شهادة يسوع عن الروح
1-
" ذاك يمجدني ، لأنه يأخذ مما لي و يخبركم
" . ( يو 16 : 14 )
كان حلول الروح القدس ، قديما ، مجرد حلول وقتي ، أما الآن ، في المسيح ، فقد
صار للروح سكنى أبدية فى البشر . والسكنى تعني
توفر المسكن ، والمسكن هو الكنيسة ، هيكل الله الذي يسكنه روح الله. وعندما نؤمن أن
العنصرة هي عيد تأسيس الكنيسة ، فيجب أن يكون إيماننا من العمق بحيث لايكون تفكيرنا
مقتصرا على صورة الكنيسة كمؤسسة زمنية في العالم ، أو حتى على مسار حركة الكرازة والدعوة
الرسولية ، بل على الكنيسة فى مفهومها الأعمق كجسد للمسيح . الكنيسة ، بهذا المفهوم
هي مايحتفى به فى عيد العنصرة . انطلق تأسيس هيكل الروح القدس ، بظهور حجر الزاوية
الرب يسوع ، ومنه ينطلق بناء كل الهيكل بتحقق الوجود الإفخارستي لجميع البشر، المختارين
من أجل أن يصيروا كنيسة. حجر الزاوية ، الرب يسوع هو رأس المسحة ؛ لأن فيه يحل كل ملء
اللاهوت ، والكلمة بتجسده قد مسح الجسد ، جاعلا منه مصدرا لمسحة الجميع.
إذن بناء هيكل الروح القدس هو حدث تحقق
الكنيسة ، هو حدث انتقال المسحة من رأس الجسد إلى الأعضاء ، هو حدث" العنصرة"
بالنسبة " للكل " (كيان المسيح ، الممتلئ) ، وهو، فى نفس الوقت ، حدث العنصرة
بالنسبة " للجزء "( على مستوى الأعضاء ). من هذا المنطلق ، نستطيع أن نفهم قول الرب عن الروح
القدس : " هو يشهد لي "( يو 15 : 26 ) ؛ فالشهادة ، هنا هي " شهادة
يسوع " ( رؤ 19 : 10) ، التي تعنى انسياب النعمة من من كيان الرب يسوع ، كرأس
، لتصبغ باقي الأعضاء وتمسحهم بالمسحة التي نالها جسد يسوع بفضل كونه جسد الكلمة ؛
فيشهد كل عضو ، وبالتالي يشهد جميع الأعضاء بانتمائهم العضوي إلى الرب يسوع المسيح
( كما ثبتت فيكم شهادة المسيح ، حتى أنكم لستم ناقصين في موهبة ما، وأنتم متوقعون استعلان
ربنا يسوع المسيح، الذي سيثبتكم أيضا إلى النهاية بلا لوم في يوم ربنا يسوع المسيح
. ( اكو 1 : 6 -8). الروح القدس يشهد له ؛
لأن الروح هو الذي يحقق انتماء، أعضاء الكنيسة إلى رأسهم ، فتتحقق الشهادة في الجميع
بتحقق الشركة في الجسد الواحد. الروح القدس هو الذي يحمل مسار المجد من الرأس إلى الأعضاء
( ذاك يمجدني)،( مجدت، وأمجد أيضا ) (يو12: 28 )
عبارة " يأخذ مما لي ويخبركم " تعني
: يأخذ من مسحتي ويمسحكم ؛ يأخذ مني كرأس ،
ويخبركم كأعضاء .
2- " سيرسله الآب باسمي ". ( يو
14 : 26 )
أولا: " سيرسله
"
تبعا لمفهوم "الإرسالية " ، فإن الفعل
يختلف ، في الأصل اليوناني للعهد الجديد ؛ فالإرسالية بمعنى حمل رسالة معينة - كما
هو الحال بالنسبة للرسل الذين فتنوا المسكونة برسالة الخلاص - يستخدم لها الفعل apostello ، والرسول هو apostolos ، ومفهوم الإرسالية بهذا المعنى يتمركز
حول "الرسالة" ذاتها ، وليس حول "الرسول". أما الفعل المستخدم
، هنا ليعبر عن إرسالية الروح القدس - ويستخدم أيضا فى مواضع مختلفة ليعبر عن إرسالية
الابن - فهو الفعل pempo ،
الذي يعطي مفهوما للإرسالية يتمركز حول الشخص المرسل.
ثانيا : " باسمي
"( في اسمي) ،" en to onomati mo
"
الاسم
فى لغة الكتاب المقدس هو الشخص ، والاسم المقصود هنا هو ، اسم " المسيح
" .وعندما يذكرالرب أن حدثا ما يتم باسمه
( في اسمه) ، فإن هذا يعني أن ذلك الحدث هو توصيف للنعمة الكائنة في اسم " المسيح"
، والسارية داخل كيانه ، من الرأس إلى الأعضاء، فتحقق الطلبة ،"باسمه " هو
ذاته تحقق وجود الكنيسة ؛ أي تحقق الانضمام إلى الاسم ؛ أي الانضمام إلى جسد المسيح
( ليس أنتم اخترتموني ، بل أنا اخترتكم ، وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر، ويدوم ثمركم،
لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي . ( يو 15 : 16 ) . و ( من يؤمن بي فالأعمال التى
أنا أعملها يعملها هو أيضا، ويعمل أعظم منها ، لأني ماض إلى أبي. ومهما سألتم باسمي
فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن . إن سألتم شيئا باسمي فإني أفعله . (يو 14 : 12
-14). فليس هناك شيئ ، يطلبه الذين في المسيح ، غير الكينونة داخل اسم المسيح. المبارك
الآتي باسم ( في اسم ) الرب ، هو ذلك الكيان الجماعي ؛ الكنيسة ، الذي بمجيئه يتحقق
مجيء الرب ؛ يتحقق امتلاء اسم " الرب" ؛ فلنتأمل هتاف الشعانين بحسب مرقس
( مبارك الآتي باسم الرب ، مباركة مملكة أبينا داود الآتية . ( مر 11 : 9 و 10 ). هكذا
يضعنا النص اليوناني لإنجيل مرقس ، عند هذه النتيجة ، أن المضمون المستوعب داخل
"اسم الرب" هو " مملكة أبينا داود " ، أي الكنيسة. اسم "
المسيح" هو الاسم الذي حصل عليه الكلمة بتجسده ، وهو قد حصل على هذا الاسم لكي
يستوعب فيه كنيسته ( احفظهم في اسمك en to onomati sou الذي أعطيتني ،
ليكونوا واحدا كما نحن . يو 17: 11 )
إذن :
الروح القدس المرسل من لدى الآب ، هو مرسل في اسم " المسيح " ، فشخص المسيح
، هو الشخص الذي فيه يمسح الجميع ، وخارج المسيح لاتوجد أي مسحة لأي أحد من البشر.
اسم "المسيح" ، يخص كيانا تفيض فيه المسحة من الرأس إلى الأعضاء ؛ أي يتم
هبوب الروح من الرأس إلى الأعضاء ؛ لذلك قال الرب عن نفسه، أنه هو من يرسل الروح (
ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب ، روح الحق، الذي من عند الآب ينبثق
، فهو يشهد لي .( يو 15 : 26 )
3- مصطلح " الباراقليط "
حتى لانتوه في الجدل ، حول مفهوم الكلمة
، فإننا نرى أن للكلمة معنيين أساسيين:
أولا : المعنى اللغوي
للكلمة
الفعل الأساسى في الكلمة هو فعل
" kaleo "،
الذي يعني " توجيه الدعوة إلى شخص ما " ، ويعني أيضا " إطلاق الاسم
، أو التسمية "؛ فالاسم في لغة الكتاب المقدس هو "دعوة " وليس مجرد
كلمة تمييزية للفرد ؛ فالاسم هو جوهر دعوة الشخص وهو جوهر الدور المنوط به ؛ فقد دعي
"يسوع " بهذا الاسم " لأنه يخلص شعبه من خطاياهم ".( مت 1 :
21)
ولكن ، عندما يضاف الحرف ( para
)، إلى الفعل ، فإن الفعل الجديد " parakaleo "، الذي اشتقت منه كلمة الباراقليط parakletos paraclete، ، يعطى
مفهوما يتخطى مجرد توجيه الدعوة - التي تحتمل القبول وتحتمل الرفض ، في نفس الوقت
- إلى مفهوم " الطلبة والالتماس ، والتضرع النابع عن احتياج ماس " ، كما
في ( فأتى إليه أبرص يطلب إليه جاثيا وقائلا له : " إن أردت تقدر أن تطهرني".(
مر 1 : 40 )
الباراقليط ، من خلال هذا المنظور ، هو الشخص " الملتمس ، المعرب عن احتياج
معين ، والمستميت في الحصول على مايشبع هذا الاحتياج .
ثانيا : المعنى الاصطلاحى للكلمة
وهو ما اصطلح عليه، منذ القرون الأولى ، أن مفهوم
الكلمة هو " التعزية " والباراقليط هو " المعزي" ، ولكن من الأفضل
لنا الآن أن نرى كيف يرصد العهد الجديد ، مفهوم "التعزية " ( paraklesis ). يضع الرسول بولس كلمة " التعزية
" ، كوجه آخر، مواز، ومتلازم لمفهوم " الصليب " ؛ أي كوجه آخر"
لشركة آلام المسيح" : ( مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح ، أبو الرأفة وإله كل
" تعزية " . الذي " يعزينا " في كل ضيقتنا، حتى نستطيع أن
" نعزي " الذين هم في كل ضيقة "بالتعزية " التي "نتعزى"
نحن بها من الله. لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا ، كذلك بالمسيح تكثر " تعزيتنا
" أيضا. فإن كنا نتضايق فلأجل " تعزيتكم " ، وخلاصكم ، العامل في احتمال
نفس الآلآم التي نتألم بها نحن أيضا. أو" نتعزى "فلأجل " تعزيتكم
" وخلاصكم. فرجاؤنا من أجلكم ثابت. عالمين أنكم كما أنتم شركاء في الآلآم، كذلك
في " التعزية" أيضا. ( 2 كو1: 3-7)
مفهوم كلمة " الباراقليط"
أن يحسم الجدل ، بتبني أحد المعنيين
، فهذا درب من المستحيل. وتكمن المشكلة ، في
أنه لاسبيل في سبر أغوار كلمة " الباراقيط " ، إلا بفهم طبيعة عمل الروح
القدس في الكنيسة ؛ بمعنى أنه لاسبيل إلا الحسم اللاهوتي. الروح القدس هو الذي يؤسس
الكنيسة ، هو الذي يحقق "العضوية "في جسد المسيح ، هو صانع المسكن وهو ساكن
هذا المسكن، ولكن فيما يصنع الروح ذلك ، فهو يتمم عملا مزدوجا ؛ فبواسطة فعله الناري
يموت العتيق ، لحساب الجديد . الروح القدس، هو الذي يكشف " الاحتياج " ،
وهو الذي يملأ هذا الاحتياج . الروح القدس ، هو الذي يخلق " التضرع "، وهو
الذي يجيب الطلبة ( وكذلك الروح أيضا يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله
كما ينبغي. ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها. ( رو 8: 26 ). الباراقليط ، هو الشخص الذي فيه " يلتمس ويدرك
- بآن واحد - وجود الكنيسة . الباراقليط ،
هو الشخص الذي فيه " تلتمس وتدرك - بآن واحد - المسحة "؛ لأنه هو روح المسحة
وهو روح الصبغة الذي به يصطبغ الجميع . دعى الرب يسوع المسيح ، بالباراقليط ، لأنه
شخص الكفارة ، الذي فيه تتغطى جميع احتياجات أعضائه ، للوجود ، بفضل فيض المسحة المنساب
من الرأس إلى الأعضاء : " وإن أخطأ أحد فلنا شفيع ( parakleton
) عند الآب ، يسوع المسيح البار . وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا
كل العالم أيضا ". ( 1 يو 2 : 1 و2 ). المسكن و ساكنه " ، وجهان لعملة واحدة ، فالباراقليط
هو الروح القدس الذي فيه يلتمس تحقيق وجود الكنيسة ، كجسد للمسيح وبدون وجوده ، لاتوجد
كنيسة . والكنيسة ،كجسد للمسيح ، هي موطن المسحة و مسكن الروح . وخارجها لايوجد أى
مدلول لكلمة " الباراقليط" . الباراقليط هو " الروح القدس المرسل إلى
البشر في المسيح " ، وكما أن الكلمة بتجسده ، قد دعي " مسيحا " ، كذلك
أيضا ، الروح القدس بسكناه الأبدية في البشر ( في المسيح ) ، قد دعي " الباراقيط
" ؛ لأنه هو" ملتمس ومحقق" المسحة ، التي في المسيح.
إذن
: كشف " الاحتياج الى المسحة " ، التي في المسيح ، واشباع هذا الاحتياج
- بانسياب المسحة من الرأس الى الأعضاء - هما وجها العمل الواحد الذى يقوم به شخص
" الباراقليط "
خلاصة
العمل الذي يستعلنه مصطلح " الباراقليط " ، له وجهان : الوجه السلبى
هو" كشف الاحتياج" ؛ فالباراقيط هو الشخص " الملتمس" ( صيغة اسم
الفاعل) ، الذي فيه تتم الشركة فى آلام وموت الرب. والوجه الإيجابى هو "إشباع
الاحتياج" ؛ فالباراقليط هو الشخص " الملتمس " ( صيغة اسم المفعول
) ، الذي فيه تتم الشركة فى قيامة الرب.
مجدي داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق