بالتأكيد إن مضمون المصطلح هو أن أمنا العذراء مريم هي والدة الإله المتجسد ، هي أم الرب ، هي أم يسوع المسيح ، ولكن هناك سؤال - أعتقد بمشروعيته - قد راودني كثيرا : ألم يكن من دواعي دقة الصياغة اللاهوتية أن يكون المصطلح في هذه الصيغة البديهية " والدة الإله المتجسد " ؟ أو أن يكتفى بالصيغة الإنجيلية الواردة على لسان القديسة أليصابات ، صيغة " أم الرب "؟ ، أو صيغة " أم المسيح" . وبالتأكيد ، أيضا ، لم يكن في ضمير القديس كيرلس الأول عامود الدين ، الذي كرس هذا المصطلح في ملابسات مجمع أفسس - ومن قبله كثيرون قالوا به مثل أوريجينوس و أثناسيوس ويوحنا ذهبي الفم ، وغيرهم - غير هذا المضمون . إذن ، فلماذا كان من الضروري التشبث بهذا المصطلح الذي - شئنا أم أبينا - هو مثير للجدل ؟
المشكلة
اقتطاع
" الحدث " من سياقه التاريخي الأشمل وتأويله بما يتفق مع الهوى ، هو تدليس
فكري يصل إلى حد الجريمة ، وأما اقتطاع " مصطلح " من سياقه التاريخي فهو
جريمة أعظم . هذا هو ماقد يحدث مع مصطلح " الثيئوتوكوس " . نتيجة عزل المصطلح
عن نشأته التاريخية ، هي أمران يمثلان موقفين غير موضوعيين ، وهما في الواقع متناقضان
:1- موقف محبي العذراء مريم ومريديها ، وهم
كثر ، الذين وجدوا في " الثيئوتوكوس " ضوءا أخضرا لمزيد من التكريم والتعظيم
لشخصية لايختلف على تطويبها إثنان . رومانسية الحب المريمي ( إن جاز التعبير ) أطلقت
العنان للغة التمجيد الشعري وللغة المديح . ولأن للشاعرية قانونها وفقها فقد وصلت الرومانسية
إلى خطوط بعيدة تكاد يرى من بين موجاتها " مركزية مريمية " ( إن جاز التعبير
) فوضعت العذراء - أحيانا في موضع - تأويلي للنص الكتابي - لاينبغي أن يتموقع فيه غير
المسيح .2- موقف الرافضين الذين يجدون في
" الثيئوتوكوس " والدة الإله " مايوحي بلاهوت مريمي ، أو بعبادة العذراء
، أو على أقل تقدير ، مايوحي بنوع خفي من الشرك الذي يجعل من العذراء بداية للوغوس
.
السياق التاريخي
ولكن بالعودة إلى السياق التاريخي ، نكتشف حقيقة
هامة جدا وهي أن تكريس " الثيئوتوكوس " من قبل البابا كيرلس ، على خلفية
مجمع أفسس ، لم يكن في سياق مركزية الحديث عن العذراء ، فلم يكن صراع القديس السكندري
مع نسطور قائما بخصوص شخص القديسة مريم ولكن بخصوص شخص " المسيح " ، فقد
كان المضمون الخريستولوجي لدى نسطور ، مشوها بل خاطئا وهرطوقيا بالمطلق .لم يكن مفهوم
" الشخص " متبلورا لديه ، فبدت الطبيعة البشرية في عزلة عن اللاهوت .. لذلك
فإن ماحاجج به نسطور بأن العذراء هي " أم المسيح " ( Christotokos ) )هو " قولة حق ، يراد بها باطل
" ، فلم يكن مقصد نسطور سوى أن العذراء هي أم للإنسان يسوع المنعزل عن اللاهوت
، بمعنى آخر ، أكثر وضوحا : هي أم لأحد الطبيعتين المتصاحبتين ، وليست أما لشخص مركزي
واحد .
عبقرية المصطلح
تكمن عبقرية
المصطلح في كونه تحديدا عمليا ، كاشفا لعمق مفهوم " الاتحاد الأقنومي "
( Hypostatic Union ) ، الذي يكرس وجود شخص الرب يسوع ، المحقق من عنصرين : الله الكلمة
، والإنسان الكامل .
. مايعنيه الاتحاد الأقنومي المعلن
في شخص الرب هو أن الله قد ظهر في الإنسان بالقدر الذي ظهر به الإنسان في الله ، بدون
أن يفقد الله ألوهته لحساب الإنسان أو أن يفقد الإنسان إنسانيته لحساب الله .حالة من
الضمنية المتبادلة والاحتواء ( التواجد ) المتبادل بين لاهوت الكلمة المتجسد ، وناسوت
الكلمة المتجسد . قدم القديس كيرلس عامود الدين نموذجا تمثيليا - عبقريا أيضا - لمفهوم
الاتحاد الأقنومي ، إذ استعان بالشخصية الإنسانية كمثال ، فالشخص الإنساني قائم بفضل
الاتحاد الأقنومي بين عنصرين : النفس والجسد . ولاوجود لأي منهما مستقلا عن الآخر ،
فالفصل هو الموت . النفس هي التعبير المعنوي عن الإنسان أما الجسد فهو التعبير البيولوجي
عن الإنسان . وإذا أردنا أن نبني على النموذج الذي قدمه القديس السكندري ، فإننا نستطيع
أن نقول بأنه في لغة الكتاب المقدس ، في أحيان كثيرة ، يجوز الحديث عن الشخص الإنساني
باستعمال الإشارة إلى أحد العنصرين فقط ، فالإنسان كتابيا هو جسد ، " فالكلمة
قد صار جسدا "( يو1 : 14 ) أي صار " لحما ودما "( sarx ) ، صار إنسانا . وكتابيا أيضا ، الإنسان
هو " نفس " ، " فقد صار آدم نفسا حية "( تك2 : 7 ) ، أي صار إنسانا
. إذن ، مفهوم الشخص يعني أن أي عنصر من العنصرين
اللذين يحققان وجود الشخص - من خلال الاتحاد الأقنومي ( الشخصي ) - هو - من الوجهة
اللاهوتية الإنجيلية - قادر على استعلان الشخص كاملا ( بعنصريه ). وإذا كان الرب يسوع هو إله كامل وإنسان كامل
بآن ، في اتحاد شخصي، فهذا يعني ببساطة أن وليد العذراء هو الله الكلمة ، وهو الإنسان
الكامل ، بآن واحد . ويعني أيضا أن النقطة لحاكمة ، الكاشفة لحقيقة وجود اتحاد اقنومي
بين الله والإنسان ، من عدمه ، هي قدرتنا على التعبير عن الشخص باستعمال أحد العنصرين
فقط ، هي قدرتنا أن نقول أن العذراء هي " والدة الإله " . هذه هي عبقرية
مصطلح " الثيئوتوكوس " .
مجدي داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق