الوكيل والوكالة
الوكيل ( oikonomos
) والوكالة ( oikonomia ) ، والكلمتان اليونانيتان تنتميان إلى الأصل oikos ، الذي يعني " البيت
"، وقديما استخدمت " الإيكونوميا " للتعبير عن إدارة ، أو تدبير ، شئون
البيت ثم اتسع استخدام الكلمة للتعبير عن إدارة الدولة ، وحديثا نحتت منها كلمة تعني
أحد العلوم الحديثة ،" economy
"، علم الإقتصاد .
استخدمت الإيكونوميا ، في العهد الجديد
للتعبير عن الخدمة ، كإدارة لبيت الله ، الكنيسة ، كإستخدام الرسول بولس ، في :
1 - " هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح ،
ووكلاء سرائر الله ، ثم يسأل في الوكلاء لكي يوجد الإنسان أمينا ."( 1كو 4 :
1 و 2 ).
2 - " لأنه يجب أن يكون الأسقف
بلا لوم كوكيل الله ... لكي يكون قادرا أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقضين
."( تي : 1 : 7 – 9) .
وأما الإستخدام الكتابي الأعمق للكلمة
، في العهد الجديد - وتحديدا عند بولس الرسول - فيأتي للتعبير عن تدبير سر الخلاص الذي
ظهر في المسيح ، الكلمة المتجسد :
- " إذ عرفنا بسر مشيئته ، حسب مسرته التي قصدها
في نفسه ، " لتدبير" ملء الأزمنة ، ليجمع كل شيء في المسيح ، ما في السماوات
وما على الأرض ، في ذاك الذي فيه أيضا نلنا نصيبا ، معينين سابقا حسب قصد الذي يعمل
كل شيء حسب رأي مشيئته ، لنكون لمدح مجده ، نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح " ( أفس 1 : 9 - 12 ).
- " بسبب هذا أنا بولس ، أسير
المسيح يسوع لأجلكم أيها الأمم ، إن كنتم قد سمعتم " بتدبير " نعمة الله
المعطاة لي لأجلكم . أنه باعلان عرفني بالسر . كما سبقت فكتبت بالإيجاز . الذي بحسبه
حينما تقرأونه ، تقدرون أن تفهموا درايتي بسر المسيح "( أفس 3 : 1 - 4 ).
- " وأكمل نقائص شدائد المسيح
في جسمي لأجل جسده ، الذي هو الكنيسة ، التي صرت أنا خادما لها ، حسب " تدبير
" الله المعطى لي لأجلكم ، لتتميم كلمة الله . السر المكتوم منذ الدهور ومنذ الأجيال
، لكنه الآن قد أظهر لقديسيه ، الذين أراد الله أن يعرفهم ما هو غنى مجد هذا السر في
الأمم ، الذي هو المسيح فيكم رجاء المجد "( كو 1 : 25 – 27) . وهكذا يتجلى المضمون
اللاهوتي ، الحقيقي ، للوكيل وللوكالة . فالمسيح
هو الوكيل الحقيقي ، الأمين ، المدبر لشئون البيت ، وهو البيت في ذات الوقت . هو بيت
الآب ، الذي به منازل كثيرة ، والذي قد أعد فيه مكانا لكنيسته ، حتى ما يأخذها إليه
( يو 14 : 2 و 3). هو الوكيل ، ووكالته هي على كنيسته التي هي جسده . هو الوكيل وهو
مال الوكالة ، بآن واحد .
الوكيل والوكالة ، في
المثل
الإنسان هو الوكيل ، في المثل ، ومال
الوكالة هو وجوده الطبيعي . لم يكن الإنسان مستحقا لهذا الوجود ، بل هو قد دعي إليه
، من العدم ، وصار وكيلا عليه . وقد كان من المأمول أن يكون الإنسان وكيلا أمينا فيبقي
الله في معرفته ، ويتدرج في هذه المعرفة إلى أن يصل إلى الشركة في الكلمة ، فيأكل من
شجرة الحياة . ولكن الإنسان سقط وفقد الطريق الصحيح إلى إدارة وكالته ، فواجه طبيعته
الفاسدة ، وانحدر إلى الموت . هكذا بذر الإنسان أموال وكالته .
وكيل الظلم و مال الظلم
هل من وسيلة لإنقاذ الموقف ، بعد أن
افتضح موقف الإنسان ، بعد فشله في وكالته ، وقد بات هلاكه مؤكدا ، وقد سمع صوت الصدمة
: " أعط حساب وكالتك لأنك لا تقدر أن تكون وكيلا بعد " ؟ . "ماذا يصنع
الإنسان ؟ إنه لا يستطيع أن ينقب ويستحي أن يستعطي "، أي أنه ليس هناك من وسيلة
لاجتلاب وجود ، من موجود آخر ، ولابد أن يستثمر مديوني سيده . هذا هو الحل ! إذن ،
إذا استثمر الوجود الطبيعي - العتيق ، الفاسد - في ظهور الوجود الجديد عديم الفساد
، فهذا هو استثمار لمال الظلم ، فها هو الرب يخاطب الكنيسة ، التي قبلت بشارة الإنجيل
: " وأنا أقول لكم : اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم ، حتى إذا فنيتم يقبلونكم في
المظال الأبدية ". الوكيل ، في المثل هو وكيل الظلم ، لأنه أعطى ما لا يملكه إلى
من لا يستحق . وهذا الوكيل ، الذي امتدحه الرب ، " إذ بحكمة فعل "، هو الإنسان
المدعو للشركة في المسيح ، وما صنعه ، هو في الواقع عمل النعمة العجيب . فما عطية ،
ما هو ليس مملوكا له ، وما أخذ ما هو ليس مستحقا ، إلا وجها عمل النعمة . ففي المسيح
يعطي الإنسان كيان وجوده العتيق - الفاسد بالطبيعة ، وهو كيان لا يملكه ، إذ قد أعطي
له من العدم - ليموت مع المسيح ، فيقبل - في المقابل - وجودا جديدا ، وهو لا يستحقه
، إلا بالنعمة . الإنسان ، بالنعمة ، يعطي وجوده البائد ، ليصلب مع المسيح ، فيأخذ
وجوده الباقي إلى الأبد ، في المسيح . هو استثمار ، إذن ، لذلك الذي هو هالك ، بطبيعته
، لحساب البقاء ، ومن ضيع فرصة استثمار ، هذا الفاني ، واحتفظ به ، فهو قد احتفظ بفنائه
، لأن الرب ذاته يقول : " من لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني . من وجد حياته
يضيعها ، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها ."( مت 10 : 38 و 39 )
المديونية
صكوك الدين ، في المثل ، هي مستحقة
لحساب البقاء والحياة الأبدية ، في المسيح : " حتى إذا فنيتم يقبلونكم في المظال
الأبدية ." والمديونية هي مديونية الحياة الأبدية ، التي من المفترض ومن المتعين
، أن يتم استيفاؤها عوضا عن صكوك دين طبيعتنا العتيقة . في المسيح تستثمر أجسادنا الماتئة
، بأن تموت بالروح القدس ، مع المسيح ، فتحيا معه . هكذا يتم استيفاء المديونية لأنه
" إن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنا فيكم ، فالذي أقام المسيح من الأموات
سيحيي أجسادكم المائت أيضا بروحه الساكن فيكم . فإذا أيها الإخوة نحن " مديونون
" ليس للجسد لنعيش حسب الجسد . لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون ، ولكن إن كنتم
بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون . "( رو 8 : 11 – 13 )
مئة بث زيت و مئة كر قمح
الرقم : مئة
كما تعرضنا من قبل وخصوصا في دراسة
" لغة الأرقام في الكتاب المقدس " الموجودة في أرشيف هذه المدونة ، فإن الرقم
" مئة " يشير إلى رافد من ثلاثة روافد تملأ الكنيسة ، جسد المسيح ، وهو رافد
أبناء دعوة الكرازة الرسولية ، الذين قد قبلوا بشارة الإنجيل .
الزيت والقمح
هما وجها المديونية ، التي يتم تسديدها،
بالنعمة . الزيت هو زيت المسحة ، مسحة الروح القدس . بالشركة في الروح القدس بموت العتيق
، بواسطة الفعل الناري للروح . هذا هو مايتم في المسيح ، الكلمة المتجسد ، رأس المسحة
، الذي فيه قد مسح الجميع : "وأما عن الابن : كرسيك يا الله إلى دهر الدهور .
قضيب استقامة قضيب ملكك . أحببت البر وأبغضت الإثم . من أجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت
الإبتهاج أكثر من شركائك "( عب 1 : 8
و 9 ). القمح هو بنو الملكوت ( مت 13 : 38 ) ، هو الثمر . هو الوجود الجديد في المسيح
. وإذا كان الزيت هو الوجه السلبي ، في تسديد المديونية ، أي موت العتيق ، فإن القمح
هو الوجه الإيجابي ، أي ظهور الإنسان الجديد ، الروحاني ، عديم الموت .في عبارة يوحنا
الصابغ ، التي يشهد فيها للرب يسوع المسيح ، نجد رؤية شاملة للوجهين ، إذ يقول ، مخاطبا
مريديه : " أنا أعمدكم بماء للتوبة ، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني ، الذي
لست أهلا أن أحمل حذاءه. " هو سيعمدكم بالروح القدس ونار" . الذي رفشه في
يده ، وسينقي بيدره ، ويجمع " قمحه " إلى المخزن ، وأما التبن فيحرقه بنار
لا تطفأ "( مت 3 : 11 و 12).
الرقم : خمسون
هو حاصل ضرب خمسة وعشرة . والعدد
" خمسة " يعني ، في لغة الكتاب ، فئة نوعية معينة . والرقم " عشرة
" يعني " الكل " . وبالتالي فإن الرقم "خمسين " - الذي يشير
إلى انتماء فئة معينة إلى الكل - يعني القسم أو الفرقة ، أو الجزء من الكل . ففي معجزة
إكثار الخبز والسمك ، تم تقسيم الخمسة آلاف رجل ، فرقا خمسين خمسين ( لو 9 : 14 ) و
( مر 6: 40). وعليه فإن الرقم "خمسين" ، الذي كتب في صك الزيت ، بدلا من
المئة ، يشير إلى الوجه السلبي لاستيفاء أحد وجهي مديونية الإنسان . صك الخمسين بث
، زيت ، هو ذلك الفريق ، من البشر الذي استثمر مال ظلم وجوده العتيق ، بأن مات مع المسيح
، بفعل الروح القدس ، أي الفريق الذي بالروح قد أمات أعمال الجسد - أي بذل مال الظلم
- وليس مثل الفريق الآخر الذي عاش حسب الجسد ، فاستحق الهلاك وفقا لطبيعته الفاسدة
.
الرقم : ثمانون
هو حاصل ضرب ثمانية وعشرة . والعدد
" ثمانية " هو البداية الجديدة . فالذين كانوا بداية جديدة للوجود الإنساني
، قديما ، هم ثمانية ، كمثال للمعمودية ،كبداية للوجود الجديد ، في المسيح :
" ... الذي فيه أيضا ذهب فكرز للأرواح التي في السجن ، إذ عصت قديما ، حين كانت
أناة الله تنتظر مرة في أيام نوح ، إذ كان الفلك يبنى ، الذي فيه خلص قليلون ، أي ثماني
أنفس بالماء . الذي مثاله يخلصنا نحن الآن ، أي المعمودية . " ( 1بط 3 : 19 -
21 ) . هو رقم المعمودية ، هو رقم البداية الجديدة . وحتى الرمز القديم الذي في الختان
، كان يتمم في اليوم الثامن ، إذ قد اختتن يسوع في اليوم الثامن ( لو 2 : 21 ) . أما
الرقم " عشرة " ، فكما قلنا أنه يعني " الكل " ، أو الجميع ، أو
الرقم الإجمالي . وعليه فان الرقم " ثمانين " ، الذي كتب في صك القمح ، بدلا
من المئة ، يشير إلى الوجه الإيجابي لاستيفاء أحد وجهي مديونية الإنسان . صك الثمانين
كر قمح ، هو ذلك الوجود الجديد ، هو تلك البداية الجديدة التي أعطيت لكل الذين في المسيح
- عوضا عن عتيقهم الفاني بالطبيعة ، أي عوضا عن مال الظلم - بعد أن جمعت حنطتهم في
مخزن ابن الانسان .
أمانة وكيل الظلم
امتدح السيد ، في المثل ، وكيل الظلم
. وأيضا طلب الرب يسوع من تلاميذه - وبالتالي من كنيسته - أن يتمثلوا بحكمة هذا الوكيل
، فيصنعوا لهم أصدقاء بمال الظلم ، أي يستثمروا ، بالنعمة ، وجودهم الطبيعي - الذي
هو ليس لهم ، والذي هو فاسد بطبيعته - فيعطون وجودهم الجديد ، مقبولين في " المظال
الأبدية " . هذه هي " الأمانة في القليل ، في مال الظلم ، والتي في مقابلها
يؤتمنون على الكثير ، أي على الحق " . هذه الأمانة هي التي تجعلهم يستحقون سماع
الصوت المفرح : " نعما أيها العبد الصالح والأمين ! كنت أمينا في القليل فأقيمك
على الكثير . ادخل إلى فرح سيدك " ( مت
25 : 21 ) .
مجدي داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق