السبت، 21 أبريل 2012

تأله الإنسان


    تأله الإنسان ( theosis ) ، هو مصطلح آبائي أصيل ينتمي إلى جيل الأساتذة الأرثوذكسيين ، وعلى رأسهم العظيم أثناسيوس . ولكن نظرا لغياب وصول فيض ذلك النبع إلى بعض التيارات الحديثة ، في الكنيسة القبطية ، فقد ظهر منها رفض - ينم عن جهل مأساوي - لتلك العقيدة الأرثوذكسية الأصيلة ، والتي ، بدون قبولها ، كحقيقة فاعلة وظاهرة في الكنيسة ، ينهار كل ما يخص الكنيسة ، بل كل ما يخص المسيحية ، من الأساس . تنجم العثرة ، في هذا المصطلح ، من خلفية الفصل المأساوي بين الله والخليقة ، ممثلة في البشر . هناك فجوة بين الله والخليقة ، لا يمكن عبوررها . نفس الثنائية المقيتة التي تنتمي إلى أصول الهرطقات الأولى ، في تاريخ الكنيسة . المشكلة الكارثية ، هي أن هذه الخلفية - فيما أنكرت إمكانية تأله الانسان - قد أنكرت إمكانية تجسد الكلمة ، وفرغت التجسد من مضمونه تماما . وللقديس أثناسيوس عبارة شهيرة ، في هذا الصدد : " هو قد تأنس لكي يؤلهنا " . إذن ، قبول ، أن يصير الكلمة إنسانا ، هو ذات القبول لصيرورة الإنسان ، فيه ، إلها . نحن ، هنا ، لا نتحدث عن تغير ، من جوهر إلهي إلى جوهر إنساني ، أو من جوهر إنساني إلى جوهر إلهي . فالكلمة ظل هو الله ، بالرغم من ظهوره في البشر ، والإنسان ظل إنسانا ، بالرغم من أنه جسد الكلمة الخاص . حضور الله إلى البشر ، في الكلمة المتجسد ، هو أيضا - في ذات الحدث - استحضار للبشر ، إلى الله ، في الكلمة المتجسد . بتجسد الكلمة لم يفقد ألوهته لصالح إنسانيته ، وبتأله الإنسان فيه - أي جسده الخاص - لم يفقد الإنسان إنسانيته لصالح اللاهوت . باختصار شديد ، وحاسم : إنكار تأله الإنسان هو إنكار لتجسد الله .
   المفهوم العملي للتأله ، في الكتاب
المعنى الأولي البسيط ، العملي ، لمصطلح التأله - الذي يخاطب الواقع الإنساني - هو الحياة وعدم الموت ، هو النجاة من الفساد الطبيعي ، بالشركة في حياة الله . ولما كان الله هو الوجود وهو الحياة ، وهو واجب الحياة والوجود ، بذاته وبإرادته وبحريته ، فإن الإنسان - كخليقة آتية من العدم ، ومهددة بالعودة إليه - متى نجا من موته الطبيعي ، وصار حيا إلى الأبد ، فإنه يقال له أنه قد تأله ، أي صار له عدم الموت - بالنعمة - مثل الله ، الذي له وحده عدم الموت ، بذاته .
ولنا هنا اقتباسان ، شهيران - في هذا السياق - من الكتاب :
1- الإقتباس الأول ، من كلمات المزمور 82 : " أنا قلت أنكم آلهة "
" الله قائم في مجمع الآلهة . في وسط الآلهة يقضي … أنا قلت أنكم آلهة ، وبنو العلي كلكم . لكن مثل البشر تموتون ، وكأحد الرؤساء تسقطون . قم يالله دن الأرض . لأنك تملك كل الأمم . "
في هذا النص يتضح أن مفهوم تأله الإنسان هو صيرورته عديم الموت والفساد . فالموت الطبيعي هو الواقع البشري المرير ( مثل البشر تموتون ) ، بينما خطة النعمة ، التي في إرادة الله نحو البشر ، هي ، جعلهم آلهة ، أي لا يموتون ، مجتمعين حوله ومستمتعين بعشرته الأبدية ، قائما بينهم ، في مجمع الآلهة ، أي مجمع الأحياء ، من البشر . هؤلاء هم الناجون من دينونة الأرض ، دينونة كل الأمم ، فالتأله هو التعبير الإيجابي عن الخلاص .
2- الإقتباس الثاني من كلمات بطرس الرسول:  " شركاء الطبيعة الإلهية "
- " كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى ، بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة ، اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة ، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة ." ( 2بط 1 : 3 و 4 ). الفهم الجيد للسياق الكامل للعبارة ، كفيل بأن يزيل ذلك اللغط غير المبرر ، وسوء الفهم العجيب ، الذي اكتسبته عبارة " شركاء الطبيعة الإلهية " ، فالحديث هو عن المواعيد العظمى التي نالتها البشرية ، في المسيح . الحديث هو عن الحياة المعطاة للإنسان ، وعن التقوى ، أي الخلاص والوقاية من الموت ، في المسيح . الحديث هو عن المجد الذي نالته البشرية في المسيح . الحديث هو عن الهروب الوحيد الناجع - من الفساد ، والهلاك - بالوجود في المسيح .
هذا إذن هو المفهوم البسيط ، الأولي ، لشركة الطبيعة الإلهية ، أي الشركة في مجد حياة ووجود الله ، بالنعمة ، في المسيح .
  لاتجسد بدون تأله
 في فكر أساتذة الأرثوذكسية - من جيل الآباء ، لاسيما القديس أثناسيوس - تترسخ العقيدة بأن الكلمة حينما اتخذ جسدا بشريا ، فإن هذا الجسد قد تأله ، أي أنه نال الحياة الأبدية وعدم الموت وعدم الفساد ، الأمر الذي استعلن للبشر ، بقيامة الرب من بين الأموات ، في اليوم الثالث لموته . ولكن الكلمة لم يتخذ جسدا لمجرد أن يؤلهه ، فحسب ، بل لقد كان تأليهه لجسده الخاص ، تكريسا لبدء زمن تأليه الجميع ، فيه . إن جسده الخاص ، الذي نال الحياة وعدم الموت ، لم يكن إلا باكورة الأحياء ، من البشر ، وهو وإن كان باكورة لإخوته ، فهو أيضا رأس ومنبع ومصدر حياة إخوته ، الذين ينضمون إليه ، كرأس ، لهم ، بينما يستوعبهم ، هو ، كأعضاء له . إن التأله هو حركة وفعل الإفخارستيا ، النابعة من الرب يسوع ، الكلمة المتجسد ، نحو الكنيسة . وهو حينما قال لأعضاء كنيسته : " خذوا كلوا ، هذا هو جسدي " لم يكن يعني بتلك الكلمات إلا : إقبلوا أن تتألهوا ، باشتراككم في ، كأعضاء . إن الله الكلمة حينما صار جسدا ، جامعا فيه المختارين من البشر ، ككنيسة ، فهذا لا يعني إلا أمرا واحدا ، هو أن جميع أعضاء الكنيسة ، المفديين ، قد صاروا مؤلهين ، أي صاروا شركاء في مجد حياة ووجود - لم يكونوا مستحقين له قبل أن يكونوا في المسيح - هو مجد حياة الله ، ذاته ، الذي له وحده عدم الموت .
المسلمة الخريستولوجية الأرثوذكسية هي أن شخص الرب يسوع ، التاريخي هو ثمرة للإتحاد الأقنومي ( hypostatic union ) بين الله الكلمة والإنسان ،الذي فيه يتجلى الشخص في لاهوته الكامل ، في ذات الوقت الذي يتجلى فيه كإنسان كامل . لاهوت الكلمة المتجسد هو دائما في حالة الإحتواء المتبادل ، والضمنية المتبادلة ، مع ناسوت الكلمة المتجسد.
 ومفهوم الإتحاد - ليكون اتحادا صحيحا - ينبغي أن تحكمه ثلاث نقاط أساسية : 1- اتحاد غير قابل للإنفصال بين شقيه ، وإلا فقد الإتحاد الأقنومي مضمونه ، وفقد مصطلح الشخص معناه . بمعنى أنه ليست هناك إمكانية لوجود ناسوت الكلمة المتجسد - منعزلا - قبل ، أو بعد ، التجسد . أيضا ليست هناك إمكانية لوجود لاهوت الكلمة المتجسد - منعزلا - قبل ، أو بعد ، التجسد . 2- اتحاد بين شقين غير قابلين للإختلاط أو للإمتزاج ، فيما بينهما ، فيظل اللاهوت لاهوتا دون أن ينقص ، بتجسده ، ويظل الإنسان إنسانا دون أن يخرج عن طبيعته ، بحضوره الأبدي في الكلمة . 3- اتحاد بين شقين غير قابلين للتحول البيني ( في ما بينهما ) ، فيظل اللاهوت لاهوتا دون أن يتحول إلى الطبيعة البشرية ، التي لبسها ، ويظل الإنسان إنسانا ، دون أن تتحول طبيعته إلى طبيعة الجوهر الإلهي ، الذي قد أصبح متحدا به إلى الأبد . من هذا المنطلق الخريستولوجي ، نستطيع أن ندرك أن مضمون تأله ناسوت الكلمة المتجسد ، هو اشتراكه في مجد الحياة الأبدية - وعدم الفساد - التي للكلمة ، بفضل كونه جسد الكلمة الخاص . ونستطيع أن ندرك أيضا ، أنه حينما يستقبل الكلمة المتجسد ، كنيسته ، في جسده ، صائرا رأسا ، لها ، فإن فيضا نعمويا ، للتأليه ، إنما ينبع من تلك الرأس ليغمر كافة أعضاء الجسد ، لينال الجميع ، فيه ، مجد الشركة في حياة الكلمة ، في المسيح ، الذي هو بحق ، مجمع الآلهة .
  التأليه هو التبني
  ألوهية الله - في اللاهوت المسيحي - محققة ، لأن الله هو شخص الإبن الوحيد ، الكائن في حضن أبيه . والابن هو الذي يقبل كل ملئه من أبيه الذاتي ، في الروح القدس ، الذي هو روح الابن وروح الآب ، بآن واحد .
في المسيح ، الابن المتجسد ، صار البشر أبناء للآب. بنعمة التبني صار البشر مؤلهين ، باشتراكهم في جسد الابن الذاتي ، كأعضاء . وهم ، بعضويتهم فيه ، قد قبلوا مجد التأله ، الذي ناله - من أجلهم - جسد الكلمة الخاص . التبني هو تأليه البشر ، بدخولهم إلى شركة الثالوث القدوس . وما أروع كلمات الرب ، الابن المتجسد ، حينما خاطب الآب ، شارحا دخول الكنيسة إلى مظلة العلاقة الثالوثية ، بالنعمة : " وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ، ليكونوا واحدا كما أننا نحن واحد . أنا فيهم وأنت في ليكونوا مكملين إلى واحد . " ( يو 17 : 22 و 23 ) .
لذلك كان التبني استعلانا لشركة الروح القدس ، الذي أصبح ساكنا في البشر ، في المسيح ، وهم حينما قبلوه ، فقد أصبح حاضرا إلى الأبد ، فيهم ، محققا لبنوتهم ، وشاهدا لتألههم . وكلمات الرسول بولس - في اقتباسين مختلفين - لا تحتاج إلى تأويل أو تعليق :
- " لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون ، ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون . لأن كل الذين ينقادون بروح الله ، فأولئك هم أبناء الله . إذ لم تأخذوا ( تقبلوا ) روح العبودية أيضا للخوف ، بل أخذتم ( قبلتم ) روح التبني الذي به نصرخ : " يا أبا الآب " . الروح نفسه أيضا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله . فإن كنا أولادا فإننا ورثة أيضا ، ورثة الله ووارثون مع المسيح ." ( رو 8 : 13 - 17 ) .
- " ولكن لما جاء ملء الزمان ، أرسل الله ابنه مولودا من امرأة ، مولودا تحت الناموس ، ليفتدي الذين تحت الناموس ، لننال التبني . ثم بما أنكم أبناء ، ارسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخا : " يا أبا الآب ". إذا لست بعد عبدا بل ابنا ، وإن كنت ابنا فوارث لله بالمسيح "( غل 4:4- 7).
النعمة التي تستعلن حضور الثالوث الأقدس في الخليقة ، والتي هي - بحسب العبارة الآبائية -" واحدة ، من الآب بالابن في الروح القدس " - إنما هي صورة لاستعلان حضور الثالوث ، ذاتيا ، صورة للألوهة الواحدة التى " من الآب بالابن فى الروح القدس " . وبينما يحقق حضور الثالوث - ذاتيا - وجود الألوهة ، فان حضوره فى الإنسان يحقق تأله الإنسان. الألوهة هي الحياة المتأقنمة في الثالوث ، وتأله الإنسان هو الشركة في حياة الله - بالنعمة - بالدخول إلى العلاقة الثالوثية . ففي المسيح ، وحينما يقبل الإنسان وجوده الجديد فهو يشترك في من يقبل وجوده الذاتي ، أي الابن . وهكذا يصير الانسان ابنا للآب بالابن في الروح القدس . هكذا يشترك الانسان في الطبيعة الالهية . هكذا يتأله الإنسان  .
التأله عند أثناسيوس
 هو الشركة في كل شخص من شخوص الثالوث القدوس :
- في المقال الثاني ضد الآريوسيين فقرة 70 يقول : " لأنه ما كان للإنسان أن يتأله لو أنه اتحد بمخلوق أو لو أن الابن لم يكن إلها حقيقيا ... هكذا لم يكن للإنسان أن يؤله لو لم يكن الكلمة الذي صار جسدا هو ابن طبيعي حقيقي وذاتي من الآب . لهذا صار الاتحاد هكذا ، أن يتحد ما هو بالطبيعة بشريا بالذي له طبيعة الألوهية ويصير خلاص الانسان وتأليهه مؤكدا ".
- " فلو كان الروح القدس مخلوقا ، لما كان لنا اشتراك في الله بواسطته . فإن كنا قد اتحدنا بمخلوق فاننا نكون غرباء عن الطبيعة الالهية حيث أننا لم نشترك فيها . أما الآن فلكوننا ندعى شركاء المسيح وشركاء الله ، فهذا يوضح أن المسحة والختم الذي فينا ، ليس من طبيعة المخلوقات بل من طبيعة الابن ، الذي يوحدنا بالآب بواسطة الروح الذي فيه ... ولكن إن كنا بالاشتراك في الروح نصير " شركاء الطبيعة الالهية " ( 2بط 1 : 4 ) ، فإنه يكون من الجنون أن نقول أن الروح من طبيعة المخلوقات وليس من طبيعة الله . وعلى هذا الأساس فإن الذين هم فيه ، يتألهون . وإن كان هو يؤله البشر ، فلا ينبغى أن يشك أن طبيعته هي طبيعة الهية ." ( الرسائل إلى سرابيون 1 :24 ).
- " والختم له صورة المسيح الذي يختم ، والذين يختمون يشتركون في الختم ويتشكلون حسبه ، كما يقول الرسول :" يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضا إلى أن يتصور المسيح فيكم "( غلا 4 : 19 ) . وهكذا إذ نختم فمن الطبيعي أن نصير شركاء الطبيعة الإلهية ، كما يقول بطرس ( 2بط 1 : 4 ) ، وهكذا فكل الخليقة تشترك في الكلمة بالروح " ( سرابيون 1 : 23 ) .
منظومة الفكر الخاطئ المستترة وراء رفض التأله
   لأنهم  " لايجتنون من الشوك عنبا ولا من الحسك تينا " ( مت7:  16) ، فدائما ماتأتي النتيجة خاطئة كثمرة للمقدمات الفاسدة . وينطبق هذا القول ، بأقصى ماينطبق ، في قضية " التأله " من قبل الفكر السائد حاليا في الكنيسة القبطية . وإذا أردنا أن نحلل خلفية هذا الرفض المستميت لعقيدة تأله الإنسان ، وجدنا مايبرره ويمنطقه . ونستطيع أن نرصد خللا وتشويها واضحا في ثلاثة العناصر الرئيسية في قضية تأله الإنسان : الله ، الإنسان ، العلاقة بين الله والإنسان . وقد أعتور كل مايخص هذه العناصر من مفاهيم ، تشويها يتمثل في الفهم الخاطئ لطبيعة كل عنصر
  1- طبيعة الله
الله - في فكر هؤلاء - هو كيان شخصي ، فائق القدرة ، لا نهائي ، ولكنه - وهذا هو المهم - كيان منعزل ، مستقل عن الخليقة ، متمايز عنها ، من المستحيل أن تجمعه شركة كيانية مع الخليقة ، فهو - فقط - الخالق الذي يأتي بالخليقة من العدم بقوة فائقة وبمنطق لايمكننا إدراكه ، تفصله عن الخليقة فجوة لايمكن عبورها ، وهو يدير الخليقة عن بعد ، خلف هذه الفجوة.
  2- طبيعة الإنسان
الإنسان - في فكر هؤلاء - ثلاثي التركيب : جسد ونفس فانيان ، وروح خالدة بالطبيعة.
3- طبيعة العلاقة بين الله والإنسان  
العلاقة بين الله والإنسان - في فكر هؤلاء - تكشف نوعا فجا من الثنائية : ثنائية الله والخليقة ، المحدود وغير المحدود ، المقدس وغير المقدس . لا إمكانية لقيام شركة كيانية بين هذين النقيضين ، وتبقى العلاقة مجرد إدارة الله للإنسان من خلال نظرية " الثواب والعقاب ".  وهكذا فقد ورثت هذه المنظومة الفكرية كل مشاكل الفكر الثنائي القديم ، كل مشاكل الفكر الغنوسي ، كل المقدمات التي أدت إلى الهرطقات التي أتعبت الكنيسة على مدار تاريخها ، لاسيما في قرونه الأولى، وقد أدت هذه المنظومة الخاطئة إلى ثلاث نتائج كارثية :
1-  عدم الاحتياج إلى تأليه الإنسان
فإذا كان الإنسان خالدا بالطبيعة ، فهو إله بالطبيعة - ولنلاحظ التناقض الذي وقع فيه أصحاب هذا الفكر ، ففيما ينكرون التأله ، عن وعي ، هم يقتنعون بمضمونه ، عن غير وعي ، ولكن كطبيعة بشرية غير مشروطة بالنعمة - وعليه فالإنسان ليس محتاجا للشركة في الطبيعة الإلهية لكي يصير خالدا .
  2- التماهي بين مفهوم " تأله الإنسان " ومفهوم " الشرك بالله  
فإذا كان الله كيانا فائقا ومتمايزا ومنعزلا بطبيعته عن الطبيعة الإنسانية كصورة لتمايزه وعزلته عن الخليقة ، فليس هناك أي مضمون لمفهوم حضور الله في الإنسان إلى الأبد في علاقة كيانية ، يحضر فيها الإنسان - أيضا - إلى الأبد في الله ، وبالتالي يصبح قبول الإنسان للشركة في الطبيعة الإلهية نوعا من الشرك بالله ، خصوصا إذا كانت هذه الشركة لن تضيف جديدا للطبيعة البشرية - وفقا لفكر هؤلاء الرافضين ، إذا أنهم يرون الإنسان خالدا وحيا إلى الأبد ، بطبيعته
 3- ضياع مضمون " النعمة "   
تم تفريغ " النعمة " من مضمونها ولم تعد استعلانا للحضور الإلهي في الإنسان والحضور الإنساني في الله ، بل صارت مجرد فكرة نظرية لا
تمت بصلة إلى حقيقة تجديد الطبيعة البشرية بالشركة في الطبيعة الإلهية.   
                                       خلاصة
 تأليه الإنسان هو الحياة الأبدية المعطاة للبشر ، في الكلمة المتجسد ، تلك التي كانت - قبل ظهور تدبير تجسده - خصيصة إلهية . إذ له وحده - بطبيعته - عدم الموت ، ساكنا في نور لا يدنى منه ( 1 تي 6 :16 ) . لذلك فعندما أعطيت نعمة الخلود وعدم الفساد للبشر ، بالحضور الأبدي لله ، فيهم - في المسيح - وعندما صاروا كائنين داخل شركة الثالوث القدوس بنعمة التبني ، فإنه يقال لهم ، أنهم قد تألهوا .
                                       مراجع
  - الشركة في الطبيعة الإلهية ( دراسة في الأصول الرسولية الأرثوذكسية للخلاص عند القديس أثناسيوس ، وآباء الكنيسة الجامعة ) - دكتور جورج حبيب .
 - المقال الثاني ضد الآريوسيين - للقديس أثناسيوس .
 - الرسائل عن الروح القدس إلى سرابيون - للقديس أثناسيوس .

                                           هامش

نشرت هذه المقالة كتعليق على مقال للمتروبوليت / نقولا أنطونيو مطران طنطا وتوابعها للروم الأرثوذكس والوكيل البطريركي لشؤون الطائفة العربية بمصر، في نوفمبر 2008، على مدونة " مساحة حرة " ، الملحقة بموقع الدراسات القبطية والأرثوذكسية، فما كان من الدكتور جورج حبيب بباوي إلا وكتب تعليقا على تعليقي، وأظن أن مالفته هو تعريفي لمصطلح التأله، فكتب :

This is one of the best and even the shortest comments on Deification; I hope that the M. D. will continue writing.

Dr George Bebawi>

  مجدي داود

ليست هناك تعليقات: