الأحد، 22 أبريل 2012

شخص المسيح هاجس الميثولوجيا


        منطق الصراع حول القضية
   علاقة التشابه بين الطروحات المختلفة ، من ديانات ، وآلهة  - التي أتت بها الأساطير القديمة  للشعوب والثقافات المختلفة ، والتي تبلورت  في معزل عن  الوحي الإلهي الذي حمله الأنبياء والرسل  - وشخص المسيح ، هي مسار جدل محتدم بين فريقين  : فريق المهاجمين للمسيحية من غير المسيحيين ، وهو الفريق الذي يتبارى في استماتة من أجل أن يبلورتشابها فريدا وجليا بين " الإله " الأسطورة ، وشخص المسيح . وفي سبيل ذلك يتخذ أصحاب هذا الفريق طريقا معوجا غير موضوعي فيقومون بتزييف تفاصيل الأسطورة إلى الدرجة التي تتطابق فيها صورتها مع شخص المسيح ؛ فيقومون مثلا بإلحاق أحداث تخص الرب يسوع التاريخي بشخص" الإله " الميثولوجي كالميلاد العذراوي ، والصلب   . وغايتهم في ذلك هو إثبات أن ما يقول به المسيحيون ، وما يقول به كتابهم ، عن المسيح ، ماهو إلا إعادة إنتاج للأساطير القديمة ، وبذلك يشكل لهم وهمهم وخيالهم المريض أنهم يضربون المسيح والمسيحية ، في مقتل .والفريق الثاني هو فريق المسيحيين المدافعين عن المسيحية وعن شخص المسيح ، وفي مسار دفاعهم ، الذي يأتي كرد فعل - أيضا ، غير موضوعي - لهجوم غير المسيحيين ، يستميتون في دحض وجود أي تشابه أو تماثل بين " الإله الأسطورة " وشخص المسيح - وعليه ، فلا يوجد خوف - من وجهة نظرهم - على صورة المسيح من أن يطالها شبهة الأصول الميثولوجية الوثنية - وفي سبيل ذلك يقومون بالتفنيد لكافة تفاصيل صورة " الإله الميثولوجي " والكشف - عن حق - وبالرجوع إلى المصادر الأصلية لأصحاب هذه الأسطورة - لزيف ما ألصق به من أحداث تخص الرب يسوع التاريخي .
          النقطة الحاسمة للصراع
  قد فات على أولئك وهؤلاء أن " تاريخية الشخص " هي النقطة الحاسمة للصراع ، وبالتالي هي دحض لادعاء فريق غير المسيحيين المنادين بالأسطورية وطمأنة للمسيحيين الذين ينطلقون - من مخاوفهم - في استماتة ، لإبطال أية شبهة أو تماثل مع الأسطورة ، فالتاريخ يجب شبهة الأسطورة ويصيبها في مقتل .   تاريخية الرب يسوع محسومة لدى المسيحيين ؛ فالأناجيل - في مستوى تأويلها الأولي - هي كتب ووثائق تاريخية  توثق كل تفاصيل سيرة الرب يسوع التاريخي (  Historical Jesus ). وأيضا هناك قرينة تاريخية هامة وهي أنه بحدود القرن الميلادي الرابع كانت المسيحية قد انتشرت في العالم انتشار النار في الهشيم ، بل وعقد لها مجامع مسكونية حضرها ممثلون عن كل كنائس العالم . كان هذا بفضل عشرات من رسل المسيح الذين فتنوا المسكونة بكرازتهم عن المسيح وقدموا حيواتهم من أجل انتشار دعوتهم وكرازتهم عن شخص يسوع ، القائم من الأموات . وهنا يبدو السؤال ملحا : هل من الممكن أن تنتشر الدعوة المسيحية ، وأن يقبل المبشرون بها  الموت ، من أجل انتشارها ، بينما هي مجرد أسطورة قد قاموا بابتداعها  ؟ إن أشد المتشككين في تاريخية أغلب الأحداث الإنجيلية الخاصة بشخصية يسوع ، أي أصحاب مذهب الشك التاريخي مثل رودلف بولتمان ( Rudolf Bultmann )، لايشكون مطلقا في أن يسوع كان شخصا تاريخيا ، وأنه أعدم علي يد الرومان ، وأنه كان مصدرا لحركة تاريخية للجماعة الفلسطينية الأقدم التي خرجت من تلك البقعة الجغرافية في ذلك الوقت.   أما الذين يهاجمون تاريخية  شخص " يسوع المسيح " محاولين إلصاق شبهة الأسطورية به ، فلديهم الكثير من الأدلة التاريخية التي ينبغي أن يدحضوها ، بداية  :
                       1- المنطقية التاريخية
  إن انتشار المسيحية في خلال عدة قرون تقل عن عدد أصابع اليد الواحدة ، واستقرار أدبياتها ومسلماتها يخصوص شخص يسوع هو أمر ينسخ شبهة الأسطورة . فأساطير القدماء احتاجت إلى مرور آلاف السنين لتستقرولتكتمل . انتشار المسيحية واستقرار طروحاتها في مثل هذه المدة القصيرة نسبيا هو أمر ضد المنطق الطبيعي لنمو  الأسطورة وتطورها ووصولها إلى كمالها .
                     2- الأدلة والقرائن التاريخية 
    أولا : الوثائق
 يوجد الكثير من الوثائق الهامة التي تعود إلى مشارف الحقبة ذات الصلة بالموضوع ، نذكر منها بعض الأمثلة  :
  . وثائق وثنية ،  مثل  :
  -   كورنيليوس تاسيتوس (  Cornelius Tacitus :   55-125 )   .
  -    ثالوث  ( Thallus : 52 )   .
  -   لوشيان الساموساطي (  120- بعد 180 ) ( Lucian of Samosata )   .
 -   سيتونيوس   Suetonius )   ( 120 ) .
 -   كلسوس ( Celsus ) الفيلسوف اليوناني ( القرن الثاني )  .
 -   بليني الأصغر (    Pliny the younger :112  ).
  . وثائق يهودية
    في مقدمتها : يوسيفوس فلافيوس (Flavius Josephus )( 38-100 ) ، وهو مؤرخ عظيم ، وفي كتابه " تاريخ اليهود ، الفصل 18 ، رصد شخص يسوع ، في ما قد صار يعرف بالشهادة الفلافية ( Testimonium Flavianum ).  وأغلب النقاد والمحققين التاريخيين يعتقد بأصالة هذه الشهادة بالرغم من شبهة إضافة اسم " المسيح " إلى النص الأصلي - من قبل المسيحيين - في سياق الترجمة،  ولكن ماهو مستقر هو أن يوسيفوس قد رصد تاريخية شخص يسوع كرجل حكيم وكمعلم له أتباعه الذين آمنوا بأنه سيظهر ثانية حيا بعد صلبه في عهد بيلاطس البنطي.                  
  وأيضا لدينا شهادة التلمود البابلي ( Babylonian Talmud ) ، وبصرف النظر عن الكم الهائل من الشتائم ومن السباب الذي يكيله التلمود للرب يسوع ولأمه العذراء مريم ، فهو يقرر بوضوح حقيقة شخص يسوع الناصري ، التاريخية ويقر أيضا بحقيقة تعليقه في ليلة عيد الفصح .
-  الوثائق الغنوسية ، مثل :- إنجيل الحق ( 135-160 ) . - إنجيل يوحنا الأبوكريفي ( 120- 130 ) . - إنجيل توما ( 140 - 200 ) .
  ثانيا : بعض الأدلة التاريخية ، المادية 
-   صك الحكم الذي أصدره بيلاطس ، وقد اكتشقه العلماء الفرنسيون المرافقون للجيش الفرنسي في زحفه إلى إيطاليا بمدينة نابولي - مقاطعة أكويلا - عام 1280 . كذلك اكتشفوا صورة خطاب مرسل من يوليوس والي الجليل إلى المحقل الروماني بمدينة رومية، وفيه وصف دقيق ليسوع .
-  الرسالة التي أرسلها بيلاطس إلى طيباريوس وفيها الأسباب التي أدت إلى صلب يسوع وأسماء الشهود الذين حضروا المحاكمة - اكتشفت عام 1390 في روما وحفظت في الفاتيكان ، وهي معروفة عند القدماء وأشار إليها الفيلسوف يوستينوس ( 139 ) والعلامة ترتيليانوس .
-  كفن تورينو ( Holy Shroud  ).
                             جوهرالطرح الميثولوجي 
    لابد للمفكراللاهوتي المسيحي أن لا يكتفي بتفنيد ودحض ما قد ألصقه غير المسيحيين - عن سوء نية - من صفات تماثل شخص يسوع ، بالآلهة الميثولوجية ، بل عليه - بعد أن يصنع ذلك - أن يحاول اكتشاف رمزية الإله الأسطوري التي قد تصل أحيانا إلى حد " النبوءة " عن شخص المسيح ، وإذ ذاك يتحول الخوف من شبهة "الأسطورية " إلى مدعاة للفخر وإلى نقطة قوة  . فحتى وجود التشابه الميثولوجي لا يجعل المسيح والمسيحية امتدادا ميثولوجيا إذ أن هذا التواصل قد انقطع بحكم ثبوت تاريخية الشخص وخروجه من دائرة أي شبهة ميثولوجية . وهذا هو ما نحاول أن نبلوره في هذا المقال . البداية هي انطلاقنا من فكر الأساتذة من جيل الآباء لاسيما العظيم أثناسيوس ، فنرصد عنده في رائعته " تجسد الكلمة " أن الإنسان بخلقته " على صورة الله ومثاله " قد صار " ظل الكلمة " ، وقد كان من الممكن للإنسان الأول - لو أنه احتفظ بتلك الصورة ، بإبقاء الله موضوعا لتأمله - أن يستثمر نعمة مماثلة الصورة الإلهية لينتهي به المطاف إلى الاتحاد بالكلمة وبأكله من شجرة الحياة ( المسيح ) ونجاته من فساده الطبيعي ونواله الخلود . ولكن الإنسان بعصيانه وبنرجسيته فقد هذا البعد الديناميكي لنعمة مماثلة الصورة الإلهية ، ففقد الطريق إلى الحياة وبات هلاكه مؤكدا ، وفقا لطبيعته . ومنذ ذلك الحين عكف الإنسان على ابتداع آلهة ومعبودات وعبد المخلوق دون الخالق .  ولكن الإنسان الطبيعي ، الذي بلا ناموس ولا وحي ولا أنبياء - وإن كان قد فقد الطريق إلى المسيح - فهو الكائن الحي الوحيد الذي ينزع ويسعى - حتى عن غير وعي - نحو حلم الخلود والنجاة من الموت ، نحوالمسيح  . ويبقى الحد الأدنى لإنسانية الإنسان هو ذلك النزوع الدائم نحو تخطي الموت والانتصار عليه. والإله الميثولوجي هو دائما ذلك الشخص الإلهي الذي ينتصر على الموت البشري صائرا متجليا في الكون ويعم بواسطته الخير على الجميع .  الإله الأسطوري هو رمز ونبوءة عن المسيح ، والباعث إلى صناعته محفور في صيغة ضبابية داخل اللاوعي البشري الطبيعي .
                                  بعض الأمثلة
   -  كرشنا ( Krishna ): هو إنسان تأله ، بل صار مصبا لكل الآلهة الهندية ، وصار كونيا . يقول عن نفسه : " أنا الذات ، أنا البداية والوسط وكل الكائنات  " . بمولده ، احتفلت الطبيعة وانهمرت الزهور من السماء ودقت طبول الآلهة في السماء بدون أن يعزف أحد . وبموته غضبت الطبيعة وارتفعت المحيطات وغطت الكل، ماعدا قبيلته .
    -   بوذا (  Buddha ): هو إنسان تأله وذاب في الكون . في حياته على الأرض اختبر أن الطريق  للخلاص من آلام هذه الحياة المادية البائسة هو في قمع الذات ومحاربة الشهوات وحب التملك ، إلى أن يصل الإنسان  إلى " النرفانا " ( Nirvana )  ، وهي حالة من" السلام الكامل " وهي بحسب بوذا " العقل غير المشروط " ( The unconditioned mind ) ، وهي " عدم الموت " (  deathlessness ) . عمق البوذية هو التخلي عن الذات الإنسانية لحساب ذات كونية ، بديلة ، يتحقق فيها الخلود.
  -  ميثرا ( Mithra )
 ذلك الإله الروماني ، الذي ولد من " صخرة " . ذبح ثورا كونيا ، وهذا يعني - في أدبيات الميثولوجيا القديمة  - أنه خالق الكون . وبعد ذبحه للثور أكل وجبة مع الشمس ، مكونة من : خبز ، ماء ، نبيذ ولحم .  بعد أن أنهى مهمتمه على الأرض صعد حيا إلى السماء في عربة تجرها الجنود السماوية . في التدين الميثري الروماني قد انحدرت النفس البشرية - من السماء - سبع درجات ، وينبغي عليها أن تصعدهم ، ثانية ، حتى تستعيد الخلود المفقود .
   -  أوزوريس ( Osiris )
 ذلك الإله المصري الذي قتله أخوه الشرير " ست " بمؤامرة ، ثم بعد أن استعادت " إيزيس " ( Isis ) زوجته ، جسده الملقى في النيل قام ست  بتقطيعه إلى أربع  عشرة قطعة وبعثرها في جميع الأنحاء ، فقامت إيزيس بتجميعه وأعادت إليه الحياة ليصبح حيا بين الأموات في العالم السفلي ، وأصبح مصدرا للبركة التي تعم كل مصر .
  -  حورس ( Horus )
حبلت به إيزيس من أوزوريس بعد أن استعادت حياة  زوجها  . قاد الكثيرمن المعارك ضد " ست " الشرير  حتى انتصر عليه . اتحد بالإله " رع " إله الشمس وصار يموت كل يوم مع الغروب  ويقوم من الموت مع الشروق .
                                     خلاصة
     الرؤية الصحيحة لتشابه الإله الأسطوري مع شخص المسيح ينبغي أن لا تبارح منطقة " الدلالة الرمزية " ؛ فشخص المسيح ليس مجرد شخص تاريخي بل هو محور كل حركة التاريخ ، ومحور كل التصورات ، حتى غير الواعية وغير الصحيحة -  من وجهة نظر المسيحيين . وكل المنتج الثقافي للإنسان هو مدفوع بهذا الهاجس ذي الدلالة الرمزية المنقوشة في أعماق اللاوعي الإنساني. وعليه ، فلنا بعض من الأسئلة ، التي قد تبدو صادمة : أليس الشخص الإلهي الأسطوري الكوني مثل كرشنا وبوذا وميثرا وحورس ، هو هاجس ذو دلالة رمزية تخص شخص المسيح ؟  أليست " إيزيس " ، التي لملمت أشلاء زوجها فأظهرته شخصا كاملا حيا ، هي هاجس ذو دلالة رمزية تخص " الكنيسة " ، التي بحضورها كاملة ، اجتمع أعضاء جسد المسيح المبعثرون في الزمان والمكان ، وبذلك يتحقق شخص المسيح الكامل الممتلئ ؟
مجدي داود



ليست هناك تعليقات: