظ لكم في ذاتي .
مجدي داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق