الثلاثاء، 24 أبريل 2012

نزول المسيح إلى الجحيم

   مقدمة
لكي ندرك ، جيدا ، مفهوم نزول المسيح إلى الجحيم ، لابد لنا من أن نعي ثلاث قواعد أساسية حاكمة ، يؤكدها تراث الآباء ، لاسيما أثناسيوس :
1- قاعدة الموت : موت المسيح هو موتنا نحن .
2- قاعدة القيامة : القيامة هي النتيجة التلقائية الحتمية للاتحاد بين الكلمة والإنسان في المسيح .
3- قاعدة الشخص : مركز الشخص هو الكلمة الظاهر في الإنسان الجديد ، المنتصر على الموت ، وهو في نفس الوقت ينسب إليه كل ما يخص العتيق ؛ فيقال أن المسيح تألم ومات .
   وتطبيقا عمليا لهذه القواعد الثلاث  ، نقول بأنه بمجرد حلول الكلمة في أحشاء العذراء ، قد ظهر في كوننا إنسان جديد غير قابل للموت ، ولكن ذلك الجديد قد ظهر في عالمنا متسربلا بعتيقه - الذي هو عتيقنا - وظل حاملا إياه ، ومحتجبا فيه ، وظاهرا للعيان كواحد منا ، إلى أن اجتاز فيه الألم والموت . وبالرغم من أن كيان القيامة وعدم الموت هو حقيقة التجسد - وواقع " الجديد " الكائن منذ بداية الحدث - إلا أن ذلك الجديد قد ظل سرا مخفيا خلف الحجاب العتيق ، إلى أن أعلن في فجر الأحد بعد خلع العتيق .   عتيق يسوع هو فاسد بالطبيعة لأنه هو عتيقنا نحن ، وهو قد ظل لابسا إياه حتى ما أسلمه إلى مصيره الطبيعى ، الذي هو مصيرنا ، وعندما تم فيه ذلك ، أعلنت القيامة المحتجبة خلف الحجاب المخلوع .    موتنا ، هو انشطار صورتنا الإنسانية بمفارقة النفس للجسد . والنفس هي الطاقة المحركة الواعية ، المستعلنة في الجسد . الجسد هو جسد نفساني . و بمفارقة النفس للجسد يتهاوى الشطران نحو العدم ؛ فلا وجود لجسد بلا نفس ولا وجود لنفس بلا جسد . هذا هو موتنا الذي يكتمل بموت الكون كله وهبوطه إلى الجحيم،فتفنى حتى بقايا تحلل أجسادنا .هذا هو الموت الذي اجتازه المسيح . على أننا يجب أن ندرك أن الموت لم يستطع أن يلتهم من كيان يسوع غير ما يستطيع أن يلتهم من كياننا . والفرق الأساسي والجوهري هو أنه حينما نلتقى الموت - بطبيعتنا ، العارية من النعمة - فإنه لا يتبقى لنا شيء . يلتهم الموت كل شيء بخصوص الإنسان الطبيعي . أما في ما يخص يسوع فقد التهم الموت حجاب عتيقه ، ليتبقى الإنسان الجديد المنتصر على الموت ، ذلك المستتر خلف الحجاب.   إن إعلان قيامة الرب في فجر الأحد ليس إعلانا عن تحول العتيق إلى الجديد ، بل هو كشف للجديد بعد زوال الحجاب العتيق .  إن قيامة الرب لم تنشأ فى القبر لأن القيامة هي دليل الاتحاد وثمرته ، ولأن لاهوته لم يفارق ناسوته  لحظة واحده ولا طرفة عين،  فإن القيامة لم تكن إلا حدثا متلازما ومتزامنا للتجسد منذ أول لحظة له فى أحشاء العذراء .
    ماذا حدث لجسد يسوع فى القبر ؟
النظرية السائدة ، والتى تتبنى أن جسد يسوع قد تحول في القبر إلى كيان منتصر على الموت ، إلى جسد ممجد ( جسد القيامة) ، هي نظرية خاطئة تماما ؛ وذلك لأنها تفترض أن كيان الكلمة المتجسد قد ظل قابلا للموت إلى أن دخل القبر وهناك قد باغتته القيامة  . أيضا تفترض أن كيان الكلمة المتجسد قد ظل غير ممجد إلى أن دخل القبر ، وهناك - فقط - قد تمجد ! . فان لم يكن هذا الفكر هو عمق النسطورية ، فما هى النسطورية ، إذن ؟  ! ثم ، ماذا يعنى أن موت المسيح هو انشطار كيانه إلى نفس وجسد ، مع بقاء كل من الشطرين متحدا باللاهوت ، إلى أن يتحدا ثانية فتتم القيامة ؟ . أليس هذا أيضا هو مضمون النسطورية ، التي ادعت مفهوم مصاحبة اللاهوت للناسوت ، تلك المصاحبة التي تتطور إلى التدخل في مسار الأحداث لتعيد المسيح إلى النموذج الذي نعتقده ؟  ثم ، كيف نتخيل انشطار كيان يسوع ، كاملا ، إلى شطرين ؟ ماذا يعنى انقسام من توحد فيه الجميع ، حينما اتحد بطبيعتنا ؟ تنجم المشكلة التي تنبت مثل هذا الفكر ، من عثرتين أساسيتين :
 1- عثرة الزمن : كل شيء ، بخصوص التدبير الإلهي للخلاص ، قد تم في التجسد . وحدث التجسد- منذ أول لحظة له- قد تجاوز الزمن ، وما نراه من أحداث في حياة يسوع على الأرض - من الميلاد ، المعمودية ، الصليب ، الموت ، القيامة والصعود - ما هي إلا استعلانات لجوهر النعمة المعطاة للبشر في التجسد ؛ ففي التجسد ميلاد الإنسان الجديد . وفي التجسد تصطبغ الطبيعة البشرية المائتة، بالحياة الإلهية. وفي التجسد يمسح البشر بالروح القدس . وفي التجسد يصلب الوجود العتيق . وفي التجسد قام الإنسان من موته . وفي التجسد صعد الإنسان إلى الآب في ابنه .
2- عثرة الكيان : كيان الكلمة المتجسد لا يختزل في حجاب عتيقه الظاهر ، الذي قبل الألم والموت ودخل القبر . جوهر الكيان هو الإنسان الجديد ، الإنسان الداخلي ، رأس الانسانية الجديدة . هذا هو الذي قيل عنه : " لن تدع قدوسك يرى فسادا " . وهو حينما حل في طبيعتنا - محققا هذا الجديد - لم يهلك العتيق ، بل قد ظل محتجبا فيه كرداء ، وفيه قد قبل كل ما لنا من تعب وألم وموت . وهو حينما أسلمه للموت ، كان قد أسلمه لموتنا نحن ، في أفظع صوره ، أي العدم والهلاك لشطرى الكيان ( الجسد والنفس ).   إنني أشعر أن الوعي اللاهوتي لم يرق بعد إلى إدراك عمق حقيقة موت المسيح . هذا العمق يبدو صادما لروح القطيع السائدة من خلال لاهوت شعبي .  يجب علينا أن ندرك بدهشة بالغة أن المسيح ، ليس فقط ، مات موتنا الحاضر ، بل أنه قد أكمل موتنا . إن ما حدث في قبر يسوع - قبل إزاحة الحجر - هو موت الكون كله ، أي العدم . إن عتيق يسوع كان محرقة حقيقية ؛ فقد انفجرت كل ذرة فيه ، وانحل كل عنصر فيه ، وتم فيه ما سوف يتم في لحظة نهاية الكون . إنه حينما قال : " قد أكمل " ، قد كان يقصدها بالفعل . قد أكمل كل شيء ، وحتى مفهوم الموت ، قد أكمله ، فقد اجتازه كما لم تجتازه أي خليقة من قبله . ولكن ما أن تلاشى عتيق يسوع - كما سوف تتلاشى الخليقة كلها - حتى حان الوقت لاظهار الجديد الخفي.
     الجحيم
  عمق الجحيم هو العدم والفناء . الجحيم ليس مكان الموت بل هو مجال الموت . لذلك فإن مفهوم الجحيم يتسع ليشمل كل ما هو مبسوط عليه سلطان الجحيم ، أى كل ما هو منحدر نحو الجحيم . الكون كله منحدر نحو الجحيم ، لأن " السماوات والأرض الكائنة الآن ، مخزونة بتلك الكلمة عينها ، محفوظة للنار إلى يوم الدين و هلاك الناس الفجار." ( 2 بط 3 : 7 ) .لذلك فكل الخليقة مستوعبة في مجال الجحيم .  والآن ، كيف نستطيع أن نعبر عن الكلمة الذي بتجسده قد صار جزءا من الخليقة ؟ . أليس تجسد الكلمة هو اختراق لمجال الجحيم ؟ . أليس المسيح هو الكلمة المتجسد ، النازل إلى الجحيم ؟ . إن الكلمة حينما حل في جسد ينتمي إلى طبيعتنا ، هو بالفعل ، قد حل في مجال الجحيم . وبحلوله هذا قد أحدث اختراقا في هذا المجال ، بظهور جديده المنتصر على الموت ( المنتصر على الجحيم ) ، ولكنه بالرغم من ذلك ظل مرتديا ذلك الجزء من مجال الجحيم ، أي عتيقه ، إلى أن أسلمه لمصيره الطبيعي الذي هو مصيرنا ، أسلمه للعدم ، وحينئذ فقط تلامس الكلمة المتجسد مع قاع الجحيم ، ولم يستطع الجحيم أن يغتصب منه أكثر من ردائه العتيق ، مثلما لم تستطع امرأة فوطيفار أن تأخذ من يوسف أكثر من ثوبه . حينئذ فقط " بالموت ديس الموت " . حينئذ فقط تعالت في الكون صرخة انشودة النصر " الأشياء العتيقة قد مضت ، هوذا الكل قد صار جديدا ." ( 2 كو 5 : 17 ) . الأشياء العتيقة لم تتحول إلى جديدة لأنه " لا يقدر لحم ودم أن يرثا ملكوت الله ، ولا يرث الفساد عدم الفساد ." ( 1 كو 15 : 50 ). الأشياء العتيقة هي مقصية ومستبعدة ومتروكة من الشركة فى مجد الألوهة الأبدي ، وهذه هي ما عبرت عنها صرخة عتيق يسوع ، على الصليب :   إلهي ، إلهي ، لماذا تركتني.       
 وحتى نظرية تحول العتيق إلى جديد هي التفاف حول المضمون الصحيح ، فتحول شيء ما إلى شيء آخر يعني، بالتأكيد ، فناء الصورة الأولى و إيجاد الصورة الثانية من العدم ، و تصبح محصلة ضم الصورتين ، معا ، ما نرصده من تحول أو تغير . إذن العتيق قد زال بالفعل . ولكن المأساة تصبح واقعنا ، حينما نحصر حدث التغير ، في داخل القبر المغلق ، بعيدا عن الحدث الجوهري ، الذي هو التجسد .               
    الكرازة للذين في السجن
بتجسد الكلمة قد زرعت باكورة إنسانيتنا الجديدة في طبيعتنا المنحدرة إلى الجحيم ، وفي هذا التدبير يجب أن نميز بين طريقين قد أعدا لتحرير كل الذين في مجال الجحيم : الطريق الأول هو الصليب المؤدي للقيامة ؛ فالصليب قد صار طريقنا - نحن الأحياء - إلى الشركة في الرب القائم ، المنتصر . الصليب هو أداة الموت التي أبادت الموت ؛ فقد كان لابد للمنحدرين إلى الجحيم أن يتوقف انحدارهم ،ثم تنعكس حركتهم صعودا إلى الآب في المسيح ،وهذا ما يتم بموتنا مع المسيح . شركة موته هي شركة قيامته ، وبإماتة العتيق ، مع المسيح تتكرس فينا حياته . والطريق الثانى هو القيامة المباشرة ، وهذا هو الطريق الخاص بالراقدين السابقين للتجسد ، أولئك الذين هيأهم الله - في فترة وجودهم على الأرض - ليكونوا شركاء فيه ، عند تجسده . هؤلاء قد ماتوا بالفعل وتلاشت صورة وجودهم وأسروا في الجحيم السفلي الذى هو مصير الكون كله . هم يحتاجون الرب المنتصر على الموت حتى ما يشركهم مباشرة فى نصرته الكائنة منذ أول لحظة لتجسده . هم لا يسلكون طريق موت الصليب - كما نسلك نحن- إذ لا معنى لموتهم ، فقد ماتوا بالفعل ويعوزهم أن يستحضروا من القاع ، عندما تستحضر الباكورة ، الرب يسوع ، وهذا ما حدث بالتجسد : " الراقدون سيحضرهم الله بيسوع أيضا معه ." ( 1تس 4 : 4)
  عبارة رسالة بطرس الأولى:    
  " فإن المسيح أيضا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا ، البار من أجل الأثمة ، لكي يقربنا إلى الله ، مماتا في الجسد ولكن محيى في الروح ، الذي فيه أيضا ذهب فكرز للأرواح التي في السجن "( 1بط 3 : 18 و 19 )
الكيان الجديد ليسوع ، الكائن بفضل اتحاد الكلمة بالبشر ، هو الذي قيل عنه " لن تدع قدوسك يرى فسادا ."( انظر أع 13: 33 -37 ) . وقيل عنه أيضا أنه " سمع له من أجل تقواه ." ( عب 5 : 7). هذا هو الذي يشير إليه الر سول ، هنا ، بتعبير : " محيى في الروح " . هذا هو آدم الأخير ، باكورة حياة الجميع ومصدرها ، الذي " صار روحا محييا ." ( 1كو 15 : 45 ) . هذا هو مضمون آخر كلمات الرب يسوع على الصليب ( بحسب لوقا ) ، حينما " نادى بصوت عظيم وقال :" يا أبتاه فى يديك أستودع روحى ." ( لو 23 : 46 ) ، فقد صار جديده ، الروحي أول كيان بشري يستودع لدى الآب ، وفيه يتم تبني الجميع.  أما الحجاب العتيق ، فيشير إليه بعبارة : " مماتا في الجسد .. الذي فيه أيضا ذهب فكرز للأرواح التي في السجن".  يجب أن نميز، في هذا النص بين طرفين : " من يكرز " و " في من ، تتم الكرازة " .  يجب أن ندرك جيدا مدلول الاشارة في تعبير " الذي فيه " ؛ فالكارز هو جديد يسوع ، المحييى في الروح . والذي تتم فيه الكرازة هو الحجاب العتيق ، الممات في الجسد . القضية ليست وهما أو أسطورة ، والجحيم ليس مكانا ولكنه الرداء العتيق ، الذي هو كياننا الطبيعي ، هذا هو الذي ارتدى فيه المسيح موتنا وفناءنا الطبيعي ، وفيه قد كان مخترقا للجحيم وحينما اجتازه -ولم يستطع الجحيم أن يقتنص منه غير ذلك االحجاب- أعلن عن جديده المستور ، فأعلن الانتصار ، ليس فقط لجديده الخاص به ، بل لكل المسبيين في الجحيم ، الذين هم على شاكلة ذلك العتيق . والنقطة الجوهرية ، هنا هي : إن كنا نؤمن بأن عتيق يسوع هو لحم ودم من طبيعتنا ، فعلينا أن نؤمن بأن مصيره هو نفس مصيرنا ، أي العدم .وبانشطار عتيقه إلى شطريه ( النفس والجسد ) - وبمواراة الجسد في القبر - تكون قد مضت الأشياء العتيقة ، ليبقى الكل جديدا.   فى القبر لم يتحلل عتيق يسوع ، كما نتحلل نحن الآن - ليس لأنه القدوس الذي لا يرى فسادا بل لأن تحلل الأجساد ما هو إلا مرحلة من مراحل الموت ، تلك التي تكتمل بالعدم والفناء ، وهذا هو ما اجتازه - منتصرا - جديد يسوع . ففي قبر يسوع نزل الكلمة المتجسد إلى قاع الجحيم حيث نهاية الخليقة بانحلال عناصرها وفنائها .   
                          خلاصة 
في القبر قد اجتاز الكلمة المتجسد أعماق الجحيم ، ليخرج منتصرا بجديده ، الكائن فيه منذ اول لحظة لتجسده . هذا هو رأس كياننا . هذا هو رأس الكنيسة ، والذي باختراقه لمجال الجحيم ، قد جذب إليه الجميع : أولا ، بانقاذه للأموات الهالكين الراقدين في الأعماق ، وثانيا ، باختطافه للأحياء المنحدرين نحو تلك الأعماق ، : " لأن الرب نفسه بهتاف ، بصوت رئيس ملائكة وبوق الله ، سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولا . ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء ، وهكذا نكون كل حين مع الرب ( 1تس 4 : 16 و 17 ). وبذلك يكون قد أكمل جسده . بذلك يكون قد أكمل الكنيسة
 ملحوظات لغوية
أولا : ثلاثة نصوص هامة 
1- "  الذى أقامه الله ناقضا أوجاع الموت ، اذ لم يكن ممكنا أن يمسك منه . لأن داود يقول فيه : كنت أرى الرب أمامي في كل حين ، أنه عن يمينى ، لكي لا أتزعزع . لذلك سر قلبي وتهلل لساني . حتى جسدى ( sarx ) أيضا سيسكن على رجاء . لأنك لن تترك نفسي ( psyche ) فى الهاوية  hades) ) ولا تدع قدوسك ( تقيك ) ، (hosios ) يرى فسادا .( أع 2 : 24 - 27 ).
2- "الذى في أيام جسده ( sarx ) ، إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت، و سمع له من أجل تقواه  (eulabeia )   ، مع كونه ابنا تعلم الطاعة مما تألم به . وإذ كمل صار لجميع الذين يطيعونه ، سبب خلاص أبدي ، مدعوا من الله رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق .( عب 5 : 7- 10)
3- فإن المسيح أيضا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا ، البار من أجل الأثمة ، لكي يقربنا إلى الله ، مماتا في الجسد ( sarx ) ولكن محيى في الروح(  (pneuma   ، الذي فيه أيضا ذهب فكرز للأرواح ( pneuma ) التي في السجن ،.( 1بط 3 :18 و 19)
ثانيا :  الملحوظات
1- الجحيم 
لدينا - في يونانية العهد الجديد – ثلاث  كلمات تخص المصير السلبى للإنسان ، وتحمل معنى ، عالم الموتى . ترد كلمتان من الثلاثة فى السبعينية وهما:   hades  و abyssos والكلمتان بمعنى الهاوية ، الجحيم . والكلمة الثالثة ، التي لا ترد فى السبعينية هي:  geenna بمعنى جهنم ،  وبحسب القاموس الموسوعي للعهد الجديد ( فيرلين د. فيربروج - نسخة الكترونية بموقع الكلمة ) ، تأتي الكلمة من الآرامية   gehinnam ، وفى العبرية  ge hinnom= وادي ابن (أبناء) هنوم ، وهو الوادي الذي كانت تقدم فيه الذبائح البشرية المتمثلة في التضحية بطفل ( 2 مل 16 : 3 ، 21 : 6 ) ، وقد فكر يوشيا في تنجيسه لكي لا يستخدم بعد في تقديم الأضاحي البشرية ( 2مل 23 : 10 ) ، وسيكون أيضا مكان قضاء الله ( أر 7 : 32 ، 19 :7 ) ، والكلمة بمرور الوقت أصبحت مكان العقاب لتتطابق مع الأفكار التي حول hades . والكلمات الثلاث  تحمل نفس المضمون ، في النهاية ، ولكن هناك بعدين ، من الممكن أن يطرحا تمييزا و حدا فاصلا لكل كلمة . البعد الأول هو المفهوم الواسع للجحيم ، الذي سبق أن تحدثنا عنه ، وفيه قلنا أن الكون الحاضر ، في جملته ، هو مجال للجحيم ؛ فالخليقة كلها منحدرة بطبيعتها نحو مصيرها العدمي ، أي الجحيم . والبعد الثانى هو مدلول الاستخدام الكتابي - لاسيما العهد الجديد - لهذه الكلمات . والأمر العجيب هو التطابق المدهش بين البعدين فى وضع الخطوط الفاصلة بين الكلمات الثلاثة : فالاسم   hades ( هادس )، هو اسم الجحيم في حالة الهبوط ( الانحدار ) : فكفر ناحوم المرتفعة ستهبط إلى "هادس "( مت 11 : 23 ) و ( لو 10 : 15 ) ، والكنيسة الحاضرة - في منحدر الكون - سوف لا تقوى عليها أبواب "هادس "( مت 6 : 18 ) ، والغني المنحدر إلى " هادس " رفع عينيه وهو في العذاب ورأى لعازر من بعيد في حضن ابراهيم ( لو 16 :23 ) . وحينما يلبس كياننا الفاسد - المنحدر نحو الجحيم - عدم الفساد ، ويلبس المائت عدم موت ، فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة : " ابتلع الموت إلى غلبة " أين شوكتك ياموت ؟ أين غلبتك يا " هادس " .؟ ( 1كو 15 : 54, 55 ). والرب المنتصر على الموت - الذي يعطى نصرته إلى جميع المنضمين إليه ، محررا إياهم من انحدارهم نحو الجحيم - يقال ، أن له مفاتيح الهاوية ( هادس ) والموت ( رؤ 1 : 18 ).وعندما يعتق ، الذين في المسييح من انحدارهم نحو عمق الجحيم ، حيث الموت الأبدى ( الموت الثانى ) ، يقال أن الموت والهاوية ( هادس ) قد طرحا في بحيرة النار ( رؤ 20 : 14).  و الاسم ، abyssos  هو اسم الجحيم في حالة الصعود ، والافلات ، منه : ففي الرسالة إلى رومية : لا تقل في قلبك .. "من يهبط إلى abyssos ؟ أي ليصعد المسيح من الأموات . ( رو 10 : 7 ). وفي الرؤيا نجد : الوحش الصاعد ، من abyssos ، في : ( رؤ 11 : 7 ) و ( رؤ 17 : 8 ) ، وأيضا نجد الشيطان مقيدا ومطروحا في abyssos وقد أغلق عليه حتى لا يصعد ويضل الأمم في ما بعد حتى تتم الألف سنة ، في: ( رؤ 20 : 2و 3 ) ، ونجد أيضا االدخان ، الصاعد من abyssos ، في : ( رؤ 9 : 1و 2).  و الاسم  geenna  هو اسم الجحيم في حالة الاستقرار الأبدي ، في حالة الهلاك في النار الأبدية التي لا تطفأ : ( انظر : مت 5 : 22 ، 29 ، 30 )،( مت 10 : 28 )، ( مت 18 : 9 ) ، ( مت 23 : 15 ، 33 ) و ( مر 9 : 43 ، 45 ، 47 ) و ( لو 12 : 5 ) و ( يع 3 : 6 )
2- الجسد والنفس 
لا يعرف اللاهوت المسيحي تلك الثلاثية اليونانية القديمة : الجسد والروح والنفس ، والتي تفترض ، مسبقا ، وجود الروح البشرية الخالدة بالطبيعة ، بالاضافة إلى النفس والجسد . فالطبيعة البشرية لها وجهان ( شقان ) فقط : الجسد والنفس . وفي يونانية العهد الجديد نجد تمييزا دقيقا بين مستويين مختلفين لكل وجه من هذين الوجهين . إذن ، لدينا أربعة مفردات لتوصيف الكيان الإنساني ، من خلال مستويين        :
-  المستوى الأول : هو مستوى ، يحمل المفهوم العام للطبيعة البشرية ، ممثلا فى الكلمتين :
 1-sarx  ، ساركس ، وهي الطبيعة البشرية التي هي من لحم ودم ، والمفردة لا تعني الجسد الظاهر فقط ، بل تستوعب الطبيعة كاملة ، بدون شخصنة ؛ فالكلمة صار جسدا  ( sarx) يو 1 : 14 ) أي ، صار بشرا.  
 " ساركس " ، تعني الكيان البشرى كاملا : أسكب من روحي على كل " ساركس " ( أع 2 : 17 ) ، وحتى عندما يعطي الرب طبيعته ، الإنسانية الجديدة ، للبشر ، يعبر عن ذلك قائلا : جسدى ( ساركس ) مأكل حق .( يو 6 : 55 )
2-   psyche ،  النفس ، وتعني الحياة الإنسانية بصفة عامة ؛ فقد صار آدم نفسا حية ( 1كو 15 : 15 ) . وتستخدم الكلمة لتدل على الكيان البشري ، كاملا : لتخضع كل نفس للسلاطين ( رو 13 : 1 ) ، وعندما يحصى عدد البشر ، فنحن بصدد إحصاء للنفوس ، كما في ( أع 2 : 41 ) ، والحديث عن خلاص البشر هو حديث عن خلاص النفوس ، كما في ( 1بط 1 : 9 )
إذن : كل من المفردتين ، ( sarx , psyche) ، تعني الكيان الحي ، الظاهر ، كطبيعة بشرية .
- المستوى الثاني : مستوى الشخصنة ( الشخص البشري ) ، ممثلا في الكلمتين :
1- soma   الجسد ، وتعني الشخص ، كما في : - شركة جسد المسيح .( 1كو 10 : 16 ) .- ونحن الكثيرين جسد واحد في المسيح .( رو 12 : 5 ). الكنيسة التي هي جسده .( أف 2 : 16 ). وهو حينما أعطى ذاته ، لكي ما يجتمع فيه الكل ، في شخص واحد ، قال : خذوا ، كلوا . هذا هو جسدي ( سوما ) ( مت 26 : 26 ) . خبز واحد جسد ( سوما ) واحد .( 1كو 10 : 17 )
2-  pneuma   الروح ، وهي المعادل ، الشخصي ، لكلمة  soma   ؛ فالجسد ( سوما ) بدون روح ( pneuma ) ميت ( يع 2 : 26 )  والروح ليست مفهوما عاما مثل " psyche" فهي تحمل معنى الشخص والوعي والذات : فلا يفحص أعماق الإنسان إلا روح الإنسان الساكن فيه ( 1كو 2 : 11 ) . والروح ( pneuma ) هي الشخص الإنساني المخاطب من قبل النعمة ، حيث القدرات الإنسانية الذاتية ؛ فالروح هي التي تخلص في يوم الرب ( 1كو 5 : 5 ) ، حتى الصلاة ، هي بالروح ( 1 كو 14 : 15 ) . والعبادة هي بالروح ( رو 1 : 9 ) . لذلك فإن النعمة تستهدف الروح ( pneuma ) لتجددها : تتجددوا بروح ذهنكم ( أف 4 : 23)
وهنا ، نستطيع أن نميز بين الكيان النفسي ، العتيق ، والكيان الروحي الجديد ، في المسيح . فالأول هو جسد نفساني ( soma psychikon) ، والثاني هو جسد روحاني  ( soma pneumatikon) انظر (1كو : 44 - 50) . نستطيع أن ندرك أن الإنسان الجديد ، في المسيح هو شخص  بالمفهوم الحقيقي لكلمة شخص ، لأنه الشخص الثابت في كيان شخص المسيح ذاته ، وذلك بخلاف الإنسان العتيق ، الشخص النفسي ، الزائل بحكم طبيعته ؛ فالمولود من " الساركس " هو " ساركس " والمولود من الروح ( الروح القدس ) هو روح  pneuma ( يو 3 : 6 ). المولود من " الساركس " هو مجرد طبيعة بشرية ، أما المولود من الروح القدس هو شخص لأنه مولود من شخص الروح القدس ، الذى يؤقنم ( يشخصن ) وجوده ، في المسيح . اذن : كل من المفردتين  soma ، pneuma  ، تعني الطبيعة البشرية المشخصة .
 3- التقوى 
المعنى العميق للكلمة ، من المنظور اللاهوتي ، هو الوقاية من الموت والهلاك الطبيعي ، ولدينا في يونانية العهد الجديد - بخصوص النصوص التي نحن بصددها - كلمتان لتوصيف هذا المعنى ، وذلك من خلال منظورين :
-  المنظور الأول : الوقاية السلبية ، أى الوقاية بالمنع والانفصال عن الهلاك ، والكلمة المستخدمة هي eulabeia والفعل هو eulabeomai  ويعني : يحترز أو يتحفظ ، والفعل استخدم في السبعينية كما في ( تث 2 : 4 ) . وفى العهد الجديد كما في : " بالإيمان نوح لما أوحي إليه عن أمور لم تر بعد خاف ( احترز ) فبنى فلكا لخلاص بيته ، فيه دان العالم وصار وارثا للبر الذي حسب الايمان ."( عب 11 : 7 ). وكما في " لذلك ونحن قابلون ملكوتا لا يتزعزع ليكن عندنا شكر به نخدم الله خدمة مرضية بخشوع وتقوى ( eulabeia ) لأن إلهنا نار آكلة ."( عب 12 : 28  )
-  المنظور الثاني : الوقاية الإيجابية ، الوقاية بالمنح ، بالتغطية ، بارتداء الإنسان الجديد ، غير القابل للموت ، بالقداسة والكلمة المستخدمة هي:hosiotes  ، تقوى ، و التقي هو " hosios " :
- "  ، أن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور ، وتتجددوا بروح ذهنكم ، وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة ( hosiotes) الحق ." ( أف 4 : 22-24)
- " وأما هذا فمن أجل أنه يبقى الى الأبد ، له كهنوت لا يزول . فمن ثم يقدر أن يخلص أيضا الى التمام الذين " يتقدمون به " الى الله ، …لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس ( hosios ) بلا شر ولا دنس ، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات ." ( عب7: 24- 26)    
ثالثا : التعليق على النصوص الثلاثة 
   عندما نجد أن الكلمتين المستخدمتين في النصوص - التي نحن بصددها – هما :  sarx , psyche  ، اللتان تشيران إلى الطبيعة البشرية في مفهومها العام ، فماذا يعني هذا ؟  .
 - عندما يقول : جسدى ( sarx ) يسكن على الرجاء لأنك لن تترك نفسي  psyche)  )في الهاوية ( hades ) ولا تدع تقيك " قدوسك "  (hosios ) يرى فسادا - فإن المقصود هو أن الطبيعة البشرية - في المسيح ( الكيان كله ، ظاهره وباطنه )- إنما تنسحب عليها النصرة على الموت ، وليس العتيق ( الظاهر )فقط، هو المقصود . فالكيان الإنساني ، التقي ، بفضل الشركة في حياة الكلمة هو مخترق للجحيم ، حتى وإن كان نازلا إليه ، محتجبا في الرداء العتيق . هذا الكيان هو ما عبر عنه الرسول قائلا : بفضل تقواه ( eulabeia ) ، قد سمع له .
 - هو إذن ، ممات في الجسد ( sarx) ، فقد افترش الموت على كيانه ، وقبله في طبيعته التي هي طبيعتنا . ولكن هذه هي نصف الحقيقة ، فالخبر السار هو أن الحياة ، التي له بفضل كونه جسد الكلمة ، قد أظهرته ك " محيى في الروح " ، قد أظهرته شخصا إنسانيا جديدا ، هو آدم الجديد ، وهذا ما انفرش على طبيعتنا ، مثلما انفرش موتنا على طبيعته . وهو عندما كان نازلا إلى الجحيم   (hades)، لم يستطع الجحيم أن يأخذ منه غير ما يأخذ منا ، أي الحجاب العتيق .
_ آدم الأخير ، المحيى في الروح ، هو الإنسان الروحاني ، الذي فيه نالت البشرية الوقاية من داء الموت ، وقد صار هذا الشخص رأسا للتقوى ، ومنه تنساب الوقاية ، من داء الموت ، إلى جميع الذين ينضمون إليه ليكملوا جسده ، أي الكنيسة . وحينما تنحل الأجساد العتيقة لهؤلاء المنضمين إلى الكيان الواقي ، المسيح ، فهي تترك أرواحا ، هي شخوص حقيقية ، هي أعضاء متمايزة في جسد  ( soma) المسيح . لن يصر الجميع مجرد طبائع بشرية حية  sarx  أو psyche ، بل شخوصا روحانية ( pneuma) تضمها علاقة عضوية داخل شخص روحاني كاثوليكي يجمع الكل . هذا هو هيكل الله الذي يسكنه روح الله . هذا هو الكنيسة ، التي رأسها هو رأس التقوى ، الرب يسوع الناصري ، الكلمة المتجسد .
 - عندما يقول : " لا تدع تقيك يرى فسادا "، فهو لم يكن يقصد الجسد الظاهر ، جسد ( soma) يسوع ( مت 27 : 58) ، بل كان يتحدث عن الكيان البشري كاملا  sarx أو psyche   ويجب أن نلاحظ أن مضمون عبارة " جسدي سيسكن على رجاء " ، يكافئ مضمون عبارة " لن تترك نفسي في الهاوية " ؛ فالطبيعة البشرية الساكنة على الرجاء هي الطبيعة البشرية غير المتروكة لهبوطها ، حتى لا تستقر في الجحيم .
مجدي داود

ليست هناك تعليقات: