السبت، 21 أبريل 2012

هل يخلص غير المسيحي ؟!




محاور أساسية للإجابة 
للإجابة على السؤال لابد لنا من أن نخضع عقولنا لعملية عصف ذهني حر ، في عدة محاور هي مفاهيم أساسية تتضافر معا مكونة بنية الإجابة :
1- الانتماء إلى المسيح .
2- الحكم على الآخر .
3- مصطلح " الأمم " .
4- مقاصة الإيمان .
5- السر الكنسي وعلاقته بالآخر ، غير المسيحي .
6- مصطلح " الكرازة "

                           1-  الانتماء إلى المسيح  

   مفهوم الانتماء إلى المسيح     
  للانتماء - إلى المسيح - مفهوم ومضمون مختلف ، لايعرفه البشر ، مقارنة بذلك المفهوم الذي لديهم . فالانتماء إلى المسيح ليس انتماءا " من الخارج " ، بمعنى أنه ليس كأي انتماء إلى فكرة معينة - يتم الاقتناع بها - أو إلى شخص تاريخي ، تلتصق به الأذهان والأفئدة ( من الخارج ) ، ولكنه انتماء إلى الداخل ، أي انتماء إلى داخل الشخص ذاته . والحقيفة أن العالم لم يعرف مثل هذا النوع من الانتماء ؛ فلم يعرف العالم فكرة معينة قد تم التماهي ، والتوحد، معها إلى درجة الولوج فيها ، كجزء منها . ولم يعرف العالم شخصا تاريخيا انتمى إليه نفر لدرجة أنهم صاروا مستوعبين داخله ،كأجزاء منه ، ولكن المسيح هو هكذا . المسيح ليس مجرد شخص تاريخي - تنتمى إليه الكنيسة فكريا أوعقائديا ، بل إنه شخص يحتوي الكنيسة ؛ فهي جسده الخاص ، وبدون هذا الانتماء يبقى المسيح مجرد رأس لكيان فارغ !!!. وهكذا يتكمل ويمتلئ المسيح بانتماء الكنيسة إليه ، ويذكرنا ذلك ، بالالحاح - والتأكيد المستمر والمستميت للرسول بولس - على تعبير ( في المسيح ) كتعبير عن كيان الكنيسة ، التي بدورها ، ليس لها وجود ، خارجا عن هذا الاسم .
  آلية الانتماء ، إلى المسيح 
 فعل الانتماء المسيحي وديناميكيته ليس فعلا بشريا ؛ فالحق الالهي يعلمنا أن الكلمة صار جسدا ، أى أن الكلمة هو الذى انتمى إلى البشر ، حتى أنه صار " ابن الانسان " . فاتجاه حركة الانتماء هو اتجاه نازل وليس اتجاها صاعدا . هو الذى انتمى إلينا أولا فصرنا منتمين إليه ، فيه . انتماء الكلمة إلى الإنسان هو " الفعل " بينما انتماء الإنسان إلى الكلمة هو " رد الفعل ". وبالتأكيد ، إن للمفهوم طبيعة مزدوجة ؛ فالكلمة حينما صار جسدا ، تأله البشر فيه ، صائرين شركاء في الحياة الأبدية -التي له - وهذا هو مفهوم " النعمة " ، ولكن تبقى الحقيقة المؤكدة ، أن حدث الانتماء - بفعله ومساره - هواتجاه نازل ، هو اتجاه تجسد الكلمة ؛ فشخص" الابن " هو المعطى (بضم الميم ) إلى العالم - هذا هو الانتماء ( كفعل ) - وفيه قد صعد البشر إلى الآب ، منتمين إليه ، وهذا هو الانتماء ( كرد فعل ) .إذن ، حدث الانتماء هو الاختراق الذي صنعه الكلمة بتجسده ، مهيئا لنفسه جسدا من البشر ، جاعلا إياه رأسا لكيان وجودهم الجديد ، ومن هذه الرأس ( الرب يسوع المسيح ) ينطلق مسار حركة الانتماء - بقدرته الذاتية وإرادته التي تخترق الكل - لجذب كل الأعضاء ، حتى مايكتمل كيان المسيح ، الممتلئ بكنيسته .

                        2-  الحكم على الآخر

 1- مفهوم الدينونة  
 الدينونة ، أو الحكم بالإدانة هي حالة " الكشف " و " التعرية " لخرق قانوني ، يؤدي للوقوع تحت طائلة القانون . ما نحن بصدده هو قانون الحياة والوجود ، المستعلن في ناموس ( قانون ) المسيح ، كقول الرسول بولس : " تمموا ناموس المسيح " ( غل 6 : 2 )، والحياة الأبدية - المعطاة للبشر في شخص الكلمة المتجسد - هي فحوى ومضمون " القانون "، وعدم الايمان بالمسيح ، ورفضه سوف يفتضح ، باستمرار حالة الموت ، وعدم الخلاص منها : " الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية ، والذي لايؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله " . ( يو 3 : 36 ) .اذن ، الدينونة هي حالة سلبية ، تعني تحصيلا حاصلا لعدم قبول الدخول إلى مظلة " قانون " الحياة ، أي "شخص المسيح " . وبالتالي فإن التمايز الصارخ - بين الحياة والموت ، بين هؤلاء الذين في المسيح ، وأولئك الذين خارجه - هو في حد ذاته ، حدث النطق بحكم الدينونة على الذين ليسوا في المسيح : " لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم ، بل ليخلص به العالم . الذي يؤمن به لايدان ، والذي لايؤمن قد دين (بالفعل ) ، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد. وهذه هي الدينونة : أن النور قد جاء إلى العالم ، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة . لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور ، ولا يأتي إلى النور لئلا توبخ أعماله . وأما من يفعل الحق فيقبل إلى النور ، لكي تظهر أعماله بالله معمولة " . ( يو 3 : 17 - 21 )
2-القانون الذي يحتكم إليه ، بالدينونة 
 المرجعية القانونية ، التي نحن بصددها ، ليست هي الناموس ( القانون ) - بمفهومه العتيق - بل هي شخص المسيح ، الذي هو ، غاية الناموس . الخروج عن القانون - هنا - هو الخروج عن " شخص المسيح " . وليس لدينا أوضح من القاعدة الكتابية ، التي يسجلها الرسول بولس : " لاشيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع " .( رو 8 : 1 )
3- أهلية الحكم بالدينونة  
لكي يكون القاضي ، قاضيا حقيقيا ، لابد أن يكون مدركا لحدود وأطر القانون ، أي لابد له أن يكون مدركا لشروحات وفحوى تفاصيل القانون . هذا الإدراك يؤهله للحكم ، بالخروج عن القانون - اذا كان هناك خروج عن القانون في القضية المعروضة عليه - وبالتالي يستطيع ، وهو مرتاح الضمير ، أن يحكم بالإدانة . وأما عن القضية - التي نحن بصددها - فالقانون ليس مجرد " نص " ، يحتكم إليه ، بل هو شخص يتجاوز الزمان والمكان ( شخص المسيح ). حقا ، إننا- نحن المسيحيين - نمتلك تصوراتنا عن القانون (شخص المسيح ) ، ولكننا ، بالفعل لن نتجاسر على القول بأننا نتماهى مع القانون ولا نتجاسر على القول بأننا نمتلك حدود القانون وأطره ، وبالتالى لانتجاسر على القول ، بأننا نستطيع أن نحكم - على أحد بالخروج عن القانون . إننا الآن - في هذا العالم – لانتجاسر على القول بأننا قضاة ! .نحن المسيحيون مدعوون لأن نصير" قضاة "، ولكن ليس في هذا العالم ، بل حينما نتكمل ، ( في المسيح ) . فقط ، حينما نخرج من هذا العالم - ونصير أعضاء فيه - نستطيع أن ندين العالم ، لأن " القديسين سيدينون العالم " ( 1 كو 6 : 2 )

                         3-  مصطلح : " الأمم " 

أولا : مفهوم الخريطة الدينية 
 اسمحوا لي أن أنحت هذا المصطلح ، وإنني أرى أنه مهم جدا لفهم مصطلح " الأمم " . وما أعنيه ، بتلك " الخريطة " هو : علاقة الله بالشرائح المختلفة للبشر ، المعلنة في الكتاب المقدس ( بعهديه ) . ولهذه الخريطة وجهان : وجه ظاهري ، يبدو عنصريا ، فنرى " شعب الله المختار " ، الذي أعلن له الله ذاته ، من خلال " الناموس " ونرى أيضا - في نفس المشهد - الأمم ، المحكوم عليهم بالإقصاء من العلاقة نهائيا . ونرى أيضا وجها آخرا للخريطة ، يتكشف في مسار النعمة ، وهو وجه يمثل عدالة الله ، المستترة وراء ذلك المشهد ؛ فبينما يحدث ، التمرد والرفض ، داخل حظيرة الإيمان ، التي لشعب الله " المختار" ، نرى رعية يتم اجتلابها ، من الأمم ( المرفوضين والمدانين ، سابقا ) ، لتدخل إلى حظيرة الايمان .إذن ، هذا هو النموذج ( الخريطة ) : شعب مدعو للإيمان ( داخل الحظيرة ) ، شعوب مرفوضة ( في الخارج ) ، متمردون ( في الداخل ) و مستجلبون ( من الخارج  ). هكذا كان " اسرائيل القديم " ، الشعب المختار ، في مقابل " الأمم " ( الكلاب الضالة ، المدانة ، المحكوم عليها بالموت ، روحيا ) ، وبينما يتمرد ، ذلك " المختار" ! ، يقيم الله ، من أولئك " الكلاب " أمة " ، يغيظهم بها ، بقبولهم المسيح ، الذي هو: غاية الناموس ( التي لم يدركوها ). فى العهد الجديد ، يتجلى تطبيق نفس النموذج ، ويصبح التطبيق القديم ، مجرد رمز ، يتم امتلاؤه في التطبيق الجديد ؛ فالشعب " المختار" ، في العهد الجديد ( اسرائيل الجديد ) ، هو رافد الكنيسة ، التي قبلت دعوة الإنجيل ، في العالم كله . اسرائيل الجديد هو المدعوون مسيحيين ، هو رافد الكرازة الرسولية ، للعالم أجمع . وأما في الخارج ، فيوجد من هم يمثلون المفهوم الجديد للأمم ، هؤلاء هم المحكوم عليهم ( في هذا العالم ) ، بالسجن داخل ثقافات ومعتقدات مختلفة ، يكاد يكون من المستحيل اختراقها (عمليا وواقعيا ) بواسطة كرازة الانجيل ، وهم أيضا - وللأسف الشديد - محكوم عليهم من المسيحيين ، بالإقصاء خارج المسيح ، وفي وسط هذه المساحة ( الخارجية ) المترامية من الثقافات والمعتقدات - المغايرة للثقافة والمعتقد المسيحي - يوجد الكثير من البشر الذين قد هيأهم الله ، بالنعمة ليصيروا شركاء في المسيح ، عوضا عن ذلك ، المتمرد ، داخل اسرائيل الجديد ، عوضا عن " ابن الهلاك " . وفى صلاته الأخيرة ، يقدم الرب يسوع ، خريطة العهد الجديد ، في كامل وضوحها ، فيقول : " حين كنت معهم في العالم كنت أحفظهم في اسمك ، الذي أعطيتنى ، حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب …. ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط ، بل أيضا من أجل الذين يؤمنون بي بواسطة كلمتهم " ( يو 17 : 12 و 20  )
ثانيا : عدالة الله   
نحتاج إلى الاستنارة ، لكي نفهم النص الكتابي ., فيما يلي بعض النصوص ، ونسأل الرب أن ينيرها أمام أذهاننا :
- ( " ففتح بطرس فاه وقال : " بالحق أنا أجد أن الله لايقبل الوجوه . بل في " كل أمة " ، الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده . الكلمة ( اللوغوس ) التي أرسلها إلى بني اسرائيل يبشربالسلام بيسوع المسيح . هذا هو " رب الكل " " ) . ( أع 10 : 34 – 36 )
- ( " لأني لست أستحي بإنجيل المسيح ، لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن : " لليهودي أولا ثم لليوناني " . لأن فيه معلن بر الله بإيمان ، لإيمان ، كما هو مكتوب : " أما البار فبالإيمان يحيا " " ) .( رو 1 : 16  )
- ( أما الذين بصبر في العمل الصالح يطلبون المجد والكرامة والبقاء ، فبالحياة الأبدية . وأما الذين هم من أهل التحزب ، ولايطاوعون للحق بل يطاوعون للإثم ، فسخط وغضب ، شدة وضيق ، على كل نفس إنسان يفعل الشر : " اليهودي أولا ثم اليوناني " . ومجد وكرامة وسلام لكل من يفعل الصلاح : " اليهودي أولا ثم اليوناني ". لأن " ليس عند الله محاباة ) . ( رو 2 : 7 – 11)
- ( " لأن الكتاب يقول : " كل من يؤمن به لا يخزى " . لأنه لافرق بين " اليهودي واليوناني " . لأن " ربا واحدا للجميع " ، مغنيا لجميع الذين يدعون ( بضم الياء وتسكين الدال ) به . لأن " كل من يدعى باسم الرب يخلص" . فكيف يدعون بمن لم يؤمنوا به ؟ وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به ؟ وكيف يسمعون بلا كارز ؟ ." ) .( رو 10 : 11 - 14 )
  تعليق   
عبارة : " اليهودي أولا ثم اليوناني " ، هى إشارة لتتابع إدراك ووعي كنيسة العهد الجديد ؛ فاسرائيل الجديد ، الذي صارت إليه دعوة كرازة الإنجيل ، هو اليهودي ، الذي يجتاز الخبرة أولا ، في هذا العالم ؛ فيقبل - بما أتيح له من وعي - صورة الايمان ، بالمسيح ، وهو مدعو لتنامي هذه الصورة ، إلى الشركة الأبدية في كيان المسيح ( كرافد من روافد الكنيسة ) ، وبالطبع يتم رفض الدعوة من قبل ابن الهلاك . أما " اليوناني " ، فهو ذلك الرافد الآتى من " الأمم " ، غير المدعوين ، والذي سينفتح إدراكه - لحقيقة ذاته (ككنيسة ) - مؤخرا ، عندما يغادر هذا العالم .
آلية عدالة الله 
الله يتيح فرصة عادلة للجميع لكي يأتوا وينضموا إلى جسد ابنه . هذه الفرصة ليست متوقفة ، على مستوى الوعي والإدراك الثقافي - نوعا أو كما - ولكنها محكومة بالتهيئة الطبيعية ، التي تكرسها النعمة ، في الفرد الإنساني ، المعين- سابقا - للحياة الأبدية ، في المسيح يسوع ، ولذلك ، فإن المجهولين ، المغتربين - في الأمم - ماأن يتكملوا- باستثمار ناموسهم الطبيعى لحساب المسيح ، إلا ويقال لهم أن وجودهم هو مضمون وغاية الإنجيل ، الذي لم تتح لهم الفرصة لكي يؤمنوا به في هذا العالم  :
  -  " لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله ، بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون . لأنه " الأمم الذين ليس عندهم الناموس ، متى فعلوا بالطبيعة ماهو في الناموس ، فهؤلاء إذ ليس لهم الناموس هم ناموس لأنفسهم ، الذين يظهرون عمل الناموس مكتوبا في قلوبهم شاهدا أيضا ضميرهم وأفكارهم فيما بينها مشتكية أو محتجة ، في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب " انجيلى" بيسوع المسيح " ( رو2: 13-16)
- " فماذا ؟ إن كان الله ، وهو يريد أن يظهر غضبه ويبين قوته ، احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك . ولكي يبين غنى مجده على آنية رحمة قد سبق فأعدها للمجد ، التي أيضا دعانا نحن إياها ، ليس من اليهود فقط بل من " الأمم " أيضا . كما يقول في هوشع أيضا : " سأدعو الذي ليس شعبي شعبي ، والتي ليست محبوبة محبوبة . ويكون في الموضع الذي قيل لهم فيه : " لستم شعبي "، أنه هناك يدعون أبناء الله الحي " . وأشعياء يصرخ من جهة اسرائيل : " وإن كان عدد بني اسرائيل كرمل البحر ، " فالبقية " ستخلص . لأنه متمم أمر وقاض بالبر . لأن الرب يصنع أمرا مقضيا به على الأرض " . وكما سبق أشعياء فقال : " لولا أن رب الجنود أبقى لنا نسلا ، لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة " . ( رو 9 : 22 – 28 )
. اذن ، الناموس الطبيعي ( للمختارين من الأمم ) ، من الممكن أن يتطور - بالنعمة النابعة من الكلمة المتجسد - إلى ناموس المسيح ، بينما اختزال الناموس في صيغة المحتوى الشكلي والتصديق المعتقدي - للمدعوين " مسيحيين " ، فهذه هى حقيقة وواقع " ابن الهلاك " .

                            4-  مقاصة الإيمان 

اسمحوا لي أن أستخدم هذا التعبير ( التجارى ) ، الذي يبدو غريبا عن سياق حديثنا ، ولكنني أجده هاما للغوص في مفهوم " الإيمان " ، فعندما يقدم الرسول بولس - في ( عب : 11 ) - أعظم تنظير لمفهوم الإيمان ، فهو لايقدمه كمضمون لصورة ، ثابتة ، محددة ولكنه يقدمه " كمعالجة نعموية " ، لصور حياتية ، مختلفة عاشها رجال الله ، المؤمنون - كل في زمانه الخاص وفي " صورته " الخاصة ، وبالرغم من ذلك ، قال عنهم أنهم : ( " في الايمان مات هؤلاء أجمعون ، وهم لم ينالوا المواعيد ، بل من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها ، … ولكن الآن يبتغون وطنا أفضل ، أي سماويا . " لذلك " لايستحي " بهم الله أن يدعى إلههم ، لأنه أعد لهم مدينة " . " ). ( عب 11 : 13 - 16 )
. لذلك - وبصفة عامة - نجد الرسول بولس - حينما يتحدث عن المفهوم الشامل ، والعميق للإيمان ، الذي يتحقق به وجود الكنيسة ، بكل روافدها - فإنه يستخدم كلمات تشير إلى تلك المعالجة ، لصور إيمان عظماء الإيمان ، المختلفة ؛ فيستخدم فعلا مثل " يستحي " ، الذي ذكرناه في الاقتباس السابق . أيضا في مثل اخر ، يقول : " لأني لست " أستحي" بانجيل المسيح ، لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن : لليهودي أولا ثم لليوناني . لأن فيه معلن بر الله بإيمان ، لإيمان ، كما هو مكتوب : " أما البار فبالإيمان يحيا " .( رو 1 : 16 و 17 ) . وأيضا كما في : ( " لأنه لاق بذاك الذي من أجله " الكل " وبه " الكل "، وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد ، أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلآم . لأن المقدس والمقدسين "جميعهم " من واحد ، فلهذا السبب " لايستحي " أن يدعوهم إخوة ، قائلا : " أخبر باسمك إخوتي ، وفي وسط " الكنيسة " أسبحك "." ) . ( عب 2 : 10 - 12 ) . الاستحياء ( الخجل ) هو الشعور بعدم لياقة أمر ما . وعدم الاستحياء - الذي نحن بصدده - يعني أنه ليس من غير اللائق بالله أن يؤمن به البشر، منطلقين من صور شتى ، متعدده ولكنه يليق بالله أن يؤمن به الكل ، في الكنيسة . وحقيقة الأمر هي أن الاستحياء والخجل هو منظورنا ، نحن ، الذين نعتقد أنه لايليق أن يوجد في كنيسة الله أي روافد غيرنا . وأيضا ، هناك فعل آخر يستخدمه الرسول بولس ، يفيد مضمون إعادة التقييم والحساب ، الذي يكشف بعدا جديد للصورة ، لم يكن واضحا قبلا ، وهو فعل " الحسبة " ، فعل التقييم كما لو كنا نصنع " مقاصة " :
- ( " فإن الختان ينفع إن عملت بالناموس . ولكن إن كنت متعديا الناموس ، فقد صار ختانك غرلة ! إذا إن كان الأغرل يحفظ أحكام الناموس ، أفما " تحسب " غرلته ختانا ؟ وتكون الغرلة التي من الطبيعة ، وهي تكمل الناموس ، تدينك أنت الذي في الكتاب والختان تتعدى الناموس ؟ لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهوديا ، ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختانا ، بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي ، وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان ، الذي مدحه ليس من الناس بل من الله " ) . ( رو 2 : 25 – 29 )
- ابراهيم ، أبو الآباء : ( " آمن بالله " فحسب " له برا " ) . ( غل 3 : 6 ) .
- " ولكن لم يكتب من أجله وحده أنه "حسب " له ، بل من أجلنا نحن أيضا ، الذين "سيحسب " لنا ، الذين نؤمن بمن أقام يسوع ربنا من الأموات . الذي أسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا ". ( رو 4 : 23 - 25 ) . - " بالإيمان قدم ابراهيم اسحاق وهو مجرب . …إذ "حسب " أن الله قادر على " الإقامة من الأموات " .( عب 11 : 17 - 19 )
-  " بالإيمان سارة نفسها أيضا أخذت قدرة على إنشاء نسل ، وبعد وقت السن ولدت ، إذ " حسبت " الذي وعد صادقا " . ( عب 11 : 11 (
- " بالإيمان موسى لما كبر أبى أن يدعى ابن ابنة فرعون ، مفضلا بالأحرى أن يذل مع شعب الله .. " حاسبا عار المسيح " غنى أعظم من خزائن مصر ، لأنه كان ينظر إلى المجازاة . " ). ( عب 11 : 24 – 26)
.  كل شخص من عظماء الايمان ، المذكورين في " عب11 " قد عاش خبرة خاصة به ، عاش صورة معينة ، ولكن الجميع قد اتفقوا فى شيء واحد ، هو أنهم كانوا ينظرون إلى مابعد الصورة ؛ فإن اختلف الجميع في تفاصيل و أحداث صور الإيمان ، فقد اتحد الجميع في تأويل فحوى وجوهر كل الصور ، أي شخص المسيح . الايمان ليس صورة محددة ولكنه " تجاوز وتخطي كل الصور" . تشييء الإيمان في صورة محددة هو تفريغ للإيمان من مضمونه . الصورة هي الخبرة البشرية - الأولى - بالله ، والتي - من المفترض -أن تخضع لتجاوز النعمة ، في طريق الشركة ، في المسيح . وبالنسبة لنا ، نحن المسيحيين فإن فهمنا لكلمات الانجيل ، واستيعابها ذهنيا ، هو مجرد صورة ، والنقطة الحاكمة هي جوهر تلك الكلمات ( شخص المسيح ) ، وليس مجرد الصورة الذهنية التي ترسمت في أذهاننا عن المسيح . ومن المنظور العام والشامل فإن الصورة الاستاتيكية ( الثابتة ، الساكنة ) ليست هي طبيعة الإيمان بل إن ديناميكية تجاوز هذه الصورة - أيا كانت ( عقيدة أو ثقافة ) - في اتجاه المسيح هي جوهر حركة الإيمان ، وهذا يقودنا إلى القول بأن كل الصور هي " متكافئة " وليس هناك أي أفضلية - لصورة على أخرى - بالنسبة إلى الجوهر النهائي ، المحقق من خلال تجاوز كل الصور ( شخص المسيح الممتلئ بالكنيسة ). أينما تتجه عيناك - في الكون - فالمفترض أنهما تتجهان صوب المسيح ، الكلمة الحال في الكل . القضية الأساسية هي قدرتك على البصر ، تلك القدرة التي تنطلق من حالة العمى ! ؛ فالكل عميان ، يبدأون رحلة الايمان ، فتنفتح أعينهم في المسيح ، ليدركوا - حينئذ - مدى فشل وانهيار " الصورة " الأولى ، أيا كانت . والأمر أشبه بأن تضع عدة صور أمام عدد مماثل من العميان ، واتركهم يتخيلون - كل بطريقته - ماعسى أن تكون تلك الصور ، وتخيل حكمهم على تلك الصور - في حالة افتراضنا بأنهم جميعا قد أبصروا . الإجابة الوحيدة الصحيحة هي أن الكل ، وان كان قد اختلفت الصور الموضوعة أمامهم ، إلا أنهم جميعا قد اتفقوا على حكم واحد بخصوص جميع الصور الذهنية التى كونوها ، وهذا الحكم هو أن كل هذه الصور ، في حد ذاتها ، ليست الحقيقة . كل الصور هى متكافئة - إيجابيا - من منظور قابليتها لاختراق النعمة ، وتجاوزها ، الذي يصب في المسيح . وكل الصورهى متكافئة - سلبيا - من منظور تركها والتخلي عنها ، في المسيح . صورة إيماننا - نحن المسيحيين - هي صورة متكافئة مع كل الصور ، الاستاتيكية الأخرى - من حيث كونها لاتمتلك القوة الذاتية للوصول إلى الأصل - مالم يتم إخضاعها وتجاوزها بالنعمة ؛ فنحن نقبل الإنجيل ، كلمة الله المكتوبة ، بعقولنا الطبيعية ، ولكن اشتراكنا في " الكلمة الشخص" لم يتكمل ، بعد . ونحن ندخل الكنيسة ( المبنى ) ، ولكن دخولنا إلى " الكنيسة ، جسد المسيح "، لم يتكمل ، بعد . نحن نؤدي الطقوس الأرثوذكسية ، ولكننا لم نتحرر إلى طقس السماء ، بعد . نحن نعيش المنظور ولكننا لم نعش غير المنظور ، بعد .   اختزال القضية - في مجرد التعاطي مع الصورة الاستاتيكية - هو الإقصاء الأبدي عن المسيح .الفرق الأساسى بين تعاطي النعمة - مع صورتنا - وتعاطيها مع صورة " الآخر" ( غير المسيحي ) هي في " آلية التجاوز " ؛ فبينما يتم ذلك - بالنسبة لنا - بطريقة كمية ، تراكمية ، يتم - بالنسبة للآخر - بطريقة نوعية ، دراماتيكية . بالنسبة لنا ، يتطور مستوى وعينا تدريجيا ، فيتنامى إدراكنا لكياننا ، ككنيسة . وبالنسبة للآخر ، تنفتح عيناه بطريقة مفاجئة ، ليجد نفسه في المسيح ، بالمسيح . بالنسبة لنا ، يجب أن يوضع " الطين " - الذي صنعه يسوع - على أعيننا ، ثم يجب أن نجتاز الطريق إلى سلوام ، ثم يجب أن نغتسل ، وفى نهاية الطريق ( التراكمي ) ، نعود مبصرين ، وبالنسبة للآخر يكفي أن يقول له يسوع : " اذهب . إيمانك قد شفاك " فللوقت يبصر ويتبع يسوع في الطريق " . ( مر 10 : 52 ).  التنامي االتدريجي لوعينا ( نحن المسيحيين ) ، بالمسيح ، لايفرض على المسيح تطبيق نفس الأسلوب مع الآخر ؛ فهو قادر أن يعطي الآخر ، الحد الأقصى للوعي ، الذي لم نستطع ، نحن الوصول إليه ، إلا تدريجيا .
الخلاصة : آلية التجاوز والتخطي - لكل الصور - الحادثة بالنعمة - هي رمانة ميزان عدالة الله ، بخصوص الفرصة المتكافئة للكل ، وهي أساس " مقاصة الإيمان " ، التي تزن وتحسب ماتستحقه صور الوعي البشري المختارة لأن تشترك في المسيح .

              5-  السرالكنسي وعلاقته بالآخر ( غير المسيحي )

والآن لنا سؤال كاشف : هل يجوز لنا أن نعتقد بأن قدرة سر المسيح ، مغلولة بسقف وعينا وإدراكنا به ؟ .هل يحدد مستوى الوعي - بسر المسيح - مدى استحقاق هذا السر في البشر ؟ أم أن سر المسيح ( الكلمة المتجسد في البشر ) هو الاختراق الأعظم في الخليقة ، الذي لايمكن أن يحتكره ، مجرد الوعي به والإدراك له من قبل شريحة معينة ، من البشر ، . وبالتالي فان تلك القدرة تتخطى - بطريقة مطلقة - أي مستوى من مستويات الوعي والإدراك البشري ؟.نحن المسيحيون ، ونحن ننطلق إلى الشركة في سر المسيح ، إنما ننطلق من مستوى وعي نسبي ، يميزنا عن الآخر- الذي بلا وعي ولا إدراك ، لذلك السر- ولكن يظل هذا المستوى ، من الوعي - واقعيا - جهالة ، ويبقى مجرد منطلق وبداية لحركة السر ، وليس كمالا للسر .نحن ننطلق من صورة ذاتنا ، من صورة أنانيتنا ونرجسيتنا ، نحو ذات بديلة ، هي شخص المسيح .و طقس السر الكنسي هو صورة وعينا النسبي ، بذاتنا وبسر المسيح ، تلك الصورة التي نتجاوزها ، في ديناميكية " الرمز" التي تصب في المسيح .. نحن نعي وندرك صورة خلقتنا وولادتنا من العدم - واصطباغنا بصبغة الوجود - حينما ننطلق من طقس المعمودية .وغاية المعمودية هي أن نصطبغ بالمسيح ( قد لبستم المسيح . غل3 :27 ) . فهل مازلنا نعتقد بأن المعمودية هي فقط مجرد صورة التغطيس ( في الماء المقدس ).؟. نحن نعي وندرك صورة هشاشة وجودنا وعدم ثباته ، حينما ننطلق من طقس المسحة (التثبيت  )، وغاية المسحة هي أن يصير وجودنا - في المسيح - هيكلا أبديا للروح القدس . فهل مازلنا نعتقد بأن سرالمسحة هو مجرد ، صورة مسحة الزيت المقدس ؟.. نحن نعي وندرك صورة تشرذمنا وتفرقنا ، حينما ننطلق من طقس كسر الخبز ( الإفخارستيا  )وغاية الإفخارستيا هي أن نصير شركاء في جسد المسيح . فهل مازلنا نعتقد بأن الإفخارستيا هي مجرد صورة الأكل للخبز المقدس ؟.   إذن صورة السر (الطقس ) هى مجرد منطلق لحركة الرمز - الذي يكشفه ويملأه السر - نحو جوهر السر ، شخص المسيح ذاته . وأما نظرة التماهي بين الصورة والجوهر، والتغاضي عن حركة الرمز- التي هي بمثابة رحلة النعمة الفاصلة بينهما - فهي التي تدمر مفهوم السر ، وتعيده إلى الممارسات الفريسية العتيقة ، وربما تعيده إلى الوثنية !.. نحن المسيحيون ، حينما نمارس السر الكنسي فنحن نعيش المسيح ، ولسنا نعيش صورة السر ( طقس السر ) . المسيح شخص حي وليس صورة طقسية . المسيح واحد يجمع الكل . وصور السر الكنسي متعددة ، ولكن كل منها ، على حدة يهدف إلى الشركة في المسيح الواحد .والآن نستطيع أن نقول بأن طقس السر ليس هو النقطة الحاكمة ، وليس هو المعيار الذي يحتكم إليه في دينونة الآخر ، بل إن المعيار هو جوهر السر ، شخص المسيح ذاته ، ذلك الشخص الذي ، من المستحيل أن يكون الطريق إليه ، غيرمنطلق إلا من صورتنا ، نحن ، فقط .صورة السر ( العلامة ) هي صورتنا نحن ، ننطلق منها لنتجاوزها إلى الشخص ، وأما الآخر ، غير المسيحي ، فالكلمة المتجسد ، له القدرة أن يأتي به محققا سره فيه؛ فيلبسه ذاته ، صابغا إياه بصبغة الحياة ، دون احتياج لصورة طقس المعمودية ، كما نختبره نحن ..  وجاعلا إياه هيكلا للروح القدس ، دون احتياج لصورة طقس مسحة الزيت ، كما نختبره نحن .  . مصيرا إياه شريكا في جسده ، دون احتياج لصورة طقس كسر الخبز ، كما نختبره نحن .
 خلاصة     
 إذا كان سر المسيح هو مجرد طقس ( صورة ) فإنه يجوز لنا - بضمير مستريح - أن نكون قضاة وأن نحكم بالهلاك الأبدي على الآخر ( الذي بلا طقس ) ، ويجوز لنا أيضا أن نطرده من الشركة في المسيح . ولكن إذا كان سر المسيح هو شخص المسيح ، ذاته ، فإنه يجب علينا أن نعتقد بأنه يليق بذلك الشخص أن يكون قادرا على تكميل كيانه ، برافد يجتلبه من ذلك الآخر ، أيا كان طقسه ( صورته ).. باختصار شديد ، وصادم ، نستطيع أن نقول بأن القناعة بتماهي السر الكنسي مع علامته الظاهرة ، لدى نفر من المسيحيين ، يجعلهم معتقدين باحتكارهم لشخص المسيح .

                             6-   مصطلح " الكرازة "

في سياق تنظير الرسول بولس - بالروح - لمصطلح " الكرازة "، نجده يقدم تعبيرا عجيبا ومدهشا هو "جهالة الكرازة " : " لأنه إذا كان العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة ، استحسن الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة ." ( 1كو1 : 21 ).. لغويا ، مفردة " الجهالة " ، الواردة هنا ، ( في الأصل اليوناني ) لاتعني عدم المعرفة ، بل تعني عدم فاعلية (عدم صلاحية ) المعرفة ، المتاحة ، ويستخدم الرسول بولس - في نفس السياق - مفردة مقابلة ، في المعنى هى مفردة " الحكمة " . والحكمة ليست هي المعرفة ، بل هي قوة وفاعلية وجوهرالمعرفة ، . ولعل أفضل مثل على هذه المقابلة ، الكاشفة هو هذه الآية : " فإن كلمة الصليب عند الهالكين "جهالة "، وأما عندنا نحن المخلصين فهي " قوة الله "، لأنه مكتوب : " سأبيد حكمة الحكماء ، وأرفض فهم الفهماء ". ( 1كو1: 18و19 ). الجهالة هي البطلان ، هي التحييد ، هي الصورة الميتة ، لشي  )، الحكمة ، في النهاية ، هي شخص الكلمة . ء موجود ، ولعل أعجب مثل نضربه ، من الكتاب - وقد ورد فيه الفعل الأصلي الذي اشتق منه ، اسم " الجهالة " - هو : " أنتم ملح الأرض ، ولكن إن " فسد " الملح فبماذا يملح ؟ لايصلح بعد لشئ ، الا لأن يطرح خارجا ويداس من الناس . " ( مت 5 : 13 ) . هنا قد أتى مفهوم الفساد وعدم الصلاحية ، كترجمة لمفردة " الجهالة ". . جهالة الكرازة تعني تحييد الكرازة - من منظور قوتها الذاتية - في تحقيق هدفها في العالم . الكرازة تقدم صورة المسيح للعالم ولكن جوهر الكرازة هو شخص المسيح الحي وليس صورة المسيح . القوة الفاعلة - في مسار حركة الكرازة - هي شخص يحقق وجود ذاته ، الممتلئة بالكنيسة. فالفعل الكرازي يتم بقوة تتخطى مجرد الكرازة ، حتى لايكون لأحد فخر : " فانظروا دعوتكم أيها الإخوة ، أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد ، ليس كثيرون أقوياء ، ليس كثيرون شرفاء ، بل اختار الله جهال العالم ليخزى الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزى الأقوياء . واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود ، لكي لايفتخر كل ذي جسد أمامه . ومنه أنتم بالمسيح يسوع ، الذي صار لنا جكمة من الله وبرا وقداسة وفداء . حتى كما هو مكتوب : " من افتخر فليفتخر بالرب " .( 1كو : 26 - 31 ) .- " وأنا كنت عندكم في ضعف ، وخوف ، ورعدة كثيرة . وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الانسانية المقنع ، بل ببرهان الروح والقوة . لكي لايكون إيمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله ". ( 1كو 2 : 3- 5  ). إن الانجيل - الذي تستهدف حركة الكرازة توصيله للمدعوين- ليس مجرد رسالة مكتوبة ، بل هو مجد المسيح ذاته الذي يحققه المسيح بذاته ، وأما الكلمة المكتوبة ، العارية من جوهرها الشخصي ( المسيح) ، فهي " الانجيل المكتوم " ، الذي لايحمل أي قوة ذاتية في مسار الفعل الكرازي : " ولكن إن كان إنجيلنا مكتوما . فإنما هو مكتوم في الهالكين ، الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين ، لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح ، الذي هو صورة الله . فاننا لسنا نكرز بأنفسنا ، بل بالمسيح يسوع ربا ، ولكن بأنفسنا عبيدا لكم من أجل يسوع . لأن الله الذي قال : " أن يشرق نور من ظلمة " ، هو الذي أشرق في قلوبنا ، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح " ( 2كو 4 : 3 - 6  ). ولكن ربما يسأل سائل - ومعه كل الحق - قائلا : إذا كان تبليغ دعوة الإنجيل ليس هو النقطة الحاسمة بل إن النقطة الحاسمة هي عمل إلهي فوقي يتخطى ظاهر الكرازة ، وهو قادر بأن يأتي بآخرين لم تصلهم الرسالة ، فماجدوى تدبير التجسد والخلاص ، إذن ؟ والإجابة ببساطة هي أن الفعل الكرازي قد أخذ كل زخمه وكل ملئه وكل قوته وفعله ، من استحقاق قوة وفعل التجسد ؛ فالمسيح الكلمة المتجسد هو الكارز بذاته ، من أجل أن يمد ذاته في كنيسته ، وإن كان قد أتاح لرافد من روافد كنيسته - الذي هو نحن - بأن يتمتع بقدر من الوعي النسبي بفحوى دعوة الإنجيل ، فهذا لا يلغي قدرته على امتداد جسده في " خراف أخر ليست من هذه الحظيرة " ( يو10 : 16 )

                                  خلاصة عامة

من أجل الوصول إلى إجابة صحيحة على سؤال " هل يخلص غير المسيحي ؟ " علينا أن نجيب على عدة أسئلة جزئية ، تشكل الإجابة عليها محاور إجابة السؤال المطروح :
 -إذا كان الانتماء إلى المسيح هو الشركة والعضوية فيه ، الأمر الحادث للكنيسة بالنعمة ، كرد فعل واستحقاق لانتماء الكلمة إلى البشر بالتجسد ، فهل نستطيع أن ندعي ، وننادي باحتكارنا ، وحدنا ، نحن أبناء دعوة الإنجيل - بسبب وعينا النسبي بأنفسنا ، ككنيسة - لرد الفعل الوحيد الممكن للبشر من نحو تجسد الكلمة ، في البشر ؟
 -إذا كان القديسون سيدينون العالم بإظهارهم وفضحهم للأشرار الخارجين عن الشركة معهم في المسيح ، فهل يستطيع المسيحيون ، الآن ، في هذا العالم - وهم لم يغادروا ، بعد ، إلى الجسد الواحد الذي يجمعهم والذي يعرف كل عضو فيه باقي الأعضاء - أن يدينوا ويحكموا على أي أحد - مهما كانت ديانته أو ثقافته - بالإقصاء عن المسيح ؟
- إذا كان الله قد افتقد الأمم الخارجين عن حظيرة شعب الله المختار ، كنيسة العهد القديم ، بطريقة غير مدركة وغير متوقعة وغير مرغوب فيها أو مقبولة ، من قبل الشعب القديم ، فهل يعجز الله عن افتقاد " أمم العصر المسيحي " ( إن جاز التعبير ) ، الذين لم تصلهم كرازة الإنجيل ، بطريقة وبتدبير لانستطيع إدراكه أو الوعي به بل نرفضه تماما ،كشعب مختار ؟
-  إذا كان الله قد جعل نصيبا ، في ابنه المتجسد ، للقدماء الراقدين وكانت صور إيمانهم المختلفة ولوجا نعمويا نحو المسيح الآتي ، وإذا كان الله بتجسد ابنه قد فتح الطريق للمدعوين مسيحيين أن ينطلقوا من صورة إيمانهم الآنية نحو الولوج إلى المسيح حيث مالم تره عين ، حيث ماهو ليس صورة ، أفليس هو قادر على أن يجعل نصيبا - في ابنه - لنفر معين ومختار من ضمن أولئك الجهلاء المتغربين في ثقافات مختلفة، دون ذنب لهم ؟
-  إذا كان السر الكنسي هو تحقق وجود الكنيسة بتموقعها في المسيح ، انطلاقا من صورة وجودها الآني - انطلاقا من مؤسسيتها ، انطلاقا من طقسها وطقوسيتها ، انطلاقا من ليتورجيتها ، انطلاقا من علامتها الظاهرة ، انطلاقا من صورة وعيها النسبي بشخص المسيح - فهل يعجز المسيح عن اجتذاب أقوام آخرين من صور وعي مختلفة ، نحو التموقع في شخصه والعضوية فيه ؟
-  إذا كان الفعل الكرازي وتوصيل الإنجيل إلى المدعوين هو فعل وقوة شخص المسيح ، ذاته ، الذي يمتد في العالم محققا وجود الكنيسة ومستوعبا إياها في ذاته ،وليست القوة الذاتية للكرازة أو للرسل ، فهل يعجز ذاك عن الوصول إلى الآخر المغاير لنا ، الذي " بلا كارز " ، واجتذابه إلى ذاته وإلحاقه بنا نحن الذين وصلت إلينا دعوة الكرازة الرسولية ؟
  المرجع
. " هل يخلص غير المسيحي ؟ : نص وتعليقات " - المطران جورج خضر وتعليق مجدي داود - pdf ، منشور بباب اللاهوتيات ، موقع : coptology ، بتاريخ 25- 9 - 2009 .
    تنويه
ترجع بداية القصة بمقال للمطران جورج خضر تم نشره على مدونة " مساحة حرة " الملحقة بالموقع السابق ذكره ، بتاريخ : 6-11-2008 . وهي منقولة عن جريدة النهار ( 22-6- 2002) ، وقد قامت شبكتكم بنقلها عن موقع الكوبتولوجي .تحمست للطرح الذي يثيره سؤال نيافة المطران المبجل ، وقمت منذ ذلك الحين بنشر سلسلة من التعليقات الممنهجة على المقالة ، تحت اسم " m-david ".وقد لاقت التعليقات نعمة في أعين مديري الموقع وعلى رأسهم الدكتور جورج حبيب ، وسمحوا بطباعة جميع المقالات ، مصحوبة بتعليق محترم للدكتور جورج حبيب ، وهذا هو المرجع المذكور عاليه .
مجدي داود

هناك تعليق واحد:

mike يقول...

مجهود يذكر فيشكر :)