الخميس، 26 أبريل 2012

عطية الروح القدس


شهادة يسوع عن الروح  
  1- "  ذاك يمجدني ، لأنه يأخذ مما لي و يخبركم " . ( يو 16 : 14 )
  كان حلول الروح القدس ، قديما ، مجرد حلول وقتي ، أما الآن ، في المسيح ، فقد صار للروح  سكنى أبدية فى البشر . والسكنى تعني توفر المسكن ، والمسكن هو الكنيسة ، هيكل الله الذي يسكنه روح الله. وعندما نؤمن أن العنصرة هي عيد تأسيس الكنيسة ، فيجب أن يكون إيماننا من العمق بحيث لايكون تفكيرنا مقتصرا على صورة الكنيسة كمؤسسة زمنية في العالم ، أو حتى على مسار حركة الكرازة والدعوة الرسولية ، بل على الكنيسة فى مفهومها الأعمق كجسد للمسيح . الكنيسة ، بهذا المفهوم هي مايحتفى به فى عيد العنصرة . انطلق تأسيس هيكل الروح القدس ، بظهور حجر الزاوية الرب يسوع ، ومنه ينطلق بناء كل الهيكل بتحقق الوجود الإفخارستي لجميع البشر، المختارين من أجل أن يصيروا كنيسة. حجر الزاوية ، الرب يسوع هو رأس المسحة ؛ لأن فيه يحل كل ملء اللاهوت ، والكلمة بتجسده قد مسح الجسد ، جاعلا منه مصدرا لمسحة الجميع.
  إذن  بناء هيكل الروح القدس هو حدث تحقق الكنيسة ، هو حدث انتقال المسحة من رأس الجسد إلى الأعضاء ، هو حدث" العنصرة" بالنسبة " للكل " (كيان المسيح ، الممتلئ) ، وهو، فى نفس الوقت ، حدث العنصرة بالنسبة " للجزء "( على مستوى الأعضاء ).  من هذا المنطلق ، نستطيع أن نفهم قول الرب عن الروح القدس : " هو يشهد لي "( يو 15 : 26 ) ؛ فالشهادة ، هنا هي " شهادة يسوع " ( رؤ 19 : 10) ، التي تعنى انسياب النعمة من من كيان الرب يسوع ، كرأس ، لتصبغ باقي الأعضاء وتمسحهم بالمسحة التي نالها جسد يسوع بفضل كونه جسد الكلمة ؛ فيشهد كل عضو ، وبالتالي يشهد جميع الأعضاء بانتمائهم العضوي إلى الرب يسوع المسيح ( كما ثبتت فيكم شهادة المسيح ، حتى أنكم لستم ناقصين في موهبة ما، وأنتم متوقعون استعلان ربنا يسوع المسيح، الذي سيثبتكم أيضا إلى النهاية بلا لوم في يوم ربنا يسوع المسيح . ( اكو 1 : 6 -8).  الروح القدس يشهد له ؛ لأن الروح هو الذي يحقق انتماء، أعضاء الكنيسة إلى رأسهم ، فتتحقق الشهادة في الجميع بتحقق الشركة في الجسد الواحد. الروح القدس هو الذي يحمل مسار المجد من الرأس إلى الأعضاء ( ذاك يمجدني)،( مجدت، وأمجد أيضا ) (يو12: 28  )  
   عبارة " يأخذ مما لي ويخبركم " تعني :  يأخذ من مسحتي ويمسحكم ؛ يأخذ مني كرأس ، ويخبركم كأعضاء .
       2- " سيرسله الآب باسمي ". ( يو 14 : 26  )
أولا: " سيرسله " 
 تبعا لمفهوم "الإرسالية " ، فإن الفعل يختلف ، في الأصل اليوناني للعهد الجديد ؛ فالإرسالية بمعنى حمل رسالة معينة - كما هو الحال بالنسبة للرسل الذين فتنوا المسكونة برسالة الخلاص - يستخدم لها الفعل  apostello ، والرسول هو     apostolos ، ومفهوم الإرسالية بهذا المعنى يتمركز حول "الرسالة" ذاتها ، وليس حول "الرسول". أما الفعل المستخدم ، هنا ليعبر عن إرسالية الروح القدس - ويستخدم أيضا فى مواضع مختلفة ليعبر عن إرسالية الابن - فهو الفعل  pempo  ، الذي يعطي مفهوما للإرسالية يتمركز حول الشخص المرسل.  
ثانيا : " باسمي "( في اسمي) ،" en to onomati mo "
   الاسم  فى لغة الكتاب المقدس هو الشخص ، والاسم المقصود هنا هو ، اسم " المسيح "  .وعندما يذكرالرب أن حدثا ما يتم باسمه ( في اسمه) ، فإن هذا يعني أن ذلك الحدث هو توصيف للنعمة الكائنة في اسم " المسيح" ، والسارية داخل كيانه ، من الرأس إلى الأعضاء، فتحقق الطلبة ،"باسمه " هو ذاته تحقق وجود الكنيسة ؛ أي تحقق الانضمام إلى الاسم ؛ أي الانضمام إلى جسد المسيح ( ليس أنتم اخترتموني ، بل أنا اخترتكم ، وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر، ويدوم ثمركم، لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي . ( يو 15 : 16 ) . و ( من يؤمن بي فالأعمال التى أنا أعملها يعملها هو أيضا، ويعمل أعظم منها ، لأني ماض إلى أبي. ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن . إن سألتم شيئا باسمي فإني أفعله . (يو 14 : 12 -14). فليس هناك شيئ ، يطلبه الذين في المسيح ، غير الكينونة داخل اسم المسيح. المبارك الآتي باسم ( في اسم ) الرب ، هو ذلك الكيان الجماعي ؛ الكنيسة ، الذي بمجيئه يتحقق مجيء الرب ؛ يتحقق امتلاء اسم " الرب" ؛ فلنتأمل هتاف الشعانين بحسب مرقس ( مبارك الآتي باسم الرب ، مباركة مملكة أبينا داود الآتية . ( مر 11 : 9 و 10 ). هكذا يضعنا النص اليوناني لإنجيل مرقس ، عند هذه النتيجة ، أن المضمون المستوعب داخل "اسم الرب" هو " مملكة أبينا داود " ، أي الكنيسة. اسم " المسيح" هو الاسم الذي حصل عليه الكلمة بتجسده ، وهو قد حصل على هذا الاسم لكي يستوعب فيه كنيسته ( احفظهم في اسمك  en to onomati sou  الذي أعطيتني ، ليكونوا واحدا كما نحن . يو 17: 11 )
إذن : الروح القدس المرسل من لدى الآب ، هو مرسل في اسم " المسيح " ، فشخص المسيح ، هو الشخص الذي فيه يمسح الجميع ، وخارج المسيح لاتوجد أي مسحة لأي أحد من البشر. اسم "المسيح" ، يخص كيانا تفيض فيه المسحة من الرأس إلى الأعضاء ؛ أي يتم هبوب الروح من الرأس إلى الأعضاء ؛ لذلك قال الرب عن نفسه، أنه هو من يرسل الروح ( ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب ، روح الحق، الذي من عند الآب ينبثق ، فهو يشهد لي .( يو 15 : 26 )     
          3- مصطلح " الباراقليط "
حتى لانتوه في الجدل ، حول مفهوم الكلمة ، فإننا نرى أن للكلمة معنيين أساسيين: 
أولا : المعنى اللغوي للكلمة
الفعل الأساسى في الكلمة هو فعل " kaleo "، الذي يعني " توجيه الدعوة إلى شخص ما " ، ويعني أيضا " إطلاق الاسم ، أو التسمية "؛ فالاسم في لغة الكتاب المقدس هو "دعوة " وليس مجرد كلمة تمييزية للفرد ؛ فالاسم هو جوهر دعوة الشخص وهو جوهر الدور المنوط به ؛ فقد دعي "يسوع " بهذا الاسم " لأنه يخلص شعبه من خطاياهم ".( مت 1 : 21)   
ولكن ، عندما يضاف الحرف ( para )، إلى الفعل ، فإن الفعل الجديد " parakaleo  "، الذي اشتقت منه كلمة الباراقليط   parakletos  paraclete،  ، يعطى مفهوما يتخطى مجرد توجيه الدعوة - التي تحتمل القبول وتحتمل الرفض ، في نفس الوقت - إلى مفهوم " الطلبة والالتماس ، والتضرع النابع عن احتياج ماس " ، كما في ( فأتى إليه أبرص يطلب إليه جاثيا وقائلا له : " إن أردت تقدر أن تطهرني".( مر 1 : 40  )
  الباراقليط ، من خلال هذا المنظور ، هو الشخص " الملتمس ، المعرب عن احتياج معين ، والمستميت في الحصول على مايشبع هذا الاحتياج .
 ثانيا : المعنى الاصطلاحى للكلمة
 وهو ما اصطلح عليه، منذ القرون الأولى ، أن مفهوم الكلمة هو " التعزية " والباراقليط هو " المعزي" ، ولكن من الأفضل لنا الآن أن نرى كيف يرصد العهد الجديد ، مفهوم "التعزية " ( paraklesis ). يضع الرسول بولس كلمة " التعزية " ، كوجه آخر، مواز، ومتلازم لمفهوم " الصليب " ؛ أي كوجه آخر" لشركة آلام المسيح" : ( مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح ، أبو الرأفة وإله كل " تعزية " . الذي " يعزينا " في كل ضيقتنا، حتى نستطيع أن " نعزي " الذين هم في كل ضيقة "بالتعزية " التي "نتعزى" نحن بها من الله. لأنه كما تكثر آلام المسيح فينا ، كذلك بالمسيح تكثر " تعزيتنا " أيضا. فإن كنا نتضايق فلأجل " تعزيتكم " ، وخلاصكم ، العامل في احتمال نفس الآلآم التي نتألم بها نحن أيضا. أو" نتعزى "فلأجل " تعزيتكم " وخلاصكم. فرجاؤنا من أجلكم ثابت. عالمين أنكم كما أنتم شركاء في الآلآم،  كذلك في " التعزية" أيضا. ( 2 كو1: 3-7)    
مفهوم كلمة " الباراقليط"         
أن يحسم الجدل ، بتبني أحد المعنيين ، فهذا درب من المستحيل.  وتكمن المشكلة ، في أنه لاسبيل في سبر أغوار كلمة " الباراقيط " ، إلا بفهم طبيعة عمل الروح القدس في الكنيسة ؛ بمعنى أنه لاسبيل إلا الحسم اللاهوتي. الروح القدس هو الذي يؤسس الكنيسة ، هو الذي يحقق "العضوية "في جسد المسيح ، هو صانع المسكن وهو ساكن هذا المسكن، ولكن فيما يصنع الروح ذلك ، فهو يتمم عملا مزدوجا ؛ فبواسطة فعله الناري يموت العتيق ، لحساب الجديد . الروح القدس، هو الذي يكشف " الاحتياج " ، وهو الذي يملأ هذا الاحتياج . الروح القدس ، هو الذي يخلق " التضرع "، وهو الذي يجيب الطلبة ( وكذلك الروح أيضا يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي. ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها. ( رو 8: 26 ).   الباراقليط ، هو الشخص الذي فيه " يلتمس ويدرك - بآن واحد - وجود الكنيسة  . الباراقليط ، هو الشخص الذي فيه " تلتمس وتدرك - بآن واحد - المسحة "؛ لأنه هو روح المسحة وهو روح الصبغة الذي به يصطبغ الجميع . دعى الرب يسوع المسيح ، بالباراقليط ، لأنه شخص الكفارة ، الذي فيه تتغطى جميع احتياجات أعضائه ، للوجود ، بفضل فيض المسحة المنساب من الرأس إلى الأعضاء : " وإن أخطأ أحد فلنا شفيع ( parakleton ) عند الآب ، يسوع المسيح البار . وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضا ". ( 1 يو 2 : 1 و2 ).  المسكن و ساكنه " ، وجهان لعملة واحدة ، فالباراقليط هو الروح القدس الذي فيه يلتمس تحقيق وجود الكنيسة ، كجسد للمسيح وبدون وجوده ، لاتوجد كنيسة . والكنيسة ،كجسد للمسيح ، هي موطن المسحة و مسكن الروح . وخارجها لايوجد أى مدلول لكلمة " الباراقليط" . الباراقليط هو " الروح القدس المرسل إلى البشر في المسيح " ، وكما أن الكلمة بتجسده ، قد دعي " مسيحا " ، كذلك أيضا ، الروح القدس بسكناه الأبدية في البشر ( في المسيح ) ، قد دعي " الباراقيط " ؛ لأنه هو" ملتمس ومحقق" المسحة ، التي في المسيح.            
  إذن : كشف " الاحتياج الى المسحة " ، التي في المسيح ، واشباع هذا الاحتياج - بانسياب المسحة من الرأس الى الأعضاء - هما وجها العمل الواحد الذى يقوم به شخص " الباراقليط "
 خلاصة
  العمل الذي يستعلنه مصطلح " الباراقليط " ، له وجهان : الوجه السلبى هو" كشف الاحتياج" ؛ فالباراقيط هو الشخص " الملتمس" ( صيغة اسم الفاعل) ، الذي فيه تتم الشركة فى آلام وموت الرب. والوجه الإيجابى هو "إشباع الاحتياج" ؛ فالباراقليط هو الشخص " الملتمس " ( صيغة اسم المفعول ) ، الذي فيه تتم الشركة فى قيامة الرب.
مجدي داود

ليست هناك تعليقات: